عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد يوب - المغرب

قراءة في قصص محمد التناني


القصة القصيرة بالأبيض والأسود: قراءة في المجموعة القصصية "عندما يزهر اليأس" للأديب المغربي الرائد محمد القطيب التناني

محمد يوبهناك شكوى شاعت في الأوساط الثقافية إن هناك تقصيرا من النقاد في حق كثير من الأدباء الذين غيبهم الإهمال، والاهتمام بأصوات رديئة تشتري الاحتفاءات والتكريمات. ولكي نعطي لهذه الأقلام الجادة حقها نحتفي بأديب كبير من الرعيل الأول الذين كتبوا في القصة القصيرة منذ بداية الخمسينيات: الأديب محمد القطيب التناني ومجموعته القصصية "عندما يزهر اليأس" عن مطبعة النجاح.

هذه المجموعة القصصية من "البلزات القصصية" التي حفرت عميقا في المجتمع المغربي وعبرت عنه أدبا. إنها مجموعة قصصية بالأبيض والأسود، خالية من الألوان الزائفة والمظاهر البراقة، تغرف أحداثها من الواقع المغربي المعيش، وترسخ وتدافع عن القيم الأخلاقية والدينية والوطنية والقومية العربية.

وتؤرخ المجموعة القصصية من جهة لمرحلة حساسة من تاريخ المغرب (1956-1968)، وتؤسس من جهة أخرى للكتابة القصصية لمغرب ما بعد الاستقلال، فهي تؤدي معنى القصة التي تعني في أبسط معانيها التتبع (قص، أي تتبع). لكن التتبع لا يعني التتبع الحرفي والآلي الذي يقوم بدور المرآة التي تعكس مظهر الواقع، وإنما تعكس جوهر الواقع بأن تضفي عليه ما سماه جاكبسون بأدبية العمل الأدبي، وهي التي أسميها القصصية، أي ما يجعل من القصة القصيرة قصة.

يعالج الأديب التناني مواضيع غارقة في الواقعية كقصة "المتسولة"؛ ومرة يتابع أحداث وطنية "وأخيرا مات شهيدا"؛ ومرة يخرج بعدسته من أرض الوطن ليعالج قضايا عربية وإنسانية مثل "سارة والعودة إلى فلسطين".

القصة عند الأديب محمد القطيب التناني تنمو وتتحرك بتحرك الأحداث، حيث إن القاص يلتقطها في زمن الوقائع ليعيد كتابتها في زمن القص أو زمن الكتابة، ففي هذا الزمن يتعطل زمن الوقائع لكي يفسح المجال واسعا لزمن الخطاب الذي تنشط فيه الشخصيات، حيث إنها لم تعد الشخصية/الشخص من لحم ودم وإنما تصبح شخصية ورقية تتلاءم وسيرورة/صيرورة الأحداث.

إنها تتلاءم مع الدور المنوط بها باعتبارها تقوم بدور الممثل الذي لا ينظر إلى شخصه وإنما ينظر إلى الوظيفة التي يقوم بها، فالسارد يتتبع تفاصيل الأحداث الوطنية من خلال شخصية عبد الجبار، الرجل المسن الذي يستمع إلى مجريات الأحداث الوطنية عبر المذياع (ص9).

كما أن المجموعة القصصية تنهض وتنمو على مستوى اللغة، حيث إن القارئ يشعر بحركية اللغة وديناميتها، مما يساعد على إحياء القصة ونموها، فاللفظة الواحدة تتحرك لتبحث عن التركيب المناسب، والتركيب يتحرك ليبحث عن التعبير المناسب والتعبير يتحرك ليبحث عن الدلالة.

وهكذا تتعدد الدلالات بتعدد القراءات، لأن الخطاب القصصي يتحرك من السارد إلى المتلقي، وبين السارد والمتلقي هناك مضمرات نصية وتناصية وتخطابية ودلالية.

=1= المضمرات النصية: توزيع سواد الكتابة على بياض الصفحة وبين السواد والبياض. هناك تختفي المضمرات.

=2= المضمرات التناصية: تظهر من خلال تناص القاص مع مخزونه القرائي (القرآن-التراث العربي)ن وتناصه مع المخزون القرائي لدى المتلقي. وفي المضمرات التناصية تلتقي رؤية القاص/السارد مع رؤية المتلقي/القارئ.

=3= المضمرات التخطابية: حيث اللغة تكون ذات صلة باليومي المعيش وأقرب إلى ذائقة المتلقي. وبهذا المعنى، يتقاطع السانكروني بالدياكروني. وتتقاطع بنية اللغة في حركيتها وديناميتها مع واقع الأحداث، وفي نقطة التقاطع تكمن القصة. ولهذا السبب يمكننا أن نزكي مصطلح "البلزة القصصية"، حيث يصعب تقعيد القصة القصيرة أو القبض عليها، لأنها خارجة عن حدود التجنيس، فهي تتقاطع مع التاريخ ومع الأنثروبولوجيا ومع المسرحية ومع السينما.

=4= المضمرات التدلالية: وفي هذه المضمرات تتعدد دلالات اللفظة الواحدة وتنزاح إلى معان متعددة تفهم في سياق النص وليس خارجه.

وهكذا تصبح اللغة أكثر حركية بالرغم من بساطتها، ففي البساطة يكمن جمال السرد القصصي: "لقد ألقى المكافحون قنبلة على الأعداء ... ثم يسمع دوي الرصاص وصفارات الإنذار، ويدنو رويدا من الباب ومسدسه في يده، إن الأعداء أصبحوا منه أقرب من ذي قبل" (ص 15). فالمقطع كما نرى فيه حركية اللغة، وحركية المشهد السينمائي، ونقاط الحذف (...) التي أدت ما يسمى ببلاغة البياض التي يملأها القارئ بما يناسب من دلالات.

وفي النهاية، تبقى المجموعة القصصية "عندما يزهر اليأس" سجلا واضحا لمرحلة من مراحل التأسيس للقصة المغربية المعاصرة. ويعتبر الأديب محمد القطيب التناني رائدا من رواء القصة القصيرة بالمغرب، وقد استطاع طرق باب هذا الجنس الأدبي منذ بداية الخمسينيات بالرغم من إكراهات اللحظة، وظروف العصر. كما يمكن اعتباره فلتة من فلتات زمانه. ترى هل أوفيناه وأوفينا رواد القصة القصيرة حقهم؟

D 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2012     A محمد يوب     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

  • شكرا للأديب محمد يوب، شكرا لنبضك الحقيقي ونضالك. شكرا إذ تميطون اللثام عن قامة لها دورها في تفعيل الثقافي وفي التربية والتعليم أيضا منذ بدء الستينات؛ قامة تنكرت لها المؤسسات الثقافية كما تنكرت للفيلسوف محمد عزيز لحبابي ولعالم المستقبليات الدكتور المهدي المنجرة الذي هو الآن لا نعلم عنه شيئا. تسدل المؤسسات الثقافية الستار عليه بينما أعماله تترجم إلى اللغات الحية، كما أن ألمانيا تترجم أعمال الفيلسوف محمد عزيز لحبابي اليوم وتستعيده فيلسوفا وأديبا كبيرا شاعرا وروائيا. هذه أمتنا يا محمد وهذه مؤسساتنا التي لا تذكر إلا أهلها وحاشيتها، ونحن نقف موتى. تحيتي لك إذ تقفز خارج الأسوار المظلمة.


في العدد نفسه

تهنئة بعيد الأضحى

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 77: الديموقراطية وفرضها بالقوة

كتاب: المناهج التربوية بين الأصالة والمعاصرة

آسيا جبار: سردية القصة والفيلم

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  قضايا وشخصيات يهودية

2.  الأدب الجزائري القديم ج2

3.  قصتان: مهذب ومتسخ + لماذا لا يرتاح؟

4.  شتاء، بحر وأشياء أخرى

5.  الْعَنَاصِرُ الدِّرَامِيةُ وتَشَكُلاتِها الفَنِّيَة

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox