عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

رشيد فيلالي - الجزائر

العلاقة بين الخط والشخصية


رشيد فيلاليتعود الرغبة لفك المعاني الخفية لطريقة الكتابة إلى عشرات السنين الماضية، لكن بدءا من القرن التاسع عشر تحولت هذه الرغبة إلى مجال للتطبيق والممارسة، ومع مرور الوقت واكتساب التجربة والقدرة على المقارنة والتحليل والتأمل والمطابقة بين الخطوط المختلفة تم الآن للمختصين في هذا المجال وضع قواعد متينة ومشتركة الاستعمال بين مجموع دارسي الخطوط، وهي من ثمة مرجع لهم يسترشدون به في عملهم.

ويؤكد دارسو الخطوط على غرار الفرنسي Jean Hippolyte Michon الذي أبدع مصطلح la graphologie بين عام 1868 و1870 وتلاميذه من بعده، على أننا عندما نترك القلم ينساب على وجه الورقة راسما كلمات هي في الحقيقة ليست فقط مجرد إشارات وعلامات تحمل معنى، فنحن ضمن هذا الفعل الذي يتجلى لنا عاديا وبسيطا نكشف أيضا الغطاء عن جزء هام مخفي في أنفسنا، فالكتابة على هذا الأساس يمكنها أن تعكس وتعبر وتنقل كل ما تحتويه شخصيتنا من أسرار دفينة في اللاوعي و عيوب وأمراض وملامح نفسية.

بناء على ذلك، فإن دراسة الخط باتت في الوقت الراهن وسيلة من وسائل التشخيص المطلوبة والملائمة نسبيا لسبر أغوار الطبيعة البشرية واحتمالات انحرافها، فالكتابة انطلاقا من هذا المعطى تخون لا إراديا صاحبها الذي في إمكانه ضمن اللغة الشفوية أن يخدع ويعدل آو حتى يخفي معطيات هامة عن شخصيته. وفي تصور دارسي الخطوط المتمرسين أنهم قادرون على فك شخصية أي إنسان من خلال كتابته ونوعية خطه، فيحددون بالتالي ما إذا كان ذكرا آم أنثى، وصنف ذكائه وجوانب ضعفه وتطلعاته وصلته بالعالم الخارجي وموقفه من الآخرين )متسلط منطوي اجتماعي، إلى آخره(، وصحته العامة واهتماماته الجمالية، وكل الهوية السيكولوجية للفرد .

ورغم قدم دراسة الخط ومعرفة شخصية صاحبه، إلا أن جذورها وأسسها لم ترسخ كعلم "رسمي" بعد، أن لدراسة الخط مدارس تكوين (تدريب) وجمعيات في بلجيكا وفرنسا، حيث يعتبر إحدى وسائل تقييم المنتسبين إلى الوظائف(.

وضمن السياق نفسه، من الوهم والكذب على الذات ادعاء القدرة على قراءة الخط ودراسته دراسة دقيقة وصحيحة قبل تجربة طويلة قد تصل إلى خمس أو حتى عشر سنوات من العمل المتواصل. وحاليا يعتمد خبراء قراءة الخط ودراسته على سبعة عناصر أساسية وهي الكتابة في فضاء الورقة، البعد، الاتجاه، الضغط، السرعة، اختيار أداة الكتابة و التوقيع.

من خلال العنصر الأول يحاولون معرفة كيف يتنقل الكاتب وهو في مواجهة الورقة البيضاء: هل يملؤها كلية؟ هل يترك فراغات؟ هل يكتب في وسطها أو على إحدى جوانبها في العلو أم في الأسفل؟ كل هذا يعطي معلومات عن الوضعية التي يكون عليها الكاتب مقارنة بمحيطه إذ أن الكاتب هو نفسه في مواجهة بعده الشخصي وكذا العالم الذي يعيش في وسطه.

أما العنصر الثاني المتعلق بالبعد فهو يعكس صورة الذات مقارنة بالعالم الخارجي، فكلما كانت الكتابة كبيرة الحجم كلما كان الكاتب صاحب رغبة في جلب الانتباه وعموما، يرغب في احتلال الموقع الأول. يصغي ويرى. وهو في الغالب نرجسي. وعلى العكس كلما كانت الكتابة صغيرة كلما كان الكاتب مركزا طاقته نحو أهداف ذات طابع فكري.

وإذا نظرنا إلى العنصر الثالث نجد أن اتجاه الكتابة هو طريقتنا في الاتجاه إلى الآخرين، فالكتابة المستقيمة تدل على أننا مسيطرون على أنفسنا وأننا نتريث في خطواتنا التي تحملنا إلى أهدافنا بشكل أكثر عفوية.

وبالنسبة للعنصر الرابع وهو الضغط فإن هذا يدل على كثافة محفزاتنا وحيويتنا، والكتابة المضغوطة جدا تعني ضغطا داخليا بدنيا أو نفسيا، ونوعا من العناد، بينما الكتابة الخفيفة تعكس رقة متناهية وقابلية كبيرة للتأثر. إنها شهادة على أن صاحبها يملك الحدس والحيوية.

والعنصر الخامس هو السرعة، التي تكشف عن ردود أفعالنا بشكل عام. فالكتابة البطيئة توحي بأن صاحبها ذو شخصية مفكرة معتدلة وحتى مترددة. أما الكتابة السريعة فهي قد توحي بأن صاحبها قليل الصبر وطائش.

والعنصر السادس هو اختيار أداة الكتابة، وهي في الواقع شيء مهم، فالكتابة بالأسود والأزرق الفاتح بواسطة سيالة أو ريشة مدببة تكشف عن سلوكنا وما نشعر به، إنها العلاقة العاطفية الحسية بالأشياء والعالم وللون مثلما هو معروف مدلولاته وحمولاته الرمزية.

وفي الأخير نصل إلى العنصر السابع وهو التوقيع. إنه ذلك "اللوغو" الذي اخترناه كهوية لشخصيتنا. وفي الغالب نختار شكل توقيعنا إبان المراهقة، أي في السنوات التي نبحث فيها عن شخصيتنا. ومن هنا فتوقيعنا يعتبر بصمة حقيقية لنا، لكن بصمة مثالية، فهي رمز كياننا البسيكو اجتماعي وعلامته المصغرة .

وترى الكاتبة ماري بورال التي بحثت طويلا ومعمقا في هذا المجال أن دراسة الخط la graphologie عملية صعبة وتخضع لمعايير محددة. وهي تشير بكل وضوح إلى من نكون، لكن ليس ما نعمل أو ما سنكون عليه في المستقبل، وبالتالي فهي تقنية جدية لتقييم قدرات الإنسان أثبتت أنها هامة لا غنى عنها وفعالة، لكنها بحاجة إلى حفريات أكبر وتقنين أدق وأكثر إحاطة وشمولية .

D 24 أيار (مايو) 2011     A رشيد فيلالي     C 2 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

الحياة على الدرب الروماني القديم

نقد بناء العدد 60

قصة من مجموعة بعنوان أنثى فوق الغيم

انتفاضة الاحتضار

خشب قديم