عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

موسى إبراهيم أبو رياش - الأردن

الرقم الخاص وقصتان أخريان


محمد إبو رياشالرقم الخاص

ذات مساء قرأتُ جزءاً من رواية "عندما تشيخ الذئاب" للروائي والقاص جمال ناجي، وتماهيتُ مع المقطع التالي على لسان جبران:

"فجأة رنَّ هاتفي النقال فساد صمتٌ في الصالون، نظر الجميع إليَّ كأنما عرفوا أنَّ ذلك الهاتف يحمل الخبر اليقين، مع أنَّ مكالمات عدة وردتني قبله من الأصدقاء ولم تحظ باهتمامهم. نظرتُ إلى شاشة الجهاز فلم أجد رقماً ولا اسماً. كل ما رأيته هو Private Number (رقم خاص)، فاستأذنتُ خارجاً إلى إحدى غرف البيت: أنا جاهز يا دولة الرئيس، سأكون عندك خلال ربع ساعة." (ص289).

وفجأة رنَّ هاتفي الخلوي، وظهر على شاشة الجهاز (الرقم الخاص)، ودون تردد، ضغطت زر الاتصال، وقلت: نعم دولة الرئيس، أنا في خدمتك!

فرد المتصل ضاحكاً: ما لك يا رجل؟ بماذا تحلم؟ أنا صديقك أبو خالد!

فتلعثمتُ ورددت: أهلاً، أهلاً. كيف الحال؟ أنا آسف. كنت سارحاً!


رسالة قصيرة SMS

عيد الفطر موعده ليزور أخته الوحيدة، وأحياناً كان يؤجل زيارته اليتيمة إلى عيد الأضحى حسب الظروف والمزاج، خاصة وأنها تقطن في مدينة تبعد عنهم عشرين كيلو متراً!

ظهر يوم عيد الأضحى ذكَّرَّ أولاده بزيارة عمتهم. تململتْ زوجته وقالت: هل من الضروري أن يذهب الأولاد؟ اذهب وحدك، فقد يأتي خالهم بين لحظة وأخرى؟

نظر إلى السقف ساهماً، وأجاب: لا بأس، سأذهب وحدي!

حدجته بنظرة معترضة: هل من المناسب أن يأتي أخي ولا يجدك؟ سيشعر أنك تتهرب منه!

تساءل بحيرة: ولكن عليَّ أن أزور أختي؟

أجابت ببساطة: تزورها في وقت آخر.

تنهد باستسلام: حسناً، سأتكلم معها هاتفياً.

حذرته قائلة: ستعاتبك وتتعبك بأسئلتها.

رد: ولكن لا يعقل أن أهملها كلياً!

قالت: لا، لا تهملها. أرسل لها رسالة SMS!

أعجبه الاقتراح المدهش، وشغَّل التلفاز؛ ليتابع فيلماً أميركياً نصحه صديق بمشاهدته!


الشيطان الإلكتروني

تعرَّف إليها عن طريق الفيسبوك، ثم تزوجها. وبعد انقضاء شهر العسل، صارحها أنَّه يجب أن تقطع كل علاقاتها وصلاتها بالفيسبوك؛ لأنَّه شيطان هذا العصر، وقصَّ عليها ما يعرفه أو سمعه عن عائلات تمزقت، وزيجات تفسخت بسبب هذا الشيطان.

حاولت أن تجادله بالحسنى، وأنَّ لهذا الشيطان كما يسميه حسناتٍ كثيرة، وأولها أنَّه كان سبباً في زواجهما. لكنه قطع محاولاتها بقوله: لك أن تعتقدي ما تشائين، فأنت حرة، ولن أحجر عليك، ولكن عليك أن تختاري: أنا أو الفيسبوك!

D 25 تشرين الأول (أكتوبر) 2012     A موسى أبو رياش     C 8 تعليقات

5 مشاركة منتدى

  • موسى أبو رياش – الأردن

    الرقم الخاص
    يجب أن تشكر ربك يا صديقي.. فلو حدث الالتباس مع امرأة، بدلاً من سعادة الوزير لازداد التلعثم والارتباك ووقعت الطامة الكبرى.. لا نملك دائما أن ننأى بنفوسنا عما يداهمنا أو يحيط بنا.

    رسالة قصيرة
    مدنية ملعونة بحق أن تنوب الآلة عن البشر.. خاصة عندما تواكبها أنانية مفرطة، فلا ترى أو تسمع ولا تشعر إلاّ بذاتها.
    في عصر "التيه" ألذي لا ينبغي أن يغيب عنه الرجاء..؟ عيدٌ لكَ وعيد لمن "سمى وضحى وعيدا".

    ألشيطان الإلكتروني
    وداوني بالتي كانت هي الداء.. أو كما يقولون بالعامية عندنا: (من دهنو سَقِّيلو).. أو كما أرادها المتنبي:
    ومن يجعل الضرغام للصيد بازه؟
    تصيده الضرغام فيما تصيدا


    • العزيز إبراهيم يوسف - لبنان
      مرورك فقط مصدر فخر واعتزاز... وتعليقك كرم ولا أروع

      لو كان الطرف الثاني امرأة .. فتلك -لعمرك- ورطة لا فكاك منها... ومهلكة لا سفينة لها... والحمد لله على سلامة الخاتمة.

      أما الآلة يا صديقي... فقد أسلمناها قيادنا وصرنا لها أتباعاً وعبيداً.. والقادم أسوأ.

      أما ثالثة الأثافي فأعجب من البعض أن يحرم على غيره ما يحلل لنفسه... وهذا هو الانفصام بأبشع صوره... وكل ما أخشاه أن نترحلق بالدهن ... فيجدنا الباز فريسة سهلة.

      كل الحب أخي إبراهيم.

  • موسى ابراهيم أبو رياش
    والقصص الثلاث
    هو العقل دائماً وأبداً بكل ما يمتلكه من امكانات وقدرات.. العقل هو المتأثر بما قرأت حول الحوار مع صاحب الرقم الخاص في رواية جمال ناجي ليظل هذا العقل متصلاً بالنص حين تلقيت المكالمة من صاحب الرقم الخاص صديقك في الواقع فرحت تستكمل المشهد على صورته في القصة
    والعقل هو ذلك الباحث عن وسيلة للتنصل من القيام بمهمة أخذت على سبيل قضاء الواجب أكثر منها على سبيل الرغبة المحضة، فتقبل العقل العذر والحل المطروح دون معارضة تذكر
    والعقل هو الذي ابتنى قناعته نحو موقع التواصل الالكتروني الفيس بوك بناء على ما وقر فيه من كونه وسيلة من وسائل التعارف وفتح الطرق للقلوب وهو شخصياًحالة من حالات هذا الشيطان
    إذن هو العقل وما يتبرمج فيه من قناعات أو يربض فيه ثقافات، ليكون رد الفعل متوئماً وهذه المخزونات.. قصص تبني على الحدث الجديد المغير لرد الفعل الانساني بأسلوب سلس محبب ومثير في ذات الوقت


  • قصص قصيرة رائعة ومعبرة وتلخص ببلاغة الدور اللئيم الذي تلعبه تكنولوجيا الاتصالات في حياتنا البائسة ، والتي تزرع فينا الأوهام وفتور العلاقات وتقودنا لازدواجية مرضية طاغية : انها كتابة قصصية ابداعية تعزز المغزى بلا خطابية واطالة واستطراد !


    • الأخ العزيز مهند النابلسي..
      كتبوا قديماً كتباً عن (تداعي الحيوان على الإنسان) ... وما أحوجنا اليوم إلى كتب عن (تداعي وسائل التكنولوجيا والاتصال على الإنسان البائس الضال) ... فقد أصبحنا أسرى وعبيداً لهذه التكنولوجيا... وأبسط مثال على ذلك: هل يستطيع أحدنا أن يخرج من بيته لساعات دون أن يأخذ معه جهازه الخلوي؟؟
      إنها لكارثة اجتاحتنا ... وتنذر -ربما- بنهايتنا.

      كل المودة أخي مهند مرورك العطر.

  • قصص رائعة، بأسلوبك البسيط والمعبر الذي اعتدناه، وأنا مع الأستاذ مهند فيما قال غير أن التكنولوجيا سلاح ذو حدين.
    نحن وإن كرهناها لم نعد قادرين على الإستغناء عنها للأسف.

    شكرا لك أستاذنا
    كل عام وأنتم و أهلنا في الأردن بخير


  • أعجبتني القصيصة الثانية" رسالة قصيرة SMS"، حيث ذكرتني بنكتة قديمة:

    قال الولد لابيه.
     اعطني 25 ألفا

    أجابه الاب:
     لما أعطيك 20 ألفا؟ ليس عندي 15 ألفا! لدي 10 آلاف فقط. هاك 5 آلاف واقتسمها مناصفة مع أخيك.

    تحية مني أستاذ موسى، معجبة بكتاباتك وخاصة تعليقاتك النيرة والعميقة


في العدد نفسه

تهنئة بعيد الأضحى

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 77: الديموقراطية وفرضها بالقوة

كتاب: المناهج التربوية بين الأصالة والمعاصرة

آسيا جبار: سردية القصة والفيلم