عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نهى جريج وداعا


نهى جريج إعلامية لبنانيةتعرفت على نهى جريج، الإعلامية اللبنانية، عام 1987 في لندن عندما أتيت للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بالعربية. كانت نهى تعمل في دائرة البرامج آنذاك، وتعد وتقدم برنامج "حول العالم العربي". ونهى جريج ممن يحرصون حرصا شديدا على ما يعملون، ويكون إنتاجهم على درجة عالية من الجودة.

رغم أن نهى تركت العمل في الإذاعة، إلا أن معرفتنا لم تنقطع، وقد سكنت في إحدى المراحل في حي ليس بعيدا عن حيها، فكنت أزورها من حين لآخر، فنشرب القهوة أو الشاي، أو نتناول معا وجبة غداء أو عشاء.

ظلت صداقتنا مستمرة من خلال الاتصالات الهاتفية، والزيارات من حين لآخر إلى يوم وفاتها فجر الأربعاء، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في مستشفى شيرنغ كروس بلندن.

كانت نهى من محبي الحياة بالمعني الإيجابي، فعندما يأتي فصل الربيع في لندن، كانت تتصل لتذكرني بأن موسم الأزهار في حديقة ايزابيلا في متنزه ريتشموند قد بدأ، ولن يدوم طويلا، فنتفق على زيارة للمتنزه والحديقة ونتجول بين الأزهار ونسير في المتنزه الذي تتجول فيه الغزلان بحرية. وفي الوقت نفسه، كانت نهى مؤمنة وتعمل لآخرتها أيضا، فتمارس شعائرها الدينية. وفي حضرة جمال الطبيعة ذات مرة، ذكرت آيتين من إنجيل متى تقولان: "ولماذا تهتمون باللباس. تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها."

وكانت نهى شديدة الاعتماد على نفسها، ولا تقبل عونا يزيد قيد أنملة عما تطلبه، فإن طلبت أن تحضر لها قلما، وتطوعت وأحضرت لها قلما إضافيا، ترفض ما زاد عن طلبها. وظلت معتمدة على نفسها حتى أثناء المرض والذهاب إلى المستشفى أسبوعيا لتلقي جرعات الدواء.

اتصلت بي يوم الجمعة، 2/11، لتخبرني أنها في المستشفى، فذهبت في اليوم التالي لزيارتها. كانت في كامل وعيها ولكنها متعبة، ولم تجعلني أطيل الزيارة.

ويوم الثلاثاء، 6/11، تلقيت اتصالا هاتفيا يخبرني بأنها في حالة سيئة، فذهبت إلى المستشفى، ووجدت أنها نقلت إلى غرفة أخرى، وحدها، ولكنها هذه المرة كانت بين الوعي والنوم، ومع كل زفير كانت تخرج أنـّة ألم.

ويوم الأربعاء، 7/11 جاء اتصال في الصباح من صديقة لها لتبلغني أن نهى فارقت الحياة. وصدق الذي قال إن خبر الموت يصدمك ويحزنك حتى وأنت تعلم أن من تحب راقد على سرير الموت.

كانت نهى من النوع المؤمن الذي يتعامل مع كل بني الإنسان كأخوة وأخوات، وكان أصدقاؤها من النساء والرجال متنوعي البلدان والأعراق والأديان. وهذا سر ديمومة صداقتنا أكثر من خمس وعشرين سنة.

وكانت نهى تمثل بالنسبة لي الإنسان الواعي المنفتح على الناس بصرف النظر عن الانتماء الجغرافي أو الديني أو العرقي، ورحيلها يحرمني من صداقة اعتبرها النموذج الأفضل للصداقة التي تنشأ وتدوم دون نظر إلى مصلحة، وعندما نلتقي بعد شهور طويلة، نستأنف الحديث كما لو كنا معا قبل يوم فقط.

رحم الله نهى جريج، واسكنها فسيح جناته. وأتقدم لأهلها في لبنان، ولصديقاتها وأصدقائها في كل مكان، بأصدق التعازي.

نهى جريج في سطور:

= من مواليد لبنان.

= خريجة الجامعة الأميركية ببيروت.

= عملت في هيئة الإذاعة البريطانية، وقدمت برنامج "حول العالم العربي".

= مارست التدريس والترجمة في لندن.

=نشرت في العدد 46 من "عود الند" عرضا لكتاب يوجين روغان "العرب: تاريخ".

(اضغط هنا لقراءة الموضوع).

عدلي الهواري


حديقة ازابيلا متنزه رتشموند
D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012     A عود الند: التحرير, نهى جريج     C 5 تعليقات

5 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 78: غزة: الضحية تقلب معادلة الصدمة والترويع

عن مبدعة الغلاف

مـنـفـيـــون

القيم الأخلاقية في القصيدة الجاهلية

عبد الله حمادي: التجربة النقدية