نهى جريج وداعا
تعرفت على نهى جريج، الإعلامية اللبنانية، عام 1987 في لندن عندما أتيت للعمل في هيئة الإذاعة البريطانية الناطقة بالعربية. كانت نهى تعمل في دائرة البرامج آنذاك، وتعد وتقدم برنامج "حول العالم العربي". ونهى جريج ممن يحرصون حرصا شديدا على ما يعملون، ويكون إنتاجهم على درجة عالية من الجودة.
رغم أن نهى تركت العمل في الإذاعة، إلا أن معرفتنا لم تنقطع، وقد سكنت في إحدى المراحل في حي ليس بعيدا عن حيها، فكنت أزورها من حين لآخر، فنشرب القهوة أو الشاي، أو نتناول معا وجبة غداء أو عشاء.
ظلت صداقتنا مستمرة من خلال الاتصالات الهاتفية، والزيارات من حين لآخر إلى يوم وفاتها فجر الأربعاء، 7 تشرين الثاني/نوفمبر 2012 في مستشفى شيرنغ كروس بلندن.
كانت نهى من محبي الحياة بالمعني الإيجابي، فعندما يأتي فصل الربيع في لندن، كانت تتصل لتذكرني بأن موسم الأزهار في حديقة ايزابيلا في متنزه ريتشموند قد بدأ، ولن يدوم طويلا، فنتفق على زيارة للمتنزه والحديقة ونتجول بين الأزهار ونسير في المتنزه الذي تتجول فيه الغزلان بحرية. وفي الوقت نفسه، كانت نهى مؤمنة وتعمل لآخرتها أيضا، فتمارس شعائرها الدينية. وفي حضرة جمال الطبيعة ذات مرة، ذكرت آيتين من إنجيل متى تقولان: "ولماذا تهتمون باللباس. تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو. لا تتعب ولا تغزل. ولكن أقول لكم إنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها."
وكانت نهى شديدة الاعتماد على نفسها، ولا تقبل عونا يزيد قيد أنملة عما تطلبه، فإن طلبت أن تحضر لها قلما، وتطوعت وأحضرت لها قلما إضافيا، ترفض ما زاد عن طلبها. وظلت معتمدة على نفسها حتى أثناء المرض والذهاب إلى المستشفى أسبوعيا لتلقي جرعات الدواء.
اتصلت بي يوم الجمعة، 2/11، لتخبرني أنها في المستشفى، فذهبت في اليوم التالي لزيارتها. كانت في كامل وعيها ولكنها متعبة، ولم تجعلني أطيل الزيارة.
ويوم الثلاثاء، 6/11، تلقيت اتصالا هاتفيا يخبرني بأنها في حالة سيئة، فذهبت إلى المستشفى، ووجدت أنها نقلت إلى غرفة أخرى، وحدها، ولكنها هذه المرة كانت بين الوعي والنوم، ومع كل زفير كانت تخرج أنـّة ألم.
ويوم الأربعاء، 7/11 جاء اتصال في الصباح من صديقة لها لتبلغني أن نهى فارقت الحياة. وصدق الذي قال إن خبر الموت يصدمك ويحزنك حتى وأنت تعلم أن من تحب راقد على سرير الموت.
كانت نهى من النوع المؤمن الذي يتعامل مع كل بني الإنسان كأخوة وأخوات، وكان أصدقاؤها من النساء والرجال متنوعي البلدان والأعراق والأديان. وهذا سر ديمومة صداقتنا أكثر من خمس وعشرين سنة.
وكانت نهى تمثل بالنسبة لي الإنسان الواعي المنفتح على الناس بصرف النظر عن الانتماء الجغرافي أو الديني أو العرقي، ورحيلها يحرمني من صداقة اعتبرها النموذج الأفضل للصداقة التي تنشأ وتدوم دون نظر إلى مصلحة، وعندما نلتقي بعد شهور طويلة، نستأنف الحديث كما لو كنا معا قبل يوم فقط.
رحم الله نهى جريج، واسكنها فسيح جناته. وأتقدم لأهلها في لبنان، ولصديقاتها وأصدقائها في كل مكان، بأصدق التعازي.
نهى جريج في سطور:
= من مواليد لبنان.
= خريجة الجامعة الأميركية ببيروت.
= عملت في هيئة الإذاعة البريطانية، وقدمت برنامج "حول العالم العربي".
= مارست التدريس والترجمة في لندن.
=نشرت في العدد 46 من "عود الند" عرضا لكتاب يوجين روغان "العرب: تاريخ".
عدلي الهواري
◄ عود الند: التحرير
▼ موضوعاتي
- ● مسابقة في كتابة القصة القصيرة للصغار
- ● خلل تقني حجب موقع عود الند
- ● عود الند تبدأ عامها التاسع عشر
- ● غزة: يوميات حرب 2021
- ● ناجي العلي: ملف روابط
- ● 150 عددا من عود الند الثقافية
- ● عــود الــنــــد: سياسة النشر 2023/8
- [...]
◄ نهى جريج
▼ موضوعاتي
المفاتيح
- ◄ أشخاص: مقالات
- ◄ وفيات
5 مشاركة منتدى
نهى جريج وداعا, أشواق مليباري\ السعودية | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 - 15:49 1
الموت يوجع الأحياء...خاصة إن كان صديقا وفيا قلما يجد الإنسان مثله.
أسأل الله لك ولذويها الصبر والسلوان.
نهى جريج وداعا, وليد عوض مكاوي / السودان - الخرطوم | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 - 03:46 2
هكذا يرحلوا المبدعين العرب فى صمت وغربة بعيدا عن الوطن يحرمون حتى من رائحة تراب الوطن........لها الرحمة ولي ولذؤيها الصبر والسلوان ولا حول ولاقوة الأبالله
نهى جريج وداعا, جميلة عبد الرحمن الجزائر | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 - 05:01 3
ما أجمل أن تجد صديقا وفيا، يذكرك بكل هذا الحب، ويجعلك تحيا من جديد عبر كلمات دافئة، وأحاسيس صادقة، تحببك حتى لدى من كان لا يعرفك.
رحم الله الفقيدة، وأسكنها فسيح جنّاته.إنّا لله، وإنّا إليه راجعون.
نهى جريج وداعا, إبراهيم يوسف- لبنان | 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012 - 05:56 4
خبر مؤسف وحزين أن يتلقى المرء نباً عن رحيل صديق أو عزيز .. لكنها الدنيا.. أتقدم من أسرة الفقيدة وأسرة المجلة والمحبين بأحر التعازي..لكم من بعدها طول البقاء
نهى جريج وداعا, هدى الدهان | 22 كانون الأول (ديسمبر) 2012 - 04:26 5
لماذا الوداع ؟؟ماتزال هناك زنبقة تحت الثلج تنتظر ان تغافله فتطل برأسها من بين جنباته لتذكرك ان نهى متمددة هنا فقط تستريح ..لااكثر..وانك مدعو للقاء اخر في الربيع حيث تتفتح تلك الازهار كل عام .