عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد محمود التميمي - الأردن

كيف السبيل إليك؟


محمد التميميهي تقف هناك على الضفة الأخرى، حيث العشب أكثر اخضرارا والجبال أعلى ارتفاعاً. و"يعرف أنه يعيش بمنفى وهي بمنفى. وبينهما ريح وبرق وغيم ورعد وثلج ونار، ويعرف أن الوصول إليها انتحار"(1). يقف هو على شاطئ النهر هنا يغمر ساقيه في الماء ويستمتع بذلك استمتاع الطفل الذي دغدغت الأمواج أصابع قدميه لأول مرة.

تنظر إليه مشفقة على حاله فينظر إليها بعينين ذابلتين من خلف نظارات سميكة. سهام عينيه تعجز أن تصيبها وتخذله وتسقط في نهر الحياة بينهما. أما هي فبلمح بصرها تخطف قلبه وتشتت عقله وتبعثر أفكاره.

يحاول عبور النهر ولكنه عميق، سريع، متقلب المزاج، كمتقاعد في أواخر السبعين من عمره، يرى الحب مراهقة ومغامراته طيش، والذوبان في الأنثى قلة رجولة، وهل يذوب في الأنثى سوى الرجل؟

يبدأ برمي النهر بالحجارة الكبيرة، عله يطوعه قليلاً أو يكسر من هيبته فيسمح له بالعبور، يرمي بضع حصىً أخرى لعل موجه يرق على حاله فيعطف عليه ولا يغرقه إذا حاول السباحة إليها.

أما هي فتجلس على العشب هناك، تراقبه بعد أن تعبت من الانتظار واقفة، تشيح بنظرها عنه بين لحظة وأخرى وتنظر إلى العصافير في السماء أو تعبث بالعشب على يمينها. حركاتها تشعل نار الغيرة في قلبه وتجعله يضرب هذا النهر بكل غل وحنقة.

تمرر يدها فوق العشب الأخضر فينحني مسترخيا تحت أكفها الناعمة، ويخرج ما في جعبته من الورود لها. تروقها الفكرة، فتمرر يدها فوق جميع العشب من حولها، يتراقص بين أكفها ويتلوى ببن أصابعها ويزهر مزيداً من الورد لها.

تزداد نار الشوق في قلبه ويزداد غليان الغيرة في رأسه ويقول في نفسه: "أنا حقلها، ومني وردها وزهرها، وشعري عشبها وكلي لها. يطيعني النهر أو لا يطيع لا يهم، فجمر الشوق وسعير الغيرة أفقداه قوته وهزماه في عيني وأرضخاه لي أقطعه حثيثا، أصل إليها وأقبض على كفيها وأذوب غراماً بين يديها وقبل أن تنطق ببنت شفه سأقول لها: أحبك يا وطني، يا أمي، ويا قلبي ويا ...".

يستفيق من كلامه وأوهامه وأحلامه، ينظر إلى النهر أمامه يمشي بتثاقل وكسل، لا يمانع من سباحة بعض الفتية في جداوله، ولا يشاكس عاشقين يقومان برحلة رومانسية على متن قارب خشبي. ينظر إلى الطرف الآخر فلا يرى أثراً لمن عاش معها أحلامه قبل قليل.

يلملم حطام نفسه ويغادر متخبطاً بمياه النهر.

= = = = =

(1) بتصرف من قصيدة الحب المستحيل لنزار قباني

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2012     A محمد التميمي     C 10 تعليقات

5 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 78: غزة: الضحية تقلب معادلة الصدمة والترويع

عن مبدعة الغلاف

نهى جريج وداعا

مـنـفـيـــون

القيم الأخلاقية في القصيدة الجاهلية