سهير سليمان - مصر
شهادة من ميدان التحرير جزء ثان
الأربعاء 26 يناير (كانون الثاني) 2011
كيف يتحول إنسان هادئ إلى بركان ثائر
لم استطع إغلاق عيني طوال ليلة 25 يناير، منذ أن تركت الميدان مكتظا بآلاف المعتدى عليهم، ومنذ أن شاهدت من يتساقط تحت عربيات رجال الأمن.
لم تعد آلامي الجسدية دافعا لانفجار البركان داخلي، بل الخزي والانكسار والمجهول. هذه الدوافع تراكمت في داخلي. هبط على شعار رددناه إثناء المسيرة وأخذت اردده بالمنزل حتى الصباح:
"ثورة، ثورة حتى النصر. ثورة في كل شوارع مصر."
تركت المنزل في الساعات الأولى من الصباح متجهة إلى ميدان التحرير. في الطريق تلقيت هاتفا من احد الزملاء يدعوني للمشاركة في مسيرة الإعلاميين بمقر نقابة الصحفيين.
حين اقتربت من الميدان منعني أفراد الأجهزة الأمنية من الدخول، فصممت على اتخاذ طريق آخر، ولكن فشلت محاولتي فتوجهت إلى نقابة الصحفيين.
توقفت مسيرتي أمام دار القضاء العالي خلف نقابة الصحفيين حيث اتسعت حشود الإعلاميين وانتشرت من باب النقابة إلى الشوارع الموازية والمؤدية إليه. وخلال دقائق انضمت مجموعات خرجت من مبنى نقابة المحاميين المجاورة إلى مجموعتنا، وسرعان ما انتشرت قوات الأمن وأحكمت قبضتها علينا حتى لا نستطيع الخروج من المنطقة ولا يستطيع احد أن ينضم إلينا.
ولقي شارع الجلاء الموازي لشارع رمسيس، حيث يقع جانب من نقابة المحاميين، نفس المصير في الخناق عليه.
وإثناء تعالي الهتافات أذيع خبر إلقاء قوات الأمن القبض على سكرتير عام النقابة واقتياده إلى إحدى العربات.
استطعنا كسر الحاجز الأمني والوصول إلى شارع عبد الخالق ثروت، واعتصمنا احتجاجا على خطف السكرتير. أسرع بعض أعضاء مجلس إدارة النقابة إلى عربة الأمن وتمكنوا من الإفراج عن السكرتير وإعادته إلى النقابة.
لم نكف عن الاعتصام، ومكثنا ساعات عدة. وكنت أفكر في خطة للوصول إلى ميدان التحرير واختراق كل قيود الأجهزة الأمنية، ففي الصباح ----أثناء محاولتي دخول الميدان— هددت بالقبض على إذا حاولت مرة أخرى مناقشتهم. ولذا ابتعدت عن الميدان لفترة، ليس خوفا ولكن لمواصلة المحاولة بعد حين.
تزايد خناق قوات الأمن وإغلاق الحلقة علينا، فاندفعت الحشود الغاضبة نحو قوات الأمن حتى استطعنا خرق الحاجز في نهاية شارع عبد الخالق ثروت، وكنت بين الحشود التي خرجت من الطوق.
وجدت فرصة للسير في اتجاه العتبة واتخذت طريقي عبر الشوارع الجانبية حتى انتهى سيري أمام منفذ صغير مواجه لأحد مطاعم (كنتاكي) بميدان التحرير، واتخذت سبيلي داخل الميدان.
لم أر قوات الأمن متمركزة حول الميدان مثلما كانت الحال في الصباح. ربما كان هذا ضمن خطة هجومهم علينا، وللحقيقة شعرت بخطر ينتظرنا جميعا داخل الميدان ولم اعرف لماذا.
دخلت أبحث عن وجوه اعرفها ومن كانوا يسيرون بجانبي أمس (25يناير) لم نتعرف على أسماء بعضنا البعض، ولكن تبادل الابتسامات برغم الضغوط كان تحية وإشارة إلى أن غدا سيصبح بلا شك أفضل من الأمس واليوم .
استرعت انتباهي عند مدخل الميدان شابة قدرت عمرها بعشرين عاما، وقفت بمفردها تردد بأعلى صوتها شعارات دون توقف.
بالرغم من إحساسي بسعادة لم اشعر بها من قبل تساءلت: "ماذا فعلت هذه الحكومة لهذه الشابة حتى تكن لها بكل الكرة الذي ينبع من جوارحها؟"
وبالرغم من وجودي بمفردي وسط هذا الحشد من الناس الذين لا اعرفهم، ضاع شعور الوحدة الذي انتابني عند الدخول.
أحداث الليلة الفائتة (25/26 يناير)
/26 25 يناير
بعد إن تركت الميدان أمس (25 يناير) على اثر إصابتي، أصر المتظاهرون المسالمون على الاعتصام بالميدان بعد الاعتداءات التي تعرضوا لها من رجال الأمن إلى أن تتحقق مطالب التغيير التي طرحت يوم 25 يناير:
لا للتوريث.
إسقاط الحكومة بأكملها.
حل البرلمان والحزب الوطني.
العدالة الاجتماعية والمساواة.
رفع الأجور وتحديد الحد الأدنى.
بعد منتصف الليل بقليل انطلقت قوات الأمن مرة أخرى بين المعتصمين، وانهالت عليهم بالضرب، وأطلقت القنابل المسيلة للدموع، ورشت المياه عليهم، واستخدمت كل طرق الهجوم.
لم يكن أمام المعتصمين إلا التخلي عن مواقعهم واللجوء إلى الشوارع الجانبية. وبشهامة الشعب المصري الأصيل، تضامن كثير من حراس عمارات وسط البلد معهم، تارة بتخبئة من لجأ إليهم من الشباب، وتارة بتقديم المساعدات الطبية للمصابين، وتارة أخرى بتقديم الطعام حتى الصباح. وللأسف تم القبض على الكثير منهم وترحليهم إلى سجون لم يعرف احد أين هي.
أثناء تحدثي مع احد المشاركين، حاولت الاتصال بإحدى الصديقات، ولكني لم استطع استخدام هاتفي الجوال، فقد قامت وزارة الداخلية بتطبيق خطتها المسبقة بحجب وسائل الاتصال الالكتروني، وأغلقت موقعي توتير وفيسبوك حتى لا نستطيع تبادل الرسائل والمعلومات، وبالتالي شل حركة الاحتجاجات.
وبالرغم من تعطيل شبكات الهواتف الجوالة داخل منطقة ميدان التحرير والمناطق المحيطة به إلا أن بعض الرسائل كانت تصل من شخص إلى آخر، وجرى تبادل المعلومات بيننا عما يحدث داخل وخارج الميدان دون استخدام الوسائل الالكترونية.
شعرت بالأمان الذي لم اشعر به طوال الليلة السابقة، فقررت البقاء بميدان التحرري، وأمضيت بعضا من الليل أتجول بين مجموعات تغنى، ومجموعات تناقش الموقف، وأخرى تواصل الهتافات. كلها تحت عيون ساهرة تراقب الأمن حتى لا يأخذونا على حين غرة كأمس.
وهكذا، ولليوم الثاني دوت الأصوات في ميدان التحرير وهزته، وبقيت في إذني منذ لخامس والعشرين أصداء الهتاف:
"تحيا مصر."
◄ سهير سليمان
▼ موضوعاتي