عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أمين خالد دراوشة - فلسطين

عرض لرواية مشاعر مهاجرة


تنقلنا الروائية منى تيم في روايتها الخفيفة والعذبة والساحرة، "مشاعر مهاجرة" (*) من أتون الواقع المعاش، إلى عالم يعج بالمشاعر الإنسانية الفياضة والسامية، وهي تتفوق على الكثير من زميلاتها الروائيات، اللواتي وقعن في شباك "المرأة وحقوقها" فظهرت المرأة لديهن أما متحررة ومتمردة إلى درجة التحلل، أو مغلوبة على أمرها لا تلوي على شيء، ولا تزيد عن كونها "ماكنة تفقيس".

في الرواية تظهر البطلة ديانا وقد امتلكت الشجاعة والقوة لتقف في وجه صعوبات الحياة في سبيل تحقيق مبتغاها في دراسة الطب النفسي، رغم وقوف أمها ذات الشخصية المعقدة والشرسة في وجهها، ووضع أخيها العراقيل أمامها لتفشل، ليصبحا متساويين في العجز والفشل.

أخوها، رائد ، شاب انغمس بالملذات نتيجة تدليل أمه، وكان لذلك وقع غاية في السوء عليه، إذ أهمل تحصيله العلمي وانصرف لشؤون أخرى، في مقابل أخته ديانا التي استطاعت أن تثبت نفسها، وتضع أقدامها في سكة الحياة الإيجابية. وما كان لها تحقيق ذلك لولا وقوف والدها معها، وحمايتها ما أمكنه ذلك من هجوم أمها، فأبوها "قدّم لها الدعم والتشجيع، خصوصاً حين أصرّت على دراسة الطب، وواجها معاً الثورة العنيفة التي أحدثها هذا الخيار في المنزل، فلم يروا فيه إلا إرهاقاً لميزانية الأسرة المحدودة. تلك الأسرة التي وقفت في مواجهتها وتنبأت لها بالفشل، قبل أن تبدأ" (ص6).

والدتها لم تنل حظا وافرا من التعليم، وكان كل التي تطلبه، العثور على زوج لابنتها، خوفا عليها من العنوسة، وكلام الناس، لذا حاولت بكل ما أوتيت من قوة فرملة طموحات ديانا، وكانت العلاقة بينهما متوترة طوال الرواية، حتى أن الأم لم تفرح أو تبوح لأبنتها بأي مشاعر أمومية عند تخرجها من الجامعة بتفوق، والتحاقها بالعمل في أحد المستشفيات.

في المستشفى تحوز ديانا على إعجاب كبير الأطباء بمهنيتها، وتعاملها الإنساني مع المرضى، فيوكل لها أحدى الحالات الصعبة، "وتستعد لارتداء قناعها البشوش الباسم، لطبيبة الأمراض النفسية، التي تجهد أن تكون لمرضاها الوعاء، الذي يلقون فيه آلامهم وأحزانهم ومخاوفهم، فالدواء في قاموسها من بيت الداء" (ص3). الحالة المريضة فتاة في مقتبل العمر يتركها خطيبها قبل حفلة الزواج ليتزوح من أجنبية، فلا تجد أمامها سوى الانتحار، ويتم إنقاذها وتخضع للعلاج تحت إشراف الطبية ديانا.

وكان لهمسات ولمسات ديانا السحرية والروحية أن "تسللت إلى البراكين المتوهجة الملتهبة بأحزان سارة، فهدّأت من غليانها واضطرابها، وتحررت ملامح صباها الشاحب المتوجع، ثم تحولت إلى ملاك غرق في بحيرة من السكون المتردد الحائر" (ص 22).

منى تيموتحقق ديانا النجاح المرجو في علاج سارة. وأثناء علاجها لسارة تفطن إلى خطأها الكبير وتقصيرها بحق أختها ندين، حيث اكتفت بتجاهلها والابتعاد عنها، نظرا لإحساسها بأنها لا تحبها، ولا ترغب في رؤيتها، وندين فتاة جميلة، تم اختطافها أثناء الحرب الأهلية ولم تبلغ من العمر إلا الرابعة عشرة، وتم اغتصابها، وكان نتيجة لذلك أن فقدت قدرتها على الإنجاب، لذلك عانت الكثير من الأوجاع، وخصوصا عدم قدرتها على الحصول على الرجل المناسب، إذ من سيتقدم لزواج امرأة تعرضت للاغتصاب في طفولتها؟ وهذا الأمر اضطرها إلى الزواج من رجل طاعن في السن، ومنذ ذلك الوقت لم تكن علاقتها بشقيقتها على ما يرام، الفتاة الجميلة والناجحة والقادرة أن تحب الرجل الذي تشتهيه، لذا تقرر ديانا أن لا مناص من بذل كل جهد ممكن من أجل معالجة شقيقتها، وبناء ما هدمه الزمن بينهما.

ولكن ديانا رغم ما حققته من نجاح إلا أنها ما زالت تبحث عن شيء مفقود، وتشعر بالفراغ، فتقول مخاطبة نفسها:

"في غفلة من الزمان تمر بنا الأيام هاربة كالسراب. تحيرنا، تشرّق بنا الدروب وتغرّبنا، وتتوه بنا النوايا، فتتبعثر أوراق القلوب في لحظات المواجهة، فنتهاوى أمام الحقائق الحاضرة الغائبة، ونثمل من كؤوس فارغة؛ نصطدم بعوائق نفوسنا، فتتقهقر مشاعرنا ونقف عاجزين عن الانطلاق أو حتى إحداث التغيير" (ص 18).

وهي ما زالت تبحث عن رجل يلبي ما تحلم به. وعلى الرغم من إحساسها بمشاعر ود اتجاه الدكتور كريم، إلا أنها تهرب من بين أحضانه، رغم شعورها بالأمان معه، وتهرب لتلوذ بوحدتها، قائلة لنفسها:

"ما هذا الانفصام والازدواجية بين رغباتها الحية وبين هجرة مشاعرها وعيشها في أحضان صورة من الغيب رسمتها بيدها؟ ذاك الغيب الذي ملكها ولم تملكه، ولامس شغاف قلبها واستولى على كيانها" (ص 16).

هذا الغيب الذي تسبب في فشل علاقاتها مع الجنس الآخر، حتى كريم الذي ترغبه وترفضه في الوقت نفسه، وكأن بها ترفض فكرة أن يقيدها أحد، ويحد من حريتها، ويقف حجر عثرة أمام تحقيق طموحها اللامحدود.

وتنتهي الرواية، دون إجابة عن تساؤلات ديانا، التي تمني النفس بأن يأتي اليوم التي تستطيع فيه "تفسير ذاك الحلم الذي رسمته أناملها على صفحات مذكراتها فتجسّد في ذاكرتها" (ص16).

الرواية مكتوبة بلغة هي أقرب إلى الشعر، فالمعاني الإنسانية تنساب كجدول ماء، لتطرب الأذن، وتشعر الإنسان بقدرته على تحقيق ما يصبو ويريد، إذ اجتهد وسعى إلى هدفه.

= = = = =

(*) منى الشرافي تيم. مشاعر مهاجرة. الناشر: الدار العربية للعلوم، بيروت (2011).

غلاف رواية

D 25 كانون الأول (ديسمبر) 2012     A أمين دراوشة     C 0 تعليقات