محمد محمود التميمي - الأردن
على حافة رسمة
يدخل للمقهى كل صباح في نفس الساعة، يتناول قطعة من الكيك ويحتسي فنجان قهوة على مهل وهو يقرأ الجريدة، وما أن ينتهي حتى ينطلق مباشرة إلى عمله. هو على هذه الحال منذ تعيينه مديراً لإحدى الشركات في المبنى المجاور للمقهى.
تدخل هي، جميلة الشعر رغم فوضويته، هندامها شبابي غير رسمي، ليس من النوع المليء بالألوان ولا بالرسمي الممل كملابسه هو.
تدخل محملة بأوراق بيضاء كثيرة وأقلام رصاص مختلفة الأنواع والأطوال، تجلس في الجهة المقابلة له في المقهى، تطلب كأس قهوة "لاتيه" كبيرة وتنكب على الأوراق تنهمك في الرسم، وهي أيضا عل هذه الحالة في كل يوم.
كان يأنس بوجودها ويراقبها دون أن ينظر إليها. هي أيضاً اعتادت على وجوده وكانت تلحظ تصرفاته وتتلصص عليه إذا ما غاب بين أخبار الصحيفة. يلتقيان كل صباح في المقهى دون موعد، يراقبان بعضهما دون أن يتكلما أو حتى يتعارفا.
ومرة قرر أن يرى ما الذي ترسمه هذه الفتاة المجهولة المألوفة. صمم أن يتحين أي فرصة ليقتنصها ويعرف ما الذي تخطه أنامل هذه الحسناء الفوضوية كما يحب أن يسميها.
وفي إحدى اللقاءات المرتبة دون موعد مسبق، انسكب قليل مما تشربه على ملابسها فذهبت لتزيله. "هذه هي فرصتي": حدث نفسه وهو يطير اتجاه طاولتها، وانقض على أوراقها ليكتشف ماذا كانت ترسم طوال هذه الأيام.
وكانت المفاجأة.
كانت الرسمة لوحة تحوي صورة له، ولكن بملابس عادية شبابية، وليس كما عهده أهل الحي ورواد وعاملو المقهى بالبدلات الرسمية. كانت تلبسه بنطالاً من "الجينز" وكنزة ملونة ومزينة ببعض العبارات الإنجليزية. ضحك لما رأى وأحس بنشوة غريبة. "أهكذا يشعر المشاهير عندما يروا المعجبين يحتفظون بصورهم؟" سأل نفسه قبل أن يغادر والبسمة لا تزال على محياه.
في صباح اليوم التالي، دخلت إلى المقهى وجلست في مكانها المعتاد، استرقت نظرة إليه. ضحكت وضحكت ثم ضحكت، فقد لبس مثل الملابس الموجودة بصورته في الأمس، تلك الصورة التي رسمتها له ونجح في كشف محتواها.
ابتسم لها، فابتسمت له وهي تقف مغادرة المقهى مخلفة وراءها ورقة على الطاولة. نهض مسرعاً ليلتقط الورقة قبل أن يتلفها أحدهم. فتحها فوجد الرسمة ومكتوب على حافتها بخط أنثوي رقيق: "جميلٌ أنك حققت حلمي الصغير وخلعتك ملابسك الرسمية المملة، ولكن لا أرضى لرجل أن يقتحم علي عالمي دون إذني. استمتع بقهوتك. التوقيع: ليس ضرورياً".
ولم يرها منذ ذلك اليوم.
◄ محمد التميمي
▼ موضوعاتي
- ● نحن والحزن
- ● الآن فهمتكم
- ● موظفة الترويج
- ● مرايا
- ● أهلاً بالمستقبل
- ● الركض تحت المطر
- ● أبحث عنك
- [...]
2 مشاركة منتدى
هوايتها صيد الأحلام و تجسيدها على الورق. وجدته أمامها حلما غير مكتمل. كملته على الورق كما تريده أن يكون، بثياب شبابية. حين اقتحم عليها حلمها وساعدها عمليا في جعله واقعا، هربت من الحقيقة و طارت إلى حلم آخر.
شكرا على القصة الظريفة
1. على حافة رسمة, 29 كانون الأول (ديسمبر) 2012, 04:52, ::::: محمد التميمي
الاستاذة زهرة،
لا أملك ردا على تعليقك سوى انه رائع ويضيف قيمة اخرى على القصة.
سرد فصصي جذاب وممتع وخفيف الظل ولكنه نرجسي بامتياز وكأن الكاتب لا يريد ابدا ان يخرج من شرنقته أبدا، وربما هذه سمة مشتركة لمعظم الكتاب الشباب !
1. على حافة رسمة, 29 كانون الأول (ديسمبر) 2012, 04:55, ::::: محمد التميمي
الاستاذ مهند
أشكرك على تشجيعك المتواصل لي. وعلى الانتقاد كذلك. ولكن هلا فسرت لي ما الذي تقصده بالشق الآخر من تعليقك؟ فمنكم يا أهل الخبرة نستفيد.