عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فراس حج محمد - فلسطين

المدرسة المأمولة


المدرسة المأمولة: صديقة للطالب وللمعلم أيضا

فراس حج محمدهل مدارسنا صديقة للطالب أو صديقة للمعلم؟ سؤال تحيرني إجابته، ولا أجد فيما بين يديّ من وقائع أي مؤشر يدلّ على أن مدارسنا تسعى لأن تكون بيئة جاذبة لطرفي العملية التعليمية المعلم والطالب، سؤال كبير مفتوح يتأرجح بينَ بين، وما زال ينتظر جوابا من صناع القرارات في السياسة التربوية، في فلسطين وغير فلسطين.

أناقش في هذا الوقفة التربوية مفهوم المدرسة صديقة للطالب أولا وما هي المعوقات التي تحول دون ذلك، وأحاول اقتراح بعض الإجراءات التي قد تساهم في تطوير الوعي التربوي للوصول إلى واقع المدرسة الصديقة للطلاب، وأخيرا أتوقف عند مناقشة المدرسة صديقة المعلم، وكيف يمكن أن نتوصل إلى تلك المدرسة، بعدما صرنا نلاحظ نفور الخرجين الجامعيين من التخصصات الأكاديمية التي تؤهلهم لأن يكونوا معلمين.

فماذا نعني بداية بمصطلح المدرسة صديقة الطالب؟

يشير المفهوم إلى جعل المدرسة بيئة تعليمية جاذبة للطالب، ويتبلور مفهوم هذه المدرسة من خلال المرتكزات التي تقوم عليها، وهي تتلخص بالبيئة المدرسية الآمنة والملبية لاحتياجات الطالب التعليمية والترفيهية، وتراعي أوضاعه الصحية وقدراته العقلية وترعى مواهبه، وتنمي ميوله واتجاهاته نحو تحقيق ذاته، من خلال إدماجه بالفعاليات التعليمية ليصبح مشاركا فعالا ضمن مجتمع المدرسة، وليس مجرد طالب علم، وترعى الطلاب من ذوي الاحتياجات الخاصة، وأخص هنا الطلاب المعاقين إعاقة حركة، لما لتلك الإعاقة من أثر نفسي على أصحابها، وخاصة في المراحل الدراسية الدنيا.

والآن، كيف هو وضع مدارسنا؟ وهل هي تحقق فعلا المعايير المأمولة؟

لا شك بأن الكادر التربوي العامل في مدارسنا في أغلبه ليس واعيا على هذه الفكرة، ولم تأخذ الفكرة أصلا من وعي واضع البرامج التثقيفية هامشا ولو بسيطا للتعريف بهذا المفهوم وتحقيقه على أرض الواقع، وحتى تقارير وزارة التربية والتعليم الفلسطينية المعدة لرصد واقع التعليم في المدارس الفلسطينية، والتي قد تشير إلى هذا المفهوم وتناقشه يأتي ضمن سياق المشاريع المنفذة والممولة ماليا من مؤسسات داعمة هي في الغالب خارجية، فلم يتم توطين أو توطيد الفكرة، لأنها ما زالت هامشية في وضع الاستراتيجيات والخطط التربوية والتطويرية، وعليه فإن المدرسة صديقة الطالب هي مفهوم ورقي لا يعيش إلا على الأوراق المودعة على رفوف المسؤولين، ولا يتجاوزها إلى أبعد من ذلك.

وعلى ذلك يعد الحديث عن الفكرة قريبا من العبث، فإذا لم يكن لها حضور فلماذا نكتب عنها؟ وهل هناك إمكانية لتحقيق بعض المعايير في المستقبل لخلق مدرسة فيها سمات المدرسة صديقة الطالب؟

من أجل ذلك دعونا نفتّش عن بعض المعوقات التي تحول بيننا وبين هذا النوع من المدارس. ويقف على رأس هذه المعوقات كثرة الأعباء التي يتحملها العاملون في المدرسة، وتجعل المدرسة مكانا طاردا لهم وضاغطا على أعصابهم، في عدم تلبية احتياجات المعلمين، وتتمثل أولا في رغبتهم في تدريس الصفوف التي يرغبون في تدريسها أو تدريس مباحث لها علاقة في تخصصاتهم، فكثيرا ما يتم تحت مبررات لا تربوية توزيع كثير من حصص المباحث لغير المتخصصين بدعوى معادلة المراكز التعليمية وعدد الحصص، فليس المسؤول معنيا أحيانا سوى بالمعادلة الرياضية كأرقام ناطقة، وليس معنيا بالتخصص وملاءمة المركز التعليمي للمبحث أم لا، فإذا كانت البيئة المدرسية طاردة لمن يعمل فيها ويقود العملية التربوية، فكيف سيكون حال الطلبة أنفسهم؟

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإنه لا يوجد إشراك حقيقي لمؤسسات المجتمع المحلي لجعل المدرسة بيئة جاذبة للطالب، فهناك العديد من المدارس التي تفتقد إلى الكثير من المرافق العامة التي تخدم احتياجات الطلبة الأصحاء، عدا الطلبة ذوي الاحتياجات الخاصة، فكل مدرسة تجهز على اعتبار أن الطالب معافى، ولا تأخذ بعين الاعتبار الطلبة الذين يعانون من إعاقات دائمة، أو أولئك الذين قد يصابون بعجز غير دائم في فترة التعرض لحادث ما داخل المدرسة أو خارجها، وهذا يساهم في تولد شعور بالضيق والحرج عند المتعلم مما يجعله مغتنما لأي فرصة يتغيب فيها عن المدرسة، لأنه باختصار لا يرتاح نفسيا، ويظل واقعا تحت ضغط الحاجة الملحة.

وأخيرا فيما يتعلق بالمعوقات أقف عند دور المرشد الاجتماعي، إذ يلاحظ محدودية هذا الدور للمرشد الاجتماعي بالشكل الصحيح في المدارس نتيجة لعدم فهم دوره أحيانا أو إيثاره عدم العمل، لقناعته أن دوره مع الطلبة غير مؤثر، ولذا نادرا ما يلجأ إليه الطلبة أو المعلمون أو مديرو المدارس لحل مشاكل الطلبة، مع افتقار المدارس أحيانا لوجود مرشد اجتماعي فيها ضمن التشكيلات المدرسية.

والآن كيف يمكن لنا أن نبدأ الخطوة الأولى لترسيخ واقع المدرسة صديقة الطالب؟

ولتحقيق هذا الغرض أبين فيما يأتي مجموعة من الاقتراحات العملية والواقعية لمقاربة مفهوم المدرسة صديقة الطالب وصولا إلى الواقع الذي نطمح الوصول إليه، ملخصة في:

1= احترام رغبة المعلمين في تدريسهم المرحلة التي يبدعون فيها، والمباحث المتفقة مع تخصصاتهم، بعيدا عن ضغط التشكيلات المدرسية النظرية، وضرورة النظر بواقعية إلى تلك المراكز التعليمية واتفاقها مع الحاجة الفعلية لتحقيق تدريس فعال بمخرجات واضحة ومؤثرة، واعتماد أسس تقييم واضحة بناء على ذلك، تعبر عن مخرجات التعليم الحقيقية، بعيدا عن العلاقات الشخصية، أو حتى قدرة المعلم العلمية التي لم تسهم في تحسين أدائه أو تحسين المخرجات التعليمية متمثلة في طالب تتحقق فيه أهداف التعليم المرحلية والمستقبلية.

2= إعطاء الطالب أولا حرية الحديث وتنفيذ الفعاليات التعليمية أو تصميم بعضها داخل الغرف الصفية وخارجها، وتصميم الأنشطة من أجل أن ينفذها الطالب نفسه، وتجنب الحكم على مخرجاتها بأحكام الصواب والخطأ القاطعين، بل تكون مهمة المعلم وبقية الزملاء تطوير النشاط وكيف يمكن أن ننفذه مرة أخرى بإتقان أكبر، مع ضرورة اعتماد المعلمين أساليب تدريس أكثر إدماجا للطالب في عملية التعليم، من مثل: التعلم التعاوني والتعلم بالمشاريع الصغيرة والكبيرة، واستراتيجية المعلم الصغير، وإعداد التقارير والبحوث المحددة بالرجوع إلى المصادر والمراجع، والحرص على أن تظهر شخصية الطالب وآراؤه، ومنحه الحرية بعرضها والدفاع عنها بمنطقية وموضوعية، وتعويده احترام آراء زملائه في الإصغاء الجيد والمناقشة الفاعلة.

3= تفعيل دور اللجان الصحية في المدارس، والاهتمام بقيام حملات توعية دورية للطلبة حول ما يعانون من مشاكل صحية مختلفة، ورصد تلك الحالات التي يعانون منها، والتي قد تؤثر سلبا في الطالب، وتجعله يشعر بالخجل بسبب شعوره بالحرج تجاه وضع صحي ما.

4= توعية الطلبة نحو الاهتمام بالبيئة المدرسية، وتنمية اتجاهات إيجابية لديهم في الانتماء لهذه المؤسسة المهمة في بناء الشخصية العامة للفرد والمجتمع.

5= تفقد المدارس المختلطة، والاطلاع على أحوال الطالبات والمشاكل التي يعانين منها، إما من خلال الحديث المباشر، أو توزيع استمارة خاصة، لا يطلب فيها ذكر الاسم أو الصف، تشجيعا للطالبات على الحديث عما يعانين من مشاكل وصعوبات، وتحديد احتياجاتهن داخل أسوار المدرسة.

6= الاهتمام بالأنشطة غير المنهجية المعززة للمدرسة، كونها مؤسسة تربوية واجتماعية وتعليمية، تعنى بصقل شخصية الطالب وتهذيبها، وجعل المدارس بيئة جاذبة للطلبة.

7= منح الطلبة أدوارا قياديا في المدرسة، تتماهى مع الأدوار الاجتماعية واقعيا، وتكليفهم بإنجاز بعض الأعمال وتنفيذ بعض النشاطات، من قبيل تشكيل النوادي الثقافية والرياضية، وتشكيل برلمانات طلابية تعزيزا لقيم الحياة المؤسساتية، ودور المواطن الصالح.

8= تعزيز دور المرشدين الاجتماعيين في المدارس، وتعيين لكل مدرسة ثانوية مرشدا اجتماعيا، ليتابع أحوال الطلبة عن كثب يوما بيوم ممن يعانون من مشاكل نفسية أو ينتهجون سلوكيات غير تربوية أو صحية، مع المتابعة المستمرة لهم لأداء أدوار حقيقية، بنتائج ومخرجات واضحة.

9= تعزيز دور مجالس الآباء والأمهات، وتوثيق عرى المجتمع المحلي مع المدارس، ليكونوا جميعا عونا وسندا تربويا ومساعدا في صقل شخصيات الطلبة، ومتابعة التطور العلمي والكفايات الشخصية للطلبة.

10= توظيف الأيام المفتوحة لتكون مناسبة طبيعية لعرض نتاجات الطلبة العلمية والترفيهية، وإشراك كل الطلبة من خلال المجموعات لعرض ما لديهم من مهارات ورؤى وأفكار وتطويرها ورعايتها وتنميتها.

11= توظيف المناسبات الاجتماعية والدينية والرسمية من أجل إبراز أدوار مختلفة للطلبة في تصميم الأنشطة المناسبة، ومنحهم الحرية المسئولة خلال التدريب والتنفيذ.

12= الاهتمام بالجانب الترفيهي، الرياضي والفني، والرحلات المدرسية، لتوفير بيئة يقبل الطالب على الاندماج فيها، ليشعر أنه عنصر فاعل في بنيتها الاجتماعية والمادية.

وأخيرا:

إذا كنا نريد من المدرسة أن تكون صديقة للطالب فلا بد أن تكون صديقة للمعلم أولا، فلا يشعر المعلم أنه يؤدي واجبا خاويا من الانتماء، بل الإقبال على العمل بحب ومهنية عالية، للكشف عن مكامن إبداعه واندماجه مع البيئة التعليمية، ليكون مُعينا وأبا وأخا ومرشدا وموجها للطالب، وحتى تتحقق هذه النقلة النوعية في عمل المعلم لا بد من مراعاة نقطتين مهمتين في تصوري، عدا ما هو مذكور سابقا في البند الأول من ضرورة مراعاة التخصص العلمي للمعلم:

أولاهما: لا بد من أن يراعي النظام التعليمي بشكل عام رغبة المعلم وميوله ونزعاته نحو التفرد والإبداع، وأن تكون المدرسة مجالا طبيعيا ومجتمعا فعالا لعرض أفكاره الإبداعية وتطبيقها، فقد كانت المدرسة لكثير من المبدعين هي الشرارة الأولى التي أطلقت إبداعاتهم، ولنأخذ مثالا لذلك الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان الذي كان يلقي قصائده على جمهور الطلبة في مدرسة النجاح الوطنية، وكانئذك معلما فيها.

وأما الثانية فتتمثل في أن يتسلم المعلم مهمات إدارية وقيادية والاستفادة من الأفكار التربوية التي تنادي بالقيادة التربوية التحويلية، التي تقتضي تفويض المعلمين بمهام ومسؤوليات، لتعزيز ثقتهم بأنفسهم، وألا تكون الإدارة مجموعة ممارسات دكتاتورية بعيدة عن أجواء التعاون وتحمل المسؤوليات بشكل جماعي.

D 25 كانون الثاني (يناير) 2013     A فراس حج محمد     C 2 تعليقات

1 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 80: العدالة الاجتماعية ونهاية التاريخ

دعوات توحيد الفصحى والعامية

قراءة في قصّتين

إبراهيم يوسف: مبادرة تكريم