عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

وفاء نجار - فلسطين

دعوات توحيد الفصحى والعامية


دعا بعض الباحثين والمفكرين إلى توحيد اللغة العربية في مستوييها العامي والفصيح في لغة واحدة بينَ بين. وقد طرحت هذه الدعوات على وجهين. الأول، الهبوط بلغة الكتابة من الفصحى إلى العامية. والذي رأى فيه عبد الواحد وافي هبوطا من الذرى إلى السفح حيث تقبع العامية معايشة أوكار الجهل، لتستخدم في كافة المجالات التي تعتمد حاليا على العربية الفصحى. والوجه الثاني الارتقاء بالعامية إلى حيث الفصحى لتلغى الازدواجية.

ولكن توحيد اللغة يواجه حائلين. الأول: تمثل المحادثة مشاعر وأحاسيس وأحلام جيل، فلا يمكننا الرجوع مرة واحدة إلى عصور خلت، وليس بمقدورنا محو تغيرات تفرضها نواميس التغير والتطور. والثاني: إن استطعنا النجاح وجعلنا الأمر واقعا ملموسا، فإن محاولتنا الناجحة ستجابه باختلاف الناس في بيئاتهم الجغرافية والطبيعية والاجتماعية، وتمايزهم في قوالبهم الإدراكية[1].

والآن ها قد وجدنا أنفسنا قد استبدلنا بالفصحى العامية ونحن نتأرجح بين التزمت والإباحية، مما جعلنا أناسا بلا هوية. إذن فما الطريقة المثلى لحل هذه المشكلة؟

هذه الطريقة يقدمها لنا عبد الواحد وافي في كتابه "فقه اللغة" حيث يقول: "الطريقة المثلى هي ترك الأمور تسري مساراتها الطبيعية، فللغة قوانينها، وللظواهر الاجتماعية نواميسها التي تسير عليها".

لقد شجع الإنجليزي ويلمور هذه الدعوة إلى توحيد اللغة، داعياً إلى توحيد لهجة مصر. فكان رد عبد العزيز شاويش على ويلمور هو:

"هل خطر في بال ويلمور أن يدعو قومه الإنجليز إلى توحيد لغتهم؟ إنه يعلم أن التفاوت بين لهجة أهل لندن ولهجة سائر الولايات المتحدة، أشد من التفاوت بين لهجة مصر ولهجات الدول العربية الأخرى[2]. فإذا قال ويلمور أن هذا غير ممكن فإنه يضيع علينا تاريخ لغتنا، فكل لهجة من لهجات الإنجليز مأخوذة من شعب من الشعوب التي سادت على إنجلترا. ثم ذكر بعضاً من عيوب الإنجليزية، كالخلاف بين ما ينطق ويكتب والحروف الزائدة في كثير من الكلمات حتى إن متعلمها يضطر إلى حفظ لفظ الكلمة وحفظ صورتها في الرسم. حتى يصح أن يقال أن لا قياس في هذه اللغة"[3].

منهج السكاكيني في انتصاره للفصحى

على الرغم من اختلاف آراء الباحثين حول مشكلة العامية والفصحى، إلا أن خليل السكاكيني عمل على تطبيق آرائه الداعية لاستخدام الفصحى بصورة عملية قائلاً: "إن القوة لا تتأتى للغة إلا إذا ابتعدت عن الألفاظ الضعيفة"[4]. فاللغة لا تحيا في نظره إلا إذا تم تعليمها للطلاب منذ المرحلة الأولى من التعليم، ومن هنا فهو يطالب المعلم بأن لا يتحدث مع تلاميذه إلا بلغة فصيحة، وأن لا ينزل لاستعمال اللغة العامية بأي حال. وإلا فهو يعلمهم بلغة ويخاطبهم بلغة أخرى، وهذا يفضي إلى الازدواجية بين العامية والفصحى التي يحاربها السكاكيني.

ويطلب السكاكيني من المعلم أن يكون جميل الصوت، مهذب اللفظ، أنيق الديباجة، وأن يساعد الطلبة على تبني اللغة الفصحى في محادثاتهم[5]. وقد طبق رحمه الله هذه الأفكار في مدرسته الدستورية، ثم في كلية النهضة بعد ذلك.

الاتفاق الاستعماري على اللغة العربية

أجمع المستعمرون ومن انساقوا وراءهم من المستشرقين والمستغربين على استبعاد اللغة العربية الفصيحة متذرعين بمجموعة من الحجج، فالعربية صعبة جداً، وهي ليست لغة العلوم، فقد حلت محلها اللغة الإنجليزية لغة عالمية للعلم والتعليم، فلا بد إذن من تبني الرموز اللاتينية في الكتابة العربية، ويجب اتخاذ اللاتينية لغة أدبية، كما أصبحت الإنجليزية لغة التعليم. فهل يمكن أن تكون الكتابة اللاتينية أوفى من الكتابة العربية في تسجيل المنطوق؟ يقول عبد الصبور شاهين:

"إن البشرية لم تشهد واقعاً للنطق مثل هذا الواقع، لأنه إنما يتدخل في هذا الجانب عوامل كثيرة أهمها التاريخ والتراث. وعدم قابلية نظام الكتابة للتطور طبقاً لتطور النطق المسموع إن نظام اللغة دائماً مختلف، فالأجيال تحافظ عليه تمسكاً بماضيها. ولو أن كل جيل استباح تغيير نظام الكتابة تبعاً لمواصفاته النطقية لكان لكل جيل نظامه الكتابي الذي يختلف قطعاً عن سابقه، قليلاً أو كثيراً وهو أقرب منه إلى الفوضى منه إلى الاستقرار"[6].

ومع ذلك فالواقع الملموس يكذب كل دعاوى الهدامين والتاريخ أصدق من كل ما يكتبون، فقد استطاعت العربية البدوية أن تساير الحضارة في بغداد، ولم تهزم أمام الفارسية أو اليونانية أو التركية. ويرى محمد محمد حسين أن قواعد النحو التي يزعمون أنها معقدة استطاعت أن تعيش لأكثر من ألف سنة، وأنتج الناس خلالها في مختلف الأمصار العربية وغير العربية ثروة من الكتب العربية التي لا تحصى[7].

= = = = =

الهوامش

[1] علي عبد الواحد وافي. "فقه اللغة". ط7، القاهرة: دار النهضة مصر للطباعة والنشر، 1972،ص154 وما بعدها.

[2] أنور الجندي. "اللغة العربية بين حماتها وخصومها". بيروت: دار الكتاب اللبناني، ص54.

[3] أنور الجندي. "اللغة العربية بين حماتها وخصومها". بيروت: دار الكتاب اللبناني، ص54.

[4] خليل السكاكيني. "مطالعات في اللغة والأدب". القدس: المطبعة العصرية، 1962، ص66ـ67.

[5] خليل السكاكيني. "مطالعات في اللغة والأدب". القدس: المطبعة العصرية، 1962، ص66ـ67.

[6] عبد الصبور شاهين. "في علم اللغة العام". ط3، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1980، ص55.

[7] محمد محمد حسين. "الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر". ط3، القاهرة: دار النهضة العربية للطباعة، 1972، ص373.

D 25 كانون الثاني (يناير) 2013     A وفاء نجار     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 80: العدالة الاجتماعية ونهاية التاريخ

قراءة في قصّتين

إبراهيم يوسف: مبادرة تكريم

الحكاية هي المأوى