إلياس شوفاني - فلسطين
مختارات: الموجز في تاريخ فلسطين
أدناه مقتطف من مقطع من كتاب "الموجز في تاريخ فلسطين السياسي" للباحث والمناضل الفلسطيني، إلياس شوفاني، الذي انتقل إلى رحمته تعالى في دمشق في شهر كانون الثاني/يناير 2013.
وبينما هذا السفاح، هولاكو، يعد للزحف على مصر، وقد أرسل يهدد السلطان قطز الذي تولى الحكم في القاهرة (1259-1260م)، إذ به يقرر الانسحاب شرقا في اتجاه عاصمة المغول (قره قرم) ومعه أغلبية جيشه. إلا أنه ترك خلفه أحد قادته، كتبغا نوين، ومعه جزء من الجيش، والأمر باستئناف غزو مصر. وإزاء هذا الخطر، عمل قطز على لم شمل قوات المسلمين، فانضم إليه بيبرس، عائدا من بلاد الشام، وكذلك فلول عساكر الناصر يوسف الأيوبية.
وتقدم قطز على رأس جيشه لملاقاة المغول، وفي مقدمته بيبرس، فاصطدم هذا الأخير بطلائع المغول عند غزة، وقاتلهم وهزمهم. وتابع المماليك المسيرة بعد أن تجمعت قواتهم في عين جالود (وسط مرج ابن عامر). وهناك التقى الجيشان في معركة شرسة في 6 أيلول/سبتمبر 1260م، انتصر فيها المماليك، وأنزلوا بالمغول هزيمة لم يعرفوها من قبل.
ودُحر المغول، ووقع قائدهم كتبغا أسيرا وقتل. أما فلول جيشهم فقد فرت، بينما المماليك تطاردها. وهذه المعركة الحاسمة غيرت وجه التاريخ في غرب آسيا. فبينما كبحت تقدم المغول، نقلت مركز الثقل السياسي في الشرق الإسلامي إلى القاهرة، وعلى رأس الحكم فيها المماليك. وهؤلاء، بعد أن زجهم الغزو المغولي في شؤون بلاد الشام، واكتشفوا أهميتها الاستراتيجية لمصر، عقدوا العزم على تصفية الوجود الفرنجي فيها. وكان السلطان الكبير، بيبرس، هو الذي وضع أسس هذا المشروع، وقاده بنفسه، بعد أن اغتال قطز وتولى الحكم بلق الملك الظاهر (1260-1277م).
وإضافة إلى القوة العسكرية التي استحوذ عليها عبر القتال، والتي حسمت لمصلحته في الصراع بشأن السلطة بين المماليك، توخّـى بيبرس أن يضفي على حكمه شرعية رسمية وشعبية، فاستدعى أحد العباسيين الناجين من مجازر المغول، المستنصر بالله، وبايعه خليفة في القاهرة، تحت مراقبته. أما الشرعية الشعبية، فقد جاءته عبر قتال الفرنجة. وعلى هذا الصعيد، اكتسب بيبرس شهرة لا تقل عن شهرة صلاح الدين. وفي القصص الشعبي، كانت سمعة بيبرس أكبر.
ولكي يتفرغ لقتال الفرنجة، كان عليه أن يضمن الجناح الشرقي (المغول) وأن يؤمن قاعدة نشاطه بتصفية جيوب الأيوبيين. وكان المغول قد قضوا على الإمارات الأيوبية القوية في سورية، فهادن بيبرس الفرنجة دون أن يطمئنهم. واتجه نحو إمارة الكرك بعد أن تأكد من انكفاء المغول عن غزو غربي آسيا، فأخذ الشوبك (1261)، وبعدها الكرك الحصينة (1263م). وعندما استتب له الأمر، وفرغ من ترتيب أمور ملكه الداخلية، تفرغ بيبرس لمقارعة الفرنجة. ومثله مثل صلاح الدين، قضى بيبرس وهو يقاتل بقايا الفرنجة في الشرق.
بعد الكرك، توجه بيبرس إلى عكا، وحاول أخذها فلم ينجح (1264م). وفي السنة التالية (1265م)، تحرك من مصر فأخذ قيساريا وحيفا وأرسوف والقاقون. وفي سنة 1266م أخذ قلعة صفد الحصينة من أيدي الفرسان الهيكليين. وفي سنة 1267م عاد وحاصر عكا ولم يفلح في دخولها، واقتنع بضرورة وضع خطة ذات أثر بعيد، تعزل عكا وتقطع أوصالها قبل أخذها. وفي سنة 1268م توجه شمالا، فأخذ قلعة الشقيف وهونين وتبنين، وأخيرا أسقط أنطاكيا—الإمارة الصليبية الثانية.
وكانت يافا قد استسلمت له، فأمر بتدمير حصون الساحل وأسوار مدنه. وفي المقابل، ترميم قلاع الداخل، وذلك لحؤول دون عودة الفرنجة إلى الساحل والتحصن فيه، بينما يتمركز جيش المماليك في قلاع الداخل، فرمم قلعة القاقون لموقعها الاستراتيجي، ومن ثم أعاد بناء قلعة صفد، وجعلها مركزا للنيابة، يتبع لها معظم فلسطين. وآخر فتوح بيبرس في فلسطين كان قلعة القريبن (مونتفورت) الحصينة، وكانت مقر الفرسان التيوتون، وموقعا مهما في شبكة الدفاع عن عكا (1271م).
= = = = =
المقطع أعلاه من كتاب إلياس شوفاني "الموجز في تاريخ فلسطين السياسي (منذ فجر التاريخ حتى عام 1949)". الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت (1996). ص 226-227.
.
◄ عود الند: التحرير
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
مختارات: الموجز في تاريخ فلسطين, سيرين عبود | 10 آذار (مارس) 2013 - 12:27 1
سرد تاريخي (قصصي) ممتع نشتم منه رائحة فلسطين العربية عبر العصور ...بعيدا عن ادعاءآت بني صهيون وأكاذيبهم ، وان دل على شيء فانما يدل على ان الأرض المقدسة سترجع يوما لأصحابها الأصليين مهما طال الزمن !