ايمن دراوشة - قطر
قراءة في كتاب حنان بكير
حنان بكير (*): "إبحار في الذاكرة الفلسطينية" وعالم يحترف القتل والتعذيب
(*): كاتبة فلسطينية تقيم في النرويج. عنوان الكتاب: إبحار في الذاكرة الفلسطينية: قصص قصيرة وصور قلمية. الناشر: مؤسسة الرحاب الحدية، لبنان (2012).
الوطن بيت كبير تبقى تضاريسه وجغرافيته ملتصقة بعقول المنتمين له، وتبقى رموزه ومعالمه وأجواؤه مرتسمة في الذاكرة الجماعية لا تبرحها مهما طال البعد والاغتراب. إن الوطن هو الذاكرة التي تسكن عقولنا، وما دام هذا الوطن سليبا فسكانه والمهجَّرون منه سوف يعيشون الهزائم والانكسارات المتتالية هذه دلالات يلتمس القارئ مضامينها عند إبحاره بالقراءة حتى يجد نفسه يدخل إلى ذلك الوطن المغتصب ليكتشف مشاهد القتل اليومي، وسرقة أحلام الأطفال، والإهانات ممن اكتسبوا متعة تعذيب الناس بكل وحشية وهمجية. فكيف لنا أنْ نبحثَ عن أوطان لا يسكنها قتلة ولا يطأها غربان، ولاؤهم لجيوبهم وللشيطان.
يركّز الكتاب على معاناة المرأة الفلسطينية خاصة، والعربية عامة، سياسياً واجتماعياً، وتم تقسيم الكتاب إلى ست عشرة قصة قصيرة. وتنقل لنا الكاتبة معاناتها مع التعذيب الجسدي والنفسي، إضافة للإذلال والإهانة من مجموعة لا تنتمي لجنس البشر ولا الحيوانات. المعاناة والصور الحقيقية التي نقلتها لنا الكاتبة تُشعرنا بالقهر، وتجعلنا ننقم على أنفسنا، لأن هؤلاء الوحوش ليسوا من الأعداء، إنهم ينتمون لهذا الوطن العربي الكبير بمساحته، والفنان بتعذيبه، والعجيب بحدوده ومعابره.
أقامت الكاتبة عملاً قصصياً مستنداً على جملة من البنيات الأساسية حيث نسجت بين مجموعتها القصصية خيوطاً مشتركة جعلت منها نظاماً متكاملاً ونسقاً منسجماً، قدَّمت من خلاله تجربتها ومعاناتها مع التعذيب وألم البعد عن المكان والوطن بلغة فنية تسمو بالقارئ إلى آفاق رحبة تحقق له لّذة فنيِّة، لهذا جاءت العناية بالعناصر المحيطة بالنص أو ما اصطلح عليه بالنص الموازي.
في قصة "البوريفاج"، وهو فندق بلبنان، تكشف لنا الكاتبة في أروع صورها ونقلها للمشهد همجية التعذيب وسادية الوحوش على المستضعفين رجالاً ونساءً، التعذيب العربي بمخابراته القذرة والسيئة السمعة في العالم كله قديماً وحديثاً. هؤلاء يستعرضون فحولتهم على أبناء جلدتهم لكنهم جبناء وأنذال مع العدو. تقول:
"أُطلق سراح أطفالي وبقيت وحدي. خمسة من الوحوش الكاسرة كانوا بانتظار ضحية جديدة لممارسة ساديتهم والتنفيث عن حقدهم. كنت أرتدي ملابس وحذاء الرياضة. تفحصوني بنظرات قاسية ومتحفزة للانقضاض. قال أحدهم: الظاهر إنها رياضية، خلينا نلعّـبها شوية رياضة" (ص 17).
"قيدت يداي بحبل إلى الخلف. ضربة قوية على ظهري أوقعتني أرضاً على وجهي. الكرسي الحديدي الذي رأيته لحظة دخولي دخلت أرجله بين ذراعي وجسدي، والتفت ساقاي عليه حتى أخذ جسدي بكامله شكلاً دائرياً، أو كجسد العقرب حين تنطوي، فقد التقت قدماي برأسي" (ص 18).
في قصتها ليالي الرعب يشعر القارئ بالقلق والرهبة وكأنّ حنان بكير تتلمس مواطن الأوجاع وتتبع معابر الدمع، واللحظات الحرجة للفزع المهول حد الانتحار.
"عندما يضغط النعاس لا سبيل إلى مقاومته. ما أزعج ذلك الشيء الذي لم أجد مفراً من تسميته بالشبح، بعد أن قاومت كثيراً الاعتراف به" (ص 71).
وفي قصة "معابر أم دروب جلجلة؟" تبحر بنا المؤلفة إلى ذاكرة الوجع وجع الوثيقة ومرمطة الحدود والمعابر، فبدلاً من تسهيل الإجراءات على المواطنين المقهورين يتم تعذيبهم وإهانتهم والتحقيق معهم بسبب أنهم يحملون الوثائق دون أي اعتبار للإنسانية والعروبة التي تكسرت على صخورها قول الحقيقة.
"معاناة الفلسطيني على الحدود والمعابر، حكاية تطول ولا تنتهي فصولها" (59).
وفي قصة "امرأة أخرى" تنقل لنا الكاتبة معاناة المرأة العربية اجتماعياً في عالم لا يمجِّد إلا الذكورة، فكانت القصة نوع من التمرد على المجتمع الذكوري، فجاءت القصة بعيدة جدًّا عن عالم الرومانسية الساحر، والعواطف الملتهبة، وراحت الكاتبة تُصوِّر لنا مرارة الواقع وحدة المأساة وهذا انطبق على كل قصص مجموعتها، لتكشف لنا أخيراً حبها الخالد للوطن الذي هو جدير لأن نعود ونعيش فيه.
تميزت قصص حنان بكير بقيم مضمونية عميقة الدلالة، وصور أوجاع تكبدها الشعب الفلسطيني بسبب التهجير قسراً، والتشتت إلى بلاد الطائفية والعنصرية فكانت الهجرات بمثابة الهروب من الألم إلى الأكثر إيلاماً. ومجموعة حنان بكير القصصية جديرة بالقراءة وجديرة بأن نتوقف عندها كثيراً، بل وجديرة بإطالة الوقوف.
◄ أيمن دراوشة
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
قراءة في كتاب حنان بكير, نورة عبد المهدي صلاح\ فلسطين | 27 شباط (فبراير) 2013 - 12:55 1
كاتبة مميزة بكل حق
1. قراءة في كتاب حنان بكير, 27 شباط (فبراير) 2013, 16:52
شكراً لك أخت نورة
أيمن دراوشة / الدوحة / قطر