أوس حسن - العراق
أناشيد الأرض المقدسة
أناشيد الأرض المقدسة
جدار فاصل
لا شيء يفصل بين الرئيس وذلك الرجل المشرد على أرصفة الطرقات سوى تلك المعادن الصدئة والأوراق الملعونة وحاجز ورقي من الظلم والكبر شيدته ريح مسمومة.
خطابات
عندما يلقي الرئيس خطابات حماسية وشعارات لولبية، كان ذلك الرجل يقف صامتا صمتا يفتت الحجر ويبكي القمر.
الوطن
معتقل وسجن كبير يديره الرئيس. نساء الوطن سبايا في قصره، وشبابه أسرى في جيشه، وشيوخه يلملمون بقايا عمرهم من تحت أقدام الرئيس. كان يشرب خمره من دماء الفقراء، ويبني مجده من عقول المستضعفين وحاجتهم للعيش من أجل العيش؛ من أجل البقاء.
أحلام
تحاصر الرئيس كوابيس كل ليلة، تلك الكوابيس. هي نجوم تهوي وتندثر، فتزلزل الأرض وتشق خاصرة السماء. إنها أحلام الجياع والفقراء والبسطاء.
هجوم
في إحدى ليالي الشتاء الطويلة كانت القرية غارقة في ظلام دامس يلفه السكون، وتطرز أذياله الوحشة، بدت النجوم وكأنها خائفة من شيء ما، حتى سال بريقها على وجه النهر دمعة دمعة. والقمر كان يراقب مجهولا أسود، وينتظره كجندي ضائع في جبهات القتال.
شحبت أوراق الشجر واضطرب سكون الماء في ظل صمت رهيب ينتظر صفير عاصفة هوجاء. دقت أجراس الإنذار في معابد الجبال. نصبت المشانق على جذوع الشجر، واحترقت ستائر الليل بنيران الغرباء. بدأت الأرض تبكي وتئن من خطى العابرين ومن وطأة القادمين الثقيلة، ففي تلك الليلة الليلاء هجمت كلاب الرئيس على بيت الرجل. قتلوا أهله وأحرقوا بيته وسرقوا أرضه، وظلت هذه الكلاب تنبح وتنبح، فأضحى مشردا على ارصفة الطرقات، يتكئ على عكازه وتأخذه الريح من درب إلى درب. ولأن الرئيس كان حاصلا على شهادة في القتل والظلم والتدمير من أكاديمية الشيطان الجهنمية، لم يشأ أن يقتل ذلك الرجل مباشرة، بل أراده أن يموت تشردا ونفيا، أراد أن يقتل أحلامه الصغيرة بحجم الكف والمصنوعة من براعم الورود، لكنه رغم ذلك ظل مشرقا، مبتسما للغد القادم الموعود، عظيما بآلامه، وكبيرا بآماله التي وسعت أناشيد الكون.
نشيد الأرض الجريحة
عندما وضعت الحرب أوزارها واشتعلت المدينة، هرب الرئيس إلى دولة العدو، وبقي الرجل المشرد واقفا، صامدا في هذا الأفق الرمادي المشع بالموت يواجه بعكازه دبابة قادمة من أحد أبواب المدينة، عندها تعرى البحر من أسراره وغفت ريح الخلود على زنده، فمات ذلك الرجل واقفا، شامخا، وروت دماؤه عطش الأرض التي طالما أحبها.
لكن الأرض ظلت أعواما من بعده تنشد نشيدها المقدس:
وكم تشرد الدمع في مآقينا — مغتربا يتيما في دجى الحسرات
فلا الليل ليلنا، ولا الحلم حلمنا
شمسكم أيها الغزاة معتمة وزمانكم عار من الظل والذكريات
وكم من الطغاة تجبروا، تكبروا
وفي مزابل التاريخ اندثروا
ثم ذابوا كغيمة في وحل الظلمات
على لوح السراب نقشوا مجدهم وعلى أسمائهم انتصروا
على سماء العار رسموا نجمهم
وذابوا
كوهم في لعنة الحياة
بعد مدة طويلة
عندما كانت الشمس تسرح ضفائرها الذهبية وتعانق زرقة السماء، ظهرت نبتة حمراء في ذلك المكان، وقالت لي:
إن الأرض تخجل حين تؤوي خائنا — وتتيه في السادات من أحرارها (1).
= = = = =
(1) بيت للشاعر السوري عبد المعين الملوحي.
◄ أوس حسن
▼ موضوعاتي
2 مشاركة منتدى
أناشيد الأرض المقدسة, احلام من سوريا | 28 آذار (مارس) 2013 - 13:53 1
اهنئك اوس على ماكتبت فانت اوجزت الواقع الذي تعيشه الشعوب العربية في الوطن العربي وفي المجتمعات ذات الانظمة الشمولية ولا شك ان الكاتب او الشاعر يملك بصيرة يتميز بها ، يقفز بأفكاره ربما الى مستقبل قادم يراه قبل غيره
وباعتباري انا اقرأ لك الان ايضا فأفضل مافيك هو التطور والنضوج المستمر ..........دام مداد قلمك الرائع
1. أناشيد الأرض المقدسة, 29 آذار (مارس) 2013, 07:38, ::::: أوس حسن-العراق
شكرا...عزيزتي أحلام ...أسعدني حقا ..أن تقرأي لي..وخصوصا ما انشره في مجلة عود الند المتميزة..بالفعل هذه النصوص البسيطة ..كتبت في اواخر سنة 2010 اي قبيل ما يسمى بربيع الثورات العربية،في وقتها أردت ايصال فكرة ترتبط بالوعي والحرية لدى القارىء العربي،وقد ضمنت نشيد الأرض الجريحة منولوجا داخلياً على هيئة نص شعري من تاليفي ساهم في اغناء فكرتي وموضوعي..شكرا لزيارتك صفحتي في مجلة عود الند ..تقبلي محبتي وتقديري
أوس حسن.
أناشيد الأرض المقدسة, أشواق مليباري\ السعودية | 4 نيسان (أبريل) 2013 - 17:57 2
أناشيد حزينة تقطر ألما بحجم آلام أمتنا
وفي ذات الوقت تبشر بغد أجمل آت لاريب
شكرا أستاذ أوس
تحيتي
1. أناشيد الأرض المقدسة, 6 نيسان (أبريل) 2013, 08:24, ::::: أوس حسن-العراق
شكرا اختي العزيزة أشواق مليباري....نعم هي أناشيد الأرض والحكم للأرض وحدها فقط...نتمنى أن تشرق شمس الإنسانية والحرية على جميع البلاد المستعبدة والشعوب المظلومة... تقبلي محبتي وتقديري