عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

أوس حسن - العراق

أناشيد الأرض المقدسة


أناشيد الأرض المقدسة

أوس حسنجدار فاصل

لا شيء يفصل بين الرئيس وذلك الرجل المشرد على أرصفة الطرقات سوى تلك المعادن الصدئة والأوراق الملعونة وحاجز ورقي من الظلم والكبر شيدته ريح مسمومة.

خطابات

عندما يلقي الرئيس خطابات حماسية وشعارات لولبية، كان ذلك الرجل يقف صامتا صمتا يفتت الحجر ويبكي القمر.

الوطن

معتقل وسجن كبير يديره الرئيس. نساء الوطن سبايا في قصره، وشبابه أسرى في جيشه، وشيوخه يلملمون بقايا عمرهم من تحت أقدام الرئيس. كان يشرب خمره من دماء الفقراء، ويبني مجده من عقول المستضعفين وحاجتهم للعيش من أجل العيش؛ من أجل البقاء.

أحلام

تحاصر الرئيس كوابيس كل ليلة، تلك الكوابيس. هي نجوم تهوي وتندثر، فتزلزل الأرض وتشق خاصرة السماء. إنها أحلام الجياع والفقراء والبسطاء.

هجوم

في إحدى ليالي الشتاء الطويلة كانت القرية غارقة في ظلام دامس يلفه السكون، وتطرز أذياله الوحشة، بدت النجوم وكأنها خائفة من شيء ما، حتى سال بريقها على وجه النهر دمعة دمعة. والقمر كان يراقب مجهولا أسود، وينتظره كجندي ضائع في جبهات القتال.

شحبت أوراق الشجر واضطرب سكون الماء في ظل صمت رهيب ينتظر صفير عاصفة هوجاء. دقت أجراس الإنذار في معابد الجبال. نصبت المشانق على جذوع الشجر، واحترقت ستائر الليل بنيران الغرباء. بدأت الأرض تبكي وتئن من خطى العابرين ومن وطأة القادمين الثقيلة، ففي تلك الليلة الليلاء هجمت كلاب الرئيس على بيت الرجل. قتلوا أهله وأحرقوا بيته وسرقوا أرضه، وظلت هذه الكلاب تنبح وتنبح، فأضحى مشردا على ارصفة الطرقات، يتكئ على عكازه وتأخذه الريح من درب إلى درب. ولأن الرئيس كان حاصلا على شهادة في القتل والظلم والتدمير من أكاديمية الشيطان الجهنمية، لم يشأ أن يقتل ذلك الرجل مباشرة، بل أراده أن يموت تشردا ونفيا، أراد أن يقتل أحلامه الصغيرة بحجم الكف والمصنوعة من براعم الورود، لكنه رغم ذلك ظل مشرقا، مبتسما للغد القادم الموعود، عظيما بآلامه، وكبيرا بآماله التي وسعت أناشيد الكون.

نشيد الأرض الجريحة

عندما وضعت الحرب أوزارها واشتعلت المدينة، هرب الرئيس إلى دولة العدو، وبقي الرجل المشرد واقفا، صامدا في هذا الأفق الرمادي المشع بالموت يواجه بعكازه دبابة قادمة من أحد أبواب المدينة، عندها تعرى البحر من أسراره وغفت ريح الخلود على زنده، فمات ذلك الرجل واقفا، شامخا، وروت دماؤه عطش الأرض التي طالما أحبها.

لكن الأرض ظلت أعواما من بعده تنشد نشيدها المقدس:

وكم تشرد الدمع في مآقينا — مغتربا يتيما في دجى الحسرات

فلا الليل ليلنا، ولا الحلم حلمنا

شمسكم أيها الغزاة معتمة وزمانكم عار من الظل والذكريات

وكم من الطغاة تجبروا، تكبروا

وفي مزابل التاريخ اندثروا

ثم ذابوا كغيمة في وحل الظلمات

على لوح السراب نقشوا مجدهم وعلى أسمائهم انتصروا

على سماء العار رسموا نجمهم

وذابوا

كوهم في لعنة الحياة

بعد مدة طويلة

عندما كانت الشمس تسرح ضفائرها الذهبية وتعانق زرقة السماء، ظهرت نبتة حمراء في ذلك المكان، وقالت لي:

إن الأرض تخجل حين تؤوي خائنا — وتتيه في السادات من أحرارها (1).

= = = = =

(1) بيت للشاعر السوري عبد المعين الملوحي.

D 25 آذار (مارس) 2013     A أوس حسن     C 4 تعليقات

2 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 82: هل الأدب العربي (لا يزال) محظور(ا)؟

زهرة زيراوي: تكريم في المغرب

فاتن الليل: مساءلة الوعي الوجودي

تحديد النسب بالبصمة الوراثية