عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إبراهيم قاسم يوسف - لبنان

مغال في قناعته ج2


تركنا دار البلديّة وأكملنا طريقنا في محاذاة البحيرة باتجاه ريڤا، عبر أنفاق كانت تستخدم مصانعاً للأسلحة والذخيرة إبان الحرب العالمية الثانية، حولوها بعدما انتفتِ الحاجة إليها طريقاً تساعد على سهولة المرور في منطقة تكثر فيها الثلوج. والأنفاق المتقطعة هذه تحاذي البحيرة لبعض الكيلو مترات؛ ثم تمتدُّ طريقاً ساحلية مكشوفة يبلغ مداها ما يزيد عن خمسين كيلو متراً، تفصل سيرميوني السياحية في أقصى جنوب البحيرة عن ريڤا المدينة السياحية بامتياز في أقصى شمالها، أما عرض البحيرة فلا يتعدى الخمسة عشر كيلو متراً وعمقها لا يزيد عن ثلاثمئة متر، وتستخدم للتجارة ونقل البضائع بين سائر المدن على ضفاف البحيرة.

أما السياحة وهواية التزلج والطيران الشراعي فوق المياه فشأن مختلف ومنظرٌ أخّآذ يحمل على المتعة، ومراقبة المظلات الملونة تتأرجح بالهواة؛ وتتمايل عند الهبوط.

كنا في بداية الطريق حينما تلقى اتصالاً هاتفياً من مشفى بارباراونو في الجوار. كانت المتحدثة باربرا طبيبة نسائية تعمل في المشفى، دعته إلى زيارتها، وأصرَّت بإلحاح حينما علمت أنني برفقته وهي لا تعرفني. توسمتُ خيراً بالزيارة فقلت في نفسي ومَنَّيْتُها مرَّةً أخرى، أن يكون بينهما علاقة عاطفية. وتريد "كنَّتي" من وراء إصرارها على الزيارة أن تتعرف إلي.

حين سألني عن رأي في الزيارة، قلت له: ربما كانت الزيارة أفضل ما دام متأهباً لنداء المشفى في كل وقت، ولا ينبغي أن يتعدى بُعْدَهُ مسافة عشرة كيلو مترات كحدٍ أقصى. هكذا أجَّلنا مشوارنا إلى ريڤا، واكتفينا بزيارة باربرا في مكتبها بالمشفى.

في باحة المشفى؛ أذهلتني شجرة "بطم" دهريَّةٍ، كيف أطاحت بها عاصفة الليالي الماضية واقتلعتها من جذورها، ورمت بها ليس بعيداُ من المدخل، لتعرقلَ العبورَ إلى المشفى من الباب العام، وكان فريق من البلدية بثياب "الأورانج"؛ مجهزاً برافعة عملاقة ومنشار آلي؛ يتحضر لرفعها وإزاحتها عن المدخل وشحنها بعيداً.

قالت باربرا بعد تمهيد قصير، إنها من مدينة بريشا، عاصمة الإقليم وأكبر مدينة فيه، وإن أهل البلاد هنا لا يحبون أبناء هذه المدينة كما قالتْ، لثرائهم وسعة عيشهم، ومصالحهم التي تحكم علاقتهم بالآخرين. قلت لها ممازحاً بابتسام، وابني من يتولى ترجمة ما أقول: ما من سبب يحملني على الإحساس المماثل بالعداوة معها، ما دامت مصالحنا مختلفة متباعدة. وليس ما يحول بيني وبين الإعجاب باستقبالها وحسن ضيافتها، في زيارة عفوية قصيرة جمعتني بها. ولا مبرر على الإطلاق للإحساس بالسلبية معها، ما دمت لا أنتسب إلى هذه البلاد ولا أشعر بالغضاضة إزاءها ولا الحسد منها، وأطريت جمال وجهها وفتنة عينيها الملونتين، وقلتُ لها: من كانت عيناه تشبهان عيني "أم السيد المسيح عليهما السلام"، كما عبَّر عنهما الكثير من الرسامين في أوروبا كلها، فدخيلته لن تقلَّ عن جمال وجهه وعينيه، ناهيكَ عن أنف مرتفع يشير إلى نزعة "بورجوازية" كتمتُ وصفه في نفسي.

انفرجت أساريرها على وسعها، حينما صارحتها بجمال وجهها وعينيها. ثم انفلتتْ بلباقة وغيَّرتْ مجرى الحديث وسألتني إن كنت زرتُ ضفافَ البحيرة وإن كانت أعجبتني. وأجبتها: إن جمال إيطاليا هبة مميزة منحها الله لهذه البلاد الساحرة. لكن الناس والتطلع في وجوههم هو ما يعنيني قبل البحيرة وجمال الطبيعة، وانفرجت أساريرها بالشكر والرضى مرة أخرى. الحق؛ لستُ خبيراً في طبائع النساء فأنا لم أعرفِ المرأة في حياتي، إلاّ في واحات قليلة. لكنني تمكنتُ من التأثير في مشاعرها.

كنا نحتسي الكابوتشينو، (هذه المفردة أيضاً كنتُ أعرفها قبل السفر)، وكنتُ أجلس على مقعدٍ مسندُ ظهرِه مرنٌ ومربك، يستجيب تلقائياً لحركة الجسم كالنابض الردَّاد، يحنُّ أو يرتخي تحت الظهر فيخيل لمن يجلس عليه أنه يكاد ينقلب إلى الوراء، أو يدفع الجسم بكليته عند الانحراف أو الميل إلى الأمام. لاحظتْ باربرا ارتباكي في جلستي، وسألتِ ابني إن كان الكرسي يزعجني، وأجبتُه: وفقاً لمبدأ نيوتن فينبغي للكرسي أن يكون مريحاً.

استوقفها الاسم وسألتْ ما علاقة نيوتن بالموضوع؟ وأجبت ابني هذه المرة بالفرنسية مباشرة فقلت له:

(Toute action a une réaction égale et opposée)

وقصدت بذلك قانون نيوتن الذي يقول: "كلُّ عملٍ له ردُّ فعلٍ مساوٍ ومعاكسٍ له". وبناءً عليه، فينبغي للكرسي أن يكون مريحاً إلى أقصى الحدود. ثم سألتني إن كنت أعرف أي جزءٍ هذا من نظرية نيوتن؟ وأجبتها: هي نظريته الثالثة. لكنني سألتها بدوري إن كانت تعرف نظريتيه الباقيتين؟

أبدت أسفها لأنها لا تتذكر الكثير عن "ميكانيكيا" الحركة، ولو أن أباها كان مهندساً ناجحاً؛ يملكُ مصنعٍاً للتعدين، ساعدها في مادة الفيزياء، حينما كانت لا تزال على مقاعد الدراسة كما قالت. فاكتفيتُ بناءً على رغبتها، بشرح النظرية الأولى باختصار وحدود ما أسعفتني به الذاكرة.

غلبني الغرور والادِّعاء الكاذب بالتواضع، وشعرتُ بأنني الأقوى في المعادلة، فقلت لها بابتسامة لا تخلو من المكر والشماتة والاستفزاز المبطن: تَحَدَّثْنا عن نيوتن وقتاً طويلا، ونيوتن هذا ليس إيطاليا، وليس لكِ أن تفخري بِجمال شَعْرٍ مستعار، أو تسريحةِ إحدى صديقاتك.

قلتُ ما قلت؛ إمعاناً في التورية وفي محاولة مبيتة لاستدراجها واستفزازها، فلا يكون نيوتن سبباً في اعتزازها والتعصب له ولنظريته على حسابنا، نحن الشعوب المضطهدة المقهورة، التي أذلها الغرب واغتصب أرضها، واستعمرها وأكل خيراتها. لكنها لم تقع في الشرك؛ وأجابتني بسرعة خاطر ونشاطٍ ذهنيٍّ صاحٍ: لا أعتقد أولاً أن شعري مشعثٌ أو قبيح، أو يفتقر إلى العناية وحسن التسريح، كما لا يخفى عليّ أن نيوتن هذا إنكليزي وأنَّ غاليليو وپراندللو إيطاليان وأن ابن سينا عربي وپسكال فرنسي وأن العبقرية والنبوغ لا يقتصران على جنس وعرق ولون. هؤلاء جميعهم ملك البشرية قاطبة. وكان من الحماقة والوقاحة لو ذكَّرْتُها بموسوليني وهو يرمي في طفولته رواد الكنائس بالحجارة، وفي شبابه يستولد الفاشية والتطرف في دولة مفككة متداعية، أو بنيرون يوم أحرق روما وهو يستمتع بمنظر اللهيب والنار.

في سياق الحديث، سألتني عن أبرز المعالم السياحية عندنا، فحدثتها عن مغارة جعيتا وعن "الطوالع والنوازل" فيها (Stalagmites et stalactites)، وعن عمق يتجاوز بضعة عشرات الآلاف من الأمتار في بطن الجبل، تقطعها بالقارب في مياه مضاءة كما الأحلام، شديدة البرودة لا تتحملها اليد لأكثر من ثوان، وتنتهي الرحلة إلى الداخل بباحة فسيحة أقيمت فيها لمرات كثيرة حفلات موسيقية، استخدموا فيها الآلات النفخية فحسب، حَضَرَها آلاف المدعوين في جوٍّ كالأساطير، وتجنبتُ ما يسيء في الحديث عن المغارة حينما عاثت في تخريبها أيدي الميليشيات إبان الحرب الأهلية. ثمَّ حدَّثتها عن الأرز شاغل الدنيا ومالئ الكون كما يقول سعيد عقل، وعن حمانا وزيارة لامارتين لواديها، وعن شواطئنا التي تماديت بالكذب في الحديث عنها، فادعيت أنها نظيفة ترى حبة الرمل واضحة في أعماق مياهها.

في غفلة مني تركتني وانصرفتْ إلى الحديث مع ابني، فلم أفهم شيئاً مما دار بينهما. إلاَّ أن اسم أوريانا أثار فضولي حين تردَّدَ على لسانيهما عشرات المرات، مصحوباً بابتسام لا يخلو من الاستخفاف. وأوريانا هذه طبيبة عائلية واسعة العيون في طرفها حورٌ كأنها من عرق يمني، أو من تلك العيون الفاتنة التي وصفها يوماً ولم يَرَها بشارُ بن برد (1)، "والحق هذه المرة ربما كان على العرب وليس على الطليان".

أوريانا هذه كنتُ تعرفتُ إليها منذ أيام قليلة، وفهمتُ لاحقاً أنهما استغاباها في حديث تناولها بالنقد والتجريح لأنها تفتقر إلى الكفاءة اللازمة في مهنتها، حين خافت وأخفقت أن تعالج ابنها من حرارة ألمَّت به ليلا، فأدخلته المشفى ليشرف على علاجه طبيب آخر.

لم أصبرْ ونحن نتجاوز البابَ إلى الدرج في الطابق الأول، حتى بادرتُ ابني بالقول إن باربرا طبيبة جميلة حقاً؛ بل لطيفة وجذابة؛ متحدثة لبقة ذكية وغنيَّةٌ أيضاً، وجديرة بالتالي أن تكون زوجة مثالية له، فهل هي مرتبطة بزواج أو خطوبة أو غرام؟

أبديتُ حماسة كبيرة بالسؤال. لكنه خيَّبَ أملي، حين أجابني باستغراب لا يخلو من الدهشة والفتور: من أين له أن يعرف؟ وأنَّ الأمر لا يشْغله وثروتُها لا تعنيه، فابني مغالٍ في قناعته، "غاوٍ" للفقر، يفتش عنه في ضوءِ الفتيلةِ والسِّراج، وأنا بلغتُ من العمر ما بلغت، فلم أقرر، ولم أدرِ بعد، إن كان ابني يرضيني أم يتعبني. ولم أكتشف إن كان على حق أو كنتُ على باطل.

= = = = =

(1) يقول بشار بن برد، وكان أعمى:

إنَّ العيونَ التي في طرفِها حَوَر - - - قَتَلْننا ثم لم يُحْينَ قتلانا

D 25 آذار (مارس) 2013     A إبراهيم يوسف     C 13 تعليقات

13 مشاركة منتدى

  • الأستاذ الفاضل ابرهيم يوسف
    خير من يكتب في أدب الرحلات هو كاتب يعي دقائق الحدث ويجيد الوصف والمقارنة واستحضار الشواهد جاعلاً من نكهة المطالعة شيئاً أثيراً ومشوقاً وتاركاً أثراً بالغاً يمتشق قامة السرد ، ليولي الحدث مزيداً من التشويق والامتاع وهو ما تجيده بامتياز اضافة للغتك الراقية البليغة.. استمتعت بقراءة مشوقة تتضلع بالجمال والتناسق.. فلا عدمنا هذا القلم المميز.. وبارك الله فيك أديباً متدفقاً بجمال


  • هيام ضمرة – الأردن

    حضرتْني وأنا أقرأ التعليق، حكايةَ الخليفةِ المأمون، وكانَ في مجلسٍ من مجالسِه يحيطُ به الشعراء، حينما رأى رجلاً فقيراً خجلاً متردداً عندَ الباب، فأشارَ إليه بالدخول.. ثم سأله من أنتَ وما صناعتُك..؟ قالَ الرجل: أنا ابنُ البوَّاب وصناعتي الشعر.. وردَّ عليه المأمون: أهلاً بك، فهلاّ أسمعتَنا شيئاً..؟ وأجابَه: لو فعلتُ يا أميرَ المؤمنين..؟ لأقصيتَ أبا نواس من جانبكَ؛ وأدنيتني. عندها تخلى أبو نواس عن مكانِه طوعاً لابنِ البواب إلى جانبِ الأمير، فأنشدَه قصيدةً يمدحُه فيها.. ويقولُ له في بيتينِ من القصيدة:

    القولُ منكَ فِعَالٌ والظّنُّ منكَ يقينُ
    ما مِنْ يديكَ شِمالٌ كِلتا يديكَ يَمينُ

    أقولُ لكِ ما قاله ابنُ البواب للخليفةِ المأمون.. فأنتِ أكرمُ وأشدُّ حضوراً من أمير.. وأنتِ البلاغةُ والحصافةُ واللياقةُ يا ست هيام.


  • رائع ما خطه قلمك كالعادة، ولكن استوقفني ما يلي
    لا تتواضع ياصديقي؟ فلو لم تكن خبيراً في طبائع النساء، لما تمكنت من التأثير عليها
    بالرغم من أن طبائع المرأة لا تختلف كثيرا عن طبائع الرجل
    استوقفني وصفك للعيون اليمنية وأن الحق هذه المرة إنما على العرب وليس الطليان
    سأتخيل احساس كنتك بعد قراءه هذا المقال، بالتأكيد ستسعد لشئ واحد بأن زوجها أختارها وفضلها على كل الأخريات
    وابنك كما تراءى لي ليس مغاليا أبدا في قناعاته ما دام يحيا برضى رب العالمين
    ويرتكز على أساس متين. هو موفق من الله ولا أرجو له أن يساوم على قناعاته مهما غلت الأثمان
    لفتني أيضا الحوار المميزعن نيوتن
    دمت دائما رائعا وجميلا وأميرا للكلمة وملكا للمشاعر الجميلة


  • نص ممتع جذاب ونتمنى أن نقرأ الجزء الثالث والرابع ...مزيج من العفوية والطرافة والمعرفة والسياحة والحكمة التلقائية ، اقول دوما لا تكفي الرغبة بالكتابة وانماالأهم هو الشغف والموهبة والتمكن من ادوات التعبير ، وهذا ما اتحفنا به الكاتب وقد أخرجنا من سجن ذواتنا وكاننا نشاهد فيلما سينمائيا ممتعا...


  • يقول أمين معلوف:لكي ينهض الإنسان، عليه أن يتقبل أولا أنه ملقى على الأرض
    هكذا نهضت إيطاليا وغيرها من دول أوروبا بعد حقبة طويلة قضتها في الحروب والنزاعات، فحولت أنفاق مصانع الأسلحة القديمة إلى طرق ينتفع بها الناس، تحولت من صناعة الموت إلى صناعة الحياة حتى ولو اقتصر الأمر على أرضها وشعبها. واتخذت المنهجية في التخطيط والتفكير قبل الأيدي والأصوات والشعارات

    العلماء و المبدعون أهدوا إنجازاتهم للعالم، عملوا بصبر وصمت معظم الأحيان وارتضوا القليل لأنفسهم، وعاش معظمهم فقراء.. هل كانوا جميعا مغالون في قناعاتهم؟؟ ربما كان البعض كذلك؟ لكني متأكدة أن قلوبهم كانت مفعمة بالكثير من معاني الحياة الحقة ومنها العطاء

    جاء في كتاب (تاريخ الأدب العربي) للزيات
    أن الأبيات المنوه عنها منسوبة لجرير وهي أجمل ما قيل في الغزل
    وفي نفس الكتاب في ترجمة بشار جاء البيتان
    ياقوم أذني لبعض الحي عاشقة. والأذن تعشق قبل العين أحيانا
    قالوا بمن لا ترى تهذي؟ فقلت لهم. الأذن كالعين توفي القلب ماكانا

    ربما الأصوب أن جريرا هو القائل.. ذلك أن بشارا كان أعمى فلم ير العيون التي في طرفها حورٌ

    نص جميل جدا
    تحيتي


  • منال الكندي
    أؤكدُ لكِ يا صديقتي أنني لستُ متواضعاً، وأنني مهزومٌ وكثيرُ الانكسار.. مهزومٌ أمامَ أسرتي وأولادي وأصحابي. كنتُ مظلوماً ومتهماً على الدوام، فلم ألعبْ مرةً في حياتي دورَ المدَّعي العام..! (ولا أدري إمتى الهوى، يجي سوا وارتاحْ ولو في العمرِ يومْ)..!؟

    كانتِ ابنتي الصغرى في الثالثة من عمرِها.. وكنا نجلسُ في المساء إلى طاولةِ الطعام نتعشى ، عندما خطرَ لها أن تسكبَ مياهَ الإبريق في صحونِ الطعام. وزعتِ المياهَ على الصحون بالتساوي وأفسدتْ كلّ الطعام. لم أتطلع إليها بعين الزعل ولا الغضب..؟ بل تطلعتُ إليها بعينِ العتب، لكنّ نظرتي لم تَخْلُ من التأنيب، وهي لم تتعودْ مني هذه القسوة.. ثم قرصتُها في خدِّها قرصةً لا تؤلم.

    وهوتِ السماءُ على الأرض. فأسرعتْ إلى غرفتها تنشجُ وتبكي بكاءَ المقهورين. رقَّ لها قلبي ولحقتها، ثم دنوتُ منها برصانةٍ أعاتبُها وأسألها: ماذا سنأكل بعدما أتلفتِ الطعام..؟ هذه المرة أحستْ بضعفي إزاءها، فانتهزتِ الفرصة وأوسعتني صفعاً على وجهي، عقابا على نظرتي وقسوتي وقرصتي المؤلمة.. فهل رأيت يا صديقتي كم أنا ضعيفٌ ومهزوم..؟


  • منال الكندي
    وحينماقلتُ أنني لم أعرف المرأة في حياتي إلا في واحات قليلة..؟ فأنا أعني فعلاً ما أقول، ولو أنني نلت حقي من المرأة ونصيبي من الدنيا. الأكل والجنس من الأسباب التي تثبط القدرة على التفكير السليم، وتسبب خللاً في الرأس، فلم أفرط في الطعام ولا تهالكت يوما على الجنس. والحقيقة الأخرى أنني لم أر عيون أهل اليمن.. لكنني استنادا إلى اليتيمة، استنتجت صحة ما أقول.. ليكون الحق هذه المرة على العرب لا على الطليان.
    وكأنها وسنى إذا نظرت أو مدنفٌ لمَا يفِق بعد.
    بفتور عينٍ ما بها رمدٌ وبها تداوى الأعين الرمد


  • أشواق مليباري
    المصفحات الألمانية المحترقة التي دمرتها المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، ما زال الفرنسيون يعرضونها في شوارعهم، بينما التعاون والمصالح المشتركة قائمة اليوم بين البلدين في كل المجالات. ونحن نختلف في كل شأن.. سوريا تحتضر، نساؤها من لحمنا ومن دمنا، يتسولن في الشوارع وعلى الأبواب. طار الإدراك من العقول، والشئمة تبخرت من رؤوس الرجال.. وأختنق صوت هيثم المناع والبطرك الراعي

    كنت أتوقع الإشارة إلى لالتباس القائم في الأبيات المنسوبة لجرير. فإذا كان بشار قد لجأ إلى التعبير عن مشاعره عبر السمع لأنه أعمى؟ كما في قوله والأذن تعشق قبل العين أحيانا؟ فلماذا يكون جرير هو القائل عندما يتوسل السمع بدلا من النظر ما دام مبصراً؟

    ليس بالاستناد إلى المراجع التي تؤيد هذا الرأي أو ذاك، بل بالاجتهاد؟ أعتقد أن بشاراً هو القائل. فالحصري القيرواني هو الأخر كان شاعراً أعمى فمن أين أتاه القول: كلا لا ذنب لمن قتلت عيناه ولم تقتل يده. كان بشار شاعرا مبدعا كما القيرواني وتمكن أن يستلهم إحساسه حين قال بأن الأذن تعشق قبل العين أحيانا.. وتبقى العبرة أن ما قيل كان رائعا بلا جدال


  • لعلّ الرّابح الأكبر هو من كان مغال في قناعاته، والإبن سرّ أبيه.

    نص جميل جدّاً أستاذي وصديقي

    محبتي واحترامي


  • مادونا عسكر

    أشكرك على اهتمامك يا سيدتي، مع مودتي الصادقة وإعجابي بكل آرائك وأكثر ما تكتبين


  • مهند النابلسي: كل الشكر لك والمودة الصادقة على حضورك الدائم، وما تبديه من أفكار موضوعية ملفتة في كل المحافل.


  • من غريب الصدف سيدي أنني تكلمت في نصي للشهر القادم عن الأنفاق المشيدة عبر الجبال على الطريق السيار شرق غرب، المنجز حديثا في شمال الجزائر، وعن بحيرة بضواحي إحدى المدن.

    و يبقى شوقنا وفضولنا قائما للتعرف على ريغا منذ الجزء الأول لهذا النص. لكأنك تمارس علينا تجربة" بافلوف".

    نص ناجح كالعادة ولو أننا انتظرنا التمتع بصور عن جمال إيطاليا لاحوارا مغلقا مع بربرا.


  • لعلَّ الصحيح في الرواية التي قرأتها، من أن بشار بن برد، كان في مجلس للطرب وسمع مغنية تغني قصيدة جرير:
    بانَ الخليطُ ولو طُوِّعْتُ ما بانا
    وقطعوا من حبالِ الوصل أقرانا
    إلى أن قالت:
    إن العيون التي في طرفها حورٌ .. ألخ
    فالتهبت قريحة بشار لأبيات جرير فقال:
    وذاتُ دَلٍ كأن البدرَ صورتُها
    باتتْ تغني عميدَ القلبِ سكرانا
    قلتُ احسنتِ يا سُؤلي ويا أملـي
    فاسمعينـي جـزاكِ الله إحسانـا
    قالت: فهلا فَدتكَ النفسُ أحسنَ مِن
    هذا لمن كان صبَّ القلبِ حيرانا.. ألخ
    للأمانة واستنادا للرواية التي تقدمتْ يكون البيت موضوع الالتباس لجرير وليس لبشار
    والحق إلى جانب القائلين بهذا الرأي.


في العدد نفسه

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 82: هل الأدب العربي (لا يزال) محظور(ا)؟

زهرة زيراوي: تكريم في المغرب

فاتن الليل: مساءلة الوعي الوجودي

تحديد النسب بالبصمة الوراثية