عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

محمد محمود التميمي - الأردن

أهلاً بالمستقبل


محمد التميمييتناول فنجان قهوته على مهل مستمتعاً بكل رشفة، فأنفاس السيجارة معدودة والعمر قصير كعلبة سجائر مستوردة تنتهي بمجرد اعتيادينا على وجودها.

يجلس في شرفة المنزل واضعاً فنجان القهوة على حافتها وصوت فيروز يغني "آخر أيام الصيفية" وتمتد أمامه حديقة المنزل.

يطيل النظر في الحديقة فلا يجد فيها سوى بعض الشجيرات أنهكها العطش فلم يبق عليها من الأوراق الخضراء ما يكفي لصنع أبريقٍ من الشاي (1)، فقد أنهكها شح المياه في البلاد التي أضافت فقراً جديداً لها وفي المياه هذه المرة.

حتى فيروز لم تغنِ بشكل صحيح، فرغم أن الجو مغبر كآخر أيام الصيف، إلا أنها أيام الربيع والصيف لم يأتِ بعد. حتى الأنفاس الصباحية المنعشة لم تدخل إلى صدره إلا بعد أن لوثها الغبار ودخان السيارات اللاهثة في الشوارع ليل نهار. وهدوء الصباح يقطعه صوت الحافلات المدرسية وأبواقها الحادة التي توقظ الحي بأكمله لتُقل طفلاً لا يزيد طوله عن متر.

وفنجان القهوة الذي تفنن في صنعه ها هو يدافع عنه ضد هجمات الحشرات الفضولية التي ما تمل عن العودة لغزو هذا الفنجان في كل مرة تخطئ يده عن اصطيادها. حتى السيجارة كانت أشبه بطعم أعواد "الملوخية" الجافة التي دخنها في أول طريقه لاحتراف التدخين.

تأمل نفسه والبيئة المحيطة به للحظات، انفجر بالضحك لبعض ثوانٍ قبل أن يقول متحسراً على مدينته التي شاخت في صباها: "الله يرحم أيام زمان".

قام للمذياع وغير صوت فيروز لصوت إذاعة إخبارية تعب مذيعها من كثرة تعداد أرقام القتلى حول العالم ونشره بعد كل حصيلة قتلى لبياناتٍ مكررة من كل الأنواع من شجب وإدانة واستنكار.

قام بدوره ليركض وراء لقمة عيشه، وخرج من بيته تاركاً فنجان قهوته نهباً للحشرات، وطفله الصغير يلعب أمام المنزل منتظراً حافلة أكبر من مدرسته لتقله إليها.

بعد أن ركب سيارته وبدأ بتلويث الجو بدوره شاهد لافتةً كبيرة عنونت بعبارة "أهلاً بالمستقبل" لم يكمل القراءة وغاب في الزحام.

= = = = =

(1) مثل يستخدم في قرى فلسطين كناية عن قلة عدد الاوراق الخضراء.

D 30 نيسان (أبريل) 2013     A محمد التميمي     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

  • "آخر أيام الصيفية"، من أغاني مسرحية "ميس الريم" للأخوين رحباني عاصي ومنصور. غنتها السيدة فيروز، كما غنت كل عناصر الطبيعة بين الأرض والسماء، وميس الريم ليست ضيعة في لبنان في حدود ما أعرف، كما تشير المسرحية..؟ لكنها مقصف ومنتجع سياحي رائع في سوريا.. أتمنى ألاِّ يكون قد تضرر أو تهدم بفعل ما يجري. أما في لبنان فهناك بلدة (قاع الريم) مصيف جبلي مميز في نواحي مدينة زحلة البقاعية.

    منذ عقود وفي عمر أصغر؛ كنت أشعر في صباحات الورد النّدِيَّة، بنشوة الاستماع إلى فيروز وأنا أحتسي قهوتي وأدخن.. أرجو أنك لا زلت تطرب لفيروز..؟ ولكنني لا أتمنى لك عادة التدخين. شكرا لك على الحكاية المقتضبة البسيطة التي لا تُحَمِّلُنا مزيدا من الهموم.


  • مشهد من حياتنا غنيّ بالتفاصيل التي تدعم الخاطرة فتجعلنا نعيشها، ونسترجع بعضاً من ذكرياتنا رغماً عنا.

    فالمقدمة تشوقنا لمتابعة القراءة، والأفكار في الخاطرة مترابطة.
    وبرأيي، قد تعجز اللغة العادية أحياناً كثيرة عن تصوير القوة الانفعالية لكن الصور الأدبية التي استخدمتها تحتوي قوة الانفعال وتجسّد فكرة الخاطرة.

    وأرى أن العاطفة من أهم العناصر الأدبية في القصص، وفي قصتك هذه ظهرالأثر الانفعالي لديّ كقارئة فمثلاً: "انفجر بالضحك لبعض ثوانٍ" امتزجت مشاعري بالضحك والحسرة تماماً كما حدث مع بطل قصتك!

    أيضاً الأمثال التي تقتبسها في مكانها، واللغة العامية تعطي نكهة أخرى للقصة.

    وباختصار، أبدعتَ الكتابة...

    ننتظر منك المزيد


  • أهلا وسهلا بالمستقبل

    كيف يكون حال المستقبل ونحن في موعد النكبة؟
    مع اللا جئين المشردين في بلادهم وفي أصقاع الأرض
    وسلاحهم لا يزيد عن غصن زيتون لمَّا يزل لونه أخضر
    هل يكفي أن نردد في جوقة واحدة
    سنرجع يوماً إلى حينا
    ونغرق في دافئات المنى


  • لا أدري يا دكتور محمد.
    الماضي لن يعود لو ترحم عليه أو لم يفعل
    أنا أرى في النص بيتا وشرفة وحديقة وأرى مذياعا وصوتا جميلا
    وفنجانا من القهوة
    أرى شوارع وسيارات وحافلات وأطفالا في طريقهم إلى المدرسة
    أرى شابا لديه عمل يذهب إليه، و طفلا سليما معافى يلعب أمام البيت بأمان.
    بعد كل هذا

    أليس عليه أن يقول أهلا بالمستقبل؟


    • أستاذة أشواق،
      كلامك سليم ونظرتك للحياة متفائلة وهو شيء جميل على عكس بطل القصة.
      القصة تعكس نظرة معينة للحياة، وهي اذا إلتفتنا الى صغائر الامور فإننا نفسد حياتنا ونعكر صفوها ونغطي كل جميل فيها.
      المستقبل آتٍ شئنا أم أبينا ولكن نحن من يحدد اذا كنا سنستقبله بتفاؤل او بتشاؤم.

في العدد نفسه

عن مبدع الغلاف

كلمة العدد 83: "عود الند" تكمل سنتها السابعة

كتابة التاريخ من منظور نسوي

كيف نقرأ مرجعا أدبيا؟

الأدب المقارن: النشأة والتطور