كُليزار أنور - العراق
بنات الرياض: مرآة مجتمع في زمن العولمة
*"بنات الرياض" رواية للكاتبة رجاء عبدالله الصانع. صدرت عن دار الساقي، بيروت (2006). الطبعة الرابعة.
دائماً تأخذ الأسرار حيزاً كبيراً من الاهتمام. إنه الفضول نحو المجهول والاطلاع عليه. واستطاعت الروائية أن تُضيء لنا عالماً كان غامضاً بالنسبة إلينا. لقد رمت بحجرٍ في بحيرة الأسرار. واتسعت الدوائر!
رواية "بنات الرياض" أول إصدار لطبيبة الأسنان السعودية رجاء عبدالله الصانع (مواليد 1981). الرواية تحاكي لغة العصر، الانترنيت. تبدأ بتاريخ أول ايميل في 13/2/2004 لتنتهي بآخر ايميل في 11/2/2005 –توقفت فقط خلال شهر رمضان. وعاودت الإرسال بعد انقضاء الشهر الفضيل- خمسون ايميلاً وعلى مدار سنة. هو زمن الرواية، أما زمن الحكايات، فيعود لست سنوات سابقة.
ايميلات ترسلها فتاة مجهولة كل يوم جمعة إلى معظم مستخدمي الانترنيت في السعودية. تقص فيها حكايات صديقاتها الأربع (قمرة، ميشيل، سديم، لميس). هذه الايميلات خلقت ثورة داخل مجتمع كمجتمع السعودية. بحيث يتحول نهار السبت إلى ساحات ودوائر للمناقشة في الجامعات والمدارس والمؤسسات الحكومية. وكتبت عنها الصحف. وتحولت إلى قضية ناقشتها البرامج التلفزيونية. والكل يفسر الايميل حسب هواه. والكل يدلي بدلوه، بين مؤيد ومعارض.
لا خلل في الرواية. رواية متماسكة درامياً ومترابطة من حيث أدوار الشخصيات. هناك سلطة مهيمنة من ساردة واحدة تروي من زاوية واحدة وصوت واحد حكايات صديقاتها الأربع:
"إنني لا أرى عيباً أن أُورد عيوب صديقاتي في رسائلي ليستفيد منها الآخرون ممن لم تُتَح لهن فرصة التعلم في مدرسة الحياة، المدرسة التي دخلتها صديقاتي من أوسع أبوابها: باب الحب!" ص68.
ولم تسطر رجاء الصانع جنوناً روائياً، بل سطرت الواقع كما هو، كمن يرى نفسه في مرآة، ومهما كانت العيوب والمزايا. كل ما فعلته إنها أزاحت الستار وبكل جرأة –تُحسب لها، وليسَ عليها- عن عالم مخملي لا يعرف أخباره سوى مَن ينتمي إليه.
قمرة
أول واحدة تزوجت بينهن. وسافرت مع زوجها بعد شهر العسل إلى شيكاغو لكونه يُحضر الدكتوراه في التجارة الالكترونية. عاشت حياتها الجديدة بكثير من الخوف والتوجس بين جدران شقتها الكائنة في الطابق الأربعين من (البريزيدنيشال تاورز، أي أبراج الرئيس).
تعامل معها راشد بجفاء وبرود منصرفاً عنها لدراسته تاركاً لها مسؤولية الاعتناء بالمنزل، وبتصرفه هذا كان يقتلها كل يوم مئات المرات. وكم حاولت استمالته، لكن دون جدوى!
وتكتشف خيانته بالصدفة حين وجدت صوره المخزونة في الكومبيوتر. وتتصل بهذه المرأة اليابانية (كاري) –التي سرقت زوجها منها- وتواجهها. وعندما يعلم راشد ينهرها ويضربها ويأمرها أن تعتذر منها. تخبره بأنها حامل متصورة بأن حملها سيعيده إليها. يُسفرها إلى الرياض وبدون أسفٍ. وبعد مدة قصيرة يرسل لها ورقة الطلاق. وتُرزق بصبي في بيت أهلها تُسميه (صالح) على اسم والد راشد.
بعد ثلاث سنوات خطبها عقيد عسكري متزوج سابقاً ولم ينجب. ويشرط عليها أن تترك ولدها عند والدتها، فرفضته بعد أن صلت صلاة استخارة. وتفرغت لتربية ولدها. والعمل مع صديقتها (سديم) في شركة تنسيق الأعراس والحفلات.
ميشيل
أو (مشاعل) طالبة في كلية الحاسب الآلي. ذات الجمال النجدي والشخصية الأمريكية. أحبت (فيصل) الشاب المتحضر الذي يعرف كيف يتصرف مع المرأة. في عيد الحب استلمت منه سلة كبيرة تناثرت فيها الورود والشموع على شكل قلوب. واستمرت علاقتها به أكثر من سنة. الجميع يعتبرونها سيئة لمجرد أن والدتها أمريكية. وعندما أخبر والدته برغبته بالارتباط بها. قامت الدنيا ولم تقعد.
كانت صدمتها قوية عندما نقل لها فيصل ما دار بينه وبين أمه تاركاً لها استنتاج الأسباب. وابتعد عنها بكل بساطة متهرباً حتى من مسؤوليته في امتصاص ردة فعلها! ولجأت إلى طبيب نفسي مصري، لكن هذا الطبيب لم يفهم أبعاد مشكلة نفسية سعودية، فالخلفيات الاجتماعية في كل بلد تختلف عن الآخر. وللتغلب على جرحها. تركت الرياض مغادرة إلى سان فرانسيسكو حيث يسكن خالها لتدرس في إحدى جامعاتها.
تأقلمت بسرعة واندمجت في نشاطات الجامعة وكان لابن خالها الدور الكبير في مشاركاتها هو ورفاقه. وفسرت في داخلها اهتمام ابن خالها على أنه حب، فالسنوات التي قضتها في السعودية جعلتها تفسر أي اهتمام من أي رجل على أنه حب. وقرر والدها الهجرة إلى عاصمة الحرية (دبي).
اتخذا أبواها هذا القرار بعد عجزهما في الانسجام مع المجتمع السعودي المتزمت، على أن تكمل ميشيل دراستها في قسم الاتصالات المرئية في الجامعة الأمريكية بدبي.
تأقلمت بدبي أيضاً. وتعرفت على (جمانة)، طالبة إماراتية، وابنة أحد أكبر رجال الأعمال في الإمارات والخليج تدرس معها تقنية المعلومات. وعملت خلال العطلة الصيفية في محطة والد جمانة الفضائية. عملتا معاً في إعداد أحد البرامج الخاصة بالشباب. الذي يبث أسبوعيا على الشاشة الصغيرة.
أعجبها العمل الإعلامي. وطورت نفسها كثيراً وبدأت تعمل بجد ونشاط مميزيّن لحصد المزيد من النجاح والشهرة. رغم قرارها بعدم الارتباط بأي رجل بعد فشل تجربتيها مع فيصل وماثيو، إلاّ أن الحياة لا تستمر بدون حب. كان ميلها واضحاً نحو زميلها (حمدان) المخرج الشاب الذي يقوم بإخراج برنامجها الأسبوعي.
سديم
أحبت وليد وأحبها حباً لا يوصف. وخطبها. وعُقد قرانها عليه. واستمالها، فسلمت نفسها إليه باعتبارها زوجته وإن لم تُزف إليه. غاب عنها. ووصلتها ورقة الطلاق بعد أيام. انصدمت بالأمر وتفاجأ الجميع برسوبها، وهي المعروفة بتفوقها. لملمت جرحها مع ثيابها وغادرت عاصمة الغبار إلى عاصمة الضباب.
كانت تقضي وقت فراغها بالقراءة –فهي أثقفهن- وبعد أن وجد لها والدها وظيفة في بنك (HSBC) اندمجت مع زملائها الموظفين. وتعرفت هناك على (فراس) الشاب السعودي –يدرس الدكتوراه في العلوم السياسية- صديق زميلها (طاهر الباكستاني) ولم تزد لقاءاتها به على ثلاث مرات وبالصدفة.
انقضت العطلة الصيفية وعادت إلى الرياض وفي نيتها توديع الحزن واستقبال الفرح المنتظر. وفي الطائرة تفاجأت بوجوده على متنها. وجلست بجانبه على المقعد الشاغر بالصدفة. وقبل أن يفترقا يطلب منها رقم هاتفها.
ذاع صيت فراس بعد عودته من لندن وبدأت صوره تتصدر صفحات الصحف والمجلات بصفته مستشاراً في الديوان الملكي. وغزل الحب خيوطه بينهما. ولصدقها أخبرته عن كبوة ماضيها الوحيدة التي تخفي جراحها عن الجميع.
بدأ عليه التغيير، فما من رجلٍ شرقي (أعزب) –ومهما بلغت درجة حريته وعيشه في بلاد الغرب- يرضى بالزواج من امرأة مطلقة قبل زفافها.
مات والدها بسكتة قلبية مفاجأة في مكتبه وسط المدينة. وبدأت تفكر كيف ستعيش وحدها ولا أب وأم يرعيانها، فقد ماتت أُمها حتى قبل أن تتعرف عليها. وبعد ثلاث سنوات من علاقتها بفراس يبلغها بخطوبته على قريبة أحد أزواج أخواته الخمس:
"بعد سنين من سعيها وراء الكمال الذي لا يليق برجل مثل فراس سواه، ركل فراس كمالها بقدمه والتفت إلى العادية."ص236.
آلمها الأمر بشدة واتخذت قرار الابتعاد عنه نهائياً. وحاولت بصدق أن تتجاوز محنتها. نجحت بتفوق في تلك السنة –لم يخبرها بخبر خطوبته إلاّ بعد انتهاء امتحاناتها- لم يكن أمامها سوى عرض خالتها بتزويجها من ابنها طارق الطالب في كلية طب الأسنان. كانت غير راضية، لكنها ستقبل فكرة السفر والعيش معهم في مدينة الخبر.
بعد التخرج لم تجد وظيفة مناسبة. وشدت الرحال إلى حيث تسكن أسرة خالتها. وقررت العمل هناك في مجال تنسيق الحفلات والأعراس.
الكل كان يرعاها وخاصةً طارق الذي أحبها منذ طفولتهما واستمر بحبه لها الذي عجز أن يخترق قلبها كل هذه السنين. وذات ليلة فاتحها بموضوع الارتباط، لم تعطه الرد إلاّ بعد أسبوعين بعد أن اتصل بها فراس طالباً الزواج منها. أقفلت الخط بوجهه وعادت إلى ابن خالتها تبلغه موافقتها على الزواج منه.
لميس
طالبة في كلية الطب. لها أخت توأم اسمها (تماضر) ورغم التشابه الظاهري بين الاثنتين إلاّ أن هناك اختلافات شاسعة بينهما في الطباع والأفكار. كلتاهما في نفس الكلية، لكن تماضر هادئة، مطيعة وحدها مثار إعجاب الأساتذة والأستاذات لجديتها الشديدة وشخصيتها المنضبطة بعكس لميس الجريئة في كل شيء والمفضلة لدى زميلاتها.
والدهما الدكتور عاصم حجازي عميد كلية الصيدلة سابقاً ووالدتهما الدكتورة فاتن وكيلة سابقة في الكلية نفسها. وكان للأبوين الدور الحاسم في تفوقهما الدراسي.
لها اهتمام بالتنجيم. وتتواجد في حقيبتها –على الدوام- أحدث إصدارات ماغي فرح. وما أن تجد أي شخص حتى تسأله عن برجه لتحلل شخصيته.
أقرب صديقة لها –كانت ولم تزل ميشيل- كلتاهما متقاربتان في كل شيء تقريباً. أما علاقاتها بصديقاتها الباقيات، فتأخذ مثار الجدل، من فدوى السايكو للأميرة سارة لفاطمة.
وتتعرف على شقيق الأخيرة، علي، الذي يدرس الطب أيضاً، وفاطمة هي التي دبرت اللقاء بينهما بعد أن رأى صورتها مع شقيقته وأُعجب بها. استمرت علاقتها به شهوراً.
كانا يذاكران معاً في الجامعة ويلتقيان في أحد المقاهي خارجها. وخلال إحدى اللقاءات داهمتهما جوقة من رجال هيئة الأمر بالمعروف واقتادتهما إلى مركز الهيئة. وبعد التحقيق اتصلوا بوالدها. واصطحب ابنته للبيت بعد أن وقع على التعهدات المطلوبة. وانتهت علاقتها به وبأخته منذ ذلك اليوم.
لميس أفضلهن في معرفة الانترنيت وخباياه، فقد بدأت علاقتها به مذ كانت في الخامسة عشرة من عمرها، عندما بدأ والدها باستخدامه عن طريق البحرين. وتخرجت الأختان من كلية الطب البشري واستغلتا العطلة الصيفية في التدرب في إحدى المستشفيات بجدة.
تماضر انقطعت عن التدرب بعد أسبوع، فقد عجزت عن التأقلم في هذا الوضع المزعج بعكس لميس التي اندمجت مع كل الموظفين والأطباء في المستشفى –رغم إنها الفتاة الوحيدة بينهم- وكان معها زميل آخر اسمه نزار كشف لها هذا التقارب الذي لم تخطط له شخصيته الرقيقة واعتادت عفويته وأدبه الجم. وقررت إيقاعه في شباكها –ووضعت مدة ثلاثة أشهر فترة زمنية لهذا الاختبار- ملأت مذكراتها بخطط حربية وقوانين يجب عليها السير وفقها، كي لا يشطح القلب مع الأيام –وهذه الطريقة علمتها إياها والدتها الدكتورة فاتن- وقبل أن تنتهي المدة التي وضعتها لنفسها تقدم لخطبتها رسمياً من أهلها. وبعد خطبة قصيرة لم تتجاوز ثلاثة أسابيع جاء زفافها. وحضرته الصديقات الأربع. وكانت الوحيدة بينهن التي حققت حلم الزواج من الحب الأول في حياتها. وبعد عودتها من شهر العسل قررت ارتداء الحجاب. وجدت أنه حان الوقت لتغيير مسار حياتها إلى ما يرضي الله.
أربع شخصيات فعالة هي التي حركت مسار الحكايات. والراوية تكشف عن نفسها لتنسحب بسرعة خاطفة وتترك آثارها ايميلات تبوح بسر من حولها. وتكشف لنا بأن أسماء البطلات وهمية رغم حقيقة قصصهن.
"ما الذي يجبرني على الكتابة عنهن إن لم أكن مؤمنة بهن؟ أنا كل واحدة من صديقاتي، وقصتي هي قصصهن، وإذا كنت قد امتنعت عن الإفصاح عن هويتي حالياً لأسباب خاصة، فقد أفصح عنها في يومٍ ما عندما تزول هذه الأسباب، وأسرد لكم حينها قصتي –أنا- كاملة، كما تتوقون لسماعها، بصدق وشفافية."ص140.
رواية "بنات الرياض" خط سردي واحد، يلضم خرز الحكايا. حكايا مجتمع ازدواجي، فيه المكشوف أكثر خفاءً والمخفي أكثر ظهوراً.
◄ كُليزار أنور
▼ موضوعاتي
1 مشاركة منتدى
بنات الرياض: مرآة مجتمع في زمن العولمة, خالد المحاميد | 23 تموز (يوليو) 2011 - 14:46 1
أعتقد بأن هناك مبالغة في تقدير القيمة الروائية لرواية " بنات الرياض" لرجاء الصانع ، فهذه الرواية وإن كانت تكشف عن طبيعة العلاقات الاجتماعية في مستوى طبقي معين ، إلا أنها تخلو تماما من الكشف عن أي وجود حقيقي للمجتمع السعودي ، كما يقول الروائي المكسيكي كارلوس فونتس الرواية جسر معلق بين الحقيقة والتاريخ ، وإذا اعتمدنا هذه العبارة بوصفها توصيفا لما يجب أن تكون عليه الرواية ، من حيث كينونتها التاريخية ، وتمثلها للواقع أو الكشف عنه ، فلا بد أن نكتشف في رواية بنات الرياض خللا جسيما في بنيتها الروائية، فهي تتكئ على مفهوم هش وغير واقعي عن المجتمع السعودي، وتكمن هشاشة المفهوم في أن رؤية الكاتبة ضاقت حتى لم تعد ترى في المجتمع إلا قضايا عابرة ، فهي حتى لا تعني في المضامين أية مشاق إنسانية تتعلق بالمرأة التي هي محور روايتها، باستثناء المشاق العاطفية، حتى تبدو بطلاتها وقد تجاوزن محنهن الذاتية وهو أمر طبيعي مادام القضايا المطروحة هي قضايا فردية وإن حاولت الكاتبة أن تصنع منها قضية عامة، هي غير موجودة على أرض الواقع، إلا بوصفها حالات خاصة في تجارب عاطفية تمر بها جميع الفتيات ومن جميع الطبقات، لكن وأنا أعود إلى عبار كارلوس فونتس ، باستثناء الخط الزمني لرواية يغيب عنها أي بعد تاريخي، ويجب أن لا نفهم البعد التاريخي في الرواية على أنه ماض اجتماعي أو شخصي، وإنما ننظر إليه ومن وجهة نظر المدرسة الواقعية بوصفه حالة عامة لمجتمع من المجتمعات ، تشكل وتكيف ومارس سلوكه وانعكست ثقافته في الزمان والمكان ،وكما يقول الواقعيون ما هو الواقع غير ما أتعثر به ، لكن العثرات التي توفرت عليها الرواية هي ما فوق واقعي بالمعنى الطبقي، وإذا جاز لي أن اعبر عن رأيي الشخصي في الرواية بشكل عام ، فأنا لا اعتبر "رواية" أي نص يفتقر إلى التحليل النفسي والاجتماعي وتغيب عنه طبيعة الصراعات الاجتماعية الزمكانية ، فأنت لا تستطيع أن تعرف مجتمع من خلال قصص فردية لنساء من طبقة أرستقراطية ، ألم يقل ماركيز في إحدى رواياته إذا كنت ترغب في الحصول على لؤلؤة عليك أن تنزل إلى القاع.