هدى الكناني - العراق
أشواق وحنين
جاءني متخما شوقا وحنينا، ودقات قلبه تسمع عن بعد ميل، وحبات العرق تتلألأ على جبينه النادي.
تأملته وتشبعت كل خلايا عيني برؤياه، وقد غاص القلب في الأعماق وعاد وارتفع إلى الحنجرة، فأفرد شوقي إليه القلوع، ورفع مرساته وأبحر في شرايين دمي والعروق.
وجيب القلب يدعوني للارتماء في أحضانه، وكبرياء الأنثى وخِدرها يمنعاني، وأنا بين قلبي وعقلي تمزقني الآهات.
تسمّرت في مكاني محاولة استرجاع مرارة لقائي الأخير معه، وعدم استجابته لتوسلاتي ودموعي، وكيف لملمت أشلاء كرامتي وسحبت حبال خيبتي، وقد أشاح بوجهِه عني.
عليّ أن أحاول استحضار تفاصيل حزني، ودموعي، ووجعي، ومرارات علّمت قلبي أسى حينها. ولم يكن ذلك بإمكاني، فما برح القلب خافقا بحبه ولا يتذكر إلا فرحة اللقاء.
وأنا ما فتئت أحثه وأؤنبه: "ما بك لا تتذّكر الجفاء والوجع وما فات من أحزان؟" ولكني يئست من أن يفعل قلبي ذلك.
رأيته يدنو، فإذا بقلبي يكاد يثب من بين الضلوع، ودقاته تتسارع وتضج تمردا وأنينا. حاولت الهروب. كم وددّت ذلك! بيد أن قدميّ لم تطاوعاني.
اقترب مني دون أن ينبس ببنت شفّة، بل اقترب أكثر وأكثر، حتى استنشقت أنفاسه اللاهثة، ويا لعذوبتها!
تلاقت النظرات، وبالكاد كنت أتنفس؛ غرقت في بحر عينيه اللجيّ. أمسك بيدي فسلبني كل مقاومة، وبدأت كل معاقلي تنهار واحدا تلو الآخر. فتراجعت ونسيت خطبتي العصماء.
قربني إليه، فتهاويت في أحضانه، فتلاشى كل ما حولي. انتحر الوقت. تكسرت الساعات. توقف الزمان ولم أعد أسمع إلا وجيب قلبينا وهمس روحينا.
تمتمت: "إذا كان حضنه لي، هو كل الدنى، فما حاجتي للعتب والخصام وإعلانِ العصيان؟"
همسات قلب
لكثرة ما زفرت أنفاسي الحارة على الزجاج البارد وكتبت اسمك، ولكثرة عدد أيام وشهور وسنين الانتظار، ما عدت أحس بالوقت، فلم يعد الخميس يستهويني لأن الجمعة ستأتي بعده.
وما همني أي يوم سيأتي. لم التوق للقادم من الأيام؟ لقد تشابهت كلها. كل المذاقات أصبحت مرّة، والكلمات كلها جوفاء؛ فلقد امتلأ الجوف قيحا ورملا وحزنا.
أنا مللت انتظار فارس مغوار يأتيني من أقصى البقاع لينتشلني من ضعف كهذا، ووحشة حام حولها الصدأ، فاستقرت في شرايين الحياة، فحلت ضيفة ثقيلة على شفاه تاقت لأن تنشد أغنية، فبحت النبرات.
كم عددنا نحن الأميرات الحالمات اللاتي اغتالت الأقدار جدائل شعرهن الممدودة توقا وأملا لحلم تاه في طريق الوصول إلى أبوابهن، وذبح قربانا لإله وثني لا وجود له؟
أنا حرة؛ فلقد نما لي جناحا نسر، وحلقت بعيدا، عاليا إلى ابعد النجوم. لن انتظر قادما يأتيني لينفض غبار الهموم عن سنوات عمري، فلقد اكتفيت من انتظار أمل قد يأتي وقد لا يأتي. لن أكون حبيسة أقبية رغبة أو نزوة أو حياة مهينة بلا وقار و كرامة؛ فلقد نما لي جناحان.
لن أرتكب جريمة أمل أو أقترف جناية أمنيات. ما عدت هشة ألوذ بصدفتي كالمحار. أنا شهرزاد. ما عدت أحكي حكايات. أنا ما سكتّ خوفا، بل قايضت عمرا ودهرا موجوعا؛ قايضته بالحرية.
◄ هدى الكناني
▼ موضوعاتي
7 مشاركة منتدى
أشواق وحنين, نهى التميمي، الأردن | 25 حزيران (يونيو) 2013 - 11:00 1
الكلمات والوصف يعبران عن مشاعر الشوق القوية والحنين الكبير في القلب... أبدعتِ عزيزتي هدى
ننتظر منكِ المزيد :)
1. أشواق وحنين, 26 حزيران (يونيو) 2013, 01:14, ::::: هدى الكناني من العراق
نهى التميمي من الاردن
اشكر لك كلماتك عزيزتي ، وإن تعليقاتكم و حبكم لما نكتبه ؛ تسعدنا، لكونها لمست شيء ما في أعماقكم . وهذا ما نصبو إليه و مايحفزّنا لان نعطر قلوبكم بأريج كلماتنا.
مع الود
هدى الكناني
أشواق وحنين, دنيا فيضي - العراق | 27 حزيران (يونيو) 2013 - 15:00 2
للأمانة، ما استمتعت قط بكلمات رقيقة وناعمة كالتي قرأتها في سطورك، لك ما كتبت وما خط قلمك وحنين الأنثى التي جسدت تعابيرها بكل صدق وتلقائية. شكرا للطرح الجميل والأدب الرفيع.
1. أشواق وحنين, 29 حزيران (يونيو) 2013, 00:51, ::::: هدى الكناني من العراق
العزيزة أحلام من العراق:
نعم عزيزتي ؛ هكذا هي المرأة معطاءة حنونة، رقيقة ، فكيف بها إن أحبت ؟
تغفر، تسامح ، و تذوب لهفة .
اقدّر الرومانسية فيك ،التي عاشت ما كتبته وأحست به، ونظرت الى الكلمات كمَن ينظر الى لوحة ناطقة .
و دمتِ لي
هدى الكناني من العراق
2. أشواق وحنين, 29 حزيران (يونيو) 2013, 01:00, ::::: هدى الكناني من العراق
دنيا فيضي من العراق
شكراً لك عزيزتي ، لتشجيعك لي و لنعومة كلماتك و رقتها ،و كم هي سعادتي حين يحس القاريء بما أود أن أخطّه بقلمي و أن أجعله ينبض بعبق احساس الأنثى .
لك كل الود و التحيات .
هدى الكناني
أشواق وحنين, احلام مهدي - العراق | 28 حزيران (يونيو) 2013 - 00:13 3
بالرغم من الحزن والالم الذي يعتصر قلبها ورغم ماتدعي من كبرياء المرأة لكنها ترتمي باحضانه ولم تعاتبه ولو بكلمة عتاب واحدة فمن تستطيع أن تفعل مافعلته الا من احبت بصدق واخلاص . شكرا للكاتبة التي جعلتنا نعيش في هذه الاجواء الرومانسية بحسن إختيارها للكلمات المعبرة عن المشاعر الجياشة اتمنى لهدى التقدم والنجاح أنت فعلا تتحفينا بعذب الكلام نحن بانتظار المزيد منك ياعزيزتي
أشواق وحنين, احلام مهدي - العراق | 28 حزيران (يونيو) 2013 - 00:15 4
بالرغم من الحزن والالم الذي يعتصر قلبها ورغم ماتدعي من كبرياء المرأة لكنها ترتمي باحضانه ولم تعاتبه ولو بكلمة عتاب واحدة فمن تستطيع أن تفعل مافعلته الا من احبت بصدق واخلاص . شكرا للكاتبة التي جعلتنا نعيش في هذه الاجواء الرومانسية بحسن إختيارها للكلمات المعبرة عن المشاعر الجياشة اتمنى لهدى التقدم والنجاح أنت فعلا تتحفينا بعذب الكلام نحن بانتظار المزيد منك ياعزيزتي
أشواق وحنين, إبراهيم يوسف - لبنان | 28 حزيران (يونيو) 2013 - 11:08 5
"ما عدت أذكر والحرائق في دمي
كيف إلتجأت إلي زنديه
وبدون أن أدري تركت له يدي
لتنام كالعصفور بين يديه"
لا مكابرة في الحب يا صديقتي.. ذكرني الموضوع بهذه الصورة الجميلة من صور نزار قباني طيب الله ثراه.
تركتْ قصيدته والأغنية في نفسي أثرا دام طويلا قبل أن تتلاشى عواطفي وتتبدد. فليتمتع المتيمون بشبابهم قبل أن يفوت الأوان.
أشواق وحنين, هدى الكناني من العراق | 29 حزيران (يونيو) 2013 - 00:33 6
ابراهيم يوسف من لبنان
ياسيدي ؛ لك حس و حدس شعري رائع ، و كأني بك تتسلّل الى أعماق الكلمات لتتحرّى عنها.
و كما تعكس صفحات الماء الرِقراقة جمال الأشياء،تعكسها أنت في أبيات شعرية رائعة لعمالقة الشعر .
و كيف للعواطف أن تتلاشى و تتبدد ؟ وأنت تكتب بكلمات راقية عبِقة
أشكر تعليقك سيدي ؛ فلقد أثرى خواطري الشعرية .
و لوصفك لي بالصديقة ، وكم لهذه الكلمة من عُمق و سموّ ظن بها علينا الزمان.
هدى الكناني من العراق
أشواق وحنين, زينب من العراق | 12 أيلول (سبتمبر) 2014 - 09:06 7
انتحر الوقت.......
اكثر من رائعة