نورة عبد المهدي صلاح - فلسطين
أصوات ونصوص أخرى
كتابة
يتضاعف خوفي يوماً بعد يوم، إن مرت عليّ ساعة دون أن أتذكر أن عندي وهجاً من الحروف ينير دربي، يلتقي ليشكل ولادة كلمات وأفكار جديدة، أخاف أن يمر يومي دون أن أبلل أناملي بالحبر وأجففها بالورق، مُشكلة بعدها تحفة فنية منسوجة بأدق الكلمات، أخاف جداً إن مر يوم علي دون كتابة.
صناديق جميلة
مهووسة بشراء علب الكرتون البهية الألوان برسوماتها الجذابة ولمعانها البراق، غرفتها مكتظة بها، خزائنها مزينة بالشرائط الحمراء والصفراء والخضراء، أطلعتني ذات يوم على ما فيها، صدمت ظناً مني أنها مليئة بالجواهر والحلي والفضة والسناسيل، محتواها أدوية متعددة الأحجام والألوان، طعمها شديدة المرارة، بتغليف جميل. تفجر الدمع بعيني، بينما تابعت بابتسامة جميلة فتح بقية الصناديق.
شفاء
من أهم آثار الشفاء من الحب، ترى وجهك بدراً، وجسدك مملوء بالراحة، وعينيك مشعة بالأمل، لكن الروح تكون أكثر توجعاً وانكسارا، إذ لامسها شيء من ذكرى أو حنين. وبوادر الشفاء من العمق نادرة الحدوث، ولا معجزات بالوقت الحالي لنشفى من كل شيء دفعة واحدة، فأخطر مراحل الانتكاس الحقيقي هي مرحلة التماثل للشفاء.
وداع
(1)
أقف على ذات الشباك الذي ودعتك منه، أنظر للقمر باكتماله، أتذكر اكتمال الدمع بعيني في ذاك المساء، أقف ارحل الأمنيات مع الظلام، وأمضي بلا استثناء يذكر، أقف اليوم أنظر لذات الاكتمال الذي ودعتك فيه، لتنتفض الروح، ويئن التوجع من وجعه.
(2)
حين أودع السنابل في حقلنا أستودعه للشمس، وأتفيأ بظل الزيتون، ما تبقى لي من حبك سوى الطاحونة وزير الماء وفراش القش القديم.
(3)
تربكني الأماكن التي جمعتنا، تثير ذاكرتي، وتعصف بي، فيها شممتك، حضنتك، قبلتك، عاتبتك ضحكاً كان أم بكاء. هنا قطعنا الوعود، وهنا قطعت البلدية كل شجرة ظللتنا، وكل رصيف رفعنا عن الطريق. هنا أعيد تشكيل المدينة وتخطيطها لتخفي جريمتها التي فرقتنا بلا رجوع.
معرفة متأخرة
على تلك الغيمة، طرزت حبي وكأنه إكليل غار، وعلمت بعدها أنك لا تفهم لغة التطريز والخياطة وشغل الصوف، ولا تعرف معنى جدائل الأنثى المرخاة على صدر يتوقد بالحياة.
فصول
تتأجل الأحلام صيفاً بعد صيف، وفي مواسم البرد تمارس بياتها الشتوي بإتقان، وفي الربيع تعاني من الحساسية المفرطة من تقلبات الجو، وحده الخريف يسقط الأحلام واحدا تلو الآخر بلا رحمة.
بطاقة عضوية
سألني: "أين بطاقة العضوية؟" تذمرت للحظات وعدت أبحث داخل الجزدان بين بطاقة البنك، والتأمين الصحي، والهوية الشخصية، ومذكرة الهاتف، وبطاقة السياقة، وبطاقة شحن الكهرباء، لم أجد سوى بطاقات لا حصر لها، كنت أبحث عن بطاقة واحدة تثبت أني عضو بالحياة. لم أجدها.
احتياج
أحتاج للنوم في أشد لحظات اليقظة، أحتاج للرقص في أشد لحظات الحزن، أحتاج لكل ما هو غير عادي في وقت يمشي بشكل عادي.
أصوات
ثلاثة أصوات جميلة تستيقظ عليها. (1) كرابيج حلب (*):يكون يومك مكربجاً وحلواً لدرجة أن يكون دبقاً. (2): توتيا نحاس ألمنيوم للبيع: يكون نهارك مليئاً بالطرق والدوشة حتى أنك بنهايته ستنادي "نحاس ألمنيوم توتيا للبيع". الصوت الثالث: تسمع عصفوراً من بعيد، وحينها قد تلجأ للطبيب حتى تتأكد أن سمعك لم يصبه أذى من صوت العصفور.
من؟
من يصحح مسار الشعور؟ من يعدل مزاج الأمنيات الهاربة؟ من يعيد صياغة الفكرة، وكبح جماح القلق؟ من يصادر الألم لبلاد المنفى؟، من يعيد المغترب لبلده؟ من يجفف الدموع الموجعة بالمقل؟ من يستطيع أن يمسح عن سمعي كلماتهم البذيئة؟ من يستطيع أن يعيدني للحظة ابتسمت فيها وباللحظة التالية بكيت حتى توجع البكاء من وجعي؟ من...؟ ومن...؟
نسيان
أمسح من على جبيني عرق فكرة تتنططُ بعقلي، ترفض الهدوء، أو أخذ مكانها بطابور الأفكار الجائعة، بساطتها ساحرة، فكرة تتبلور بكلمة نسيان، وكل ما فيّ يمارس العصف الذهني لأتذكر كل الأشياء العصية على "النسيان".
= = = = =
(*): كرابيج حلب: نوع من الحلويات.
◄ نورة صلاح
▼ موضوعاتي
2 مشاركة منتدى
أصوات ونصوص أخرى, أشواق مليباري\ السعودية | 27 تموز (يوليو) 2013 - 22:25 1
عزيزتي نورة
الحب يزيد وينقص، وهو المرض الذي لا نرجو الشفاء منه
بللي أصابعك بالحبر وجففيها بالورق من أجلنا كل يوم.
أتطلع لتذوق تلك (الكرابيج) معك.
كل عام وأنت بخير
1. أصوات ونصوص أخرى, 29 تموز (يوليو) 2013, 13:03, ::::: نورة عبد المهدي صلاح / فلسطين
أشواق ملباري ..
ليس هناك من شيء أجمل من أن نمسك قلماً لنكتب. تلك عادتي اليومية، فيها أصيب وفيها أخطأ وفيها أتعلم الحياة من جديد كلما كتبت أكثر.
يشرفني لا بل من دواعي سروري أن تكوني ضيفة علينا بفلسطين .. لتتذوقي ما شئت من خيرها .
وكل عام وانت بألف خير وهذه المجلة الراقية بألف خير
أصوات ونصوص أخرى, إبراهيم يوسف - لبنان | 13 آب (أغسطس) 2013 - 12:44 2
نورة عبد المهدي صلاح
"أهكذا تنقضي دوما أمانينا..؟" السنابل والشمس وظلال الزيتون في الوداع الثاني، وفراش القش وما بقي من ترنيمة الحب العذري.. حَمَلتني كلُّها إلى غرازيلاّ، (Graziella) أحلى ما قرأته في شبابي للشاعر الفرنسي العظيم لامارتين (Lamartine).. صاحب قصيدة البحيرة.
1. أصوات ونصوص أخرى, 17 آب (أغسطس) 2013, 21:22, ::::: نورة عبد المهدي صلاح \ فلسطين
أستاذي ومعلمي .. بكل مرة تقرأني .. وكأنك ترسم لي لوحه جديدة وفهما وبٌعدا أخر للكلمات.. قصيدة البحيرة
من بعد عام مضى قد عُدتُ ثانية
علـّل النفسَ لا شيءٌ يُسلّيـهـا
كانت على الصَّخرة الصّماء جالسةً
والموج يرقص مختـالاً حوالِِـيها
ويقذف الرّغوةَ النّعسى على قَدمَـيْ
جوليـا حُـنُـوّاً فتشدو في أغانيها
والآن أجلس وحدي فوق صخرتها
والنفسُ في شَجنٍ مَنْ ذا يواسيهـا ؟
وما زلنا نبحث عن مخرج للروح لتحب بصخب وأن تستمع بهذه الحب