عدلي الهواري
كلمة العدد 90: الكوميديا الجديدة والشبابية في عصر يوتيوب
نجحت مجموعات من الشباب والشابات في دول عربية مختلفة في دخول ميدان الكوميديا بطريقة مختلفة شكلا ومضمونا، ومكنهم من ذلك التطور التقني والإنترنت والمواقع المختصة بعرض الفيديوهات كيوتيوب.
أقصد بالشكل الوسيلة المستخدمة للوصول إلى الجمهور، والأسلوب المتبع في إضحاكه، فبدلا من الفيلم السينمائي، أو المسرحية، أو البرنامج التلفزيوني، ظهرت الأفلام القصيرة (الفيديوهات) التي تمكن مشاهدتها باستخدام حاسوب (أو حتى هاتف جوال) مشبوك بالإنترنت، ومتوفرة في العادة على موقع يوتيوب.
ومن ناحية الشكل أيضا تم المزج بين أسلوب التنكيت والإضحاك على الواقف (ستاند أب كوميدي-Stand Up Comedy)، وتقنيات التصوير وتوظيف برامج الحاسوب لإضافة مؤثرات مختلفة.
أما من ناحية المضمون، فإن موضوعات الفيديوهات تركز على ظواهر اجتماعية إما لنقدها، أو لإبراز جوانب مختلفة منها تدفعنا للابتسام عندما نراها على الشاشة ولا ننتبه لها عندما نشاهدها أو نمارسها في الواقع.
تابعت بعض المبادرات الشبابية هذه على يوتيوب، وخاصة تجارب في الأردن، وتجربة مجموعة من الشباب في قطاع غزة. وهذا ما سأركز عليه في هذه الكلمة.
لا أظن أن اعتبار هذه الفيديوهات الكوميدية من فئة التنكيت على الواقف، ففي هذه الفئة يقف الكوميدي، الرجل أو المرأة، ويتحدث أمام الجمهور، ويلقي ما لديه من نكات أو ملاحظات ساخرة.
يمكن القول طبعا إن الجمهور في هذه الحال هو المشاهد في البيت أو العمل، ولكن عدم دقة التصنيف ليست هنا، بل في استخدام التقنيات التي تشمل المونتاج لحذف مقاطع، أو إضافة مؤثرات. وهناك أحيانا مشاركة من أكثر من شخص في الفيديو الواحد.
لكن غايتي هنا ليست الاعتراض على التصنيف، بل إلقاء الضوء على هذه التجارب الجديدة التي فتحت ميدانا كوميديا جديدا، وفتحت للمشاركين فيه، بعضهم على الأقل، الباب لإعداد برامج تلفزيونية، بدل الاعتماد على موارد ذاتية بسيطة، أهم أدواتها كاميرا رقمية، ثم وضع الفيديوهات في يوتيوب.
هناك سلسلة فيديوهات على يوتيوب ضمن قناة غاز الضحك (ان تو او كوميدي/N2O Comedy). لبعض الأشخاص أكثر من فيديو، كرجائي قواس، ونيكولاس خوري، وأحمد الخالدي، وعبد الرحمن صقر، ومحمد زكارنة، وليث العبادي، ونذير الخوالدة، وغيرهم. وضمن هذه المجموعة شاب تونسي (فادي إدريس)، تميز في فيديوهاته بأنه غاضب (معصّب)، الأمر الذي حُوّل لاحقا إلى موضوع حلقة لتفسير سبب غضبه. وهناك أيضا أميركي يجيد العربية إلى حد ما هو برت وير.
مشاركات الشابات في فيديوهات هذه القناة تعد على أصابع يد واحدة، فهناك حلقة قدمتها سلسبيل بدار، وحلقتان قدمتهما جود بطاينة. وهناك حضور لشابات في بعض الأدوار التي يحتاجها الموضوع في بعض الفيديوهات. (قبل أيام قليلة من صدور هذا العدد، أضيفت حلقتان قدمتهما روسن حلاق).
وظهر ثنائي كوميدي يتكون من تيما الشوملي ورجائي قواس، عندما كانا معا بطلي سلسلة بعنوان "في ميل"، عن علاقة رومانسية تنشأ في العمل وتنتهي بالزواج. وانتقل الموسم الثاني من هذه السلسلة إلى قناة رؤيا التلفزيونية. وقد تفاوتت جودة الحلقات في الموسم الثاني (من حيث المواقف المثيرة للضحك)، وشملت دعاية مباشرة لبعض منتجات الشركات الراعية للمسلسل. وهذا في رأيي كان جانبا سلبيا. ويجب أن تكتفي الجهات الراعية بذكر أسمائها قبل الحلقة أو بعدها.
من التجارب الأخرى التي تابعتها فيديوهات "صد رد". بطلاها الرئيسيان يزن الشمايلة وحسن هاني. ولكن هناك شخصيات أخرى تشارك في الحلقات بينها صبي اسمه إيهاب أسعد. الحلقة التي أضحكتني كثيرا عنوانها "مسلسل أردني" الجزء الأول، وهي حول رجل اسمه جلال (معتصم البيك) يذهب إلى مطعم مع شابة اسمها أحلام (دانا الجراح)، ليطلب يدها في جو رومانسي، ولكنه لا يهنأ للحظة في المطعم.
وهناك تجربة لمجموعة من الشباب في فيديوهات بعنوان "فوق السادة" يشارك فيها أحمد غانم ومحمد زغول وأحمد مريان وحمزة الغزو ويوسف جعرون وجهاد لحلوح. الحلقة تتكون من مجموعة فقرات بطل كل فقرة شخص مختلف، ولكن لأحمد غانم (أبو الغور) دور رئيسي. وقد بدأ هذا الفنان بعمل سلسلة فيديوهات بعنوان "القوي" شاهدت سبعة منها حتى الآن.
قبل ذلك كنت شاهدت على يوتيوب حلقات من برنامج اسمه "بث بياخة" لثنائي كوميدي يتكون من وسام طبيله ورامي دلشاد، ولكن بمشاركة آخرين أيضا. والحلقة التي أضحكتني أكثر من غيرها واحدة عن فنان اسمه "كوكو شنشن".
وعلى نسق التجارب في الأردن، دخلت مجموعة من الشباب في غزة هذا المضمار بعمل سلسلة فيديوهات عنوانها "بس يا زلمة" يشارك فيها بشكل رئيسي محمود زعيتر وهشام عدنان. وقد اغتنم فريق الحلقات ظاهرة الاهتمام الشعبي الكبير بالفنان محمد عساف أثناء مشاركته في برنامج عرب آيدول، للتذكير بالأسرى الفلسطينيين، وخاصة سامر العيساوي، الذي أضرب عن الطعام فترة طويلة من أجل الحصول على الحرية.
من الأشياء التي يجب تجنبها في الكوميديا استعمال الإعاقة مادة للإضحاك، سواء أكانت إعاقة في النطق أو لثغة أو ضعف السمع أو البصر. كل مرة أشاهد ذلك في عمل كوميدي ما أعتبره ضعفا في المقدرة على الإضحاك، فليس في الإعاقات ما يثير الضحك.
بعض المبادرات الكوميدية استخدمت الرسوم المتحركة لإعداد فيديوهات قصيرة جدا بعضها لا يتجاوز ثلاث دقائق. وكانت هناك محاولة ناجحة تجسدت في مسلسل كوميدي باستخدام الرسوم المتحركة وهو بعنوان "نهفات عيلتنا"، بثه التلفزيون الأردني (ولكني شاهدته على يوتيوب). وتميز هذا البرنامج بتعدد لهجات شخصيات المسلسل.
ينبغي أن أشير إلى وجود جهود جماعية وراء كل عمل فني، فهناك مبدعات ومبدعون يعملون ككتاب ومخرجين ومصورين ومختصين بالصوت أو ببرامج تحريك الصور، إلى آخره، ولكنهم لا يظهرون ضمن العمل الفني. يجب ألا ننسى أنهم جزء لا يتجزأ من عملية الإبداع التي تنتج هذه الكوميديا.
لا شك في أن التقنيات الحديثة من حواسيب وكاميرات رقمية وهواتف جوالة وخدمات الإنترنت السلكية واللاسلكية قد فتحت آفاقا جديدة، وأفسحت المجال لظهور شباب وشابات موهوبين ما كان لمعظمهم أن يظهر لو ظلت المجالات مقتصرة على المسارات القديمة كالسينما والمسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة.
وبمساعدة التكنولوجيا، تمكن الشباب والشابات من الوصول إلى جمهور كبير في مختلف أنحاء العالم، وحصلوا على ردود الفعل على أدائهم من خلال التعليقات التي يمكن للمشاهد كتابتها إذا استخدم يوتيوب وما شابهه من مواقع.
ومكنت التكنولوجيا أيضا جمهورا كبيرا موجودا في مختلف قارات العالم من تنويع ما يشاهده من كوميديا، من خلال إقامة جسر بين ما هو عمل فني محلي وجمهور موجود في أماكن عديدة، فحققت للعمل المحلي والمشاركين فيه المزيد من الانتشار والشهرة، ووفرت للجمهور خيارات إضافية متنوعة. وينطبق هذا أيضا على القراءة والكتابة من خلال النشر الإلكتروني.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
ليش التونسي معصب؟
مسلسل إردني: الجزء الأول
بس يا زلمة: عساف-عيساوي
بث بياخة: كوكو شنشن
نهفات عيلتنا
◄ عدلي الهواري
▼ موضوعاتي
- ● كلمة العدد الفصلي 35: التاريخ يكرر نفسه
- ● كلمة العدد الفصلي 34: أعذار التهرب من المسؤوليات السياسية والأخلاقية
- ● كلمة العدد الفصلي 33: تنوير أم تمويه؟
- ● كلمة العدد الفصلي 32: حكّم/ي عقلك وأصدر/ي حكمك
- ● كلمة العدد الفصلي 31: قيم لا قيمة لها
- ● كلمة العدد الفصلي 30: النقد والمجاملات
- ● كلمة العدد الفصلي 29: عن الذكاء الصناعي (والغباء الطبيعي)
- [...]
6 مشاركة منتدى
كلمة العدد 90, هدى الدهان | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 08:53 1
كلمة العدد كلمة حق يُعاد لمصممي و ناشري هذا النوع من الفديوات والتي يراد بها التعريف عن واقع راهن سواء مؤلم او مفرح وبشكل يتراوح بين السخرية والتعريف وربما احيانا الحل .وكثيرا ماانتُقد هذا النوع من التقديم وغالبا لانه لم يعتد عليه احد اما لانه لم ياخذ الطريق الصحيح من التشبث باسم ممثل مشهور اصبح الان الفن عنده تجارة يضن بها علينا طول العام ويطلق قريحته في رمضان فقط و مايتبعه من مهرجانات تعريفية تزيد من نسبة مبيعات الفلم .هؤلاء الشباب اختصروا طريق التوسل بهذا المؤلف وذاك المخرج وتلك الممثلة ومن ثم التحكم بوقت العرض الذي بالتاكيد لن يحصل نسبة مشاهدة كما يحصدها حين يعرض على الانترنت لانه كما قال الاستاذ عدلي اصبح حتى في العواتف ومااسهل ان تمد يدك الى جيبك لتضغط زر فتصلك فكرة تعرفك مايحدث في ذاك البلد وبطريقة ساخرة وسهلة والاهم انها لاتاخذ من وقتك الكثير الذي تضطر لاستنفاذه في اعلانات التلفاز
كلمة العدد 90, مكارم المختار / العراق | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 20:58 2
مسالنور الجميع" د.عدلي الهواري احييك، وهذا العرض الذي اشرق بكم متابعاتك وجم تنقلك في اسفير العالم واثير رحابه في قريته المحصورة بين "النت والانترنت"،أمام ظاهرة الانفجار المعرفي، والزمن الرقمي؛ نحن هكذا الان، وسيل عرم من البيانات والمعلومات، ننفتح على العلوم الصرفة والتطبيقية، وتقنيات صناعية فاقت التصور والتصديق، وبالقدرة التكنولوجية ذاتها، تفيض المواقع الالكترونية بجماليات الادب وبالفنون البصرية والسمعية، وبدوائر وموسوعات متخصصة ،شديدة الابهار، هذه مقدمات عصر السرعة الفائقة، يتعذر على العقل البشري الالمام بمشهدها البانورامي، فأقيمت الحواجز وتالت جدران العزل، بين ثقافة عصرين، عصر ثقافة القراءة الورقية التقليدية، وبين الكتاب الالكتروني، وتمتد المسافة لتفصل مابين عصر التفكير والتنوير، عصر الاعلام بكل وسائله الإتصالية، وبين ومض اللحظة الشبحية، الوضع الحالي والموقف اليوم، أو ألآن الراهن،
كلمة العدد 90, مكارم المختار / العراق | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 20:59 3
العقل الابتكاري؛ قدرة الاستجابة الذكية لمتطلبات التحدي الرقمي، في التدوين والكتابة؛ العقل المبدع الشغوف بالكشف عن المناطق المجهولة في حياتنا، لإشباع وإغناء النفس، التواقة إلى الازدهار، في الصنع المتقن، وجودة الحرف، وابتداع جماليات فائقة الفتنة، من شأنها أن تقاوم العزلة والسأم، الكتابة الرصينة التي تنشئ تألقاتها، في تطوير وإثراء اللغة، وفي تعميق منطق الكلمة، وسحر الدلالة، كل ذلك يأتي حينما تنتصر مراجعات الكتابة النقدية على الذاتية، لتعيد صياغة مفهوم ( المهنية ) بأوزان الجودة الاممية، لتنتقل الكتابة إلى من ( الذرائعية المريحة ) إلى منهج ( التعليل الموجع ) " العالم " يتغير من حولنا، حري بنا أن لا ننأى بأنفسنا عن قوانين الكون، فدنيا اليوم ليس كما دنيا الامس، والناس تتواصل بلمح البصر بسرعة خاطفة لا مجال لذكر كم من زمن الوقت اغتيل، ولا كم هو، حتى بدى كنغم يهز الارض ايقاعه، ط
كلمة العدد 90, هدى أبو غنيمة عمان الأردن | 28 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 12:44 4
الدكتور عدلي الهواري تحية طيبة لقد أثرت موضوعا مهما أصبح ظاهرة في العالم العربي ,وأراها صياغة فنية تعبر عن موقف من الكوميديا السوداء في عالمنا العربي ,وهو موقف فيه مقاومة مقنعة لمضمون الخطاب السياسي والا جتماعي النخبوي ,ويتيح مجالا لنقل المعاني الخفية بطمأنينة نسبية بعيدا عن الرقابة .ولكني آخذ على بعض هذه الفيديوهات السرعة في الإخراج والتركيز على الإضحاك أكثر من رسالة المضمون. على أية حال تعبر هذه
الفيديوهات عن تمثل الشباب للعالم بغية إبرازهوياتهم الفردية في عالم تفرض فيه العولمة تمثلات المركز الأقوى للعالم على الأطراف الهامشية.
كلمة العدد 90, رانياكمال -مصر | 11 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 23:01 5
مقال رائع كالعاده دكتور عدلى
ان لمعضلة تكمن فى ان الذين بدؤوا في صناعة هذه الكوميديا كانوا يملكون الفكر السليم لكنهم يفتقرون إلى الموهبة
لكنهانجحت في رسم اللوحة الكوميدية بألوانٍ جديدة
واتفق مع حضرتك انها مكنت جمهورا كبيرا موجودا في مختلف قارات العالم من تنويع ما يشاهده من كوميديا، من خلال إقامة جسر بين ما هو عمل فني محلي وجمهور موجود في أماكن عديدة، فحققت للعمل المحلي والمشاركين فيه المزيد من الانتشار والشهرة، ووفرت للجمهور خيارات إضافية متنوعة. وينطبق هذا أيضا على القراءة والكتابة من خلال النشر الإلكتروني.
تحياتى
كلمة العدد 90, محدادي الطيب | 20 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 09:12 6
خلاصة القول أن هذه الطاقة الشبانية لم تكن لها فرص ابراز مواهبها بسبب ماكانت تعرفه القنوات التلفزية من توظيف بالمعارف ، فكثير منهم كان كوميديا بحييه كما عبد القادر السيكتور في الجزائر ,
فاليوتوب يصنعه الكوميدي بنفسه ويوزعه كيف ما شاء دون الحاجة لوساطة أشخاص ، نحن في الجزائر مثلا أمران أظهرا كثيرا من الطاقات الشبانية : اليوتوب و القنوات الفضائية الخاصة الجديدة
مع كل اتقدير محدادي ط