عــــــود الـــنـــــــد

حافية القدمين أمامي، يُراقص ظلها وجه الشمس، ويعقدُ شعرها مع ضوء الشمس سلالم من ذهب فتغدو كحلوى مشاكسة معجونة بماء الذهب. تُعانق السماء وترويها بالقبل فتُهديها السماء قطرات من مطر، لها رائحة المسك ونور القمر.

تدُك بقدميها الأرض فتُزهر وروداً بيضاء. تلاحقني بخيلاء ماكرٍ في عينيها. تحاول الالتصاق بي لنــُكوِنَ روحًا واحدة فتكون الظل للجسد.

تقترب مني فأهرب، تزيد من خطاها فأزيد من خطاي هرباً. تتبعني وبين يديها كرة من صوف، تداعب أناملها خيوطها، تبعثرها مرة وتشابكها مرة أخرى لتقدمها لجدولٍ رقراقٍ فتُـثـمر ألف كرة بكل لون من قوس قزح.

تنظر إلي بابتسامة ساحرة لها نكهة اللغز لتُـعلن ابتداء الحرب. فأعلن أنا ابتداء المقاومة.

حربها مرجٌ أخضر ورماحٌ تتدلى من ثريات السماء. ومقاومتي راية بيضاء كست قلبي. أحاول الركض بسرعة فيبطئ من سرعتي غوص قدمي في الكثبان الرملية التي تلامس قدميها فتُصيرها جنة.

لا تكف عن مطاردتي فأصيح في نفسي: وإلى أين المفر؟ والكون يضيق بي من أمامي ويتسع لها من خلفي.

أنهكتني خطاي فتوقفت والتفت للوراء، ورأيتها تتقدم نحوي بخفة، رشيقة جميلة تُعطر الأجواء برائحة النعناع.

نبض لها القلب حباً وخوفاً، أملاً ويأساً، فاستدرت ادفن وجهي بكفي و أغوص في وسط الرمال.

لامست يداها كتفي تشدني وجلست أمامي والأرض من ورائها بساطٌ أخضر وعبق النعناع يملأ المكان، وزهرةٌ حمراء تلوح في الأفق، وعصفورٌ يغرد، وفراشةٌ تطير حول عناقيد العنب، وأرنب في الغاب يجري.

وهي أمامي صامتة تحدق في عيني بصمت. مددت لها يدي فتزلزلت الأرض من تحتي.

"عمار. عمار. انهض".

أفقت على صوت أمي، يداها تهزاني، ورائحة النعناع المنبعثة من كوب الشاي تملأ الغرفة. ساعدتني على النهوض والجلوس على الكرسي المتحرك.

لَملَمت أوراقي المبعثرة في الغرفة ووضعت أمامي ورقة بيضاء وقلم رصاص وابتسمت.

فركتُ عيني وأمسكتُ الورقة لأحاول رسم زهرة حمراء من جديد.