غانية الوناس - الجزائر
هزمتك وانتصرت
هزمتك وانتصرت
لا أدري ماذا يعجبك في تقفّي آثار أشياء انتهت صلاحيّتها، ولم يتبّق منها إلاّ الرماد، وحتّى ذلك الرّماد هبّت عليه ريح القطيعة وما عاد منه شيء لا في القلب ولا في الذّاكرة حتّى.
تشعر بالمتعة في تقليب المواجع عليّ، في فتح تلك الجروح القديمة الّتي وجدت طريقها للإلتآم، تجد سعادة غريبة في نبش قبر الحبّ المنتحر على عتبات قلبك، مع أنّه لم يعد هناك ما يجمع بيننا، حتّى ذلك الوجع جعلته سخيفا جدّا، جعلته فارغا من كلّ شيء حتّى من بعض الدّموع والأشواق الّتي كان يمكن أن تكون زينة مناسبة لأعياد لن تجمعنا يوما.
تسألني بجدّية محيّرة: لما تغيّرت؟ وتنسى أنّي ما تغيّرت إلاّ حين قررّت أنت ألاّ مكان لي هناك في عالمك. وأنا، لشيء ما في قلبي، لم يؤلمني ذلك. على العكس تماما، انتصرت عليه بقليل من الصّبر والنّصيحة وكثير من الكبرياء، أخرجتني بحسابات ضيّقة من حياتك، وأكملت أنّ مهمّة الخروج بنجاح. أصبحت حرّة ولم يعد يعنيني ما تكونه أنت.
أتدري، لا أجمل من شعور امرأة بأنّها هزمت وحش الذّكريات، وتغلّبت على ألم النّهاية المرسومة والمعدّة لها مسبقا، لا أجمل من صبر المرأة على الخيبات التي يتفنّن الرجال بتلوينها وإتقانها كما يليق بالمجتمع المتواطئ معهم.
إنّه شعور بالنّصر وأنت مهما حاولت جعله مرّا وسخيفا وتافها، فقد انتصرت أخيرا وانتهى الأمر. هزمتك وانتصرت.
إلى رجل ما
لا أعرف لما تجتاحني هذه الرّغبة في الكتابة إليك دون توقف، أنا الّتي اخترت الكتابة طريقا واختارتني هي ربّما قربانا، أجلس منذ ساعات أحاول أن أشرح لنّفسي مدى جنوني، وأفهم نفسي ذاتها بأنّي ربّما لا أعي جيّدا ما أقوم به، وأنّ مسايرة القلم ستغدو بعد حين حملا ثقيلا على امرأة من تراب، لكنّي حين أسقطت أقنعة الغموض خلفي، وخلّفت ورائي ذاكرتي المجروحة وألما يوازي آلام الأوطان ويضاهيها، قررت ألاّ أتوقف عن الكتابة إليك.
أعذر جنوني يا سيّدي وأعذر هلوساتي، فأنا امرأة اختارت العيش في محراب مريميّ بعيدا عن الرجال القاسية أحلامهم، في منأى عن قلوبهم المستهلكة في اللاحبّ، وما أدراني أنّ محرابي ذاك نفسه سيغدو بعد حين مسكونا بظلّ رجل سوف يسرقني من نفسي ومن كلّ ما كان حولي، في لحظة دون استئذان.
ها هو الباب يطرق من جديد، طرق خفيف مدهش، عذب ساحر خفّاق رقيق، طرق جديد مختلف. طرقة واثنتان وثلاث وتعود الدّماء تجري عكس ما كانت تجري، كلمة واحدة تقلب كلّ شيء في داخلي، وتصبح الأرض كلّها لا تعترف إلاّ بدوران القلب حول محور رجل واحد، نبض واحد ويغادرني محرابي إلى الأبد، لأنّي لست مريما، ولأنّ رجلا ما سيجتاح كياني كي يعلّمني كيف الحياة تعيد تكوينها من جديد بعد كلّ طوفان وبركان و زلزال.
◄ غانية الوناس
▼ موضوعاتي
3 مشاركة منتدى
هزمتك وانتصرت, أحمد الخلف ) كندا | 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 18:08 1
"أعذر جنوني يا سيّدي وأعذر هلوساتي، فأنا امرأة اختارت العيش في محراب مريميّ بعيدا عن الرجال القاسية أحلامهم، في منأى عن قلوبهم المستهلكة في اللاحبّ، وما أدراني أنّ محرابي ذاك نفسه سيغدو بعد حين مسكونا بظلّ رجل سوف يسرقني من نفسي ومن كلّ ما كان حولي، في لحظة دون استئذان".
"... لأنّي لست مريما، ولأنّ رجلا ما سيجتاح كياني كي يعلّمني كيف الحياة تعيد تكوينها من جديد بعد كلّ طوفان وبركان و زلزال".
رائع .. أسلوب مشوق و كلمات تتغنى و تدل على غزارة اللغة عندك
الله يوفقك و شكرا لمشاركتنا هذا النص الجميل
هزمتك وانتصرت, هدى الكناني من العراق | 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 - 14:11 2
غانية الوناس
وتبقى الانثى داخلنا في بحث ازليّ عن ذاك الذي يزلزل القلب ، ذاك المتمرد الغافي بين ضلوعنا ، ما أن نامنه حتى يتمرد ويزلزل كياننا ، وياله من زلزال لذيذ لا نعيش بدونه .
سيدتي تنتقين عباراتك بشكل ما عهدناه ، إلا إنه ياخذنا الى مشاهد ترسمها ريشة قلمك المعطاء .اعجبتني تلك العبارة
(لا أدري ماذا يعجبك في تقفّي آثار أشياء انتهت صلاحيّتها، ولم يتبّق منها إلاّ الرماد)،
فعلا حين تلملم حواء جراحاتها وتطوي صفحة معاناة
يظهر هو من اللامكان متمسكا بخيوط عنكبوتية واهنةمحاولا اعادتها الى ما كان ، لكن هيهات ، فمن استعادت كبرياءهاوكرامتها التي سُفحت قربانا لحب اله وثني يتلذذ بعذاب القلوب الطاهرات، ان تٌذبح بنفس السكين ويُضَحى بها على نفس المحراب لعدة مرات.
بالتوفيق ياعزيزتي
هدى الكناني
هزمتك وانتصرت, هدى الدهان | 12 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 09:17 3
هل تعرفين لماذا يسألك دوما لِمَ تغيرت ؟؟ حتى يطمئن الى ان دم الضحية مازال ينزف ولايعطي فرصة ليد طبيب تداوي الجراح فيستمر في نكأها .حتى يضع يده دوما على الخيوط الخشبية التي تحرك الدمية فيزيدها تشابكا قبل ان تنتبه و تتحرر منه .