عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نورة عبد المهدي صلاح - فلسطين

خيبة ونصوص أخرى


نورة صلاحما بين الخذلان والخيبة نكتب ألما وذكرى وأشياء أخرى ما كانت بالحسبان.

خيبة

(1)

عصفورٌ ملون، منحته السماء متسعاً للطيران، مد جناحيه بالأفق وطار، علا وهبط للنهر يغرف شربة ماء، سحرته الغابة، وشلالات الماء المنهمرة، شاهد قفصاً يسجن عصفورا، نزل يواسيه بتغريد جميل، غردا معاً، حلما بالطيران معاً، تنازل الأول عن حريته، ليهب الأخر حرية التحليق والانسجام، خرج العصفور الأول منطلقاً للحياة، طار وطار، فسحة الكون أرسلته بعيداً، مات من وهب الحرية داخل القفص، وذاك لم ينظر خلفه حتى لا يرتجف قلبه من الشوق والحنين وتأنيب الضمير.

(2)

هي: ألبست نفسها وقتاً من ذهب بين يديه.

هو: أعطى لها نصراً من عاطفة.

أما تلك: فلم تنظر للذهب يوماً، بل شعرت بهزيمة لا تغتفر.

(3)

نحن يا سادة نلبس الحب كسوار، وعند ضيق الحال نبيعه في سوق النخاسة بأبخس الأسعار، يحمله كل طالب له، يصهره ويُلبسه معصم حبيبة جديدة. نحن يا سادة لا نعرف الحرب كيف تكون، نحمل السلاح ونقاوم كل جمال، نطرد الحياة من قلوبنا، ونزرع الدمار. نعرف كيف نمسك السوط ونضرب فيه من شئنا، نقهر الضعيف، ونطأطئ رأسنا للقوي.

من نكون؟ نريد كل شيء، ونرفض كل الأشياء مرة واحدة دون تفسير. آه يا سادة، نكتب الأشعار، نعلمها لكل طفل صغير، يرددها ليصدح من بعده الكنار وما أن يعلو مغرداً بها، نقتله بذات يد الحب التي أطعمته، تكويه غدراً بطلقة نار.

(4)

كل خيبة ورثناها، خلدناها بشاهد قبر، بأعيادنا نتذكرها ونزورها، بوحدتنا نبكيها، نتنازل عن الفرح. الخيبة عيب خَلقي فينا منذ لحظة الولادة، تلازمك لقبرك وفي يوم موتك، تؤخذ عنوةً إلى القبر حياً.

ذكرى

كانت أغنية "أنا متى نسيتك" تنعش الروح بالفرح، وفي ألحان الصوفية وعابد عازرية "يا نسيم الريح" تقول كل ما يخبئه القلب من لؤلؤ مكنون، وأما غادة شبير في "لي حبيب" فتصيبني برغبة الرقص على نهر الجمال أغرف الوداعة والهدوء النفسي، وما زالت ماجدة في أغنيتها "وعدتك ألا أحبك ثم أمام القرار الكبير جبنت" تغير فيّ كل ما اعتدته ورغبته وتمنيته، ككل وعد قطعته وقطعني دون أن يصدقني. آه ما أقسى اللحن وأثقل الكلمات!

هو

قال لها: أنت الحياة التي كنت أنتظرها، والأمل الذي أرغبه، والحنان الذي أفتقده، أنت البسمة التي تهديني الراحة، والصدر الذي يتسع لهمومي، والندى المعطر لأيامي. وسيدة الكون ونورة الدنيا وضحكة القدر. وأنتِ من تكونين؟ بالمناسبة، أنتِ لم تكن أنا.

هي

تسير قرب قلبه، تتابع نبضه بانتظام، تعلم أن رائحة التوتر التي تنبعث منه ما هي إلا طيف أنثى حط بقربه. توصيه: يا أنت، ابتعد عن الروائح التي تكدر صفوك والتفت لرائحة الطيب والحب التي أبثها إليك ولو من بعيد، هذه أنا التي تكفيك، لكنك ما اكتفيت. أنت كقصيدة تضج أبياتها برأس شاعر، قوافيها قنابل، قفلت معانيها خناجر، مطلعها كان حباً، وسطها كان ورداً، وآخرها كان دمعاً. (كان هو) التناقض والتجاذب والتنافر.

خيانة

(1)

حملت يديها المتعبتين وألقتهما على كتفيه، تتأمل لمعان عينيه، بدلته (طقمه) كحلية اللون وربطة عنقه المنقوشة بفنية فريدة تزيد عينيه تألقاً وجمالا. أرخت عليه كل ثقلها وتعب يومها وضجيج المكاتب وزحمة الطوابع وسخافة المراجعين، ليكتب على شفاهها قبلاً نبيلة المشاعر، عرفت أن ببدلته تلك يختبئ طيف أنثى أخرى تحبه، أتت وسحبته كما تسحب شعرة علقت على ملابسه، داست الطيف وتابعت رقصتها بابتسامة عريضة. هو سجل فعلته في دائرة الخيانة ودمغها بدموع من أحبته ليجعل من سيدته الجديدة قانونية الوجود.

(2)

طفلة صغيرة، أتمت ما أتمت من عمر الحب، تنتظر بلهفة ذكرى ميلادها حتى تراقص من ظنته طفلا مثلها. بكامل الشغف تسأل ماذا قد يهديها، تخطط ليوم تجعله عيداً قوميا في حياة البشر، أتى ما تمنته بصفعه جميلة وكسر قلب نقي، وكأس من وجع وضع أمامها، وحلوى لذيذة، تفاصيل ليست مهمة، لكنها كانت مشبعة بالثقل المستفز لكل حزن عميق فيها.

كتبت يومها متسائلة: من الذي سرق قطعة الكعك الأخيرة في حفلة عشاء الوداع الأخير؟ ليس مهماً من يكون السارق، هناك قطعة مفقودة أفشلت كل ما كان يمكن أن يكون وداعا جميلا. ابتلعت خيبتها وأطفأت آخر شمعة في قلبها، ها قد أصبح مهجوراً، كأن عاصفة أكلت زرعه، وفيضانا أبدل عتبه بابه، وصقيعا بشعا لفه. على بابه مشنقة تتأرجح من بعيد، معلنة أن الحداد قد بدأ به قبل أن يفرح بما زرعه وأنتجه، لتتساوى لحظة الموت والولادة.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013     A نورة صلاح     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 90: الكوميديا الجديدة والشبابية في عصر يوتيوب

الرّمزي والصّوفي في مأساة الحلاج

الحركات والضمائر: بين الفونيم والمورفيم

قراءة في رواية صمت الفراشات

جين آيير: كتاب ماثل بالذاكرة