نورة عبد المهدي صلاح - فلسطين
خيبة ونصوص أخرى
ما بين الخذلان والخيبة نكتب ألما وذكرى وأشياء أخرى ما كانت بالحسبان.
خيبة
(1)
عصفورٌ ملون، منحته السماء متسعاً للطيران، مد جناحيه بالأفق وطار، علا وهبط للنهر يغرف شربة ماء، سحرته الغابة، وشلالات الماء المنهمرة، شاهد قفصاً يسجن عصفورا، نزل يواسيه بتغريد جميل، غردا معاً، حلما بالطيران معاً، تنازل الأول عن حريته، ليهب الأخر حرية التحليق والانسجام، خرج العصفور الأول منطلقاً للحياة، طار وطار، فسحة الكون أرسلته بعيداً، مات من وهب الحرية داخل القفص، وذاك لم ينظر خلفه حتى لا يرتجف قلبه من الشوق والحنين وتأنيب الضمير.
(2)
هي: ألبست نفسها وقتاً من ذهب بين يديه.
هو: أعطى لها نصراً من عاطفة.
أما تلك: فلم تنظر للذهب يوماً، بل شعرت بهزيمة لا تغتفر.
(3)
نحن يا سادة نلبس الحب كسوار، وعند ضيق الحال نبيعه في سوق النخاسة بأبخس الأسعار، يحمله كل طالب له، يصهره ويُلبسه معصم حبيبة جديدة. نحن يا سادة لا نعرف الحرب كيف تكون، نحمل السلاح ونقاوم كل جمال، نطرد الحياة من قلوبنا، ونزرع الدمار. نعرف كيف نمسك السوط ونضرب فيه من شئنا، نقهر الضعيف، ونطأطئ رأسنا للقوي.
من نكون؟ نريد كل شيء، ونرفض كل الأشياء مرة واحدة دون تفسير. آه يا سادة، نكتب الأشعار، نعلمها لكل طفل صغير، يرددها ليصدح من بعده الكنار وما أن يعلو مغرداً بها، نقتله بذات يد الحب التي أطعمته، تكويه غدراً بطلقة نار.
(4)
كل خيبة ورثناها، خلدناها بشاهد قبر، بأعيادنا نتذكرها ونزورها، بوحدتنا نبكيها، نتنازل عن الفرح. الخيبة عيب خَلقي فينا منذ لحظة الولادة، تلازمك لقبرك وفي يوم موتك، تؤخذ عنوةً إلى القبر حياً.
ذكرى
كانت أغنية "أنا متى نسيتك" تنعش الروح بالفرح، وفي ألحان الصوفية وعابد عازرية "يا نسيم الريح" تقول كل ما يخبئه القلب من لؤلؤ مكنون، وأما غادة شبير في "لي حبيب" فتصيبني برغبة الرقص على نهر الجمال أغرف الوداعة والهدوء النفسي، وما زالت ماجدة في أغنيتها "وعدتك ألا أحبك ثم أمام القرار الكبير جبنت" تغير فيّ كل ما اعتدته ورغبته وتمنيته، ككل وعد قطعته وقطعني دون أن يصدقني. آه ما أقسى اللحن وأثقل الكلمات!
هو
قال لها: أنت الحياة التي كنت أنتظرها، والأمل الذي أرغبه، والحنان الذي أفتقده، أنت البسمة التي تهديني الراحة، والصدر الذي يتسع لهمومي، والندى المعطر لأيامي. وسيدة الكون ونورة الدنيا وضحكة القدر. وأنتِ من تكونين؟ بالمناسبة، أنتِ لم تكن أنا.
هي
تسير قرب قلبه، تتابع نبضه بانتظام، تعلم أن رائحة التوتر التي تنبعث منه ما هي إلا طيف أنثى حط بقربه. توصيه: يا أنت، ابتعد عن الروائح التي تكدر صفوك والتفت لرائحة الطيب والحب التي أبثها إليك ولو من بعيد، هذه أنا التي تكفيك، لكنك ما اكتفيت. أنت كقصيدة تضج أبياتها برأس شاعر، قوافيها قنابل، قفلت معانيها خناجر، مطلعها كان حباً، وسطها كان ورداً، وآخرها كان دمعاً. (كان هو) التناقض والتجاذب والتنافر.
خيانة
(1)
حملت يديها المتعبتين وألقتهما على كتفيه، تتأمل لمعان عينيه، بدلته (طقمه) كحلية اللون وربطة عنقه المنقوشة بفنية فريدة تزيد عينيه تألقاً وجمالا. أرخت عليه كل ثقلها وتعب يومها وضجيج المكاتب وزحمة الطوابع وسخافة المراجعين، ليكتب على شفاهها قبلاً نبيلة المشاعر، عرفت أن ببدلته تلك يختبئ طيف أنثى أخرى تحبه، أتت وسحبته كما تسحب شعرة علقت على ملابسه، داست الطيف وتابعت رقصتها بابتسامة عريضة. هو سجل فعلته في دائرة الخيانة ودمغها بدموع من أحبته ليجعل من سيدته الجديدة قانونية الوجود.
(2)
طفلة صغيرة، أتمت ما أتمت من عمر الحب، تنتظر بلهفة ذكرى ميلادها حتى تراقص من ظنته طفلا مثلها. بكامل الشغف تسأل ماذا قد يهديها، تخطط ليوم تجعله عيداً قوميا في حياة البشر، أتى ما تمنته بصفعه جميلة وكسر قلب نقي، وكأس من وجع وضع أمامها، وحلوى لذيذة، تفاصيل ليست مهمة، لكنها كانت مشبعة بالثقل المستفز لكل حزن عميق فيها.
كتبت يومها متسائلة: من الذي سرق قطعة الكعك الأخيرة في حفلة عشاء الوداع الأخير؟ ليس مهماً من يكون السارق، هناك قطعة مفقودة أفشلت كل ما كان يمكن أن يكون وداعا جميلا. ابتلعت خيبتها وأطفأت آخر شمعة في قلبها، ها قد أصبح مهجوراً، كأن عاصفة أكلت زرعه، وفيضانا أبدل عتبه بابه، وصقيعا بشعا لفه. على بابه مشنقة تتأرجح من بعيد، معلنة أن الحداد قد بدأ به قبل أن يفرح بما زرعه وأنتجه، لتتساوى لحظة الموت والولادة.
◄ نورة صلاح
▼ موضوعاتي
4 مشاركة منتدى
خيبة ونصوص أخرى, إبراهيم يوسف - لبنان | 2 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 12:17 1
نَارَ – يَنُوْرُ، نُوْرَاً وَنِيَاراً: أَضَاءَ – الصُبْحُ ظَهَرَ نُوْرُهُ، والشّجَرُ أخْرَجَ زَهْرَهُ، والْمَسْألةُ أوْضَحَها، وَاللهُ بدَا بُرْهانَهُ نُوْرَاً في السماوات وعلى الأرض..
وَنُوْرَة واحدةٌ من هذه المفردات المُضِيْئة.
دَعْكِ من الدُّنيا ومن شهوة اللحم والسكين
وتعالي معي إلى عطر الزنابق وسعادة الروح مع الحَلاّج
يا نسيمَ الرِّيحِ قولي للرَّشا
لم يَزْدْني الوِرْدُ إلاَّ عَطشا
لي حبيبٌ حبُّهُ وَسْطَ الحَشا
إن يشا يَمْشي على خدِّي مَشَى
روحُهُ روحي وروحي روحُهُ
إن يشا شِئْتُ وإن شِئْتُ يَشا
قرأت ورأيت وسمعت ما تقولين فأحسسته واختصرتُه في ثلاثة أبيات لا تزيد..
ساحراً.. صوفيا ورقيقاً بهذا المقدار.
1. خيبة ونصوص أخرى, 2 كانون الأول (ديسمبر) 2013, 16:55, ::::: نورة عبد المهدي صلاح
ساحراً.. صوفيا ورقيقاً بهذا المقدار.
وأنت رقيق أيضا بكل إحساسك ... وزد على بيتك بيت .. ما زالت هذه القصيدة وفي غناءها من قبل غادة شبير هي دوائي اليومي من كل الكدر الذي يلحق بي من كل ما أعانية في هذه الدينا .. هي البلسم والدواء .. رفيقة الصباح والمساء وما بينهما من وقت ومسافات وأوقات .. كل الأحترام لك كم تسعدني بمرورك كأنك ندى كأنك أكثر من ذلك بكثير
خيبة ونصوص أخرى, مريم-القدس | 3 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 17:12 2
نورة كاتبة متمرسة لم تتعد على الكار. تغمس ريشتها بدم القلب وتكتب ، أوترسم بالأبيض والأسود لوحات مبتكرة تتميز بالوجع والصبر على قسوة الأيام ، ومظلومة كذلك لم تستوف بعض ما تستحق من الإنصاف والعدل
مع خالص محبتي وإعجابي
مريم من القدس
1. خيبة ونصوص أخرى, 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013, 11:17, ::::: نورة عبد المهدي صلاح
مريم ا لمقدسية بنت بلادي التي يغيبها الأحتلال عني لك مني كل الود والمحبة .. أن نشعر بالظلم خيرأ من أن نمارسه علانيه وقهرا على الأخرين .. يأت يوماً يفهم الكثيرون معنى الكلام .. دمتي
خيبة ونصوص أخرى, مهند فوده - مصر | 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 01:28 3
الاستاذة نورة, أشكرك على مجموعة النصوص الرائعة, تشبيهاتك رائعة وعميقة, نصوصك قصيرة ومعبرة ويدوم أثرها في النفس أكثر من سطورها, " هي" تحية خاصة لهذا النص راق كثيرا وبصفة خاصة .. شكرا لكِ
1. خيبة ونصوص أخرى, 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013, 11:14, ::::: نورة عبد المهدي صلاح
مهند فوده .. من مصر العروبة .. أشكر مرورك العطر وقراءتك العميقة .. أما المقطوعة التي أعجبتك هي أيضاً أحب ما كتبت على قلبي وأكثرها قسوة فيها من النقاء الكثير وفيها من الألم الأكبر .. كن دئما بالجوار ..
خيبة ونصوص أخرى, أشواق مليباري\ السعودية | 4 كانون الأول (ديسمبر) 2013 - 08:32 4
الجميلة نورة
(نحن يا سادة نلبس الحب كسوار، وعند ضيق الحال نبيعه في سوق النخاسة بأبخس الأسعار)
الحب يزيد وينقص، نحن الذين نضعفه، ونرفض أن نمنحه دون مقابل إلا ما ندر.
أعجبني ما كتبت يا ترنيمة المطر..
تحيتي ومحبتي
1. خيبة ونصوص أخرى, 6 كانون الأول (ديسمبر) 2013, 18:55, ::::: نورة عبد المهدي صلاح
أشواق ملباري .. على الوفاء عشت وتربيت لكن للأسف يبدو أن وقت الوفاء قد رحل .. كل محبتي لك أعجبني جداً ترنيمة المطر