عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

صابرين حكيم - مصر

باقة الورد


كعادتي أخذت كوب النسكافيه وجلست في شرفة غرفتي المطلة على البحر الذي أعشقه كثيراً، وشد انتباهي رجل يسير بتمهل يمتزج شعره باللون الأبيض والأسود ويحمل بين يديه باقة رائعة من الورد ويجلس على مقعد أمام البحر.

لا أدرى لماذا ظللت انظر إليه. كنت أتشوق لرؤية محبوبته التي سوف يهديها باقة الورد، وبعد قليل شاهدت الرجل وقد حمل الباقة وألقاها في البحر ثم غادر المكان ورحل، فزادت دهشتي وعجبت لأمره، ونظرت إلى الساعة فجدتها الثامنة صباحا، فأسرعت للذهاب إلى عملي.

رجل على الشاطئفي اليوم التالي تكرر نفس المشهد، فزادت حيرتي وشد انتباهي أكثر حتى أنني أصبحت أنتظره كل صباح، وزاد بداخلي الفضول لأن أعرف سر باقة الورد، فانتظرت وصوله في نفس الموعد وذهبت بالقرب منه وحدثته، فقلت: "صباح الخير".

نظر إلي وقد كان شارداً وقال: "صباح الخير سيدتي".

قلت: "سامحني لتطفلي واقتحامي لعزلتك ولكنني كل يوم أراك في نفس المكان، تحمل باقة الورد وتنظر للبحر وكأنك تحدث أمواجه وتلقى بالورد ثم ترحل فعجبت لأمرك".

قال: "ولماذا العجب سيدتي؟ فأنا أرسل الورود كل يوم إليها".

فسألته: "ومن تكون؟ أهي محبوبتك؟"

فأبتسم وقال: "هي سر أسراري، ليست ككل النساء، بل هي كل النساء، هي ضوء القمر ودفء الشمس، هي الماضي والحاضر، هي نسمة الربيع، هي من سكنت أعماقي وتوغلت بين أنفاسي، هي من حيرت العشاق برقتها، هي نبع من الحنان".

وبرقت من عينيه دمعه ،فسألته: "أهي مسافرة؟"

قال: "لا أعرف. فقط أنتظر أن تعرف أن حياتي بدونها سراب، وأنها هي الحياة".

فقلت: "ولماذا لا ترسل الورود إلى منزلها؟"

فابتسم وقال: "محبوبتي مجهولة العنوان. تسكن عقلي وقلبي، تحب الورود وتعشق همسات الأمواج، فأحدث موجات البحر عنها ويحدثني البحر عنها وأرسل ورودي إليها عبر موجاته لعلها تصلها يوما".

زادت حيرتي وبدأ على وجهي العجب. أيحب مجهولة وهماً وسراباً، أم أملاً يشرق بين نسمات حياته؟

شعر بحيرتي وأدرك ما يدور بعقلي، فابتسم وقال: "يوماً ستأتي محبوبتي وتجلس على نفس المقعد وتحدث البحر ويبوح لها بأسراري. يوماً ستعرف أنها نبض حياتي وأن حياتي استمرت لأجلها هي فقط".

قام وألقى بالورود في البحر وترقرقت في عينيه الدموع وأشار إلي مودعاً، فوجدتني أنظر إليه وأتابع خطواته وهو راحل، وجلست على مقعده أنظر للبحر وأنصت لهمسات أمواجه وأتنفس عبير وروده.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013     A صابرين حكيم     C 8 تعليقات

4 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 90: الكوميديا الجديدة والشبابية في عصر يوتيوب

الرّمزي والصّوفي في مأساة الحلاج

الحركات والضمائر: بين الفونيم والمورفيم

قراءة في رواية صمت الفراشات

جين آيير: كتاب ماثل بالذاكرة