بدا وكأنه لم يُفاجأ عندما أخبرته أن الأستاذ نعمان جابر قرر الاعتزال، أو التقاعد، أو التوقف. لا أدري ما الذي أستطيع وصف قرار حرماننا من عطاءئه.
كل ما فعله هو أنه أدار وجهه قليلا، ووجه ناظريه نحو الكتب المرصوصة على الرفوف التي تقابله. هذه عادة أعرفها عنه منذ أن كنت أحد طلابه في الجامعة. خيّل لي أنه ركّز نظره على التمثال العاجي القابع بين الكتب.
بعد أن طال تمعنه، ولكسر الصمت، أكملتُ: "مساء أمس زرته لإكمال ما نُعده في ذكرى ميلاده السبعين".
وكأنه لم يكن يستمع، نهض متجها نحو الكتب. سحب (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > قصة قصيرة
قصة قصيرة
المقالات
-
اعتزال
1 آذار (مارس) 2017, ::::: زكي شيرخان -
الحياة هنا ممكنة
26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2015, ::::: غانية الوناسلا أَقول: الحياة بعيدا هناك حقيقيَّة
وخياليَّةُ الأمكنةْ
بل أقول: الحياة، هنا ممكنةْ
(الشاعر محمود درويش)
مشط أطرافَ شعري الباقية، تلقفها بأصابعك خصلة خصلة، تذكر لونها جيدا، سأغدو بعد أيام بدونه. أحببته دائما بلون أشقر، سأحتفظ به في قلبي وذاكرتي، سأذكر دائما بأني كنتُ ذات يوم جميلة جدا بشعر طويل، وأنت هل ستذكر؟ سميح هل ستذكر ذلك؟ هل ستذكر كل تلك الأشياء الجميلة التي جمعتنا لسنوات مضت؟
أنا آسفة جدا، لأني لن أستطيع منحك ذكريات أخرى، ليس بإمكاني أن أصنع من أجلك فرحا تلمسه بيديك، (…) -
رفال
25 آذار (مارس) 2014, ::::: غانية الوناسلم أكن أعرف وقتها ما معنى أن تفقد أحدا أو أن تشعر بغياب أحد حدّ الفراغ القاتل.
كان النبض ينخفض قليلا فيعود طبيعيا، ذلك الخيط الرفيع الذي يسري متعرجا ومتموجا، كنت أصلي لله ألاّ يستقيم أبدا. إلهي، ماذا لو استقام الآن؟
أسميتها "رفال"؛ أول اسم خطر ببالي حين سألتني الممرضة ماذا ستطلقين كاسم على الطفلة؟ بدا لي اسما بلا معنى في حدود معرفتي، فلا أذكر أني سمعت به يوما. اخترته لها حتى لا يكون لها من اسمها نصيب ما فيما بعد.
ستلومني بعد سنوات حين تكبر لأنّي لن أملك لها شرحا محددا لمعنى اسمها (…) -
الفستان
1 كانون الثاني (يناير) 2007, ::::: محمد العصفوريعاد صوتها يرن في أذنيه من جديد: "بسمة كبرت وتحتاج لفستان."
أعرف أنها كبرت. وكان لا بد لها أن تكبر. آه يا ابنتي، آه يا بسمة. لكم يحبك أبوك ويعاني من أجلك!
أخذ ينظر في تردد إلى الملابس ذات الألوان الخاطفة على الجانبين. يعرفون كيف يسيلون لعاب المرأة بهذه الملابس. ألا يدركون كم يعاني الآباء من جراء ذلك؟
ومن جديد عادت الكلمات قوية صارخة:
"بسمة كبرت وتحتاج لفستان."
"أعرف ذلك. ولكن من أين لي بثمنه؟"
ألا تعرف زوجتي ثمن هذه الفساتين؟ تباً لها، إنها ما زالت تحيا في عصور ما قبل التاريخ. (…) -
الضحية والجلاد
26 تموز (يوليو) 2012, ::::: موسى أبو رياشدخلت سيارة الإشراف ساحة المدرسة، فاشرأبت الأعناق إليها، وشخصت العيون، ووجفت القلوب، تنتظر من سينزل! ومن تكون الضحية؟
نزل المشرف المسؤول عني، فمادت الأرض تحت قدميَّ، وقلت في سري: رحماك يا ربي! أخذتُ أمني النفس: لعله جاء لغيري؛ زيارة إدارية، زيارة تفقدية، تحقيق، زيارة لزميلة أخرى، متابعة نشاط ...
بعد دقائق، جاءني خبر يبدد بقايا أحلامي، ويضعني أمام قضاء لا مفر منه، خبر يبلغني أنَّ المشرف سيحضر حصة صفية عندي، فلأكن على أهبة الاستعداد، وفي قمة الجاهزية.
غاص قلبي بين ضلوعي، فقد جاءت لحظة (…) -
نجمة تشع وتختفي
25 أيار (مايو) 2013, ::::: أشواق مليبارينظرت بدهشة إلى السماء من خلال زجاج النافذة.
كانت نجمة عالية تومض بنورها الأحمر وسط الظلام. التفتت إلى أختها الكبرى مستلقية على أريكة وهي تتصفح مجلة بين يديها بلا اهتمام. تميل برأسها طربا ذات اليمين وذات الشمال، وفي أذنيها سماعة صغيرة متصلة بجهاز.
هزتها من كتفها وقالت لها: "أنظري إلى تلك النجمة الحمراء".
أومأت الأخت الكبرى برأسها بلا اكتراث.
"إنها كبيرة جدا، تشع وتختفي". أومأت مرة أخرى دون أن تنظر إليها.
"إنك لا تصغين إليّ". قالت الأخت الصغرى.
حملت لعبتها وغادرت الغرفة بامتعاض. (…) -
ليس بيدي
25 أيار (مايو) 2015, ::::: أحمد عبد اللهفي ذلك الوقت من كل يوم، اعتادت أن تراه في قمة تألقه. بنظارته الشمسية وسواد حذائه وساعته في يسـراه. بطلبه المعتاد على الصباح في هذا المكان الأنيق. دخان القهوة المتصاعد يضفي عالما مميزا من الرقيّ مع لمسة خشبية في التصميم تعطيك إيحاء بالسكون والفخامة.
كل ذلك يزول تأثيره بمجرد وصوله. عطره يجبر الورود المتفتحة على امتصاص روائحها لهيمنة وجوده. تنتظر أن ترى عينيه لتضيء المكان من غمامته على الرغم من إضاءته. أيا كانت ألوان ملابسه، تتغير الألوان المحيطة به لتتلاءم معها. أحيانا توقن بأنه ليس بشـرا، (…) -
حلم خلف القضبان
1 أيلول (سبتمبر) 2006, ::::: جعفر أمانخرج من سجنه ذي القضبان الحديدية إلى سجنه الأكبر داخل مجتمعه. صارع ذاته وهو مقيّد، أملاً في ترجيح كفة الخير لديه. خطأُ لا مقصود ذلك الذي رماه خلف القضبان. رسم صورا جميلة في مخيلته التي نضبت، صوراً لاستقبال أسرته وأصدقائه له. ردد بينه وبين نفسه: "إنني مشتاق للجميع. أملي أن يتفهموا أن هذه صفحة من حياتي قد طويت، وخطأ تعلمت منه." قلبه سبق خطواته وهو يهم بمغادرة السجن فرحاً بلقاء الأحبة. وقبل أن يبتعد، استدار مخاطباً ذلك المبنى: "وداعاً."
تبخرت أحلامه بحياة سعيدة، وأجهضت فرحته في مهدها بعد أن (…) -
قصتان: مهذب ومتسخ + لماذا لا يرتاح؟
1 أيار (مايو) 2010, ::::: عبد الرحمن سعدمهذب ومتسخ
يقف أمامك أحيانا. يشبك يديه بصدره. ينحني برأسه قليلا وهو يسأل بكل تهذيب طعاما أو نقودا:
"ممكن لو سمحت حبة قروش أو سندوتش؟"
ثم لا ينظر إليك ثانية.
له أماكن محددة يتجول فيها. لا يمكن أن تراه مطلقا بالسوق الكبير. يتجول فقط في محيط عملك، أو هكذا تظن. أول مرة قابلك، كان في شتاء ما، لا يتدثر بشيء غير بنطال طويل ممزق، وفانلة داخلية بنية، ربما كانت بيضاء في يوم ما. ظهر فجأة أمامك مشبكا يديه على صدره، وبصوت منخفض واهن قال:
"ممكن لو سمحت حق كباية شاي؟"
ثم ابتسم موجها بصره للأرض. (…) -
مرافىء السفـــــــر
26 تشرين الأول (أكتوبر) 2011, ::::: محمد عبد الوارثيصر أحمد ساتي على مناداتي بأستاذ محمد عبده، رغم علمه الأكيد بأن اسمي هو محمد عبدالواحد. وأين أنا من محمد عبده؟ أحمد ساتي النوبي سائق المشروع الذي تقوم شركتي بتنفيذه قرب مدينة أبو سمبل علاقته بالجميع طيبة، إلا أنه ومنذ وصولي من الإسكندرية شابا طامحا، يؤثرني بخصوصية في المعاملة، خاصة أننا كنا نسير في العقد الثالث، هو يسبقني أو أنا أسبقه لا فرق. ولي لون أسمر يتلاقى مع سمرته التي كانت أكثر دكنة، ورغم ملاحته وطيبته تلك الطيبة التي لا أحسب أن هناك أحد ما يكره أن يوصف بالطيبة.
أحمد ساتي في (…)