حطّ عصفور على جدار الحديقة صامتا هادئا، وبعينيه الصّغيرتين نظرةٌ ثاقبة وجّهها إليّ وهو يقول:
= إذا رمتِ صفو البصيرة فانظري أبعد ممّا تراه عيناك.
= ها أنا أنظر بعيدا وأرى حدود الأفق. فماذا بعد ذلك؟
= أعيدي النّظر، وتأمّلي.
= هو الأفق، آخِرُ ما أرى.
= عليك بعين القلب. فرُؤاها أبعد ممّا تراه العين. ورؤاها لا تكذب.
كان العصفور يحدّثني واثقا وكنت أحاول استدراجه ليحطّ على جدار القلب ويعلّمني نشيد الفجر، وكان يستدرجني ليعلّمني قراءة الأفق البعيد. وجّهت نظري إلى حيث ينظر. كان الأفق خطّا (…)
الغلاف > المفاتيح > نصوص > نصوص عامة
نصوص عامة
المقالات
-
ما كذب القلب ما رأى
1 حزيران (يونيو) 2021, ::::: وهيبة قويّة -
ولادة من خاصرة الحرف
25 كانون الثاني (يناير) 2015, ::::: غانية الوناسوأنا أمشي أتعكز على قلم يتنفس حبرا ثائرا لا يهدأ، لا يستكين أبدا، ينتفض كل لحظة كي يعلن استقلال الكلمات، غير آبه بكل ذلك الضباب الذي يغلف الحوارات واللقاءات، تلك العلاقات التي تبدأ وتنتهي بمجرد الكلام والإفصاح، مجردا من حلكة الظلام المترامي في كلّ الأمكنة المتاحة بصمت مطبق، مفعم بالخوف الكثير، ذلك الخوف الذي لا يغادرنا مهما تملكتنا الشجاعة، ومهما اصطنعنا الجرأة، ملتو إلى الحدّ البعيد للمدى، حالك في حضوره يلفه سواد الليل المعتم، أسود لا يمنحه فرصة النظر إلى الأمام، فرصة الانبثاق من نور (…)
-
قلب من سحاب
25 نيسان (أبريل) 2015, ::::: غانية الوناسولكنني كنت أحب الحياة، لم أكن بعد قد ضجرت منها، ربما أصبت بحالات ملل عادية، كتلك التي تصيب كل الأشخاص، ربما واجهت مشاكل كثيرة، وربما خيبات بالجملة وانكسارات كثيرة، وخذلانا من المقربين.
لم أحقق الكثير في حياتي، لم أحقق كل الذي كنت أرغب به، كلّ أحلامي وآمالي، لكني لا زلت أحب أن أعيش وأحيا، لا زلت أحبّ الحياة نفسها بشدّة، وأحبها كل يوم أكثر، لا أريد الموت، أريد أن أعيش المزيد من السنوات، ليس لأني أخاف الموت، فمنذ يتمي الأول، ومنذ زمن الحروب التي لا تنتهي، لم تعد ترهبني فكرة الموت كشيء طاغ، (…) -
لقاء في عمان
25 كانون الثاني (يناير) 2013, ::::: هيام ضمرةكثيراً ما يلعب القدر الجميل لعبته في اختيار الصحبة الأجمل والصداقة الأوثق، نمضي في سقاية بيداء التقارب إلى أن تصبح حديقة غناء تجود بكل جمال، ننتشي ونصوغ للود حواراً وارف الأفنان، ونقطف للحرف عذوقا مترفة بالاخضرار الندي.
وهذه صديقتي الرائعة هدى قمحية، كانت أنذرتني هاتفياً بوصولها ظهر اليوم التالي إلى عمان، قادمة من نابلس عبر جسر الملك حسين. ونابلس مدينة الخضرة المتدرجة والجمال المعمر بالذاكرة، التي أشعلت قمم جبالها على الدوام بانتصارها للحق والنضال من أجل الحرية والحياة، فسميت جبل النار (…) -
مناظرة ميتافيزيقة
1 أيار (مايو) 2008, ::::: بدر الدين عبد العزيزمزرق لون السماء. يبدو غامقا وأصيلا في زرقته، وأنت ترى غابة ديتانق منتصبة الأشجار بالجانب الغربي للنيل الأبيض قبالة مدينة ملكال في طرفها الشمالي. أشجار الدليب العالية تبين ثمارها الكثيفة البرتقالية اللون حول إبط سعف أوراقها والنيل رائقا يمتد بوسطه شريط طويل من أعشاب زهرة النيل في رحلتها الطويلة وهي تهبط صوب الشمال، وبعض عجول أفراس النهر تتسلقها لتهبط معها إلى قاع النهر الأشهب، وثمة ثور يخور بمرعى جزيرة القرنتي التي يفصل بينك وبينها خور المك.
تبدو الدنيا عجولة متصاعدة الخطى. هذا هو إحساسك (…) -
أن تشهد الولادة
30 أيار (مايو) 2014, ::::: رعد الميتانيكيوم في تاريخ الهزائم يأتي انتصاره على سرير المتعة اللعين، مُنْذُ أن غفلت الحياة أن تحاصره في الرجولة المارقة أيضا، لا لشيء، لكن من الصعوبة أحيانا أن تذكر كل النسخ المتماثلة لإنسان مكرر بليد. اختتم معركته بقبلة باردة وضعها مواساة لها على جبينها، واهما أن الحياة لا تتم إلا بما وهب. قامت بدورها لتغتسل من عاره، وما ألحقته أنيابه في روحها، تلك التي أنشبت الأقدار حربا عليها، لأنها تزاحم الآخرين بأفكار لا تجب، في زمن وحدة الأفكار الرديئة. أخذت ما يسترها عن وجوده، ومضت تَسكُن الظلمة قليلا، (…)
-
شقة طالب
1 أيلول (سبتمبر) 2022, ::::: عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصصشقتي في بلاد الحرية كانت تتكون من غرفتين صغيرتين، ومطبخ وحمام. تدخلها فتدخل إلى المطبخ أولا. طاولة الطعام الصغيرة تكاد تعترض على فتح الباب بشكل كامل. الشقة بكاملها بالكاد تكفي لشخص واحد. ومن أجل أن يبقى فيها متسع للحركة، كان لا بد من الحد من الأشياء التي توضع فيها. ولم يكن هناك الكثير لوضعه في الشقة: سرير واحد. طاولة واحدة. جوارير ملابس. أما في المطبخ فهناك مقلاة وملعقة وسكين وشوكة وفنجان للشاي.
الحمام في الشقة يحتوي على بانيو قديم. والبانيو لا يتخلص من الماء بسرعة، ومواسيره تغلق من حين (…) -
كراكيب
25 آذار (مارس) 2012, ::::: أمل النعيميأعرف أنّ تكرار حكايات الأنا مملّة، فنجيب محفوظ حصل على نوبل الأدب لأنّه سطّر تاريخ مصر عبر الحواري الضيّقة البالغة الفقر وبائعات الهوى. وفي الجانب الآخر طه حسين و"الأيام" وعتمة داخله الّتي حاصرتني يوم طلب منّي فرض مدرسيّ مقدّس تلخيص سيرته الذاتيّة.
سهل جدّا كتابة قصّة طويلة وقصيرة بشخصيّات وهميّة أو حقيقية ووصف واسم وأحداث، فقد جرّبتها مرّة وربّما مرّات، وأصعب شيء حين أحس كلماتي تروم تعريتي على الورق ثمّ يغتصبني يراعي وحبره الجاف.
حسنا، عندما ترتّبنا الأحداث نصبح قدرييّن، وهذا ما حدث معي (…) -
شجرة اللبخ تحاكي النحل
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2007, ::::: بقادي الحاج أحمد(1)
يا نيل طامح وعالي، فوق الصفحات شمسه تلالي.
النيل في رحلته المقدسة، قادما من أرض الـنبـع من جنوب الخير، قوافـل الموج في تدافع، متجهة شمالا نحو المصب.
طائر يمارس الطيران المنخفض ليختلس قبلة من سطح ماء سبقه شعاع الشمس إليه وترك أثاره واضحة عليه، في زمن الفيضان؛ في مثل هذا الوقت من العام يزيد الماء ويعلو فوق الضفاف. يتحول لون ماء النيل الأزرق إلى طيني غامق، وماء النيل الأبيض يظل لونه ابيض رمليا فاتحا. عندما يلتقي الماءان -الأزرق والأبيض- عند المقرن، يحتفظ كل بلونه .
أمام مسجد النيلين (…) -
ورق الغار
1 كانون الأول (ديسمبر) 2022, ::::: شفاء داودمن كان يعلم بأن ذلك اليوم يومنا الموعود؟ وأن تلك الساعة هي التي كُتب لنا فيها ذاك اللقاء المتألّق الحييّ البهيّ من بعد تسليمٍ وشوق. ثلاثون عاما بالتمام والكمال مرّت منذ استلام تلك الرسالة المفاجئة الأولى والأخيرة. كنت أملك حينها بضعة أسئلة وبعض عبرات أو ربما العكس. ارتأيت أن أحتفظ بها لنفسي وأن أصمت للأبد. أظنني خشيت الكلام وسحر الكلمات، وربما خفت من البدايات التي لا تنتهي، ومن قدرة المُريد ألا يعترف بالأبد إن أراد.
أحيانا نحتاج أن يمسك راحتينا في الحياة أحد. أن يُريحها ويُريحنا ويقول: "لا (…)