بدأ الطنين يخترق أذنها التي وضعت عليها سماعة الهاتف. لم تعد قادرة على استيعاب ما تسمعه من محسن. يأتي صوته الأجش مرتفعا حينا، ومنخفضا حينا آخر حسب حماسه في حديثه مع آخرين نافش معهم أفكاره الجديدة لمجتمع خال من الحروب والجوع والتلوث والصراعات والفقر، وغيرها من أزمات تجتاح عالم اليوم. يعتقد أن أفكاره ستصنع مجتمعا مختلف بثقافته الراهنة.
"عفوا محسن، تعبت. تصبح على خير."
دون أدنى اعتراض أجابها: "حاضر حبيبتي."
أغلقت بايا الهاتف والطنين أصبح دويا. أمسكت رأسها بين كفيها وراحت تدلك صدغيها على (…)
الغلاف > المفاتيح > مقالات > ذكريات وسيرة
ذكريات وسيرة
المقالات
-
من دفاتر المنفى: سقوط الوهم
1 كانون الثاني (يناير) 2009, ::::: أميمة أحمد -
الحكاية هي المأوى
25 كانون الثاني (يناير) 2013, ::::: عباس علي عبودربما كانت هي المأوى من الواقع الغامض، المراوغ، المجهول. هي الحكاية إذن، ترويها أمي ونحن أطفال دون السابعة. كان المساء يخيم فوق البيوت، والظلمة تهيمن، تفصح النفوس عن حيرتها، وخوفها، ورغبتها في الهروب من دوامة الواقع، إلى مرفأ الحكاية، إلى المأوى. كنا ننام على أسرةٍ حولها، وهي تحكي عن عوالم أم كشَّونة، وساحرات النهر. وعن أمٍ تحمي أطفالها في سياق السرد. كأنَّ الواقع الافتراضي هو الأصل المسيطر عليه، والموجَّه صوب الأمان. ينقضي النهار في المعافرة واللعب، ويتحول الليل إلى منجم الحكاية. كنت أتأمل (…)
-
عندما تركتً سكني في المدينة/ج2
25 آذار (مارس) 2015, ::::: إبراهيم يوسفكان برنامج الأسبوع الأول يقتضي أن ندرس الغازات، من الأوكسجين "والأزوت" والهواء وزيت الكوابح المستخدم "والإيدروليك"، والتركيز على خصائصه في الكثافة ودرجة تجمُّدِه وغليانه، بالإضافة إلى مبدأ القنوات المتصلة للعجلات، ورافعة الساق أو "العفريت"، واختفائها في جسم الطائرة "لديناميكيَّة" الطيران، وتخفيف ما تتعرض له في الجو من مقاومة هائلة يسببها الهواء أثناء السرعة العالية. وتتلخص المعادلة بأن القوة = الكتلة × بالتسارع (f=ma) وهي ما تمخضت عنه عبقرية نيوتن، العالم الإنكليزي.
هذه المعادلة تعني (…) -
تشتهيه الحوامل
1 كانون الثاني (يناير) 2011, ::::: إبراهيم يوسفالفلاح الميسور: من كان يملك أرضا ويقتني بقرة وثورين، "ويعلو باب داره للجمل". من يدّخر مؤونة كافية للشتاء، ويقيم لنفسه تنورا في الفناء المجاور للبيت.
تجويفة أسطوانيّة الشكل منفوخة في الوسط، لا يتعدّى قطرها بعض أجزاء المتر، تشكّل مع الأرض زاوية منحرفة تسهيلا للعمل، وارتفاعها يكاد لا يعلو عن الخصر إلاّ القليل، من طين صلصالي معالج بالنار، تحوّل إلى مادة صلبة: هو التنور. ينتشر في الضيعة العديد منها، تتوزع في أرجائها تغطي حاجة كلّ الناس، واستخدامها متاح للجميع؛ ولا يقتضي بدلا أو حتّى منّة من (…) -
تداعيات من قبر
1 كانون الأول (ديسمبر) 2007, ::::: آمال يحياويالإهداء: إلى روح أختي، وإلى الموت في نشوة انتصاره. . المدخل: كنا موتى صديقي، موتى. قتلنا الحضور. . ضمني إليك أيها الليل الغارق في سواده القاتم كقبر، ضمني إليك أيها الليل المتخم بتخاريفه الأزلية، بأمنياته المسروقة، بسخرياته الخريفية. امنحني أغنية الشتاء الأخيرة، وألحان الهذيان المجنونة. دع المطر يجتاح سنواتي المشردة. امنحني في غربة انصهاري، حقيبة احتضار جاهزة، قليلا من الدموع، وكثيرا من الصمت.
ضمني إليك أيها الليل الأبدي. افتح جراحي على أنغام سكونك. امنح ضياعي تأشيرته الأخيرة، خذني أين (…) -
طيف لينا
25 كانون الثاني (يناير) 2014, ::::: هدى أبو غنيمةبدت لي بين جمع الطالبات كائنا أثيريا تحيطه هالة نور. لم تكن تشارك في المحاضرات إلا في القضايا التي تتطلب قدرات إبداعية، كأنها تضن بإهدار طاقتها في العادي والمألوف.
وكثيرا ما عرضت عليّ نصوصها المبدعة. شيء ما في ملامحها يستدعي إلى ذهني صور أميرات الأساطير في اللوحات العالمية: ذلك الصفاء في عينيها صفاء سماء في صباح مشرق؛ وتلك السكينة التي توحي بها ملامح وجهها وتشيع في مكان حضورها.
وفجأة انقطعت عن الحضور. مر الاختبار الأول، ولم تحضر. سألت زميلاتها فقلن إنها ربما تغيبت بسبب عارض صحي ولا يعرفن (…) -
بقرة حسين
1 أيلول (سبتمبر) 2023, ::::: عبد الحميد صيامتجمعت النساء في وسط الحارة مع ساعات الغروب. عشرون امرأة أو أكثر ومعهن أطفالهن. الليلة سيتوجهن إلى مقام سيدي «الدوير» يتضرعن إلى الله لعله ينزل غيثه على الأرض العطشى. القناعة لدى أهل القرية أن أهازيج الاستسقاء والدعاء في مقام سيدنا «الدوير» جنوبي القرية مستجاب بوجود الأطفال الذين لا ذنب لهم في هذا الجفاف والقحل والمحل الذي يهدد الزرع والشجر والموسم الزراعي بكامله.
مر شهر كانون الأول وكانون الثاني وشباط «الخبّاط الذي يحل البقر من الرباط» دون نقطة مطر واحدة. بدأت سيقان الزرع في أوائل آذار (…) -
هجرتنا الطير
1 تموز (يوليو) 2010, ::::: إبراهيم يوسفوأرى الأباطيل الكثيرة، والمآثم، والشّرورْ
ومذلّة الحقّ الضعيف، وعزّة الظلم القديرْ (*) . عندما لم يكن "الإسمنت" واسع الانتشار، واستعماله يقتصر على القليل النادر من المنازل، إضافة إلى المسجد والمدرسة ودار "النّبي".
كانتْ معظم البيوت، مبنيّة من حجارة "عمياء" (*) وطين. أمّا السّقوف فمن جذوع أشجار عملاقة، تقوم فوقها ألواح خشبيّة عريضة، يتراكم فوقها تراب السطوح، تراب كلسي أبيض هو الحوارة (*)، يمنع تسرّب مياه الأمطار بخلطه مع التبن، "وحدله" جيّدا في فصل الشتاء. كلّ ذلك يشكّل بيئة ملائمة (…) -
غزة: يوم كسر القيد
1 شباط (فبراير) 2008, ::::: سمر شاهينغزة: يوم كسر القيد: مشاهد من جانبي الحدود الفلسطينية المصرية
لم أتخيل للحظة منذ أشهر أنني سأجتاز الحدود المصرية الفلسطينية لأتجول في مدينة العريش. ولكن ذلك أصبح واقعا لم يكن في الحسبان صباح الأربعاء، الثالث والعشرين من كانون الثاني من العام الجاري، فما أن دقت الساعة الحادية عشر صباحا من ذلك اليوم إلا وكنت أتجول في ارض الكنانة واقتني ما احتاج إليه وعائلتي في غزة المحاصرة منذ شهور.
وتبدأ الحكاية حينما استقللت سيارة من ميدان فلسطين بمدينة غزة إلى مدينة رفح جنوب القطاع حيث الحدود المصرية (…) -
"خيميائية" الحب والفوضى
1 آذار (مارس) 2019, ::::: مرام أمان اللهمنذ أن تركتها بضع سنوات خلت وأنا أرتادها كزائرة على عجل. لا أفكر بنبش تفاصيلها على اعتبار أنها موطن ذكرياتي ومولد شبابي الذي أعرف تماما كما أعرف تفاصيل وجهي كلما نظرت إلى المرآة.
لا فضول في المرآة، فهي تكرر في كل صباح ما رأيته بالأمس دون تغيير يذكر. هي المرة الأولى التي انتابني فيها العطش لأمسح كل ما حولي بمقلتيّ، ولأستنشق كل ما لامس أنفي من هواء رغبة مني في حمل أقصى ما أستطيع معي من تفاصيلها في صندوقي الأسود، لتحتويني تفاصيلها عندما تنفجر مرارة الغربة في أنحائي وقت السفر.
رام الله، (…)