أكتب إليكم بعد ستة أشهر من الحرب، الحرب لا تتوقف، الحرب مفتوحة، لا تزال أصابعي مجروحة، عانيت من موت الكتابة كثيراً، تساقط كل شعري وشِعري، الجدران لاتزال متصدعة، الثقوب في الرأس وفي الحيطان، الماء أكثر ملوحة، لا تزال الجرافات تتمشى في الشوارع مثل نحلة مزعجة، تلملم ملايين الأشياء التي جرفتها الحرب.
الحرب بعثرتنا، وشوهتنا، وأحرقت كل المحبات القديمة، لم يعد بإمكان امرأة أن تحب مثلما كانت تفعل قبل.
الحرب تأكل الوجوه، تأكلها بصوت عال مثل خسة خشنة، الحرب شوهت الوجوه، وزرعت داخل القلوب بذور (…)
الغلاف > المفاتيح > مقالات > ذكريات وسيرة
ذكريات وسيرة
المقالات
-
وجهٌ محاصر داخل الحرب
1 كانون الأول (ديسمبر) 2021, ::::: هبة محمد الأغا -
أنا والبابوشكا (*)
1 كانون الأول (ديسمبر) 2010, ::::: سحر خليل(*) البابوشكا: كلمة روسية تعني الجدة أو المرأة العجوز. الدبلونكة: كلمة روسية تعني معطفا مزدوجا مخملي المظهر يقي برد الشتاء. . انت ليلة باردة يكسوها الثلج الدافئ، وكانت حباته تتساقط كاللؤلؤ الدرّي، يضئ سماء ليلة عيد الميلاد بفرحة الانتظار، وكرات الثلج البيضاء تتراقص متناثرة وهي تهبط من سماء ليلة الرحمة، تعزف ألحانا لم تسمعها الأرض من قبل، فتشدو أصواتا ملائكية بسمفونية رحمانية تعلن بداية عام جديد بانطلاق عيد المسيح في تلك البلاد البعيدة، بلاد من ثلج وصقيع.
وما أن تسمع الأرض ذاك النشيد (…) -
الشيخوخة والشباب
21 آذار (مارس) 2016, ::::: نازك ضمرةأثناء سنوات مراهقتي، وقبلها في سني طفولتي، ثم وخلال سنوات الشباب، كنت أظن أن لا علاقة تربطني بكبار السن، لا أهتم بأفكارهم إلا انتقاء، ومنهم والدي الذي عودت نفسي على طاعته رحمه الله، أما مشاكل كبار السن فلم أكن أعبأ بها ولا أوليها اهتماما إيجابيا. وأعتقد أن من الصعب على أي شاب أن يتصور نفسه كبيرا في السنّ أو عجوزا،
وللحقيقة فأنا الآن من كبار السن، ولا أقوى على التحرك بالسرعة التي كنت بها أيام الشباب، ولا بنفس السهولة، لا بل أتذكر أنني كنت ألوم نفسي باستمرار على سرعة حركتي وخفتها في طيش، (…) -
عندما تركتً سكني في المدينة/ج1
26 شباط (فبراير) 2015, ::::: إبراهيم يوسفإذا كان المحرك في الطائرات بمكانة الروح من الجسد عند الأنسان، فإن أهمية "القائمة" والعجلات “L,atterrisseur” في الطائرات لا تقل عن أهمية القلب والروح جنبا إلى جنب.
منذ بداية الأحلام التي راودت البشر في التحليق وتقليد الطّيور، ومن عهد ليوناردو داڤينشي وعباس بن فرناس وحتى داسُّو وما بعد، بذل العلماء جهودا جبارة ففعَّلوا خيالهم وشحذوا عقولهم- ثم سخَّروا في صناعتهم العلوم وقوانين الفيزياء والكيمياء والرياضيات وأنواع المعادن من الألمينيوم والكروم والنحاس والتيتان.
هذه العلوم والمعادن كان بعضُ (…) -
هيجان الذاكرة
1 حزيران (يونيو) 2007, ::::: عيسى عبد الحفيظنلتف حول كانون الفحم في ليالي الشتاء، مدثرين بالبطانيات الخشنة ذات اللون العسكري، يتوسطنا الوالد ـ رحمه الله ـ ويبدأ بسرد ذكرياته عن فلسطين. الطيرة وبيادرها والبيت ذو البوابة العريضة الضخمة المؤدية إلى حوش واسع ليستوعب العربات والدواب، البارودة العصملية والمعارك والشهداء، الزيتون والحقول والخير العميم، أرضنا في العزيزية على شاطئ حيفا الجنوبي، الكرمل والهادار ومعسكر الإنجليز والمقهى الذي تلامس جدرانه أمواج البحر.
ننام الخمسة ملتصقين من قسوة البرد في شئ يشبه الحجرة، جدرانها من الطين الممزوج (…) -
الغد يوم آخر: وفاة والدي
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2006, ::::: مازن الرفاعيالحزن الأسود يغرق كياني بدموعه بعد أن تمكن من أن يجعل الدموع تنهمر من كل خلية في جسدي. الفاجعة ذبحت نسيج قلبي فنزف ألما. اللوعة تحرق أعصابي فاستنشق رائحة الحريق باستمرار. النفس انفصمت وتشرذمت إلى فتات ناعم تبعثر في كل مكان. المأساة حولتني سكينها الحادة إلى كومة من اللحم اللزج. اضمحل صوتي وتلاشى، فأنا غير قادر حتى على الصراخ. ورغم صحوتي الظاهرة للجميع فأنا مغمى علي من الألم.
رويدا رويدا أغوص في مستنقع الضياع، واشعر باختناق وجودي، وأفول شمس أيامي وراء بحر لا نهائي من الظلام الذي أواخذ يسدل (…) -
أرجوك يا ابنتي
1 كانون الأول (ديسمبر) 2010, ::::: إبراهيم يوسفبعثت عائشة بنت سعد بن أبي وقاص مولاها، فندا، يأتيها بنار. كان في الطريق عندما أبصر قافلة تتأهب في رحلة من المدينة إلى مصر، فسار معها. وبعد غياب دام سنة أو ما يزيد، عاد مع القافلة وتذكّر النار، فراح يعدو مسرعا وهو يحمل لمولاته جمرا. من فرط سرعته تعثر فهوى؛ وتبدّد الجمر على الأرض. نهض ممتعضا، ونفض الغبار عن ثيابه وهو يلعن العجلة ويقول: "لولا العجلة لما ضاعت النار."
تلك حكاية عائشة ومولاها، أما حكايتي، فهي متفقة معها في المعنى، مختلفة في الشأن والتفاصيل، فعندما رجعت إلى عود الند أتصفح أعدادها (…) -
احتراق الغريب لوجع الحبيب
1 كانون الأول (ديسمبر) 2006, ::::: هبة محمد الأغاكل يوم تفاجئنا الدنيا بجديدها، ويسكن الحزن مرابعنا، ويطول مكوثه. ليس الحزن جديداً علينا، فقد جبلنا على الوجع وعلى النزف، عرفنا أن الفلسطيني أينما ذهب، لابد أن يحترق من الغربة ومن أوجاع أحبته في الأرض المحتلة.
بيت حانون: كانت تجربة الحزن الذي أرقنا، أجل. كنا هناك أرواحاً متناغمة مع أهلنا، كنا مذبوحين مثلهم، نتمنى لو كنا مكانهم، أو على أقل القليل أن نخفف شيئاً من أوجاعهم وآلامهم.
ليست بيت حانون فحسب، كلما يجرح الوطن في كرامته ننتفض ألماً في غربتنا، تبدأ أقلامنا تنزف، ودمع العين يرويها، (…) -
النساج الضرير
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010, ::::: إبراهيم يوسفأخي، إن عاد بعد الحرب جنديّ لأوطانه
وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلاّنه
فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلاّنا
لأنّ الجوع لم يترك لنا صحبا نناجيهم
سوى أشباح موتانا
ميخائيل نعيمة . "البيلسانة" وزهرها العطريّ الأبيض، ملجأ السنونو والنحل وعصافير الدوري، وفراش "الحواكير". تقوم في زاوية من زوايا الدار، قريبا من البئر؛ بجانب مستودع الحبوب، وكان يتّسع لبضعة "أطنان" من القمح ومختلف الحبوب الأخرى؛ على حساب اليوم.
هذه البئر تموّلها عبر الميزاب مياه الأمطار المنحدرة عن السطوح. تعيد إلى الأذهان (…) -
جدتي والجامع وعبق الياسمين
25 تموز (يوليو) 2013, ::::: ذكاء قلعه جيلبست معطفها الأسود، وأحكمت ربط برانيلها (*) حول رأسها ثم شدته بقوة لتتأكد من إحكام ربطته، ثم مدت يدها إلى طبق الياسمين، وقبضت منه قبضة، ودستها في صدرها.
ثم قالت لي: "هيا لنذهب".
سألتها ببراءة الأطفال: "إلي أين يا جدتي؟" "سنذهب إلي الجامع الكبير. لقد نذرت أن أقرأ ثلاثة موالد على روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". "الجامع الكبير؟"
وكدت أطير من الفرح، فلطالما سمعت عنه، ولطالما رأيت جدتي تعقد برانيلها ميممة شطره، وكم رجوت أمي أن تسمح لي بمرافقتها. وباختصار كان ذهابي إلى هناك حلم (…)