اعتبر نفسي محظوظة بالتعرف عليها. كان لقاؤنا في بيت من بيوت الله: مسجد الروضة. من الصعب أن أنسى ذلك اليوم الذي جمعني بها. كان أمراً مقدراً من الله عزّ جل. كنت قد مررت قبل لقائي بها بظروف قاهرة: وفاة والدي ومرض والدتي. وجاء لقاؤنا كنوع من العزاء الإلهي لي، أو مواساة ربانية، جبر خاطري المكسور.
هي سيدة بيضاء اللون، بيضاء القلب، بيضاء الابتسامة، بيضاء الحظ. كان الربيع قد حلّ وبدأت شمسه تشرق فينا، كلقائي بها الذي كان ربيعاً من نوع آخر: ربيع لا ينتهي بإذن الله. كنت قادمة من بيروت وتوجهت للمسجد (…)
الغلاف > المفاتيح > مقالات > ذكريات وسيرة
ذكريات وسيرة
المقالات
-
ذات القلب الأبيض
1 كانون الأول (ديسمبر) 2021, ::::: فنار عبد الغني -
الرجل الذي حمل البحر
21 آذار (مارس) 2016, ::::: فنار عبد الغنيهذه القصة مهداة إلى روح أبي الذي أحب البحر وحمله معه
لم يكن أبي رجلا عاديا. عاش طيلة حياته يفاجئنا بأعماله غير العادية، لذلك لم يستطع أحد منا فهم تلك التصرفات التي كانت تجلب لنفسه السرور وتجعله يحظى بمحبة الناس. نجح في إخفاء أسرار آلامه المزمنة في خبايا نفسه. كان نظره ضعيفا جدا ولم يُشعر أحدا بذلك. ولم تساورنا الشكوك بشأن نظره، لكننا كنا نستغرب حرصه الدائم على حمل أكثر من مصباح يدوي صغير في جيبه وإحاطة غرف البيت بأشكال وأنواع عديدة من مصابيح الإنارة الكهربائية أيضا. كنا نتعجب من ذلك، لكننا (…) -
مـــواســـم
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010, ::::: إبراهيم يوسفوكانت الأرض سخية في أيامهم، وقلوبهم سخية في محبة الأرض، وأيديهم لا تعرف غير العطاء. هم يعطون، والله يملأ بطن الأرض بالخيرات ويعطيهم. هؤلاء راحوا. لم يبق منهم في بلادي غير السكة المكسورة والمعول المهجور. وبيادر القمح، تنوس فيها الحياة، على بقرات عجفاء وحبات عجفاء، لا تشبع عصفور الدار الحبيب. (فؤاد سليمان (*))
يتساوى في العمل جنبا إلى جنب، الرجال والنساء، ويتم الحصاد وجني المحصول من القمح والحبوب المختلفة "يالعونة" واستخدام المنجل الأداة البدائية البسيطة التي عرفها الفلاح منذ أقدم العصور. (…) -
من دفاتر المنفى: أخ ولدته الغربة
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2008, ::::: أميمة أحمدعادت بايا من شرودها عندما أعلن صوت المضيفة عن هبوط الطائرة في مطار هيثرو، وراحت تتحدث عن حالة الطقس. كان باردا جدا. لن تنسى ذلك البرد في ذاك اليوم الأحد، 12 تشرين الثاني/نوفمبر. وراحت تحدث نفسها: بعد قليل ألتقي الصديق سمير. ترى كيف أعرفه بين الناس؟ رسمت له صورة. هل ستطابق صورته التي سأكتشفها بعد لحظات؟ أسئلة تستولد بعضها بانتظار وصول الحقائب.
سحبت بايا حقيبتها ووضعتها على إحدى عربات المطار، وتفقدت هندامها كي يتعرف عليها، فهي أخبرته أنها سترتدي لباسا أسود، وستلف منديلا أحمر على الرقبة (…) -
أنا والعصافير
1 أيلول (سبتمبر) 2010, ::::: عبد الحميد صيامفي ربيع السنة الأخيرة لدراستي الثانوية واستعدادا لامتحانات التوجيهي انتحيت مكانا شرقيا من القرية الوادعة الحالمة على سفح الجبل. كنت أعتقد أن الدراسة بصوت عال أسهل للاستيعاب بسبب استعمال حاستي البصر والسمع. عملت مسارا صغيرا طوله نحو مئة متر أقضي معظم ساعات النهار رائحا غاديا في ذاك المسار القريب من أشجار الزيتون والتين وأحضان الطبيعة التي كانت تتزين بأجمل وأزهى الألوان، حيث الزهور البرية تتماوج بشكل بديع متكئة على بعضها البعض عندما تعبث بها نسمة رقيقة فتحنى رؤوسها ووريقاتها وتيجانها الزاهية. (…)
-
عندما تركتً سكني في المدينة/ج2
25 آذار (مارس) 2015, ::::: إبراهيم يوسفكان برنامج الأسبوع الأول يقتضي أن ندرس الغازات، من الأوكسجين "والأزوت" والهواء وزيت الكوابح المستخدم "والإيدروليك"، والتركيز على خصائصه في الكثافة ودرجة تجمُّدِه وغليانه، بالإضافة إلى مبدأ القنوات المتصلة للعجلات، ورافعة الساق أو "العفريت"، واختفائها في جسم الطائرة "لديناميكيَّة" الطيران، وتخفيف ما تتعرض له في الجو من مقاومة هائلة يسببها الهواء أثناء السرعة العالية. وتتلخص المعادلة بأن القوة = الكتلة × بالتسارع (f=ma) وهي ما تمخضت عنه عبقرية نيوتن، العالم الإنكليزي.
هذه المعادلة تعني (…) -
من الحب ما قتل
1 شباط (فبراير) 2011, ::::: نوزاد جعدانملهم. هكذا كان اسمه. عرفته أيام الطفولة حين كنا نلعب بالصور القديمة ونتبادلها، وكنتُ دائما أربح منه بالغش والحيل. رافقني أيام المراهقة حين كنا نتسكع في شوارع حلب تحت سقف مساءاتها المتعبة والمترعة. كانتْ أقدامنا تتورم أمام ديار حبيبة كل منا. وملهم رقيق جدا، له قلب أرق من السلوفان وله مشية بساق ثابتة وابتسامة فيها ظلّ من الغموض. كان وقور السمت ومتين البنيان، وله رقبة غليظة تكاد تخترق كتفيه.
انتقلتْ عائلته من حارتنا منذ سنين فارعة ومن وقتها لم أره، وفي ذاك اليوم الأهوج والسماء في مخاض، بينما (…) -
عندما تركتً سكني في المدينة/ج3
25 نيسان (أبريل) 2015, ::::: إبراهيم يوسفالجزء الثالث والأخير
في باريس كانت تنتظرنا بعض الإجراءات الإدارية في السفارة اللبنانية، والحجز في الشركة الوطنية للطيران التي أعمل فيها، والتي أوفدتني مرارا إلى الخارج، وساهمتْ لاحقا في مساعدتي على تعليم أولادي. ولا زلتُ حتى الساعة أشعر أن لها في ذمتي فضلٌ كبير، فمنْ تعلّم من أبنائي خارج البلاد؛ كان يأتي ليزورنا مرتين في العام. أما رفاقهم من الطلبة الآخرين فكانت زياراتهم لأهاليهم نادرة، لا تتعدى المرة الواحدة طيلة فترة إقامتهم للدراسة.
قبل أن نأتي إلى أولورون سانت ماري، وخلال إقامتنا في (…) -
الـخـطـيـئــة
1 أيار (مايو) 2009, ::::: إبراهيم يوسفلعلَّه العام 1953 حينما نجحت في امتحان الشهادة الابتدائية (certificat)، وانتقلت بعدها لمتابعة الدراسة، من إحدى قرى الرِّيف ألبقاعي ألأوسط، إلى زحلة أكبر وأهم مدن المحافظة، مصيف واسع الشهرة يكتنفه واد ساحر، هو وادي العرائش. والتسمية تتماهى مع جودة الكروم في هذا الوادي ويقلُّ نظيرها في مكان آخر.
من قلب الوادي يتدفق نهر البردوني صافيا باردا ورشيقا ينحدر نزولا ليكوِّن رافدا من روافد الليطاني الذي يضيع ماؤه في البحر. هذا المنتجع السياحي الشهير، يؤمه في العادة الميسورون من أبناء المدينة والجوار، (…) -
سأكون هناك
26 شباط (فبراير) 2015, ::::: شيخة حليويلم أكُن أجدُ حرجا كبيرا في الكذب عليها، الكذب عليها بالذات. كنّا جميعا نُخفي عن أمّهاتنا أمورا ونكشف عن أخرى. حتّى تلك التي نختار البوح بها نغلّفها بعناية مصطنعة كما نغلّف الهدايا الرخيصة. نغلّفها ببعض كذبٍ ناصع البياض.
كلّ ما أخفيتهُ عنها ما كنتُ أراهُ يندرج في إطار "التْشِذِبْ" (الكذب)، ولم يكُن بالتالي يستحقُّ ما تنزله بي منْ عِقاب بعدَ أن يصفعها "تِشذبي" ويحرجها أمام الآخرين.
كُنتُ أحتاجه، الكذب، كما أحتاجُ أن أكون، أن أكون منهم، منهنّ: طوني، جوليا، مها، إيهاب، نادرة، تشارلي ... (…)