بدأ الطنين يخترق أذنها التي وضعت عليها سماعة الهاتف. لم تعد قادرة على استيعاب ما تسمعه من محسن. يأتي صوته الأجش مرتفعا حينا، ومنخفضا حينا آخر حسب حماسه في حديثه مع آخرين نافش معهم أفكاره الجديدة لمجتمع خال من الحروب والجوع والتلوث والصراعات والفقر، وغيرها من أزمات تجتاح عالم اليوم. يعتقد أن أفكاره ستصنع مجتمعا مختلف بثقافته الراهنة.
"عفوا محسن، تعبت. تصبح على خير."
دون أدنى اعتراض أجابها: "حاضر حبيبتي."
أغلقت بايا الهاتف والطنين أصبح دويا. أمسكت رأسها بين كفيها وراحت تدلك صدغيها على (…)
الغلاف > المفاتيح > مقالات > ذكريات وسيرة
ذكريات وسيرة
المقالات
-
من دفاتر المنفى: سقوط الوهم
1 كانون الثاني (يناير) 2009, ::::: أميمة أحمد -
العادة تغلب الإرادة
1 حزيران (يونيو) 2017, ::::: مرام أمان اللهكان المسافرون يتوافدون إلى الحدود في خطوط لا تشبه خطوط سير النمل إلا بالكثرة، محمّلين بالصبر "الموقوت" في رحلة أظنها الأكثر إتقانا لاختطاف فرحة المغتربين القادمين شوقا، أو المغادرين الساعين أملا.
لم يعتادوا السير في خطوط مستقيمة، فقد تم تصميم مساراتهم بأكثر الأشكال الهندسية تعقيدا ما يتطلب من الوقت والطاقة الحدود القصوى.
في كل مرة يفكرون فيها بالخروج من سجنهم الكبير "الضيّق" أو الرجوع إليه، كانوا يسلكون نفس المسارات الحلزونية التي ترمي بدوارها على من لم يعتادوها بعد.
ما حدث ذلك اليوم (…) -
حب في الشتاء
1 آذار (مارس) 2010, ::::: إبراهيم يوسفأمّا الشعر، فشأن مختلف، لهفته تعيش حيّة في القلب، ولي معه حكاية حزينة. حزينة بلا ريب. تعود إلى زمن المراهقة، حين كنت مقبلا على الدنيا، معتدّا بنفسي، مفتونا بها، ولا أجد ما عداها يستحقّ الاهتمام. إلاّ قصيدة نظمتها في أوّل خفقة للقلب. فالشعر لزوم الحبّ يأتي من رحمه ولا يستقيم بدونه. هكذا ولدت قصيدتي الأولى، والأخيرة.
سلخت في إعدادها أيّاما وليالي. وحين استقامت. قلت أستشير أصحاب الشأن، قبل أن يحملها "الهوى" وينثرها بلسما على المحبّين. هكذا توجّهت، بلا إبطاء، إلى عيادة السيّد علي "روضة". طبيب (…) -
بانت الفضيحة وانقضى الأمر
25 كانون الثاني (يناير) 2015, ::::: إبراهيم يوسفتلك البلدة في شمال لبنان، ولا تبعد كثيرا عن الفيحاء، صعودا إلى الشرق في اتجاه باب الشمس، وغابة الأرز في بشرّي، موطن الأرواح المتمردة وجبران النّبي، والتي لا تحتاج إلى تفكير طويل، لكي يكتشف المرء أين تكون، وما اسمها بالإشارة إلى الحرف الأول من الاسم. يكفي التذكير بالكرم والضيافة والشئمة وقسوة الطباع وكلام موثوق لا رجوع فيه إلا بانقضاء الأجل.
وجرن الكبّة الحاجة البسيطة. وله في الأعراس شأن وتاريخ شعبيّ طويل، يلقي على البلدة مزيدا من الضوء. كما الرصاص يلعلع في ساحة الكنيسة أو في فضاء المآتم (…) -
العمة الطيبة
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010, ::::: أشواق مليباريفي قريتنا الصغيرة، كان الجبل يحتضن بيوت جدي وأعمامي التي تداخلت وتحلّقت حول مزرعة النخيل المثمرة صيفا. عند تلك البيوت الطينية وقرب المسجد الصغير الذي بناه جدي يقع بيته الأبيض، جدرانه الداخلية الزرقاء وأبوابه الحديدية، وسقفه الذي رُصف بجريد النخل، يمتزج ذلك كله بروائح البخور والقهوة التي تغلي على النار في ذلك المطبخ الصغير، لتغمرني ببهجة الأعياد التي كنّا نمضيها هناك.
كان الباب الذي يطل على المزرعة يُظهر أقراط الرطب الأصفر والأحمر المتدلية، القوام الممشوق للجذوع المعمّرة، السعف الأخضر الذي (…) -
مـــواســـم
1 تشرين الأول (أكتوبر) 2010, ::::: إبراهيم يوسفوكانت الأرض سخية في أيامهم، وقلوبهم سخية في محبة الأرض، وأيديهم لا تعرف غير العطاء. هم يعطون، والله يملأ بطن الأرض بالخيرات ويعطيهم. هؤلاء راحوا. لم يبق منهم في بلادي غير السكة المكسورة والمعول المهجور. وبيادر القمح، تنوس فيها الحياة، على بقرات عجفاء وحبات عجفاء، لا تشبع عصفور الدار الحبيب. (فؤاد سليمان (*))
يتساوى في العمل جنبا إلى جنب، الرجال والنساء، ويتم الحصاد وجني المحصول من القمح والحبوب المختلفة "يالعونة" واستخدام المنجل الأداة البدائية البسيطة التي عرفها الفلاح منذ أقدم العصور. (…) -
جدتي والجامع وعبق الياسمين
25 تموز (يوليو) 2013, ::::: ذكاء قلعه جيلبست معطفها الأسود، وأحكمت ربط برانيلها (*) حول رأسها ثم شدته بقوة لتتأكد من إحكام ربطته، ثم مدت يدها إلى طبق الياسمين، وقبضت منه قبضة، ودستها في صدرها.
ثم قالت لي: "هيا لنذهب".
سألتها ببراءة الأطفال: "إلي أين يا جدتي؟" "سنذهب إلي الجامع الكبير. لقد نذرت أن أقرأ ثلاثة موالد على روح سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم". "الجامع الكبير؟"
وكدت أطير من الفرح، فلطالما سمعت عنه، ولطالما رأيت جدتي تعقد برانيلها ميممة شطره، وكم رجوت أمي أن تسمح لي بمرافقتها. وباختصار كان ذهابي إلى هناك حلم (…) -
ذات القلب الأبيض
1 كانون الأول (ديسمبر) 2021, ::::: فنار عبد الغنياعتبر نفسي محظوظة بالتعرف عليها. كان لقاؤنا في بيت من بيوت الله: مسجد الروضة. من الصعب أن أنسى ذلك اليوم الذي جمعني بها. كان أمراً مقدراً من الله عزّ جل. كنت قد مررت قبل لقائي بها بظروف قاهرة: وفاة والدي ومرض والدتي. وجاء لقاؤنا كنوع من العزاء الإلهي لي، أو مواساة ربانية، جبر خاطري المكسور.
هي سيدة بيضاء اللون، بيضاء القلب، بيضاء الابتسامة، بيضاء الحظ. كان الربيع قد حلّ وبدأت شمسه تشرق فينا، كلقائي بها الذي كان ربيعاً من نوع آخر: ربيع لا ينتهي بإذن الله. كنت قادمة من بيروت وتوجهت للمسجد (…) -
أساطير وذكريات
1 أيلول (سبتمبر) 2006, ::::: عيسى ريتاكان الصبي ذو السحنة السمراء يلهو بسعادة على الضفة الغربية من الأخدود الأفريقي العظيم. يبعثر ذرات رمال شاطئ البحر الأحمر في عنان السماء. وقد أبلغه جده أنه قد قرأ في صحيفة ذات يوم أن بعض العلماء قد صرحوا بأن البحر الأحمر سيصبح محيطا عما قريب، لأنهم اكتشفوا تباعد ضفتيه بسرعة، وخلال فترة وجيزة بلغ تباعد الضفتين سبعة كيلومترات.
لم يكن هذا الصغير يعلم أن هذا اليم لم يكن في عهود خلت سوى يابسة تسعى فيها الخلائق، وتنبت فيها الغابات، وتعج بالحيوانات المتوحشة والأليفة والطيور بشتى أنواعها وأجمل (…) -
النساج الضرير
1 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010, ::::: إبراهيم يوسفأخي، إن عاد بعد الحرب جنديّ لأوطانه
وألقى جسمه المنهوك في أحضان خلاّنه
فلا تطلب إذا ما عدت للأوطان خلاّنا
لأنّ الجوع لم يترك لنا صحبا نناجيهم
سوى أشباح موتانا
ميخائيل نعيمة . "البيلسانة" وزهرها العطريّ الأبيض، ملجأ السنونو والنحل وعصافير الدوري، وفراش "الحواكير". تقوم في زاوية من زوايا الدار، قريبا من البئر؛ بجانب مستودع الحبوب، وكان يتّسع لبضعة "أطنان" من القمح ومختلف الحبوب الأخرى؛ على حساب اليوم.
هذه البئر تموّلها عبر الميزاب مياه الأمطار المنحدرة عن السطوح. تعيد إلى الأذهان (…)