مكتبة وأرشيف

د عدلي الهواري

للمساهمة في التراكم المعرفي وتعزيز التفكير النقدي

ORCID iD icon https://orcid.org/0000-0003-4420-3590
 
أنت في : الغلاف » كتب الهواري بالعربية » اتحاد الطلبة المغدور » تفاصيل أخرى وتقييم

كتاب: اتحاد الطلبة المغدور

تفاصيل أخرى وتقييم

د. عدلي الهواري


ومن الملفت للنظر أن الهيئة التنفيذية، رغم ادعاءاتها العديدة بالحرص على تطبيق اللائحة الداخلية والدستور واتهاماتها المتكررة للهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة بارتكاب مخالفات دستورية أخذت قرار التجميد على أساسها، قامت (الهيئة التنفيذية) بارتكاب مخالفة دستورية لا يجوز أن يرتكبها عضو لجنة وحدة جديدة في مدينة نائية قرأ الدستور مرة واحدة. فلقد عينت الهيئة التنفيذية في لجنتها التحضيرية عضوا من أعضاء الهيئة الإدارية المجمدة.

عدلي الهواري 1981؟صدور نشرة فتح

تميزت «الحقيقة» بأسلوبها التوثيقي، وكانت تخصص كل عدد لقضية ما، وتنشر ما يتوفر بشأنها من وثائق. وبعد أن أصبح تجميد الهيئة الإدارية موضوعا ملحا يحتاج إلى التعبير المباشر عن الرأي في تطوراته، تم إصدار نشرة اسمها «فتح»، وحمل عددها الأول تاريخ أيار (مايو) 1984.

خصص العدد الأول من «فتح» نصف الصفحة الأولى والنصف الثاني من صفحة داخلية لقضية تجميد الهيئة الإدارية. ويشير تسلسل أعداد «فتح» إلى صدور خمسة أعداد، ولكن ليس لدي نسخة من العدد الثاني.

العدد الثالث من «فتح» خصص الصفحة الأولى بالكامل لموضوع تجميد الهيئة الإدارية، وقد كتب الموضوع المتعلق بذلك تحت عنوانين: «ارفعوا أيديكم عن اتحادنا. عاش اتحادنا وطنيا ديموقراطيا».

ونشر في العدد الثالث مقالة بدون توقيع عنوانها «الطالبة الفلسطينية والمشاركة في الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة»، وقبل أن أقتطف منها بالنظر إلى تناولها مسألة مهمة، أود أن أجيب عن سؤال لا بد أنه خطر على بال من قرأ الفصول السابقة من الكتاب وهو: أين الطالبة الفلسطينية في فرع الولايات المتحدة؟ السؤال جوهري ويستحق إجابة.

عدد الطالبات الفلسطينيات اللاتي أتين من الخارج للدراسة في الولايات المتحدة كان قليلا جدا. أيام دراستي في جامعة أوكلاهوما حضرت للدراسة فيها طالبة لبنانية من الذين يعيشون في دولة أفريقية. بعض الطلبة كانوا متزوجين، ورافقتهم زوجاتهم في رحلتهم الدراسية.

الحضور النسائي الفلسطيني الأكبر في الولايات المتحدة كان ضمن الجالية الفلسطينية، وبأدوار الزوجات والبنات وأمهات الرجال المتزوجين. وكثير من أفراد الجالية في منطقتي نيويورك ونيوجيرزي من الفئات المحافظة اجتماعيا. المشاركة كعائلة كانت تتم في الاحتفالات بمناسبات الانطلاقات، وربما المظاهرات. ولكن بدأ يأتي إلى الولايات المتحدة طالبات فلسطينيات بقصد الدراسة. بعض المدن، كواشنطن العاصمة، كان فيها بعض الطالبات، ويشاركن في نشاطات الاتحاد ضمن وحدة الاتحاد في المدينة، أو كعضو في الوحدة أو اللجنة التي تدير شؤونها.

أما الهيئات الإدارية الأولى والثانية والثالثة المشمولة في هذا الكتاب، فلم يكن بين أعضائها طالبات. كان يظهر أن لدى الجبهة الشعبية مؤيدات أكثر من تيار فتح، ولكن العدد قليل.

ورد في المقالة المذكورة أعلاه حول مشاركة الطالبات سببان للمشاركة المحدودة:

1= أن معظم الطالبات الفلسطينيات في الولايات المتحدة الوافدات من أماكن أخرى يأتين من خلفية اجتماعية ميسورة اقتصاديا، وهذه الخلفية عموما هي الأكثر محافظة من الناحية السياسية (والأقل ميلا إلى «النشاطات الثورية» بطبيعة الحال)، كما أنها الأكثر انفتاحا من الناحية الاجتماعية مما يوفر لهذه الفئة من الطالبات أوجه نشاط أخرى لاستثمار طاقاتهن، تتركز في المجالات الاجتماعية-الثقافية، أكثر من الناحية السياسية.

2= أما الطالبات المقيمات في الولايات المتحدة مع أسرهن، فمعظمهن لا يزال يخضع لرقابة صارمة من جانب عائلاتهن، قد تكون أكثر شدة هنا [في الولايات المتحدة] منها في الوطن لخوف الأهل على فتياتهم من تأثير الحياة الأميركية.

كانت هناك جهود نسائية تسعى إلى تأسيس فرع للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في الولايات المتحدة، ولم أعد أذكر إن تمكنّ من تأسيس فرع أم لا.

ومن القضايا التي كان النقاش يتكرر حولها إن كان يجب اعتبار ابن الفلسطينية فلسطينيا ويجوز له بالتالي الانضمام إلى الاتحاد. ولكن الهيئة التنفيذية أوضحت في رسالة ردا على استفسار الهيئة الإدارية بهذا الشأن أن «تعريف الفلسطيني حسب ميثاق منظمة التحرير هو:

1) من أبوين فلسطينيين؛ 2) من أب فلسطيني؛ 3) من هو من أم فلسطينية وأب غير فلسطيني فهو يتبع لجنسية والده وبالتالي لا يعتبر فلسطينيا». (رسالة تاريخها غير معروف لعدم توفر صفحاتها الثلاث الأولى).

كان تعاملي مع هذه المسألة بأن أهوّن الأمر على ذي الأم الفلسطينية والراغب/ة في الانضمام بالقول إن الفلسطينية هوية نضالية. هذا قول صحيح، ولكنه لا يواجه حقيقة عدم المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة، وهذه قضية لا تزال ساخنة إلى يومنا هذا في الدول العربية، حيث يرفض منح الجنسية لأبناء وبنات الأم المتزوجة من رجل له جنسية أخرى.

للعلم، فإن المرأة الأميركية التي تزوجها طالب فلسطيني (أو أي أجنبي) أعطته حق الحصول على الجنسية، فانخفضت تكاليف دراسته، وصار يحق له العمل، والانتقال من جامـعة إلى أخـرى دون الحصول على موافقة دائرة الهجرة. وبعد الزواج، يحصل الأبناء والبنات على الجنسية، وهو حق أيضا لمن يولد في الولايات المتحدة.

وموضوع آخر كان يناقش من حين لآخر: من هو الطالب الذي يحق له الانضمام للاتحاد؟ فقد كان يتم الاعتراض على الحق في عضوية من يدرسون في معاهد تدريبية مثلا.

أوضحت الهيئة التنفيذية أن الطالب الذي يمكنه الانضمام إلى الاتحاد يجب «أن يكون حصل على شهادة الثانوية العامة أو ما يعادلها» أي أن طلبة المعاهد التي لا تشترط ذلك لا يحق لهم الانضمام إلى الاتحاد (رسالة تاريخها غير معروف لعدم توفر صفحاتها الثلاث الأولى).

حمل العدد الرابع من «فتح» تاريخ تموز وآب (يوليو وأغسطس) 1984. وتطرق العدد إلى اتفاق عدن، واعتبرت كلمة العدد أن المفاجأة الوحيدة مشاركة الجبهة الشعبية فيه، رغم أن مؤيديها كانوا يقولون إن حوار الجبهة الشعبية مع اللجنة المركزية لحركة فتح كان تكتيكيا، ويهدف إلى «فضح اللجنة المركزية أمام الجماهير الفلسطينية وتحميلها مسؤولية فشل الحوار».

وفي مقالة مجاورة لكلمة العدد الرابع، انتقدت المقالة التغير المتواصل في مواقف الجبهة الشعبية، فقد بدأ برفض قرار التجميد، ثم التعامل مع موفد الهيئة التنفيذية «بأقصى حد من المرونة ... إلى حد القبول بمبدأ انتقاد الهيئة الإدارية لنفسها (إرضاء للهيئة التنفيذية)».

ونشر في العدد الرابع من «فتح» ملخص رسالة وردت إليها من حاتم الحسيني، المدير السابق لمكتب الإعلام الفلسطيني في واشنطن، ردا على مقالة نشرت في العدد الثاني من «فتح» (لا نسخة منه لدي لأقتبس منه). ومن ضمن النقاط في رده أنه اعتبر نقده «لبعض أوجه عمل الاتحاد من ضمن النقد البناء». وكرر في رسالته الاتهامات الموجهة للهيئة الإدارية ومنها أن رئيسها هدد بعض الوحدات بالتجميد، وذكر منها «وحدات نورث داكوتا، ساكرمنتو وتكساس».

تم نشر رد على ملخص رسالة الحسيني، وأشير فيه «إلى عدم درايته بحيثيات دستور الاتحاد ولائحته الداخلية ... فالوحدات في الاتحاد تقام على أساس المدينة الواحدة، وليس الولاية ... كما أن الدستور لا يسمح بتجميد وحدة أو مجموعة من الوحدات». (نورث داكوتا وتكساس ولايتان).

وجاء في ختام الرد: «في نشرنا للنقاط الواردة في رسالته ردا على مقالتنا، نرى أننا أوفيناه والأمانة الصحفية حقهما، ولذلك نعتبر الموضوع مغلقا من الآن فصاعدا، فلدينا من القضايا التي نريد إيصالها إلى القاعدة الطلابية ما هو أهم من المساجلات على صفحات هذه النشرة مع أي شخص كان».

حمل العدد الخامس من «فتح» تاريخ آب وأيلول (أغسطس وسبتمبر) 1984، وكان عنوان الكلمة «سقوط ورقة التوت النقابية»، وتم فيها التعليق على تشكيل لجنة تحضيرية بديلة، وجاء فيها:

ومن الملفت للنظر أن الهيئة التنفيذية، رغم ادعاءاتها العديدة بالحرص على تطبيق اللائحة الداخلية والدستور واتهاماتها المتكررة للهيئة الإدارية لفرع الولايات المتحدة بارتكاب مخالفات دستورية أخذت قرار التجميد على أساسها، قامت (الهيئة التنفيذية) بارتكاب مخالفة دستورية لا يجوز أن يرتكبها عضو لجنة وحدة جديدة في مدينة نائية قرأ الدستور مرة واحدة. فلقد عينت الهيئة التنفيذية في لجنتها التحضيرية عضوا من أعضاء الهيئة الإدارية المجمدة.

بعد صدور العدد الخامس من نشرة «فتح» قرر المسؤولون في التيار المؤيد لفتح (الانتفاضة) إيقاف صدورها وإسناد إصدار «الحقيقة» إلى لجنة. وجاء هذا القرار بعد أن صدر من «الحقيقة» عشرة أعداد.

كما شرحت في فصل سابق، صدرت «الحقيقة» بمبادرة فردية مني، ثم تبناها أنصار حركة فتح في الولايات المتحدة. وحتى العدد العاشر منها، ظل أسلوبها معتمدا على الوثائق والتركيز على موضوع واحد.

وإضافة إلى الأعداد الصادرة بحجم تابلويد، كانت هناك ثلاثة ملاحق، كل واحد منها صفحة واحدة من حجم ايه 4، واستخدم جانباها للحديث عن موضوع ما. من المرجح أن الملاحق الثلاثة أعدت للنشر والتوزيع، ولكن لا توجد نسخ من الملحقين الثاني والثالث غير النسختين الأصليتين، ولذا من المرجح أنهما لم يصورا ويوزعا. أما الملحق الأول فهناك نسخ منه، ولكن توزيعه كان محدودا جدا، إذا تم توزيعه.

حمل الملحق الأول لقب ملحق خاص، وتاريخ 1 تشرين الثاني/نوفمبر 1983، وموضوعه حوار مع بطرس غالي (وزير خارجية مصر في ذلك الحين)، نشر في العدد 479 من مجلة «فلسطين الثورة» الصادر بتاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر 1983.

ونشر على الصفحة الثانية من الملحق صورة للمقابلة كما ظهرت في «فلسطين الثورة». أما على الصفحة الأولى فقد تمت الإشارة بحروف كبيرة إلى أن «فلسطين الثورة حاورت بطرس غالي ولم تحاور أبناء فتح»، ثم تعليق موجز على ذلك.

الملحـق الثاني حمل تاريـخ 14 تشريـن الثاني/نوفمبر 1983، وتصدر صفحته الأولى سؤال: «مؤتمر لم تدع له المنظمات، من دعا له باسمها؟ ولماذا؟» وتحت التساؤل ثم على الصفحة الثانية تم شرح خلفية صدور هذه الدعوة إلى مؤتمر باسم «المنظمات الفلسطينية بأمريكا الشمالية وكندا» تحت عنوان «منظمة التحرير الفلسطينية عام 1983: التحديات التي تواجه الثورة الفلسطينية».

الملحق الثالث أيضا حمل رقم وتاريخ الملحق الثاني، وتصدر صفحته الأولى عنوان: «مع التصحيح ضد الاقتتال». وتحته ثم على الصفحة الثانية تم التعليق على الاستياء الجماهيري من الاقتتال الفلسطيني.

ولكن التعليق الذي طالب بوقف الاقتتال، دعا في الوقت نفسه إلى الفصل بين الموقف من الاقتتال، والموقف من التصحيح، وأشار إلى ثلاثة مبادئ «للتعامل مع الأزمة التي تمر فيها حركة فتح، وهي: لا للاقتتال، نعم للحوار الديموقراطي، ومع وحدة فتح القائمة على أساس التمسك بالبرنامج السياسي والنظام الأساسي للحركة».

وصدر عن «الحقيقة» أيضا كتيب يتكون من 42 صفحة عنوانه «أزمة «فتح»: جذورها، أبعادها، مستقبلها» ويحمل تاريخ نيسان/أبريل 1984. اعتمد الكتيب على مجموعة مقالات نشرت في مجلة «الشراع» اللبنانية بتوقيع «ديموقراطي فلسطيني».

وتشير الصفحة قبل الأخيرة من الكتيب إلى صدور دراستين عن «الحقيقة» إحداهما عن العلاقات الأردنية مع منظمة التحرير الفلسطينية، والأخرى عن آفاق الخيار الأردني. ولكن ليس لدي سوى نسخة من الكتيب المعتمد على المقالات التي نشرت في مجلة «الشراع».

عندما صدر عن «لجنة» العدد الحادي عشر من «الحقيقة» حمل تاريخ نيسان/أبريل 1984، ووجدت أسلوبه مختلفا عن أسلوب «الحقيقة» كما أردتها منذ إصدار عددها الأول، وكما عرفتها حتى العدد العاشر.

وليت إصدار «الحقيقة» توقف بعد صدور العدد العاشر، واستمر إصدار «فتح» أو استبدال المجلتين بنشرة جديدة لتعبر عن وجهات نظر مؤيدي تيار «فتح» (الانتفاضة) كما يحلو للجنة أن تفعل. يجب اعتبار العدد 11 العدد الأول من نشرة مختلفة رغم أنه حمل اسم «الحقيقة».

تقييم

لعب الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة دورا مهما ومميزا في الساحة الأميركية، وضم بضعة آلاف من الطلبة الفلسطينيين في صفوفه، وكان هؤلاء في خط الاتصال الأول والمباشر مع جموع الطلبة في الجامعات وأهالي المدن التي يدرسون فيها، وبالتالي يمارسون عملا مهما على مستوى يسمى حرفيا «جذور العشب» (grassroots)، وهو أفضل بكثير من عمل مكاتب إعلام في عواصم القرار السياسي، أو اللجوء إلى توظيف جماعة ضغط على أمل التأثير على صانعي القرار في الولايات المتحدة.

وتميز الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة بتجربة ديموقراطية، وكان أول مؤسسة فلسطينية في الولايات المتحدة تنهض من حالة الإحباط التي سادت بعد خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية من بيروت، فعقد مؤتمره الثالث في أواخر شهر كانون الأول/ديسمبر 1982. وكان ذلك المؤتمر بشهادة أنصار كل الفصائل مؤتمرا نوعيا، وتم فيه تبني برنامج سياسي كان واضحا في مواقفه من كل القضايا التي تؤثر في القضية الفلسطينية، وهو البرنامج الذي حظي بنشره كاملا في مجلة «الهدف».

وأقدم الاتحاد على الخطوات اللازمة لاستكمال عملية النهوض، ووضعت الهيئة الإدارية نصب أعينها إجراء انتخابات لجان الوحدات ومندوبي المؤتمر الرابع بالإضافة إلى برنامج نشاطات، وأخذت القرارات اللازمة لذلك، ووضعت موضع التطبيق.

واستمر العمل في الاتحاد كبؤرة للحوار الديموقراطي أثناء تفجر الأزمة في فتح عام 1983، وتمسكت الهيئة الإدارية بالموقف الفلسطيني العام المطالب بوحدة فتح والحوار الديموقراطي لحل الأزمة.

عندما أصبح فرع الاتحاد على أبواب الانتخابات ومؤتمره الرابع، عقدت الهيئة الإدارية اجتماعا لها للإشراف على عملية الانتخابات في الوحدات، ولكنها فوجئت بوصول رسالة على الهاتف من الهيئة التنفيذية تطالب بوقف الانتخابات [آذار/مارس 1984]، ثم جاءت رسالة من الهيئة التنفيذية تحمل مجموعة من التهم للهيئة الإدارية [8 آذار/مارس 1984]، وتم توزيع هذه الرسالة التي تطالب بوقف الانتخابات بمعزل عن الهيئة الإدارية، وبدأت منذ ذلك الحين عملية تخريب أوضاع الفرع الداخلية وقتله ببطء.

أخذت القوى الوطنية في الاتحاد في البداية، وتحديدا أنصار فتح (الانتفاضة) والجبهة الشعبية، قرارا يقضي بإجراء الانتخابات وعقد المؤتمر لأن قرار الهيئة التنفيذية ليس دستوريا، وتم الاتفاق على تفاصيل تطبيق هذا القرار. ولكن الاتفاق لم يدم سوى أقل من 24 ساعة، لأنه لم ينل موافقة قيادة الجبهة الشعبية في المركز [سورية].

كان الاتفاق نقلة نوعية في تاريخ العلاقة بين فصائل العمل الوطني في الولايات المتحدة، وذلك لأنه للمرة الأولى وضع المتفقون نصب أعينهم الوضع السياسي وانعكاساته على كل المؤسسات الجماهيرية، وكذلك انعكاس ما يجري في المؤسسات على الوضع السياسي العام. وكان الاتفاق بين طرفين عاملين في الولايات المتحدة يعرفان طبيعة العمل في الساحة وتفصيلاته وتعقيداته.

أسفر فض الاتفاق عن بدء معركة انتخابية بيان أنصار الجبهة الشعبية وفتح (الانتفاضة) استنزفت جهود الطرفين، وانتهت بدون فائدة لأي منهما. ومنذ ذلك الحين، كانت الهيئة التنفيذية تراقب ما يجري، وأرسلت قرارا يحتوي على إنذار وتجميد للهيئة الإدارية، فكان ذلك مؤشرا على ما تريد أن تفعله، وأرسلت إلى الولايات المتحدة مندوبا عنها ليستطلع الوضع.

عبر أنصار الجبهة الشعبية أكثر من مرة عن رأيهم في مجموعة القرارات الصادرة من الهيئة التنفيذية في نشرة «فلسطين الديموقراطية» وبيانات أخرى، بالإضافة إلى البيانات الصادرة باسم الهيئة الإدارية التي صاغها أو شارك في صياغتها عضو العلاقات الداخلية في الهيئة الإدارية، ممثل تيار الجبهة الشعبية (مضر)، وتمحورت المواقف حول رفض قرارات الهيئة التنفيذية وعلى رأسها قرار التجميد لعدم دستوريته.

أبدت الهيئة الإدارية حرصها على فرع الاتحاد في الولايات المتحدة كإطار موحد للعمل الطلابي الوطني الفلسطيني، وجلست مع مندوب الهيئة التنفيذية (عوض) ودافعت عن نفسها من كل التهم الملفقة، واستخدمت في دفاعها الوثائق، وأبدت الاستعداد للتجاوب مع طلبات الهيئة التنفيذية وتسهيل مهمة الموفد «الاستطلاعية». وتوصل أنصار الجبهة الشعبية مع الموفد إلى اتفاق لتنفيذ كل هذه الأمور، لكنه تراجع عن الاتفاق واستصدر قرار التجميد.

حوّلت الهيئة التنفيذية نفسها إلى طرف سياسي ولم يعد يهمها أن تلعب دورا نقابيا طلابيا نزيها يكفل حقوق الطلبة أعضاء الاتحاد في الولايات المتحدة، وحقوق القوى السياسية العاملة فيه، الأمر الذي جعل قبول هذه الهيئة مرجعا نقابيا أمر غير حكيم وغير منطقي في غياب النزاهة والمصداقية في عمل الهيئة التنفيذية كهيئة قيادية لعموم الاتحاد العام لطلبة فلسطين.

كان لموقف أنصار الجبهة الشعبية الأولي المتمثل في رفض سياسة الاستبعاد للقوى السياسية أثران: أحدهما إيجابي وتمثل في أنه فوت فرصة على مؤيدي عرفات هدف استبعاد أنصار فتح (الانتفاضة).

أما السلبي فتمثل في أنه أعطى أنصار عرفات الفرصة لقتل الاتحاد من الداخل عبر عملية المراوغة والمماطلة وشل الاتحاد. وكان ممكنا تلافي الجانب السلبي في الموقف الانتظاري الذي لجأت إليه القوى الوطنية في الاتحاد لو حسمت هذه القوى أمرها ووقفت معا ضد محاولات القتل البطيء لفرع الاتحاد في الولايات المتحدة وعمله، وذلك بالعودة إلى تنفيذ ما عطلته الهيئة التنفيذية.

بعد ستة شهور من الانتظار، توج الموقف الانتظاري باتفاق بين أنصار الجبهة الشعبية وفتح (عرفات) والجبهة الديموقراطية حول فرع الاتحاد، وترتب على هذا الاتفاق ثلاثة أمور: التخلي عن الهيئة الإدارية المنتخبة؛ وقبول تجميدها؛ والقبول بالتهم الملفقة التي وجهت إلى الهيئة الإدارية، ولكن دون أن يكون لذلك أثر إلا على طرف واحد: استبعاده وتجريده مما حققه عبر وسائل ديموقراطية.

هذا الاتفاق ذكر بقوة بما جرى في منظمة الطلبة العرب والمصير الذي آلت إليه، فالذين عايشوا تجربة منظمة الطلبة العرب لم ينسوا السنوات الأخيرة من عمرها قبل انقسامها وانهيارها.

كانت بداية النهاية لذلك المصير الجنوح نحو نهج استبعاد بعض القوى لقوى أخرى عبر تحالفات تستند إلى اكتساب المزيد من المواقع في الهيئات القيادية. ومن مصادفات القدر أن سياسة الاستبعاد مورست في الماضي ضد أنصار فتح (الموحدة) وحلفائهم من مؤيدي الحزب السوري القومي الاجتماعي في منظمة الطلبة العرب. ومورس هذا الأسلوب داخل الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة باتفاق ثلاثة أطراف على حساب طرف آخر.

بعد مؤتمر منظمة الطلبة العرب في ابسلنتي عام 1978 دبت الخلافات بين الأطراف المتحالفة، وتطور الخلاف إلى حد وجود لجنتين تنفيذيتين دعت كل واحدة إلى مؤتمر خاص بها، وزعم كل طرف أن مؤتمره هو الشرعي، وسلح نفسه بتأييد فروع المنظمة التي أمّن فيها أغلبية. ولكن هذا الوضع لم يدم طويلا، إذ انتهت منظمة الطلبة العرب بعد تاريخ عريق بدأ عام 1952، وضحية ذلك كان العمل الطلابي العربي في الولايات المتحدة. وكرر التاريخ نفسه في سياق العمل الطلابي الفلسطيني خلال بضع سنوات.

الاستقالة

العد التنازلي لمغادرتي الولايات المتحدة كان يتناقص كل شهر ويقربني من موعد المغادرة، التي كان سيسبقها في توقيت مناسب انتهاء أي دور لي في الاتحاد. ولكني قدمت استقالتي من الهيئة الإدارية في موعد لم أخطط له مسبقا. بعثت إلى رئيس الهيئة، إسماعيل عبد الرحمن، رسالة موجزة تحمل تاريخ 1984/12/18، وهذا نص الاستقالة:

نظرا لقرب موعد تخرجي وعـودتي إلى الوطن (أواخر آذار 1985)، وجدت من المناسب تقديم استقالتي من الهيئة الإدارية في هذا الوقت، وذلك لإفساح المجال أمامكم لأخذ الإجراءات اللازمة لشغل الموقع الذي أترك قبل وقت كاف من مغادرتي الولايات المتحدة. مع وافر التحيات.

تقديم الاستقالة في ذلك التوقيت كان له علاقة بقراري قطع الصلة بتيار فتح، بعد أن تبين لي يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 1984 أنني استبعدت من لجنة كنت أعمل فيها بالتوازي مع عملي في الهيئة الإدارية. إن تبديل الأشخاص ومواقع عملهم والاستغناء عن خدماتهم، أو حتى طردهم من العمل بسبب مخالفة ما، أمر يحدث دائما. ولكن لا يتم ذلك في أي حال من الحالات دون حضور المعني، ودون إبلاغه.

وعندما يكون المستبعد غير مذنب، وغير مقصر، فإن الاستبعاد بهذه الطريقة يفتقر إلى الاحترام الواجب في تعامل الناس مع بعضهم. وعندما تكون هذه طريقة تعامل أشخاص عملوا معا بضع سنوات، فإن طريقة الاستبعاد افتقرت أيضا إلى الرفاقية الواجبة في تعامل رفاق مع بعضهم.

لم أعمل في موقع يوما وكنت مجرد شخص يحضر الاجتماعات، ويكتفي بالكلام فيها، وينتظر موعد الاجتماع القادم، وهكذا دواليك، بل كنت ممن يبذلون جهودا تنتج أثرا ملموسا، فعندما توليت مسؤولية الإعلام في الاتحاد أنتجت مجموعة أعداد من «الاتحاد»، وأصدرت عشرة أعداد من «الحقيقة»، وأربعة أو خمسة أعداد من «فتح».

ويضاف إلى ذلك المشاركة في نشاطات عديدة كالندوات والمظاهرات وزيارة الوحدات في الولايات الشرقية. كل ذلك وأنا طالب لا يحمل الجنسية الأميركية وليس لديه حق الإقامة الدائمة التي تعرف بالكرت الأخضر، وواصلت العمل رغم وجود قضية لي لدى دائرة الهجرة كان من المحتمل أن تنتهي بالترحيل. ورغم كل ذلك، استكثرت عليّ مجموعة ممن عملت معهم أن تقول لي «يعطيك العافية» لا في اجتماع للجنة التي استبعدت منها، ولا في رسالة، ولا في اتصال هاتفي أو حديث شخصي مع أحد أعضائها.

كان التعامل بهذا الأسلوب الفظ اللارفاقي كافيا لأن أدرك أن الخلل في طريقة التفكير والتعامل مع بعضنا أكبر مما توقعت. ومن يعاملني بهذه الطريقة سوف يستمرئ هذا الأسلوب في المستقبل لو قبلتها. ولذا كان يجب أن يكون جليا لمن شاركوا في قرار الاستبعاد أني لا أقبل بمواصلة العمل معهم في أي موقع آخر.

سلمت سعيد، رئيس اللجنة التي استبعدت منها، رسالة تضمنت قراري قطع الصلة بتيار فتح. ولأن وجودي في الهيئة الإدارية كان لتمثيله، لم أرغب في التظاهر بأني أمثله في الهيئة الإدارية، أو أن أحول صفتي إلى مستقل، أو أن «أعرض خدماتي» على تيار آخر سعيا إلى مصلحة شخصية أو بدافع الانتقام، فاستقلت من الهيئة الإدارية. وهكذا، وفي يوم واحد، انتهت علاقتي بتيار فتح والاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة. وباستقالتي من الهيئة الإدارية تنتهي أيضا مقدرتي على مواصلة الحديث عن بقية ما جرى في الاتحاد من موقع المشارك، وبالاعتماد على نشرات وبيانات ورسائل من تلك المرحلة.

= = =

JPEG - 34.2 كيليبايت
صفحة من مجلة الاتحاد العدد 7

توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):

النسخة الورقية:

1. عدلي الهواري، اتحاد الطلبة المغدور (لندن: عود الند، 2015)، ص - -.

توثيق النقل من الموقع:

يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.

توثيق الكتاب في قائمة المراجع:

الهواري، عدلي. اتحاد الطلبة المغدور. لندن: عود الند، 2015.

عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.

JPEG - 22.1 كيليبايت
غلاف: اتحاد الطلبة المغدور