عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 
أنت في : الغلاف » أرشيف أعداد عـود الـنـد » الأعداد الشهرية: 01-120 » السنة 6: 60-71 » العدد 62: 2011/08 » كهنة الشعر : عبد القادر الجنابي

هدلا القصار - لبنان

كهنة الشعر : عبد القادر الجنابي


كهنة الشعر 1

تضيق الساحات الأدبية العربية بأقلام كهنة الشعر ومحراب حروفهم الأنثروبولوجية

الورقة الأولى: بروفايل عبد القادر الجنابي (شاعر عراقي مقيم في فرنسا).

هدلا القصار: شاعرة من لبنان مقيمة في فلسطين

هدلا القصارمن حدائق غزلان الشعر العربي، انتقيت بعضاً من شعراء العرب البارزين كالنبوءة في نتاجهم الأدبي المكمل لمسيرة أشهر شعراء الغرب، أبدعوا وأنتجوا لأممهم ثقافة ذات هوية مميزة قادتهم إلى العالم، المرتبط بالمسار الرئيسي للشعر العربي وتقاليده، نظرا لأعماق سلطة أقلامهم الأدبية، باختلاف أسمائهم وأعمارهم وجوهر إبداعاتهم وملامسته الفضاء الإبداعي بأجناسه الأدبية المدونة من بؤرة مناطقهم المزركشة بألوان مشهدهم المنهل من رهيف كلماتهم وصنيعها المتجسد في سيول نهرهم العابر مساحات المحيط، ليرتوي القارئ من شلالات معجمهم وتوراة ملامحهم المسيطرة على الجيل الثالث، بأشكالهم الشعرية وأهدافهم الواضحة والمنسجمة مع جميع الثقافات المشرقية المغربة ، ناقلين للمتلقي أوكسجين إبداعاتهم الثقافية العربية إلى العالم المستمد شرعية استمرار يته من تاريخ وجغرافية العالم العربي، من خلال أفكارهم وأطروحاتهم الإبداعية التي قدموها برؤية "فيتو مينو لوجيا" قادرة على إخراج الثقافة الأوربية من أزمة المعنى وتوجهها للعلوم الحديثة المرتبطة بقضايا العالم وتفاعله مع الأوساط الثقافية العالمية، باعتبارهم من الفاعلين في الحركة الثقافية من ناحية الجمهور العربي والعالمي.

لقد قدموا لنا ألواناً متنوعة من الشعر العربي المتمثل بلوحات "بروتيريه"، ليكونوا سفراء لشعراء الجيل الثالث، من خلال كيمياء عروض تخريجات منهجهم الاستقرائي، لنرصد من نماذجهم المتشابهة ما يوائم طبيعة الموضوع الذي يقوم على الانتقائية التي تحقق القيمة النوعية المضافة لديباجية حروفهم المهجنة وتواصل رسائلهم الإرسالية، ليرتوي المتلقي من حليب ثقافتهم وأبجدياتهم حتى الجيل الرابع.

منهم من اتبع عروض اللغة، ومنهم من اتبع الصور الشعرية الملموسة، الأسلوب الفني والطابع الشخصي والتأمل بالنزعة الإنسانية، ومنهم امتلك براعة الوصف الفوتوغرافي، ومنهم من صهل الألم الإنساني على أوراق مخيلته، ففي كلا الحالات لا يمكننا أن ننكر تشابه عروض تجربتهم، وطريقة تعبيرهم عن الذات الملتصقة بالآخر.

لقد قصدت من هذه الرؤية أن أورد تجربة كل منهم بإيجاز عن طريقة معالجته لمعاناة الإنسان، والوطن، والروح، والعالم، والشخوص، في أسلوب نقلهم إلى المتلقي على أشكال الزمن العالق بين الماضي والحاضر، وطريقتهم التعبيرية الخالصة.

ومنهم من عبر عن رأي الآخر والآخرين، في جميع أوراقه التي سأضعها على طاولة المفاوضات الأدبية لأستخرج من إبداعاتهم أرواح من سبقهم من شعراء العالم وفق رؤية حديثة.

مثل هذه الثقافة الجمعية لا يمكن أن تتيسر إلا لأشخاص من فئة متنقلة أو مهاجرة مجنسة، لتشخص هذا الإيقاع الشعري العربي المهجن من ثقافات جرمانية، وآشورية، وكنعانية، وفينيقية، وهيموغرافية، وبيزنطية، وسومرية كلاسيكية قديمة وحديثة.

ومن عمالقة الشعراء الذين أعانتهم معرفة اللغات الأوروبية، واطلاعهم على الأدب العالمي الذي كان له صدى على الشعر العربي المعاصر وتأثره بشعراء الغرب: الشاعر ميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وأحمد شوقي ورشيد أيوب وشفيق المعلوف وعبد المسيح حداد وأمين الريحاني ونعمة الله الحاج ونسيب عريضة وعبد الوهاب البياتي وجبران خليل جبران ورشيد سليم خوري وإلياس فرحات وفاروق شوشة.

وهم بالأساس من بين اللذين حلقوا بأجنحة الأدبي العربي الغربي في روائع أعمالهم، المتنبئين بفكرة تحديث لغة العصر. وهم بالأصل من بين اللذين تأثروا بمدرسة الشاعر، ماثيو أرنولد لامارتين، والفرد دوفينيي، والشاعر ليرمنتوف، والفرد دي موسيه، وفيكتور هوجو وشيلر وهيلدرلين، وكولردج ووردذورث، وشيلي، والشاعر إليوت. وهناك العديد من شعراء ما زال يشار إليهم بالبنان على أنهم أصحاب الفضل في إنارة الأدب العربي.

عبد القادر الجنابي، شاعرسأبدأ الكلم قبل أن يجف الحبر بنبش آبار "الكاهن"، الشاعر العراقي عبد القادر الجنابي، وآلهته المتمردة على الأفكار المجبصة، والحياة المتصنعة، والمجتمعات الموجهة والمخدرة، والسياسة المزخرفة، والوجوه المتعددة الأقنعة، الممتدة من صرخات أصابعه الممطرة من نوافذ مشهد معجمه المصاحبة كمغن سومري يملأ كلماته ضوء النهارات المدفونة تحت أسوار تفجر حدود المعرفة، بلغة تتحدى آلهته المنتظرة زمناً يمنحه وجوداً خارج خراب العالم في أعمال قوامها مادة لغته وتفرده الأدبي المتنوع، وأسلوبه الساكن درجات الإبداع الراقي في قيمته الشاعرية الإنسانية.

إذا نحن أمام رهبة هذا الأديب والشاعر عبد القادر الجنابي، المقامر على جمرات ثقافته الواسعة، وعناد نظرياته المشاغبة آرائه، وأطروحات مخيلته المتمردة على الموروثات، فكرة التقاليد غير الصالحة لهذا الزمن، المرتبط بالوضع البشري على الساحات الفكرية المتساقطة من أصابع الشاعر وقلق صوت أفكاره في تجربته وتعاطيه مع مختلف العوامل الخارجية والداخلية للإنسان، وما حفره على مسارات الشاعر في ذاكرة همومه النبيلة المغادرة معابر دلالاته العنيفة والمستفزة لبعض الأنظمة المسيلة من أقلامه المخترقة تراجيديا الواقع، والأفكار المعلبة في تصور عبد القادر الجنابي، السريالي، الرافض للتقاليد السائدة وأشكال عنف المجتمعات وأساليبه الحديثة.

نرى الشاعر أحيانا متعالياً مرتفعاً في لغته وأسلوبه، لكننا نكتشف فيما بعد أنه يخفى وراءه دوافع شخصية تدفعه إلى الإعلان عن ثقافة من نوع خاص وقدرة مميزة على طرح قضاياه بطريقة شعرية بسيطة ميسرة ليسقط منها على عالمنا المحاصر داخل أعمدة الوطن.

ونراه أحيانا أخرى هادئاً كشفافية بكائه على الوطن. وأحايين أخرى نراه يصعق القارئ بصرخات نداءاته العالية، لنجري وراء نحت قصائده الحاذقة ذات الخصوصية الواضحة في إيماءات وإشارات كامنة في تجربته المتفاعلة مع المتلقي في تنوع ثرواته النثرية والسردية الثقافية الروحية، الجامعة جميع التيارات الأدبية بجذوره الشرقية، في إطار جغرافيا شعرية شاملة المظاهر، مما سهل اكتشاف آليات مناطقه الحميمية المطبوعة على أوراق ذاكرته الملونة من أقواس حياته المعاصرة الباحثة عن الجمال في تراجيديا اللحظة التي ترتفع لمستواه الفني، مستذكرين "فكرة مسائلة المسائل الموازنة بين العلم والفن" في فلسفة الفنان سوفكليس، ودانتي وشكسبير، ومكانة كل منهم في الحياة الأدبية الحديثة التي تتمحور في "مسائلة العالم وفنونه"، في أعمالهم الروحية، الفكرية، الإنسانية، العقلانية والسياسية المجتمعية، من خلال تركيباته الإبداعية، وانتقائه للكلمة المؤثرة في الفكرة التي تعمل على ترجمة واقع الحياة المخاطب فئات المجتمع ومستواه العمري والفكري والثقافي، واضعاً سهام عينه على تغيير الفرد في المجتمعات إلى نحو الأفضل، حيث "لا يرتقى المجتمع إلا بارتقاء الفرد فيه."

من هذا المنطلق أستطيع أن أؤكد نشاط الشاعر الأدبي الذي يقوم على الجدل بين عالم الواقع وعالم الفرد، وهذا يدل على مدى التزام الشاعر بالقضايا المعاصرة للإنسان الذي يعكس عصر مجتمعه من رهيف حسه لينبض مجتمعات تناسب العصر الحديث الذي يمكن التعبير عنه في أشكال متناسقة ومتماهية، أي على شكل علامات سميائية في تجربته المتعددة الأصوات، المعبر عن حال كل مغترب في أنحاء العالم، وكل محبي الوطن، والأرض والحياة بكل تحولاتها عبر الزمن والمكان، في مجمل آلياته الحرة وموسيقى المعنى واللفظ في مفرداته وجمله الشاعرية المختارة بمهارة، ليكتسب بذلك فرادة وخصوصية في عالم الإبداع العربي العالمي المعاصر .
إنه يمثل "الوحدة الظلامية" كلما طردناها من أفكار أقلامنا تظهر في مكان آخر، حيث تطير الذات في مهب الصراعات لتعود وتستدرج ضوئها الداخلي المعتم إلى ضوء ولادات جديدة .

وهكذا قيمت أوراق الجنابي، المسيطرة على ذات الشاعر وعمقه الفلسفي والدرامي في إيقاع أسرار قصائده الطوعية، لأكشف للمتلقي رؤيوية الشاعر المذهلة، المرتفعة إلى درجات النبوءة في إرث عراقة الأدب وامتداد نكهة حضوره.

=====

سيكون الشاعر التونسي يوسف رزوقة موضوع الورقة القادمة.

D 25 تموز (يوليو) 2011     A هدلا القصار     C 6 تعليقات

2 مشاركة منتدى

  • لم أكن أتوقع من شاعرة أو شاعر أن ينقلتا إلى شموخ الشعر في قممه بهذا الشكل.. لكن شاعرتنا هدلا، كما تولد لديها القصيدة، يولد أبضا النص شعرا.. ونعتقد أن مخاض القصيدة لديها أصعب وأطول بكثير من المخاض البيولوجي.. وبكهنة الشعر تكون قد سمت إلى سدرة المنتهى لتصفف لنا ربوبية الشعراء الأجلّ.. ونحن في انتظار باقي الشعراء نقول لها: دمت بهذا الألق، وهذه الرؤية .. إن اخترت كهنة الشعر، فأنت بحق تحفة الكهنة وآلهتهم..!


    • للاخ والزميل الكاتب عبد الكريم عليان
      اشكرك على ما ورد عن وجهة نظرك القيمة والتي اعطتني حقا اخجل حروفي التي لم تكن سوى القليل مما يتحقونه كهنة الشعر اللذين اوردو تجربته العظيمة والقادرة على تفكيك طلاسم الشعر وتضاريسه
      وانني لاعترف بانهم منذ العام 2007 ونصوصهم المتنوعة وارائهم واطروحاتهم تلاحقني اينما تنزهت بالشكبة العنكبوتية ، مما فتحوا قريحتي الرؤيوية على تجربتهم العربية العالمية التي استوقفني اليوم لاطرح تفردي ورؤيتي الخاصة لتكن بمثابة اعتراف وتقدير من جانبنا كما من سبقنا التقدير

      احترامي وشكري المرفق بالتقدير

    • شكرا للشاعرة المبدعة الناقدة العربية المتألقه هدلا القصار ... اعتزازي واحترامي..
      وهاب شريف
      شاعر عراقي

  • (بالفعل ايتها الشاعرة انك اعطيت للشاعر عبد القادر الجنابي حقه كما يجب ولعلنا نستدل على الشاعر يوسف رزوقة وغير ه مما اخترتيهم نماذج شعرية لاشهر شعراء العالم العربي ليكونوا سفراء تراثهم الشرقي المعاصر
    اشكرك على هذا التقيم الذي يستحق مجدوداتك وسابقى على ملاحقة كلماتك اينما ذهبت
    لك كل الاحترام والتقدير
    ))


    • الشاعرة القديرة والاديبة هدلا القصار

      نبارك لك اقلامك وشاعريتك المبدعة واقلامك المبحرة في اعماق الشعر والشاعر

      ومبارك للشاعر التونسي عبد القادر الجنابي الذي عمقتنا الشاعرة في تجربته التي لم نكن سابقاً
      علي اطلاع بما اكتشفته في ابداعاته وثقافته النيرة ومبارك لمجلة "عود الند" والناشر الكاتب القدير
      عدلي الهواري لاستقطاب مثل هذه الاقلام الادبية المبحرة علي الاوراق الثقافية

      تحياتنا الانيقه نقدمها للشاعرة هدلا القصار

      ولجميع الادباء اللذين دونت اسمائهم علي صفحات مجلة الند

    • الاستاذ يوسف شريق
      يسعدني ملاحقتك قلمي كما يسعدني ملاحظاتك التقديرية واتمنى من اللذين يقرأئون لهؤلاء الشعراء ان يعيدو النظر اليهم ثانية ولعل الاخرين يصلون لما توصلت له من خلال متابعتي لهم على المدى الطويل

      نحياتي المرفقة بجزيل الشكر لوجودك بيننا بما انك من القارئين المتتبعين

في العدد نفسه

فريدة بن موسى: ماجستير

تأنيث السرد: حوار ناقدين

عن مبدعة الغلاف

كلمة العدد 62: أدوار الصحافة: الحاجة إلى اليقظة

الشخصيات العامة الفلسطينية في فضاء فيسبوك