حيدر الغزالي - فلسطين
غزة: يوميات
=1=
حين أفكر أن أعود طفلاً، أفكر في قلب نايا. لو اتصلتَ على هاتفي في ديسمبر الماضي [2023]، سيعطيك حتماً أن هذا الرقم لا يمكن الوصول إليه، عدد من الأصدقاء توقع موتي، على أي حال، كنتُ مع نايا. كانت الدبابة على بُعد شارعين من مكان نزوحنا، أجلس في الطابق الأرضي مع العائلة، خوفاً من الرصاص والقذائف، تجلس نايا في حضني. في الخارج تسمع نايا صوت قطةٍ تموء عطشاً، في ذاك الوقت، كانت الماء شحيحة حد العدم. تسحلُ نايا من حضني بخفة فراشة، تركض نحو الباب المشرع للقذائف والشظايا. لا أريدُ أن أكتب كثيراً عن الحدث، صورتُه بكل دهشته، عدتُ للبيت، ونايا إلى حضني، وعادت القطة تموء على الباب، كان صوتها عالياً، لا يسمعه أحد سوى نايا. _حيدر الغزالي
5 آب (أغسطس) 2024
=2=
حين غادر ابن عمي سند بيته، كان قد أتمّ لتوّه عامه الأول، يزحفُ على الأرض، ولا يجيد الكلام بعد. عشتُ مع سند أيام الحرب الأولى، نضحك حين يحاول الكلام، نخافُ حين يفزع من صوت الصواريخ. كان قد أتمّ لتوه عامه الأوّل، يحملُ دميةً ولعبة حين فتشه الجندي على الحاجز، ورأى الدبابةَ، تحملُ في وجهه مدفعاً. دمية أمام مدفع! لا يعرفُ سند البيت، ولا معنى أن يعيش تحت سقف. مشى خطوته الأولى في خيمة، لم يجد جداراً يسانده على الوقوف، حين يسقط. يمتلك الآن سند صفاً كاملاً من الأسنان، وبعضاً من الكلمات التي يجيد نطقها، يمتلك شعراً جميلاً، وضحكة، لا تليق أبداً بخيمة. في البيت، يمتلكُ سند دمىً وملابس لم يرتديها بعد، وسريراً هو أكثر راحة من النوم على الطريق. لن يعرفنا سند حين يعود إلى البيت، وهذه فكرة مقلقة، لن يركض نحونا، سيسقط، هو في الأصل لم يجربِ المشي على البلاط. وضعتك الحياةُ يا سند في اختبار صعب وقاسٍ، وأخاف حين أطلب منك أن ترسمَ البيت، ترسم الخيمة.
3 آب (أغسطس) 2024
=3=
تعالوا أخبركم أننا في شمال القطاع نموتُ بطيئاً، أجسادنا النحيلة تجفُّ من صحتها سوى من حلم أخيرٍ، أن نعيش النهاية. لأكثر من شهرين، ونحن لا نتذوق سوى المعلبات، المواد الحافظة تنهش أجسادنا، وتفتك بنا أمراضاً مختلفة. لازال في شمال القطاع أطفال من مختلف الفئات العمرية، وهم بأمسّ الحاجة للغذاء الصحي، من خضراوات وفواكه ولحوم لم نرها منذ أكثر من شهرين. فرضت علينا الحربُ أعمالاً شاقةً كحمل المياه وجمعها، وجمع الحطب وتكسيره، ولم نعد نقوى على تسيير أمور العيش. لا زال الاحتلال يستخدم التجويع كسلاح في حرب الإبادة على غزة. تحسّن دخول الطحين هنا، أصبح ثمنه خمسة شواكل، بعد أن كان سعره الكثير من المجازر. يبدو ذلك محاولةً يحافظ فيها القاتل على نفس أخير في روح المقتول؛ ليقتله في النهاية كما يريد.
4 آب (أغسطس) 2024