عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سارة قرل - الجزائر

نقد الشعر

مبادرة خطوات نحو التميز - جامعة سيدي بلعباس


أدناه ملخص كتاب "نقد الشعر". المؤلف: قدامة بن جعفر. قدم هذا الملخص ونوقش في جامعة جيلالي ليابس، سيدي بلعباس، الجزائر، في إطار مشروع خطوات نحو التميّز

تمهيد

ليس من اليسير أن يحدد الدارس في العصر الحاضر مفهوم الشعر عند أحد أعلام النقد والإبداع من القدماء، ذلك أن أبسط لبنة في المفهوم وهو التعريف، قد ورد بصيغ مختلفة عند العديد منهم تبعا لعصورهم وثقافتهم وتصوراتهم : حيث تفاوتت هذه التعريفات ما بين مركزة على الوزن والقافية، وما بين مبرزة الكم والكيف وأخرى للقصد والنية، ومابين مؤكدة للنظم والتصوير وهكذا، ومن خلال هذه المنطلقات يبدو لنا مدى الصعوبة التي تكمن في هذه الدراسة لاستنباط مفهوم الشعر لدى ناقد أو مبدع أو شاعر.

نقف أمام علم من أعلام النقد، محاولين تقصي مفهوم الشعر عنده واستخراج بعض المقاييس التي تجعل الكلام الموزون شعرا، وهذا العلم هو: قدامة بن جعفر، وهذا العمل هو تلخيص لكتابه "نقد الشعر" الذي يعد أول أثر نقدي علمي مشهور في الأدب العربي.

قدامة بن جعفر: هو قدامة بن جعفر بن زياد البغدادي، ولد في البصرة في الثلث الأخير من القرن الثالث الهجري بالتحديد، فأدرك المبرد وابن قتيبة وطبقتهم ونشأ في بغداد؛ توفي عام 337هجري الموافق سنة 948ميلادية . قرأ واجتهد وبرع في الصناعتين البلاغة والحساب وتأثر بالمنطق والفلسفة كما برع في اللغة العربية والأدب والفقه والكلام .

منهجه في كتابة نقد الشعر: ينطلق قدامة من تعريفه للشعر إلى حصر العناصر الأولية التي يتكون منها الشعر: اللفظ، الوزن، القافية والمعنى وهو يرى أن الشعر -شأنه شأن أي صناعة أخرى - فيه طرفان؛ الطرف الأقصى هو الجودة، والطرف الأدنى هو الرداءة، وهنا تأتي حال التوسط بين الجودة والرداءة. وعندما يحدد تعريف الشعر ينظر في هذه العناصر المذكورة بطريقة شكلية محضة، فيحدّد الصفات التي تصل الشعر بها إلى أقصى درجات الجودة، ثم يحدد بعد ذلك العيوب التي بها ينحدر إلى أدنى درجات الرداءة.

يرى قدامة أنه يمكن إحداث تراكيب وائتلاف بين هذه العناصر الأربعة للشعر على هذا النحو: اللفظ مع الوزن، اللفظ مع المعنى، الوزن مع المعنى، القافية مع المعنى.

ويحاول النظر في كل عنصر على حدة؛ فيبيّن علامات الجودة فيه، ثم ينتقل إلى بيان المحسنات العامة للمعاني التي يورد فيها طرفا من ألوان البديع ويضع لها مصطلحات، ثم ينتقل بعد ذلك إلى بيان موجبات الحسن أو الجودة في العناصر المركبة، حتى انتهى من بيان النعوت، فانتقل إلى بيان العيوب وأوضحها في العناصر المفردة. ثم بعد ذلك أوضح العيوب التي في المعاني عامة، ثم بعد ذلك ذكر بيان العيوب في العناصر المركبة.

قيمة الكتاب عند العلماء: لما نشر الكتاب وطارت شهرته في كل مكان أحدث ضجة عالية في عالم الأدب، وتناوله الأدباء والنقاد بالردود والشروح فاختلف الموقف وكان كالآتي:

=1= منهم من أثنى عليه وتصدى لنصرته، من أمثال عبد اللطيف البغدادي في تأليفه " كشف الظلامة عن قدامة" وابن أبي الأصبع في كتابه "الميزان".

=2= منهم من رفض رأيه الذي تبناه في كتابه، مثل الآمدي الذي ألّف كتابا سماه "تبيين غلطة قدامة " وابن رشيق في كتابه "تزييف نقد قدامة".

=3= ومن النقاد فيما بدا لنا من كان لهم اتجاه وسطي، لأن هذا الكتاب بناء هندسي، انشغل أولا بتقسيم الأجزاء والأركان، فبعد أن أتم هذا التقسيم ملأ هذه الأركان بنقد الشعر. وهنا يكمن العيب الأساسي. حيث نقد الشعر بعيدا عن الشعر، إذ لم يقم بنقده للعمل الشعري انطلاقا مما توجبه الظاهرة نفسها، ولكنه أقام بناء نقديا بعد ذلك أقحم فيه الشعر، ولعل هذه العملية ناتجة عن تأثره بالفلسفة والمنطق، ولهذا قد يكون عمل قدامة مفيدا في جزئياته المتفرقة لعلماء البلاغة دون علماء النقد.

مفهوم الشعر عند قدامة ومكوناته: أولى قدامة أهمية كبرى في تعريفه للشعر، حيث يؤلف عنده مدخلا يضبط تصوره المعياري لمعرفة جيد الشعر من رديئه، ويرى أن الأمر لم يكن واضحا لدى الناس، ومن هنا ينطلق لتأسيس نظريته النقدية: ليعرف الشعر، وليجعل له مقياسا تمييزيا، فالحكم على شيء فرع من تصوره. إن أول ما يحتاج إليه في العبارة عن هذا الفن معرفة حد الشعر الحائز له عما ليس بشعر. وليس يوجد في العبارة عن ذلك أبلغ ولا أوجز -مع تمام الدلالة- من أن يقال فيه : إنه قول موزون مقفى يدل على معنى.

يثير قدامة انتباه الآخرين على الاهتمام والعناية بما سيقدمه حدا معرفيا واضحا للشعر. فلما يوجد للشعر مثله أخرجه من (ميله إلى الانكسار) وأخرجه من باب الشعر ويكون بذلك ناقص الحلاوة عيب القافية: هناك عيب يدرس حركة الروي وحرفه، ومنه ما يهتم بحرف ما قبله وبحرف ما بعده؛ وبعبارة أخرى للوازم القبلية والبعدية منها التجميع: وهو أن تكون قافية المصراع الأول من البيت الأول على روي متهيئ لأن تكون قافية آخر البيت، فتأتي بخلافه كقول عمر بن شأس:

تذكرت ليلى لآت حين أذكارها = = وقد جنى الأصلاب ضلا بتضلال

عناصر عيوب المعاني: عيوب المعاني يمكن اعتبارها في نوعين:

=1= المعنى مواجها للغرض.

=2= تناسب الألفاظ فيما بينها:

=أ= فساد الأقسام: وذلك يكون إما بأن يكررها الشاعر، أو يأتي بقسمين أحدهما داخل تحت الآخر في الوقت الحاضر: أو يجوز أن يدخل أحدهما في الآخر في المستأنف، وأن يدع بعضها فلا يأتي به التكرير، مثل قول هذيل الأشجعي:

فما برحت تومي إلي بطرفها = = وتومض أحيانا إذا خصمها غفل

لأن تومض وتومي بطرفها متساويان في المعنى، وأما دخول القسمين في الآخر فمثل قول احدهم: أبادر أهلاك مستهلك لمالي أو عبث العابث؛ فالعيب هنا هو إن عبث العابث دخل في أهلاك المستهلك، وأما أن يكون القسمان مما يجوز دخول أحدهما في الآخر فمثل قول أبي عدي القرشي مثل: "غير أن أكون نلت نوالا من نداها عفوا ولا مهنئا"، فالعفو قد يجوز أن يكون مُهنيّا، والمهنئ يجوز أن يكون عفوا.

=ب= فساد المقابلات: هو أن يضع الشاعر معنى يريد أن يقابله بآخر إما على جهة الموافقة أو المخالفة، فيكون أحد المعنيين لا يخالف الآخر أو يوافقه: ومثل ذلك قول أبي علي القرشي:

يا ابن خير الأخيار من عبد شمس = = أنت زين الدنيا وغيث الجنود

فيرى ابن جعفر قوله "زين الدنيا وغيث الجنود " عيبا لأنهما لا يتقابلان، ولا يتوافقان، مخالفة العرف والإتيان بما ليس في العادة والطبع، ومن هذا قول الحكم الخضري:

كانت بنو غالب لامتها = = كالغيث في كل ساعة يكف يقطر

فليس المعهود أن يكون الغيث واكفا في كل ساعة .

خاتمة

من خلال ما تقدم حاولت في تلخيصي الإشارة إلى بعض القضايا التي أثارها قدامة بن جعفر لتحديد مفهوم الشعر - بين جيده من رديئه - ليركز على الجانب البلاغي من ناحية علم المعاني ما يحترز به عن الخطأ في تأدية المعنى الذي يريده الشاعر لإيصاله إلى ذهن السامع، بعيدا عن التعقيد المعنوي (المعاني معروضة على الشاعر له الحرية فيها لكن من غير الإيغال أو الغلو).

JPEG - 16.5 كيليبايت
يافطة للعدد الخاص بمبادرة خطوات نحو التميز
D 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017     A سارة قرل     C 0 تعليقات