عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

نبيلة دين - الجزائر

محاضرات في الألسنية العامة

مبادرة خطوات نحو التميز - جامعة سيدي بلعباس


تلخيص كتاب محاضرات في الألسنية العامة لفردينان دي سوسير. ترجمة يوسف غازي ومجيد النصر

هذا الكتاب للعالم الألسني السويسري، فيردينان دي سوسير[1]، المولود في عام 1857م والمتوفى سنة 1913، وقد حاول من خلاله تقديم مادة هذا العلم بدقة وعلمية، وامتازت محاضراته المكونة لهذا الكتاب بتنظير عميق، سعى من خلالها إلى وضع أسس التحليل اللغوي.

يتألف الكتاب من مقدمة وخمسة أجزاء، وعدد صفحاته 287 صفحة من الحجم المتوسط، وهو من ترجمة يوسف غازي ومجيد النصر.

تناول المؤلف في المقدمة قضايا هامة تتعلق باللسانيات، مادتها مبادئ علم الأصوات، ومفهوم الفونيم . وبعد المقدمة تحدث في الجزء الأول عن طبيعة العلامة ثم اللسانيات الآنية ثم اللسانيات التطورية، حيث قدم مفاهيم حول اللغة والنظام والبنية، وتطرق في الجزء الموالي إلى الألسنية التزامنية. وفي الجزء الثالث تحدث عن الألسنية أو اللسانيات التزامنية والتغيرات الصوتية والتأثيل. أما الجزء الرابع فتحدث فيه عن اللسانيات الجغرافية والتنوع اللغوي. وفي الجزء الأخير، تناول مسائل في اللسانيات الاستعادية وقضايا اللغة الأكثر قدما وشهادة اللغة على الأنتروبولوجيا وما قبل التاريخ.

فأما عن تاريخ اللسانيات فقد ذكر أنها بدأت بما يسمى القواعد وقال إنها منحنى معياري، وذكر أنها دراسة شيدها الإغريق، تعتمد المنطق بشكل جوهري، وبعدها ظهر فقه اللغة لدى المدرسة الإسكندرية، التي كانت تهتم بالقضايا اللغوية ومقارنة النصوص، وهذه الأبحاث كلها عبدت الطريق أمام اللسانيات التاريخية.

ثم ذكر أن مظاهر اللسان البشري كافة تمثل مادة الألسنية، ما يمثل في أشكال التعبير مجتمعة وما يعين على ذلك النصوص المكتوبة.

أما بالنسبة إلى مبادئ علم الأصوات أو التصويتية، فأهم ما تطرق إليه تعريف الصوتيم أو مفهوم الفونيم[2] على أنه مجموعة الانطباعات السمعية والحركات النطقية للوحدتين الكلامية والمسموع، اللتين تشترط إحداهما الأخرى. وتطرق إلى فعل التصويت وكيف تنشئ الأعضاء أصواتا، حيث ربط ذلك بالجانب السمعي. وقال: لا وجود للأصوات من غير الأعضاء الصوتية، والمقاطع الصوتية الملفوظة هي انطباعات سمعية تدركها الأذن.

إدراج تعاريف اللغة واللسان

عرف اللغة بأنها نتاج اجتماعي لملكة اللسان وتواضعات ملحة ولازمة يتبناها الجسم الاجتماعي لتسهيل ممارستها لدى الأفراد، فاعتبرها ظاهرة اجتماعية تتيح التواصل بينهم، وهي مجموعة شحنات تعبيرية منفصلة بعضها عن بعض، والأسلوب هو بالذات الذي يدخلها في تفاعل فيما بينها عبر الاستعمال في السياق. كل الدراسات التي قام بها فردينان دي سوسير وضعت اللغة في إطار مختلف عن إطارها السابق، فقد اعتبرها نظام من العلامات أو الإشارات المتغايرة التي تتكون من دال ومدلول، وتعبر عن أفكار ولا تعمل إلا من خلال المجموعة.

واعتبر أن لها جانبين: فردي قصد به الكلام، واجتماعي قصد به اللسان. أما الكلام[3]، حسب تعريفميشال جرجس، فهو ما يصدر عن الإنسان ونسمعه خلال حياتنا التخاطبية والتواصلية ويتكون من كلمات وعبارات ينطقها المرء ويكون لها وجود مادي.

واللسان نسق من العلامات المعبرة عن أفكار، فهو ظاهرة اجتماعية أو نظام اجتماعي يدل على لسان أصحاب كل لغة، ويستخدم بين الإنسان والآخرين، لأنه نتاج اجتماعي لملكة اللغة، يتمثل في مجموعة من الاصطلاحات الضرورية التي يتبناها الجسم الاجتماعي ويستخدمها من أجل التفاهم.

حاولنا من خلال هذه التعاريف تمييز وفصل كل مصطلح من المصطلحات الثلاثة عن الآخر نظرا للمزج الشديد والخلط الموجود بين هذه المفردات اللسانية.

وقد حاول الألسنيون التفريق بين اللسان والكلام فقالوا: إن اللسان هو كل بذاته ولا يمكن أن يتحدد بالفرد الناطق، بينما الكلام على عكس ذلك هو عمل الإرادة والذكاء عند الفرد لأنه يضع ما اكتسبه اللسان موضع التنفيذ، فإذا كان اللسان ظاهرة اجتماعية، فالكلام ظاهرة فردية وتختص بالفرد وحده وبقدرته على التعبير الكلامي .

ومن أهم الأمور التي حاول دي سوسير مناقشتها وتجليتها ضمن بعدها الألسني: العلامة التي تمثل الإشارة فهي عنده: الكنه القابل للإدراك من قبل مستعمليها، أي المنبه أو المثير الذي يحرك انفعال الجسد ويجعل الإنسان يدرك الصورة في ذهنه. ويقول دي سوسير: العلامة اللسانية لا تربط شيئا باسم؛ بل تصور بصورة سمعية، فالصورة السمعية هي التمثل الطبيعي للكلمة باعتبار الكلمة واقعة لغوية ممكنة. ويعرفها كذلك في محاضراته: العلامة الألسنية إذن هي كيان نفسي ذو وجهين يمكن تمثيله بالشكل التالي:

وهناك ألفاظ ذكرها الألسنيون تتقارب ولفظ العلامة كالمؤشر والرمز. فالمؤشر كما عرّفه ميشال جرجس[4] هو حدث وضع بطريقة اصطناعية ليستعمل كعلامة. مثال ذلك: حين يرفع شرطي المرور يده يعني هذا أنه ينبغي على السيارات أن تتوقف، فرفع اليد علامة اصطناعية رمزت إلى دلالة التوقف.

أما الرمز فهو مؤشر يدل على رابط تماثلي ثابت في ثقافة ما/ مع العنصر الذي يدل عليه. مثال: الحمامة البيضاء التي تمسك بمنقارها غصن زيتون باتت تشكل رمزا للسلام نظرا لثبات معناها في ثقافة الشعوب فهي تدل على رابط تماثلي ثابت معروف.

أما العلامة اللغوية، حسب دي سويسر، فهي اللفظة التي تكون ذات طبيعة مركبة وتتكون من الشكل الصوتي الذي يشار به إلى المعنى وهو الدال والمعنى نفسه وهو المدلول.

ويمكن تعريفها كذلك بأنها التآلف الذي يجمع الصورة الصوتية أو الكتابة (الدال) وبين المحتوى الدلالي لهذه الصورة الذي يدعى المدلول.

العلامة اللغوية = الدال + المدلول

فكلمة طاولةٌ مثلا هي تآلف الأحرف الصوتية والكتابية ط+ا+و+ل+ت+ن مع مفهومها العام كشيء له أربعة أرجل ومصنوع من الخشب ويستعمل للكتابة عليه، أو لتناول الطعام، ويشكل في ذهن السامع هذا المعنى أو المدلول.

وبذلك العلامة تتشكل من عنصرين متلازمين: الدال والمدلول بحيث لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، كما لا يمكن فصل وجه الورقة عن قفاها. فالدال هو التعبير، والمدلول هو المضمون أو المعنى الذي ينطوي عليه الدال. لذلك لا يمكننا تحديد الدال من دون العودة إلى المدلول لأنه شكل يحمل المدلول بواسطة الصوت أو أية وسيلة إيصالية أخرى.

وتكلم دي سوسير عن العلاقة الاعتباطية بين الدال والمدلول، فإذا أخذنا كلمة شمس في العربية لها مقابل في الفرنسية وكذلك في الانجليزية، هذا ما يدفعنا إلى القول إن الرابط بين الشكل الكتابي لكلمة شمس أي دالها وبين مضمون الكلمة أي مدلولها هو رابط اعتباطي؛ بمعنى أنه يختلف من بيئة لغوية إلى أخرى.

وبعد محاولتنا إعطاء فكرة، ولو وجيزة، حول ثنائية الدال والمدلول، ننتقل إلى ثنائية أخرى تطرق إليها دي سوسير في محاضراته؛ ألا وهي ثنائية التزامن والتعاقب.

يعتبر دي سوسير أول من أدرج التعاقبية والتزامنية ضمن الدراسات اللغوية. فالتعاقبية تمثل دراسة اللغة من خلال وصف تطورها التاريخي؛ أي التطور التاريخي للعلة اللغوية عبر الزمن وملاحقة هذا التطور الذي لحق بها عصرا بعد عصر وزمنا بعد زمن. أما التزامنية فهي ما يمثل دراسة حالة معينة من حالات اللغة من دون النظر إلى التطور أو التحول الذي أصابها في هذا الزمن أو ذاك.

وبعدما حدد دي سوسير ماهية هذه الثنائيات تطرق إلى ثنائية أخرى وهي ما يسمى العلاقات الرأسية والأفقية أو العلاقات التركيبية والترابطية، فاللغة نظام من الإشارات، وكل إشارة يمكن أن تضيف شيئا إلى المعنى الكلي لأي جملة مركبة وذات معنى، وهذه الإشارات ترتبط ببعضها بعضا بشكل من أشكال العلاقات المنتظمة التي تسهم في أداء المعنى.

وهذه العلاقات تتتابع في الجملة من خلال خط أفقي وخط رأسي أو عمودي، فإذا أخذنا مثالا ليتضح ويتجلى ما ذكرناه في هذا الصدد الجملة: "ذهبت الفتاة إلى المدرسة"، سنجد أنها تتضمن كلمات تقيم فيما بينها علاقات منتظمة تسهم في إنتاج وبلورة المعنى. وهذه العلاقة تسمى استدعائية، أي ما يمثل شكلا من أشكال التداعي، إذ يمكننا في هذه الحالة استبدال كلمة ذهبت بالفعل انطلقت أو توجهت، إلى آخره. وكلمة الفتاة بالبنت أو الشابة أو التلميذة أو الطفلة، إلى آخره. كذلك يمكن استبدال "إلى المدرسة" بكل من إلى البيت، أو إلى الحديقة، إلى آخره. الكلمات التي يمكن أن تتوارد في رأي المتكلم تنتظم بشكل يدفعه إلى اختيار ما يراه مناسبا، أو يتداعى إلى ذهنه ساعة الابتكار. وعملية الاختيار أو الانتقاء هذه تسمى بالعلاقات الجدولية أو الرأسية. أما عملية انتظام كلمات الجملة فيما بينها فتسمى العلاقات الأفقية أو الخطية.

وبعد ذلك تحدث دي سوسير عن التأثيل الشعبي الذي يتمثل في بتر الكلمات التي يكون معناها أو شكلها قليل الاستعمال، وقارن بينه وبين القياس الذي يمثل نسيان الشكل القديم للكلمة لإظهار شكل جديد لها. والتأثيل الشعبي لا يصيب إلا الكلمات النادرة أو الدخيلة. أما القياس فهو واقعة عامة مطلقة.

ثم انتقل دي سوسير إلى الحديث عن الألسنية الجغرافية أو ما أسماها بالألسنية الخارجية، وذكر أن أول ما يلفت النظر في دراسة اللغة تنوعها والفوارق الألسنية التي تظهر في انتقالها من منطقة إلى أخرى.

أما بالنسبة إلى حديثه عن الألسنية الاستعادية فقد تطرق إلى ماهية المنهج الاستعادي، وكيف يصلنا إلى الوثائق الأكثر عتقا وعراقة، وبدأ في تعداد لغات متعددة وكيف نعود إلى أصلها الأول عبر هذا المنهج. فمثلا، تاريخ الألسنية الاستعادي لا يبدأ إلا في القرن الثالث أو الرابع قبل ميلاد المسيح عليه السلام.

وبعد كل المفاهيم والأفكار التي ذكرت حاول دي سوسير توضيح كيف أن اللغة تشهد على الأنتروبولوجيا، أي ما يمثل علم الإنسان وما قبل التاريخ، وذلك عند الاستعانة بالمنهج الاستعادي المذكور سالفا، إذ يمكن للألسني الرجوع إلى القرون السالفة، وإعادة بناء لغات تكلمتها شعوب قبل أن ندخل التاريخ. وفي خضم ذلك، يمكن استقاء واستنتاج عادات هذه الشعوب، وكل ما يتعلق بأحداث حياتها.

وبهذا نكون بفضل الله قد استوفينا أو تطرقنا وعرجنا على كامل الأفكار والمفاهيم التي حاول دي سوسير بثها في محاضراته.

= = =

[1] فردينان دي سوسير. محاضرات في الألسنية العامة. تر. يوسف غازي ومجيد النصر. المؤسسة الجزائرية للطباعة، 1986، ط 1، ص 3-17.

[2] دي سوسير. محاضرات في الألسنية ص 55؛ وعاطف فضل. مقدمة في الليسانيات.دار الرازي، الأردن. ط 1، 2005، ص 27.

[3] جرجس، ميشال. المدخل إلى علم الألسنية الحديث. المؤسسة الحديثة للكتاب، لبنان. ص 7.

[4] المصدر السابق.

JPEG - 16.5 كيليبايت
يافطة للعدد الخاص بمبادرة خطوات نحو التميز
D 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017     A نبيلة دين     C 0 تعليقات