عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

شيماء تومي - الجزائر

تاريخ النقد الأدبي عند العرب


تلخيص كتاب تاريخ النقد الأدبي عند العرب: نقد الشعر من القرن الثاني إلى القرن الثامن لإحسان عباس

هو كتاب يهتم بالنقد الأدبي عند العرب عامة، وبنقد الشعر خاصة، وذلك من القرن الثاني إلى القرن الثامن هجري؛ أي من فترة الأصمعي إلى فترة ابن خلدون. مؤلفه هو الناقد والمحقق والأديب والباحث الفلسطيني إحسان عباس المولود في فلسطين سنة 1920 والمتوفى في عمّان سنة 2003. حجم الكتاب كبير إذ يبلغ عدد صفحاته 630 صفحة.

استهل المؤلف الكتاب بتمهيد يشرح فيه دواعي تأليفه، مبينا الأهداف التي يصبو إليها من ورائه، شارحا الطرق والأساليب التي انتهجها لتأليفه. وبعد هذا التمهيد نجد مقدمة الكتاب التي تعتبر أهم ما فيه، وعرّف الكاتب فيها النقد على أنه تعبير عن موقف كلي متكامل في النظرة إلى الفن عامة أو الشعر خاصة، وتحدث عن خطوات النقد المتسلسلة التي لا يستطيع الناقد التخلي عن إحداها، ولا تقديم إحداها عن الأخرى، أولها التذوق ويليها التفسير ثم التعليل والتحليل وأخيرا التقييم. ثم تطرق إلى العوامل التي تساهم في بناء نقد منظم وهي:

أولا: التأليف: فإنتاج عدد وافر من الكتب، يؤدي بطبيعة الحال إلى ظهور حركة نقدية في الساحة الأدبية.

ثانيا: الإحساس بالتغيير والتطور: ويقصد بهذا التماس فروقات بين الشعر القديم والمحدث، سواء كانت هاته الفروقات تشمل طبيعة الفن الشعري، أم القيم والعادات والمقاييس الأخلاقية والثقافية التي يستند عليها الشعر، وبطبيعة الحال فإن الإحساس بهاته الفروقات والتغيرات والتطورات تؤدي إلى إثارة ملكة النقد، وبالتالي تدفع النقاد إلى إبداء رأيهم حول هذا التجديد.

ثم تحدث عن أوائل النقاد وهم: أولا: الأصمعي: الذي لم يجعل المشكلة في التغييرات الطارئة على الشعر، بل نظر إلى الشاعر نفسه، وجعله أحد اثنين: فحلا أو غير فحل؛ وثانيا: ابن سلام الجمحي: الذي اتبع نفس مسار الأصمعي لكنه زاد عليه، وجعل للفحولة درجات، ومنها جاءت نظريته في الطبقات (طبقات فحول الشعراء)؛ وثالثا: الجاحظ: نفى هذا الأخير الأصمعي وابن سلام وغيرهم من الرواة الذين جعلوا المشكلة في الشاعر لا في الشعر، وأهملوا الصراع القائم بين القديم والمحدث نتيجة التغيرات الطارئة على الشعر.

ثم انتقل المؤلف للحديث عن فرقة المعتزلة بوصفها الرحم الذي ولد فيه النقد الأدبي، وعن القضايا النقدية التي نشأت إثر هذا الفكر المعتزلي، فالمعتزلة كما هو معروف تقوم على تحكيم العقل، وجعله المقرر الأول والأخير، فإن هذا الأمر أثّر على النقد وساهم في إثارة العديد من المشاكل والقضايا النقدية، فبدأ النقاد يختلفون، وبالتالي أخذ كل واحد منهم ينحاز إلى الفكرة التي يؤمن بها، وإلى القضية التي تخدم معتقداته محاولا الدفاع عنها ونقد نقيضها.

قضية الصدق والكذب، مثلا، قضية كانت ولا زالت محل اختلاف بين الكثير من النقاد. فهناك من انحاز إلى الصدق الشعري كأمثال ابن طباطبا وعبد القاهر الجرجاني، وهذا يعود إلى انتمائهم للمذهب المعتزلي. وهناك من انحاز إلى الكذب الشعري كحازم القرطاجني وقدامة ابن جعفر، وقصدوا بالكذب التخييل. وبهذا أنهى إحسان عباس مقدمته ثم انتقل إلى فصول الكتاب التالية.

النقد الأدبي في أواخر القرن الثاني

سار النقد الأدبي في أواخر القرن الثاني على مجموعة من القواعد والركائز والمبادئ نذكر منها:

= مبدأ اللياقة الذي ينص على ضرورة اختيار التعبير اللائق والمناسب لمن يوجه له الكلام.

= الخضوع للعرف في النظر إلى البيت المفرد: والبيت المفرد هو البيت الواحد الذي كان ينسب للشاعر فيوصف على أساسه بإجادة غرض شعري، دون العودة إلى القصيدة، سواء كان في المدح أو الغزل أو الهجاء، وهذا من خلال السؤال الذي يطرحه الكثيرون عن أهجى بيت أو أمدح بيت.

= استجابة الرواة للتغيير في الشعر: فالرواة جعلوا قواعد للشعر يجب أن تتوفر فيه، وفي حالة عدم ذلك أجازوا لأنفسهم التغيير في الشعر.

= الاستواء النفسي للناقد.

= الشمول الخاطئ: فكان النقاد يحكمون على شعر أحدهم بالبذاءة مثلا، فيعمم ذلك على شعره كله، ويتبعه في ذلك سائر النقاد رغم احتمالية خطئه.

= قاعدة تمييز الأصمعي من بين الرواة: تميز الأصمعي عن غيره من الرواة نظرا لإسهاماته النقدية المتعددة، ويظهر ذلك جليا من خلال المواقف النقدية التالية: فصله بين الشعر والنثر؛ الفحولة؛ والعناية بالتشبيه؛ وتبيان الرواة في تصويرهم لمهمة الشعر، أي اختلاف نظرة كل واحد منهم في غاية الشعر، فالنحويون من هؤلاء الرواة لا يرون الأشعر يتضمن إلا إعرابا.

المحاولات النقدية في القرن الثالث

تعددت المحاولات والجهود في سبيل تنمية النقد وترقيته في القرن الثالث، فترى هذا ألف العديد من كتب النقد، وذاك اهتم بحل قضية تخص النقد، والآخر جاء بنظرية نقدية جديدة. ومن هؤلاء نجد الشاعر النحوي العروضي أبو العباس عبد الله بن محمد، المعروف بالناشئ الأكبر. ويمكننا جمع المحاولات والمجهودات والمؤثرات التي أثرت في الأدب فيما يلي:

= الاعتزال وأثره في النقد: فالفكر المعتزلي لعب دورا كبيرا في النقد الأدبي، ولم يقتصر تأثير الاعتزال على النقاد المعتزلين فقط؛ بل على غيرهم فابن قتيبة تناول مبادئ صحيفة بشر بن المعتمر رغم اختلاف توجهات كل منهما.

= الاهتمام بإبراز المعاني المشتركة بين الشعراء: ونتج عن ذلك ظهور مشكلة السرقات الأدبية، وعليه قاموا بتقسيم السرقات إلى أنواع، كما قاموا بتأليف كتب في هذا الموضوع ككتاب سرقات الشعراء لأحمد بن أبي طيفور.

= النقد الضمني: وهو نقد ظهر في القرن الثالث، وكتبت فيه العديد من الكتب نذكر منها كتاب الحماسة لأبي تمام، وكتاب المنظوم والمنثور لابن طيفور.

=إعادة صياغة النظريات القديمة: فبسبب كثرة المشاكل الأدبية حاول النقاد إيجاد الحل المناسب لذلك قرروا تطوير النظريات القديمة وتغييرها، وإعادة صياغتها بشكل جديد دون المساس بقاعدة الشعر القديم، وفي طليعة أولئك النقاد نجد محـــمد ابن سلام الجمحي، المتوفى عام 232 هجري، وهو صاحب كتاب طبقات فحول الشعراء؛ و ثــعلـــب صاحب كتاب قواعد الشعر المتوفى عام 291 هجري.

= المفاضلة بين شاعرين: إن قضية المفاضلة قضية قديمة قدم الشعر نفسه، لكنها في هذا العصر، اي القرن الثالث، تطورت وأصبحت تؤلف فيها رسائل بعدما كانت مجرد إعجاب أحد المتذوقين بشاعر دون آخر، ومثال ذلك رسالة أبي أحمد المنجم في المفاضلة بين العباس والعتابي.

= النظرية التوفيقية: وهي نظرية نقدية تجعل الجودة مقياس الشعر دون اعتبار لمتقدم أو متأخر، جاءت هاته النظرية كردة فعل على الصراع الذي نشب بين الشعراء المتقدمين والمتأخرين، ومن الأدباء والنقاد الذين التفوا حول هاته النظرية وتبنوها رغم عدم تصريحهم بذلك نجد أبو العباس المبرد؛ والجاحظ؛ وابن قتيبة؛ و ابن المعتز.

الاتجاهات النقدية في القرن الرابع

عرف القرن الرابع تطورا في النظرية الشعرية، وذلك يعود إلى مجهودات الشخصيات الثلاث التي اشتهرت آنذاك: وهم أبو تمام والمتنبي وأرسطو، لكن هذا لا يعني أن النقاد الآخرين لم يبذلوا أي جهد في هذا الخصوص، فنرى محاولات ابن فارس صاحب كتاب الصاحبي وكذا ابن طباطبا في كتابه المعروف بعيار الشّعر. ونظرا لذياع صيت كل من أبي تمام وأرسطو والمتنبي، جعل إحسان عباس لكل واحد منهم مبحثا خاصا به.

الصّراع النّقدي حول أبي تمّام

لقد كثر النقاد وكثرت أقاويلهم حول أبي تمام، فهناك من ذمه وهناك من مدحه، فأحمد بن أبي طاهر مثلا كشف لنا سرقات أبي تمام من غيره، وابن المعتز خصص رسالة مستقلة يتحدث فيها عنه وعن خصومه، وكذلك الحال في رسالة بن عمار القطربلي الذي تناول في رسالته الأخطاء التي اقترفها أبو تمام في الألفاظ والمعاني.

النقد والأثر اليوناني

ساهمت الترجمة في التقريب بين الثقافات غير العربية كاليونانية مثلا، فنظرا إلى أن النقد ولد في رحم الفلسفة اليونانية فهذا أثر كثيرا على النقد الأدبي وعلى النقاد، فنرى بأن بعضهم حاولوا ترجمة مؤلفات اليونانيين كقدامة ابن جعفر الذي فسر مقالة أرسطو، وأبو نصر الغزالي الذي فسر ريطوريقا، أي كتاب الخطاب.

المعركة النقدية حول المتنبي

لقد عرف المتنبي بتفاخره بنفسه، وهذا ما أدى إلى خلق خصوم له، وذم المتذوقين لشعره، وأولهم محمد بن الحسن الحاتمي وأبو العباس النامي صاحب الرسالة التي ذكر فيها عيوب المتنبي.

النقد الأدبي في القرن الخامس

تعرض النقد في هذا العصر لأزمات مما أدى إلى تهاونه وضعفه، ويعود سبب الأزمة إلى جمود النقاد واعتماد النقد على المتنبي دون غيره، فظهرت مشاكل نقدية عديدة نذكر منها: مشكلة اللفظ والمعنى ومشكلة الاختيار ومشكلة العلاقة بين النثر والنظم، فجاء المرزوقي وحاول حل هاته المشاكل.

لكن هذا القرن تميز عن القرن الذي قبله بعدم تأثره بالثقافة النقدية اليونانية ولا حتى بكتاب الشعر لأرسطو، ولم يبق أي صدى لتلك الشوائب، وكان لذلك أثر إيجابي في اعتمادهم على أنفسهم، ومثال هذا ابن سينا الذي اشتهر في هذا العصر بآرائه في الشعر.

ونرى أيضا القيروان والحركة الأدبية النقدية التي شهدتها، ويعود ذلك إلى انتقال الطرائف الشعرية والنقدية من المشرق إلى القيروان؛ بحيث اعتبرت مركزا علميا أدبيا بلغ ذروته خصوصا في النقد، ودليل ذلك إبداع ابن رشيق القيرواني (صاحب كتاب العمدة) في هذا المجال وغيره، مثل عبد الكريم النهشلي وابن شرف القيرواني صاحب رسائل الانتقاد.

ولم تقتصر هاته النهضة على القيروان وفقط؛ بل شملت أيضا الأندلس، ففي بداية الأمر كان الذوق الأندلسي مأخوذا من الشعر المحدث، ثم تطور قليلا بسبب دخول القالي إلى قرطبة، جالبا معه دواوين الجاهلية وما بعدها، أي فترة الإسلام، بحيث كان الشعر الأندلسي آنذاك يمزج بين منهج القدماء والمحدثين دون أن يكون لهم أي بصمة في شعرهم، لهذا اعتبرت البدايات النقدية في الأندلس بدايات ساذجة، فمثلا ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد نجده اقتبس كثيرا من المشارقة وتحدث عن المواضيع التي تطرقوا إليها دون تصرف منه، لكن هاته التبعية لم تدم طويلا، فقد شهدت الأندلس تطورا ملحوظا ساهم في تقوية نقادها وأدبائها. ومن أسباب ذلك التطور والتغير:

= انفتاح العقول المثقفة على شيء من المنطق والفلسفة.

= تأثر الأندلسيين بالحركة الثقافية التي جاء بها الحكم المستنصر والتي تنص على الاستقلال الذاتي في شتى المجالات.

= الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي شهدته قرطبة بسبب الفتنة البربرية.

كل هذه الأسباب وغيرها دفعت الأندلسيين إلى الوقوف لاسترجاع مكانتهم وهيبتهم، فتراهم اهتموا بالشعر والنقد أيما اهتمام، وذلك ردا على من اتهم الأندلس بأنها لا تملك أدباء ولا شعراء، لهذا نرى أن النقد في الأندلس كان يتمحور حول الدفاع عن الأندلس وأدبائها. ومن أشهر النقاد الأندلسيين: ابن شهيد صاحب كتاب حانوت عطار ورسالة التوابع والزوابع والطبع والبراعة.

النقد الأدبي في القرنين السادس و السابع

النقد في الأندلس

لم يدم ازدهار الأندلس الذي عرفته في القرن الرابع، فقد شهدت تراجعا وركودا في كل من الشعر والنقد نتيجة الحروب الصليبية في المشرق. ولكن جاء كل من ابن خفاجة وابن سعيد وصالح بن شريف الرزدي وحازم القرطاجني وغيرهم من النقاد، وقدموا محاولات لصالح نقد الشعر.

النقد في مصر والعراق والشام

رغم بعد المسافة بين كل من مصر والعراق والشام، إلا أنه جمع بينهم نوع من التمازج الثقافي والوحدة الأدبية، فهاته الأقطار الثلاثة كانت تنفر من الثقافات الفلسفية عامة واليونانية خاصة، وتحافظ على التراث الأدبي القديم الذي اعتبر منبعهم الصافي ومصدرهم الكافي في الأدب والنقد، فنرى ابن الأثير اعتمد على كتاب الموازنة للآمدي، وكتاب سر الفصاحة للخفاجي.

وكان للأندلس تأثير على مصر، فمن خلالها عرفت فن الموشحات فأقبل المصريون على شعر الأندلس وأدرجوه في مؤلفاتهم. كما اهتم النقد في مصر بالمصطلح البديعي وتطرقوا إليه في مؤلفاتهم كابن أبي الأصبع صاحب تحرير التعبير، وأسامة بن منفذ صاحب كتاب البديع في نقد الشعر، وابن الأثير الذي عرف بولوعه بالمعنى؛ لهذا جاء بالنقد الإحصائي الذي يقوم على عدد المعاني التي يبتكرها الناقد والتي على أساسها يقرر توفقه من عدمه، لهذا أصبحت الكثرة العددية هي المقاييس في الحكم على الناقد. كما لا ننسى دور الجمهور ودور المعنى المبتدع في هذا الحكم.

النقد الأدبي عند ابن خلدون

عرف ابن خلدون بفضل جهوده وإنجازاته التي كانت سببا في تخليد اسمه في سجل التاريخ، ولعل أبرز المؤثرات التي ساهمت في خلق ناقد أدبي هو تأثره بشيوخه وبكلامهم وأخذ كل نصائحهم بعين الاعتبار، كما لا ننسى ثقافة ابن خلدون السابقة، فهو كان شاعرا وأديبا وحافظا للقرآن وللحديث، ومتمكنا في علوم الفقه ومختلف المتون والشعر. كل هذا وغيره ساعد على تكوين شخصية نقدية يحتذى بها.

جعل ابن خلدون للشعر دورا كبيرا في صقل بلاغة اللسان، وملكة الحفظ وعرّفه على أنه "(الكلام البليغ المبني على الاستعارة، والأوصاف المفصلة بأجزاء متفقة في الوزن والروي، مستغلا كل جزء منها في غرض ومقصد". كما وضع حدودا بين الشعر والنثر وفصل بينهما. وكان له أيضا حديث في المطبوع والمصنوع.

JPEG - 16.5 كيليبايت
يافطة للعدد الخاص بمبادرة خطوات نحو التميز
D 9 كانون الأول (ديسمبر) 2017     A شيماء تومي     C 0 تعليقات