عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

عز الدين جوهري - الجزائر

البكاء الأخير


إلى بيروت، الروشة، الحمام العسكري، الصنايع، فردان، وكل الأمكنة التي لا يأتيها النسيان.

.

عز الدين جوهريوكنت أعاهد صوتك تحت القباب وتحت جلدي وفي الخفاء، ليأتي بكل ما في يديك من مواويل ومن ثريات. من جهات لا يلمحها الحنين، ومن صمت يخترق الريح، ليعزف بأحرف التكوين الأولى لحنا يشي بالجمر والطيوب والمفازات.

وها أنت، يا بيروت، بكل خرابك تكتسين الأخضر من فصول هوانا الصعب، وتكتسين الأزرق الأزرق من بحرنا المفتوح على صهيل أنفاسك المعتمة.

أقول إنني مررت ذات غبش بارد على شفرة حبك، فجرحت جفولي، فتركت لك سدرة المنتهى، نهاية رضابك عند آخر صلاة مفتوحة على نداءات معزولة إلا منك. وها أنت تجيئين بكل ما تجهش الأصابع من بكاء، فيرتجف خافقي لأتكئ عليك بقليل من الجمال وكثير من الخراب.

وها نحن في اتساعك نكابر، نلهث خلف دمك الحاني، نجمع كل المقاعد العتيقة، ونلملم أشلاءك، نفترش رضابك ومقاهيك المجنونة، لنعبر ظلك دون ألم، وحين تكونين منفتحة كوردة شقية تغرينا بآخر ما تبقى من عطرها الخجول. هذا كلام راحتك، تنفس غيمتك الشقية، أشواقك الجارحة، ألمك الجميل يصهل خلف حنين يهشِّم الماء.

وكنتِ وحدك، يا بيروت، تضيئين ما تبقى من المعتم في تجاعيد عيدك الآثم، وإذ تقلدين البدر نورا، أصهل فيك لتناديني أصابعك بكل ما فيها من يتم ومن عراء. وها رفعت وجهي لناي السماء لأسميك بكل ما فيك من توهج ومن رضاب.

من طيوب أنبياءك، ومن نجمة لا يراها أحد، أراك تتطحلبين في مدك، تنداحين على مدى الرقاع غصنا من هباء، فمارسي شهية الكلام الأخير والبكاء الأخير، لأني في عماي أراك أجمل، وفي تأجج أحلامي نحوك، أردد صدى القائل:

"دع عينيك في مكانها واغلق الرموش. قد ترى عابرين كثيرين نحوك، وكونا بأكمله في عماك".

D 1 آذار (مارس) 2009     A عز الدين جوهري     C 0 تعليقات