عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

سليم الموسى - الأردن

دعوة للحياة: ح 10: الأخيرة


سليم الموسىالسعادة ركن من أركان الصحة، فإذا غابت السعادة تسلل المرض والكآبة التي ترافقه دائما، فعلى كل واحد منا يرغب في أن يكون صحيح الجسم سعيدا، وأن يحصل على أفضل ما في الحياة، أن يتجنب المرض والألم، ويتعرف إلى جسمه، ويحافظ عليه قبل أن يتعرض للخلل، فدرهم وقاية خير من قنطار علاج. فعليك إذن أن تفهم أهمية ونوع الطعام الذي تأكله، وأن تريح الأعضاء التعبة في جسمك، خاصة جهازك العصبي، ولا تنتظر أبدا أن يختل جسمك فتذهب إلى الطبيب لإصلاحه، بل كن طبيب نفسك "فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى." ومن منا لا يبذل الغالي والنفيس في سبيل صحته وعافيته، فلا شيء يقوم مقام الصحة، إنها هبة من الله وإذا خسرناها لا ترجعها لنا أموال الدنيا بأسرها، ومستقبل كل منا وحياته وسعادته تتوقف على الاحتفاظ بعقل سليم في جسم سليم.

وحاول أن تبحث عن السعادة وأن تبدو سعيدا دائما، وليس هناك مكان في الدنيا يضاهي البيت جمالا وروعة وراحة، فالسعادة والبيت كلمتان مترادفتان في المعنى، إذا عرف من يسكن البيت أن يعيشوا العيشة الهنيئة الصحيحة. فالبيت السعيد هو البيت الذي لا خصام فيه ولا نزاع، هو البيت الذي لا يسمع فيه الكلام اللاذع القاسي، ولا النقد المرير. هو البيت الذي يؤوي إليه أفراد العائلة فيجدون الراحة والهدوء والطمأنينة، وتقع المسؤولية في خلق السعادة في البيت على الوالدين، فكثيرا ما يخرّب البيت خلاف تافه، ككلمة لاذعة، أو طبع حاد، أو حب التسلط، أو عدم الإخلاص، فينشأ الأولاد الذين يراقبون حياة الوالدين، ولا يمكن خداعهم، على ما رأوا من سلوك والديهما ويقتدون بهم ويطبقون ذلك على الآخرين. فالأطفال الذين يفقدون الثقة بالأب أو الأم، تقل ثقتهم بكل الذين يعيشون معهم أو يتعاملون معهم في المستقبل. فلنكن قدوة حسنة لصغارنا دائما.

إن النكد أو الكدر وفقدان السعادة يجلبان المرض، وأقصر الطرق للتعاسة الزوجية وأساس النكد، هو النقد اللاذع، نقد الزوجة لزوجها أو العكس، وقد يقصد بالنقد إصلاح سلوك أو أسلوب في الشريك، ولكن أسلوب تقديم هذا النقد هو الهادم لقيمته، إن علينا أن ننتقد الآخرين بلطف ولباقة ودون إثارة المشاعر، وأن لا نسمح لأتفه السباب أن تقلق راحتنا وتثير غضبنا وتهيّج أعصابنا، فنرغي ونزبد ونثور لأمور تافهة لا طائل تحتها، فيرتفع ضغط دمنا، ويخفق قلبنا، وتتوقف عملية الهضم، وتظهر البثور على الجلد، وتعتري الآلام مفاصلنا، إلى ما هنالك من أمراض تكون سببا في شقائنا. ولكننا إذا اتخذنا موقفا متزنا عاقلا مبدّلين النكد والكدر والهم برحابة الصدر وسعة القلب، واضعين السعادة والفرح والراحة مكان القلق والاضطراب وصلنا إلى سر السعادة البيتية، ولنتذكر أن أكثر من نصف الزيجات التي كان يجب أن تكون سعيدة تتحطم على صخور محاكم الطلاق، بسبب النقد العقيم الذي يكسر القلب ويذّل النفس.

وإن كنا نستطيع خداع الآخرين بأن نظهر لهم خلاف ما في دواخلنا، فإننا بالتأكيد لا نستطيع خداع أنفسنا، وعلينا إذن أن ندرك تقصيرنا وأخطاءنا وأن نعمل على إصلاحها، واضعين أنفسنا بيد الله وقدرته والذي يسيّرنا إلى الخير. وكلنا من ناحية أخرى معرّض للخطأ فالعصمة لله، فإذا حاسبنا على كل خطيئة وحملنا الحقد بسببها لا يبقى في الحياة سلام ولا سعادة، ولنتذكر قول أحد الحكماء "الخطأ من صفات البشر والغفران من صفات الله، فلنغفر ونتسامح لنكون قريبين من الله، وهذا مصدر كل سعادة وسلام." وأول ما ينبغي تعلمه في فن معاملة الناس هو ألا تعترض الطرق التي يستمدون منها السعادة، اللهم إلا إذا كانت تعترض بالقوة طريقك أنت وتلحق بك ضررا كبيرا. وهكذا دع شريكك ينطلق على سجيّته، ودع الحب يورق وينمو ليملأ البيت سحرا وسعادة وجمالا.

ولا تهمل اللفتات الصغيرة في الشريك، فإن لها في الزواج شأن كبير، وكثيرا ما يذهب الحب لأتفه الأسباب، أو لسلسلة من التوافه، وويل للزوجين الذين تغيب عنهم هذه الحقيقة. فالإنسان ينسى في زحمة الحياة الكثير من الأعياد والمناسبات، وقد يكون معذورا في ذلك، ولكنه ليس معذورا أبدا إن نسي عيد ميلاد زوجته أو عيد زواجه، ولغة الحب في هذه المناسبات وهي أبلغ بيان، لا تكلف كثيرا، باقة من الزهور أو هدية بسيطة وكلمة حلوة، وابتسامة صافية، وقبلة حب صادقة.

إن فرص النجاح في الزواج أمامنا أكثر من فرص النجاح في أي عمل آخر، فكل رجل يستطيع أن يغري امرأته أن تفعل من أجله أي شيء، بالحب الصادق، والهدايا التعبيرية البسيطة، والمعاملة بالكياسة واللطف والاحترام، وإظهار الإعجاب والتقدير على حسن تدبيرها أو طهوها أو غير ذلك من المواقف. وكل رجل يعلم أنه لو قال لزوجته "كم يبدو جمالك رائعا بهذا الثوب" لما رضيت أن تستبدل به أحدث المبتكرات العالمية في الأزياء، وكل رجل يعرف أن بوسعه أن يقبّل عيني زوجته فيغمضهما، أو أن يطبع على شفتيها قبلة تفقدها القدرة على النطق، على أن يكون ذلك بصدق ولطافة وكياسة، وبعيدا عن الخداع بالتأكيد، والمرأة كذلك مقصودة بهذا الأمر وليست بعيدة عنه، وعلى الرجل أن ينسى هموم العمل على عتبة البيت، ولنسمع هذا القول لأحد الروائيين الروس "إنني أتخلى راضيا عن كل ما لحقني من مجد، لامرأة يساورها القلق إذا تأخرت قليلا عن موعد عشائي"، أرأيتم كم أمامنا من فرص لنيل السعادة في الزواج، إذن علينا أن نتذكر دائما أن الزواج السعيد والبيت السعيد ليس وليد الظروف، بل هو كالبناء المشيّد لا بد له من أساس قوي متين.

وكثير هم الذين يتضجرون من الحياة ويتذمرون، وهم يوجدون فقط ولا يحيون، يأكلون ويشربون ويتنفسون ولكنهم لا يجدون لذّة في الحياة، فعليهم أن يبحثوا عن تلك القوى العجيبة التي تبعث الحب والصحة والسعادة الكامنة فيهم. فليس في الحياة ما يضر إذا كنا نسير فيها حسب أفضل وأسمى متطلباتها فينفتح أمامنا بحر زاخر من النشاط والطاقة والسرور إن الذي يحيا حقيقة في الحياة هو ذلك الذي يتحلى بشخصية إيجابية فعّالة تتجاوز النفس إلى الآخرين بتحويل الشخص لمركز أفكاره من نفسه ومشكلاته إلى مشكلات الآخرين ليساعدهم، إنها لحقيقة ثابتة "أنك تعيش حياة أسعد وأطول، بمشيئة الله طبعا، إن عزمت على ذلك." والأمر متوقف على الموقف الذي تتخذه من الحياة، يجب إذن أن تعيش بحكمة، وأن يكون لك عقل سليم في جسم سليم، لأن الحياة ليست أمرا نناله صدفة، وإنما هو نتيجة لحياة صحية سليمة.

ويبقى عليك أن تتسلح بالإيمان بالله وبنفسك، فلا ينجح إلا صاحب العزيمة والأمل، وما أصدق الكلمات القديمة القائلة، "كما يشعر الإنسان في نفسه هكذا هو". إن الأمل بالمستقبل لا يغير الحياة فقط، بل يغير حتى ملامح الوجه وينشر عليه جمالا محبوبا، وهكذا فإن دلائل الصحة والسعادة تنعكس على وجوه أصحابها، فالوجه هو مرآة النفس، وهو خير ما يعبر عن شعور تلك النفس من هناء وسلامة أو شقاء ومرض.

وهكذا ترى في كل ما قرأت، أن الأمر بيدك، ويتوقف عليك، إنها "دعوة للحياة"، ولك وحدك أن تستجيب لــــها، أو تختار طريقا آخر تتحمل مسؤوليته بنفسك. ولك أخي الإنسان من كنت وأنى كنت، كل أمنيات الحب والخير والسعادة.

= = =

بهذه الحلقة تختتم سلسلة موضوعات "دعوة للحياة". مراجع السلسلة منشورة في الحلقة الأولى.

D 1 آذار (مارس) 2009     A سليم الموسى     C 0 تعليقات