تهميش المثقف الجزائري: من المسؤول؟
حدباوي العلمي
مسؤولية ما يجري من اغتيال للأدب والأديب، للفن والمبدع، للثقافة والمثقف هي مسؤولية الجميع. لن يتحمل أحد من هذه الأطراف المسؤولية حتى يُحس هو أنه المسؤول الأكبر أو الوحيد عما يجري، فحين يُحس وزير الثقافة أنه المسؤول وحده عن المشكلة، وحين يحس الروائي أنه المسؤول وحده عن المشكلة، وحين يحس الناس في الشارع وفي بيوتهم وهم يتفرجون على التلفاز وهم يقرؤون الملصقات الإعلانية أنهم المسؤولون قبل غيرهم عن المشكلة حين يكون هذا تنحل المشكلة بطريقة طبيعية ليس فيها انتظار أبدي، ولا جهد مؤلم.
مشكلة المثقف والأديب والمبدع المتمثلة في تهميشه وإبعاده من متن الفعل إلى هامش التألم بمشاهدة الواقع دون تغييره مشكلة يمكن الوصول إلى حل لها عبر طرق مختلفة، أقول طرق مختلفة لأننا نستمع إلى الحلول من أشخاص مختلفين فنجدهم ينظرون إلى القضية من زوايا متنوعة فتكون الأجوبة متنوعة وتكون في عمومها منطقية.
ومع أنه يمكننا الوصول إلى الحل عبر وسائل غير متماثلة، إلا أنه يمكن القول إن وسيلة منها تكون منطلقة من اللب، والبقية تمر عبر وسائط لتصل إلى اللب، ومع هذا فهذه الوسيلة لا تقوم بنفسها في جزيرة منقطعة الأوصال عن باقي الجزر، نائية عن المياه واليابسة، إنما يستمد هذا الحل ديمومته باتصاله وتناغمه مع باقي الحلول، فهي في المحصلة لوحة فسيفسائية تصنع أجزاؤُها الجميلة الملونة الكلَّ الأجمل.
تكلمت من غير تمثيل ولا تحديد، والكلام حين يكون بعيدا عن المثال قد يصيبه شيء من الرذاذ على الزجاج، فيفقد وضوحه، فالآن أحدد ما كنت أريد قوله عبر التمثيل من الواقع.
لا تخرج الحلول عن ثلاثة معابر:
أولاها يربط المشكلة بالقرار السياسي، ومستوى المسؤولين وغاياتهم، وهو يطرح الحل بشعار: تثقيف السياسي، فالجهات الرسمية تدخل هنا في قلب المشكلة.
وثانيها يرى الحل في جماهيرية الأدب والثقافة والإبداع، فإذا لم يخرج المثقف من كونه نخبويا، لا يفهمه أحد، ولا يتواصل مع أحد، وإذا بقيت القاعات فارغة في حضور أهل الأدب إلا من الأصدقاء الذين يحضرون تحت وطأة حرج الدعوة الخاصة فإن المبدع حينها سيبقى معزولا عن المجتمع وبالتالي عن التأثير فيه. وهنا يدخل الإعلام في دائرة المشكلة.
وثالثها يربط المشكلة بمستوى الأدب، فهو يراه أضعف من المأمول، وأنه لابد من الرقي بمستوى الإبداع ليكون مقبولا فنيا. فمستوى العمل الفني هو لب المشكلة هنا.
فالحلول الكبرى كما نرى لا تخرج، في ظني، من ثلاثة: الإدارة/الإرادة السياسية والجماهيرية والإبداع، ولكنها مع التأمل نجدها تنطلق من منبع كبير لتمر عبر أنهار فرعية لتصب جميعها في إيقاع متناغم في المصب النهائي كحل متعدد ولكنه واحد، يحل مشكلة واحدة ولكنها ذات أبعاد مختلفة.
المنبع هو الأديب والمبدع نفسه، عليه أن ينظر في نفسه، وأن يخرج من عُجبه الأدبي، ونرجسيته الحلزونية، عليه أن يكون في كتابته واضحا وضوح النهار، جميلا جمال القمر، مخلصا إخلاص المطر، ينظر في اللغة الأدبية التي يكتب بها من حيث وصولها إلى العقل والقلب، كما ينظر في الغاية التي يلتزم بها فلا يخون جلدته وبني جلدته بدعوى الحرية.
إذا استطاع تيار الماء أن ينطلق من منبعه قويا جريئا واثقا استطاع أن يسير إلى مبتغاه برغم الأحجار المعترضة، وبقدر قوته ووثوقه في ذاته يكون مسيره إلى المُراد، حتى أنه ربما وصل بذاته برغم كل الصعوبات، ومع هذا ولأنه لا يمكن في العموم أن يكون تيار الأدب قويا بالصورة المثلى، فإنه محتاج في أغلب الأحوال إلى روافد تمده بالقوة، وتدفعه أكثر إلى الأمام، وأقصد بذلك رافد الجماهيرية حين يصل إلى مستوى الأدب، ويتقبل مستوى الإبداع، ويتفاعل مع ما يُلقى إليه من روح الفن، وكذلك الأمر مع رافد النظام السياسي والمسؤولين الرسميين والإدارة المتحكمة في المؤسسات الثقافية وغيرها المدعومة سياسيا ومالي.
أرجع لأقول إن النقطة المركزية في التغيير الإيجابي لحال الأدب والثقافة ترتبط أساسا بالمبدع خصوصا وبالمثقف عموما، فحين يتحمل هو المسؤولية، ويرتقي بروحه وفنه يستطيع ساعتها أن يؤثر فيما حوله، ويصنع بالتدريج التغيير، وان لم يستطع ذلك في حياته فانه فاعلٌ ذلك ولو بعد حين، فالكلمة الإبداعية الناهلة من نهر الفن/الحياة لا تموت، وسيكتب لها انبعاث جديد في مستقبل ما، وحسب المبدع أنه استطاع أن يعبر عن نفسه، ويلتحم مع الحياة، ويرمي بنظره إلى أفق بعيد.