تهميش المثقف الجزائري: من المسؤول؟
ندى مهري
هذا السؤال يرجعني إلى الوراء، قبل أن أنتقل إلى القاهرة. وقتها كان المشهد الثقافي برائحة الموت والرعب والصمت، وبالتالي كان مشهدا مرتبكا يتحرك بعبثية بطيئة. كنت أتساءل كيف نكتب؟ ولمن نكتب؟ ومن نواجهه كتابة هل نواجه موتنا المعنوي أو موتنا المادي، أو نطمئن على عروقنا العطشانة للبوح من خلال لمس الأبجدية ومزاجنا الكتابي.
كان هناك تهميش دام، وجبين إبداعنا الجزائري كان محموما. وعندما بدأ المشهد الثقافي يستعيد عافيته شيئا فشيئا أصابه ما أسميته في سؤالك "ثقافة الإحباط".
لقد كتبت عن شعور المبدع بالإحباط في إحدى مقالاتي حيث قلت:
"ثمة مبدعون نراهم يوميا يذبلون حاملين أوراقهم وانهياراتهم، حاملين أشعارهم ورواياتهم وأحلامهم، حاملين انتظارا حطم خاماتهم بين الشوارع والصالونات والأقبية المنفردة تتفكك اهتماماتهم، فيا ليتهم تنازلوا عن دمائهم الحبرية؟ يسيرون في مواكب الحزن ملتحفين الوغى في وطن يصنع الوغى. يسيرون في بحور لا تعنيهم، مستنجدين برايات هزيلة، تملهم السفائن فتقذفهم، تزدهر أجنحتهم، يرفرفون غرباء. ولأنهم لم يتذوقوا طعم الضياء تستشهد أجنحتهم مع أول وميض وتفنى الوعود الموسمية. تضجر الموانئ منهم وتفيض أحشاؤهم بثوابيت الأبجدية. وفي منتهى الحرمان يطعنون حالات الحب والكتابة، كيف لليراع أن يحيا في وطن لا يحيا إلا بين دقات السراب؟ كيف له أن يصيب نرجسية الأسماع؟"
النخبة كانت العمود الفقري للمجتمع وشمعدانه المضيء الذي ينير الطريق. أكاد أجزم أن فلسفة النخبة في الوسط الثقافي العربي بشكل عام فقدت دورها الديناميكي وأصابها العطب فبرزت بدلها ظاهرة النخبة الطفيلية أو الشللية التي تعد العدو الأول للنجاح الإبداعي، لأن الإبداع ملك للإنسانية وحدها وطائر طليق، والشللية تطوق هذه الحرية ولا تبرز إلا وجوها معينة تكرر نفسها قد تمت لصلة الإبداع أولا تمت، فتأخذ دور القناة التي هدفها إيصال أفكار مروجيها فحسب.
وهذا هو الداء بعينه الذي يعاني منه الوسط الثقافي الأدبي الجزائري أيضا الذي سمح بالإقصاء بدل احتواء المشارب الفكرية المختلفة والقضايا الأدبية المتنوعة، وحصر المشهد في أطراف معينة دون الآخرين الذين ينتظرون اللحظة للبروز وإظهار إبداعهم الأدبي والفكري وأغلب الوقت يقعون ضحية الشللية والإبعاد فيضيعون أو يحلقون متى استطاعوا خارج السرب بحثا عن قنوات أخرى خارج المشهد الثقافي الجزائري للاعتراف بهم ثم قد يعودون أولا يعودون.
وهذا أمر جدا مفجع وقاتل يعطل الحركة الثقافية الأدبية الجزائرية التي بسبب هذه الأساليب السامة تصاب الساحة الأدبية بالركود والنمطية والصنمية والرداءة. بجب إذن علاج وتطهير الساحة الأدبية الجزائرية من هذه الظاهرة والقضاء على الشللية ليبرز الأدب الجزائري بوجهه الحقيقي الفاعل في الحركة الفكرية المحلية والدولية.
آه يا أسرى القلم، يا نبض الحبر، لا تفقدوا نقاط الثقة المتبقية رغم تآكل الزمن، رغم ترويض مشاعركم للانسحاق في خانات الانتظار والتأجيل رغم تزحلقكم على صقيع السطور، رغم أنكم لم تثبتوا مهاراتكم بعد، ولم تجبروا انكساراتكم، لا تيأسوا ولا تكونوا أرضا يزرع فيها البوار، فرغم الحرائق سيظل ربيعكم أخضر.