الغلاف > الأعداد الشهرية: 2006-2016 > السنة 9: 96-107 > العدد 102: 2014/12 > كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة

عدلي الهواري

كلمة العدد 102: المكتبات الرقمية ضرورة

إذا بقي المعنيون من مؤسسات وأفراد متمسكين بالموقف الرومانسي الذي يفضل الورق وملمسه، ستظل تتسع الفجوة المعرفية بين دولنا النامية والدول التي تستغل التطور التقني وتضعه في خدمة العلم والمعرفة.

د. عدلي الهواري

من الممكن أن نمضي الكثير من الوقت في الحديث عن مزايا الكتاب الورقي، والأسباب التي تجعلنا نفضل الورقي على الإلكتروني. ولا اعتراض لي على الحق الشخصي في تفضيل صيغة على أخرى، وأرحب بالكتاب الورقي عندما يكون متوفرا بسهولة. ولكن التمسك بالورقي كموقف جماعي تتبناه المؤسسات المعنية بالتعليم والبحث ودور النشر لن يعود بالفائدة لا عليها ولا على المجتمع عامة.

تتميز الجامعات الجيدة بوجود مكتبة جيدة، وبعض الجامعات كانت (ولا تزال) تفتخر بأن في مكتبتها مليون عنوان أو أكثر. ولكن قبل ظهور الإنترنت وانتشار الحواسيب، كانت المكتبات تواجه مشكلة في المساحة المتوفرة لحفظ الكتب والمجلات التي يزيد عددها كل سنة، ولذا كانت تلجأ إلى الميكروفيلم والميكروفيش، اللذين يحملان صورا مصغرة لصفحات الصحف، أو الرسائل الجامعية، فيتم الاطلاع عليها باستخدام جهاز خاص يكبّر الحروف، وطبع الصفحات التي تهم الباحث/ة.

جهاز مايكروفيلم

ويعرف الباحثون والباحثات عن المراجع من كتب ودوريات أنها لا يمكن أن تتوفر في مكتبة واحدة، ولا يمكن الباحث/ة شراء كل المراجع ذات الصلة، حتى لو كانت المقدرة المالية متوفرة، فكثير من الكتب القديمة ليست متوفرة في المكتبات أو محلات بيع الكتب، واستخدام مكتبة غير مكتبة جامعتك غير ممكن بدون وجود اتفاقية تعاون بين مجموعة من الجامعات للسماح باستخدام أكثر من مكتبة واستعارة الكتب.

بعد ظهور الإنترنت وانتشار الحواسيب، وما رافق ذلك من إمكانية تصوير صفحات الكتب لتصبح متوفرة بصيغة إلكترونية، وإنتاج الجديد منها بصيغة إلكترونية، نشأت مؤسسات تقدم خدمة مهمة للجامعات ومراكز البحث، وهي تأسيس قواعد بيانات تكون في منزلة مكتبات إلكترونية تحتوي على ما نشر في الدوريات المتخصصة. من أشهر مؤسسات قواعد البيانات جيستور (Jstor)، وبروجكت ميوز (Project Muse)، وهناك غيرهما كثير، ولكل واحدة مجال تخصص.

يعرف كل من استعمل قواعد البيانات هذه فائدتها القصوى، فبالإضافة إلى إلغاء الحاجة إلى الذهاب إلى مكتبة جامعتك أو غيرها للبحث عن دورية لتصوير موضوع منشور فيها مهم لبحثك، صار من الممكن أن نجد الموضوع ونعرضه على شاشة الحاسوب في الجامعة أو البيت، وطبعه كاملا أو الجزء الذي يهمنا منه. ولا يحتاج الإنسان إلى خيال جامع لتصور الفائدة الناتجة عن هذه الخدمة وتسهيلها البحث العلمي والأكاديمي وتوفيرها الوقت والتكاليف على الباحث/ة.

لوجود الكتب، القديمة قبل الحديثة، بصيغة إلكترونية أهمية كبرى يجب ألا تغيب عن بال المؤسسات الحكومية التي تعنى بالتعليم، ودور النشر، ومراكز البحوث والدراسات، فالصيغة الإلكترونية للكتاب تجعله متاحا لكل المهتمات والمهتمين به في أي مكان في العالم خلال ثوان. وهذا يعني توسيعا لنطاق الوصول إلى المعرفة، فلا يقتصر على طلبة الجامعات، أو ساكني المدن الكبرى، أو المواطنين في دولة واحدة والمجاورة لها على الأكثر.

أتمنى أن أرى قريبا مؤسسات مختصة بتقديم خدمات شبيهة بجيستور ومثيلاتها، وتكون مختصة طبعا بالمحتوى العربي من كتب ودوريات متخصصة أو عامة، وأن تكون هذه الخدمة متوفرة للأفراد مجانا أو مقابل رسم مالي معقول، وعدم قصر الاشتراكات على الجامعات ومؤسسات البحث مقابل اشتراكات مالية كبيرة متوافقة مع حقيقة أن في الجامعات أعدادا كبيرة من الطالبات والطلاب، فمأخذي على مؤسسات مثل جيستور أن قواعد البيانات لا يمكن الدخول إليها بعد انتهاء العلاقة بالجامعة.

إذا بقي المعنيون من مؤسسات وأفراد متمسكين بالموقف الرومانسي الذي يفضل الورق وملمسه، ستظل تتسع الفجوة المعرفية بين دولنا النامية والدول التي تستغل التطور التقني وتضعه في خدمة العلم والمعرفة وتسهيل تسيير شؤون الحياة اليومية. ولذا، وقبل أن نتأخر أكثر في وضع التكنولوجيا في خدمة المعرفة، أدعو المعنيين إلى التفكير بصورة استراتيجية ووضع خطط لتحويل المتوفر من كتب ودوريات وصحف إلى صيغة إلكترونية وبناء قواعد بيانات تكون متوفرة للاستخدام بيسر من المؤسسات والبيوت.


مشاركة منتدى