عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

فهد الريماوي - ملف: أزمة الصحافة الورقية

خبر ومقالة عن توقف المجد عن الصدور


=1= خبر إعلان التوقف بتاريخ 26 كانون الأول (ديسمبر) 2016

شعار صحيفة المجد«المجد» تتوقف عن الصدور

في سياق أزمة الصحافة الورقية عامة، والأسبوعية منها بشكل خاص، يؤسف «المجد» أن تعلن التوقف عن الصدور عند نهاية العام الحالي.

ويأتي هذا التوقف الإجباري والاضطراري لأسباب مالية ضاغطة، جراء تراجع الوضع الاقتصادي الأردني من جهة، ومفاعيل «مدونة السلوك الإعلامي» التي حرمت «المجد» من اشتراكات الدوائر الحكومية، وإعلانات المؤسسات العامة، من جهة أخرى.

ورغم علم الحكومة ومجلس النواب ونقابة الصحفيين بمحنة الصحافة الورقية القاسية، منذ بضع سنوات، إلا أن أيا من هذه الأطراف لم تحرك ساكنا أو تبادر بمد يد العون «للسلطة الرابعة» كي تجتاز محنتها، وتعاود الوقوف على قدميها.

يعز على هذه الصحيفة القومية والعروبية الجادة أن تطفئ أنوارها، وتغادر دورها، في وقت أحوج ما تكون امتنا خلاله إلى المنابر المبدئية والعقلانية التي تتصدى بشجاعة وشرف للجماعات التكفيرية الظلامية، وللمحافل التغريبية الاستسلامية، على حد سواء.


=2= مقالة رئيس التحرير، فهد الريماوي، بتاريخ 26 كانون الأول (ديسمبر) 2016

على ضفاف المجد

«المجد» تلوح لجمهورها بمناديل الوداع وتترك للجيل القادم التقاط رايتها واستكمال رسالتها

فهد الريماويبغير دموع ولا مراسم تشييع ولا مناديل وداع، ترحل «المجد» هذا اليوم إلى غياهب الصمت.. تجمع حروفها، وتلملم أوراقها، وتحزم حقيبة عمرها ودورها، ثم تسافر على جناح الأسى والأسف إلى دارة المنتهى، وشاطئ الغياب والاحتجاب، «ولحد» الرجوع الأخير.

لقد حُم القضاء وانقطع الرجاء ووقع الفراق الأبدي.. فها هي «المجد» تقرأ في سورة «الغربة»، وتتجلد في مواجهة الخطب الجلل، وتغالب دمعة قبل أن تنسكب، وتمخر عباب رحلة بلا عودة، وذهاب بغير إياب، وانزواء ليس بعده من لقاء.

ما عاد في اليد حيلة، ولا في الوسع أي تدبير.. فقد سدت في وجه هذا المنبر القومي كل السبل، وانفض من حوله جل الأصدقاء، واجتمع عليه لفيف كثيف من الخصوم والأعداء، ومال عنه رهط من القراء المتعجلين الذين أغوتهم واستهوتهم صرعة التغريدة الزغرودة، وصحافة الوجبات السريعة، وثقافة الحشائش السطحية النابتة على صفحات التويتر والفيسبوك والانستغرام والواتس اب.. الخ.

يا وحدنا.. صرخة تائهة بلا صدى وسط هذه الغابة العربية الموحشة والمتوحشة، والضاربة في فيافي الفتنة، والشاربة من نهر الجنون، والمتهاوية دولة بعد أخرى .. فلم يعد فيها قيمة للعقل، ولا أهمية للخلق، ولا مكانة للضمير، ولا محل من الإعراب للخطاب الوطني والقومي، ولا متسع للكلمة الحرة والقلم الناقد والصحافة الأمينة والرصينة التي طالما جرى اعتبارها سلطة رابعة، وشريكا رئيسيا في قيادة الرأي العام.

الصحافة —في مفهومنا الكلاسيكي— روح ابداعية وطليعية لا تسكن إلا الورق، ولا تنهل إلا الحبر، ولا تعانق إلا القلم، ولا تولد إلا من رحم المطبعة، ولا تفتح للقارئ صفحاتها وتمنح أخبارها وأسرارها، إلا في حضرة القهوة المنعشة، ورفقة الصباح الباسم.. أما الإذاعات والفضائيات والمواقع الإلكترونية وأخواتها، فليست صحافة حتى لو شُبه لها، بل هي جنس آخر من أجناس دولة الإعلام، وفصيل مختلف من فصائلها.. ومن هنا جاء إصرارنا على استمرار صدور «المجد» في حلتها الورقية الملونة الباهظة التكاليف، حتى الرمق الأخير واليوم الأخير والدينار الأخير، رغم أن لديها موقعها الإلكتروني المعروف منذ جملة أعوام.

وليست الصحافة محض أوراق مطبوعة، أو نشرات دورية، أو إصدارات مسطرة ومصورة، بل هي معنى بأكثر مما هي مبنى، ومضمون بأكثر مما هي كيان، ورسالة بأكثر مما هي مهنة، ومسؤولية بأكثر مما هي وجاهة ومنفعة ونجومية.. ولعل من البديهي والمعروف منذ قديم الزمان، أن للصحافة في نفوس أهلها الأصلاء، وليس الدخلاء، مكانة عظيمة تقترب من القداسة، ومودة غامرة تبلغ حد العشق، وانتماء مخلصا ومتينا يرقى إلى مستوى التعصب الشوفيني.. وقد كان أستاذ الأجيال الصحفية العربية، المرحوم محمد حسنين هيكل يباهي بأنه «جورنالجي»، ويفاخر بالانتماء إلى قبيلة الصحافة، ويجاهر برفض كل ما عداها من القبائل والقوافل والمناصب والمراتب.

بدافع الفطرة الأدبية والموهبة الكتابية، والانبهار بالكلمة المطبوعة المتعربشة على أكتاف الجرائد والمجلات، وقع اختياري —بل إصراري— على دراسة الصحافة بكلية آداب جامعة القاهرة، بعدما فتح جمال عبد الناصر أبواب «مجانية التعليم» في مصر أمام سائر أبناء الوطن العربي.. ورغم تخرجي في الجامعة عام 1965، إلا أنني لم أتخرج، بالمقابل، من مدرسة الصحافة المصرية النجيبة التي كانت يومذاك رائدة وقائدة لمسارات الإعلام العربي والآسيوي والأفريقي كافة، فيما كان أقطابها وأعلامها وفرسانها محل اهتمام واحترام المحافل والدوائر العالمية المعنية.

من وحي تلك المدرسة الصحفية الطليعية، ومرحلتها النهضوية الساطعة، وروحها الناصرية العنفوانية، تطوعنا لإصدار «المجد» في ربيع عام 1994، بمجرد أن لاحت الفرصة المواتية، بعدما تحطمت قيود وأصفاد الحقبة العرفية التي صفّدت وصادرت الحياة السياسية الأردنية لما يناهز ثلث قرن، حيث امكن لنا تحويل الحلم القديم إلى واقع رائع، وإحياء المستطاع من تراث الصحافة الأصيلة، وتشييد صرح إعلامي قليل الإمكانات، ولكنه شديد البأس في منازلة ومغالبة مرحلة كاملة من السقوط العربي على أيدي فقهاء الظلام وسفهاء الاستسلام على حد سواء.

طوال عمرها الذي نيّف عن الاثنين والعشرين عاما، ظلت «المجد» صحيفة مبدأ وموقف والتزام، بأكثر مما هي منصة أخبار ومقالات وتحقيقات.. فهي صاحبة رسالة قومية، وحاملة مسؤولية وطنية، وراعية خط تقدمي وتنويري، وداعية نضال ونزال وكفاح مسلح ضد إسرائيل، وحليفة وثيقة لأقطاب الممانعة والمقاومة في سوريا ولبنان وفلسطين، وقد دفعت لقاء ذلك أثمانا باهظة معروفة للكافة، وتعرضت لسلسلة طويلة من العذابات والملاحقات والعقوبات والإشاعات المختلفة الأنواع والمستويات، ليس على ايدي الدوائر الأمنية والحكومية فحسب، بل الجماعات المتصهينة والمتأخونة والمتخلجنة أيضا، حتى أوشك عدد المتنبهين لقوة حضور «المجد» والمتابعين لها من موقع التربص والعداء يقارب عدد القراء المخلصين والأصدقاء الحميمين.

وبقدر حرص «المجد» على صلابة موقفها، ومبدئية نهجها، وصوابية رؤيتها وبوصلتها، فقد حرصت أيضا اشد الحرص (خلافا لصحافة هذا الزمان التي تتعثر في أغلاطها النحوية والإملائية) على سلامة لغتها، وسلاسة عباراتها، وبلاغة مقالاتها ومفرداتها.. فلطالما صاغت الأدبيات القومية بحروف ناصرية، وعزفت الأناشيد الوطنية بأوتار عروبية —لا إقليمية— واختارت للجملة المفيدة حلة شفافة أنيقة، واستضافت كوكبة من فرسان النصوص المتميزة، ودأبت على المزاوجة بين عمق العقيدة الفكرية وعذوبة القصيدة الشعرية، رغم أن الواقع العربي المضرج بالدم والهم والغم، لا يسر البال ولا ينعش الخاطر ولا يشجع القريحة على التجلي والإبداع.

وعليه، فمن المؤسف حقا وصدقا أن تنطفئ شعلة «المجد» وأمثالها من المنائر والمنابر الصحفية العروبية الهوى والمحتوى، وأن تختفي الأقلام المرهفة والمثقفة والبعيدة النظر، وان يخلو الميدان للصنائع والاتباع ومحاسيب المراكز التكفيرية والرجعية والطغيانية والسلطانية القارونية من جهة.. أو المحافل اليهودية والأمريكية والماسونية والإباحية الباذخة التمويل من جهة أخرى.

صحيح —على وجه الإجمال— أن الصحافة المطبوعة تعاني حاليا جملة مصاعب مالية ومتاعب مهنية في سائر أنحاء العالم، غير أن التمحيص الدقيق والمتأني في هذا الخصوص، يثبت أن الصحف المستقلة والموضوعية والمعتمدة على مواردها الذاتية، هي الرازحة وحدها تحت عبء الاحتياج والمعاناة وضيق ذات اليد.. أما الصحافة التابعة والخانعة والممولة من دول الخليج النفطية بشقيها العربي والإيراني (بدرجة اقل)، فلا خوف عليها ولا من يحزنون، ولا خلاف بينها حول الموقف من الهوية العروبية والوعي القومي والمشروع الوحدوي النهضوي الذي تناهضه إيران —ومثلها تركيا— لدواعي الهيمنة السياسية، بقدر ما تحاربه السعودية وتوابعها لحساب الجاهلية الوهابية.

لو كانت نقابة الصحفيين حاضرة ومؤثرة وقادرة على النهوض بكامل واجباتها، لما غابت عن محنة الصحافة الورقية، ووقفت مكتوفة الأيدي وعاجزة بلا حول ولا طول.. ولو كان مجلس النواب جديرا بصفته التمثيلية وأهلا لمسؤوليات السلطة التشريعية، لما أصم أذنيه وتجاهل استنجاد الصحفيين به، العام الماضي، لحمل الحكومة على معالجة أزمة «السلطة الرابعة» ولو ضمن أدنى الحدود، وبما يشابه دعم الأحزاب السياسية.

أما الحكومات المتعاقبة، وآخرها حكومة الملقي الحالية، فلا أمل فيها ولا نفع للصحافة منها.. فهي في افضل الأحوال محايدة ومتباعدة وتاركة للصحافة أن تقلع شوكها بيديها، أما في اغلب الأوقات والمنعطفات، فهي قمعية وعرفية وشديدة البأس على الصحافة عموما، والأسبوعية المعارضة بشكل خاص، حيث سبق لحكومة عبد السلام المجالي أن فرضت على الصحافة الأسبوعية عام 1997 رفع رأسمالها إلى أرقام شاهقة مما أدى إلى اختفاء عدد من هذه الصحف، في حين فرضت حكومة معروف البخيت على هذه الصحافة عام 2007 ضريبة مبيعات انتقامية وتعسفية قاتلة ومن خارج القانون، ولكن الحكومة التي خلفتها برئاسة نادر الذهبي سرعان ما شطبت هذا القرار المجحف والمتعسف.

أما الضربة الساحقة الماحقة، فقد سددتها للصحافة المعارضة والوطنية، حكومة سمير الرفاعي حين اقترفت عام 2010 إثم «مدونة السلوك الإعلامي» التي قصمت ظهورنا، ونسفت فرصة استمرارنا، ولجمت الدورة الدموية في عروقنا، وجففت جل مواردنا من إعلانات واشتراكات الدوائر الرسمية والمؤسسات العامة، وقذفت بنا إلى مهاوي العد العكسي الذي أفضى بصحافتنا إلى الإفلاس.. وقد كانت لي مع هذا الرجل جولة عتاب ساخنة، في حضور والده الرئيس زيد الرفاعي، والمحامي المرحوم حسين مجلي، اعترف في نهايتها أنه لم يكن يتوقع أن تؤدي هذه المدونة إلى كل هذه الخسائر والأضرار.

وما دمنا بصدد الحديث عن الموارد والجوانب المالية، فلا بأس في هذا المقام الوداعي المرهف، من إلقاء الضوء على استراتيجية «المجد» التمويلية وتجلياتها الواقعية وآلياتها التنفيذية التي طالما أرهقتنا، واستنزفت معظم جهودنا وربما ماء وجوهنا.. ذلك لأننا كنا قد طرحنا لغرض إصدار «المجد» حرة ومبدئية، شعار : «قليل من كثير»، وهو ما يعني استدراج ما تيسر، ومهما كان قليلا ومحدودا، من التبرعات والإعلانات والاشتراكات التشجيعية، من قبل مروحة واسعة من الأصدقاء والرفاق والأنصار الوطنيين والقوميين والإسلاميين في الأردن وفلسطين وسوريا ولبنان —والناصريين في مصر واليمن— وذلك كي لا نثقل على طرف بعينه، وأيضا كي لا نقع تحت جناح جهة بذاتها، فليس يليق بصحيفة ترفع راية عبد الناصر، الطاعن في التقشف والنزاهة وطهارة اليد، أن تبتذل حروفها بالتكسب والارتزاق.

وامتثالا لأحكام قانون المطبوعات والنشر، والتماسا لتبرئة الذمة أمام التاريخ الصحفي، فقد دأبت «المجد» منذ السنة الأولى لصدورها حتى الوقت الراهن، على تزويد دائرة المطبوعات، ثم وريثتها هيئة الإعلام، بنسخ مدققة حسب الأصول من موازناتها السنوية، وبنسخ مماثلة إلى دائرة الضريبة العامة، ودفع ما يتحقق عليها من ضرائب، ليس وهي رابحة فقط، بل وهي خاسرة تعتاش من جيوبنا أيضا.. وللتحقق من صدق أقوالنا، يستطيع أي باحث متخصص أو حاقد متربص مراجعة أي من هاتين الدائرتين الرسميتين.

ولسوف تبقى آيات الشكر والامتنان والعرفان واجبة علينا إلى عموم أحبائنا وإخواننا وأصدقائنا، الأحياء منهم والراحلين، الذين وقفوا جميعا مع «المجد» بشرف وشجاعة وإخلاص، متطوعين لوجه العروبة وفلسطين، ومتفضلين بغير قيد ولا شرط، ومتبرعين بالمال والمقال والمعلومة والإعلان والاشتراك السنوي والدفاع في المحاكم.. وكم كان بودنا تعطير سطور هذه الكلمة الختامية بأريج أسمائهم الكريمة، لولا رغباتهم الصارمة والحازمة بخلاف ذلك.

أما فرسان كتيبة «المجد» الذين أسهموا بجهد صادق ومثابرة دائبة، لإخراجها من العدم إلى الوجود، ومن العتم إلى الشروق، فلهم كل التحية والوفاء والاحترام، سواء من غادر موقعه مبكرا، أو من ظل صامدا حتى الرمق الأخير.

يقولون إن البجعة تطلق اعذب تغريداتها وأنشوداتها عندما تحس بدنو اجلها، ربما لأنها تحب مغادرة الحياة باسمة لا باكية، ومفعمة بالسكينة والرضا لا بالفزع والجزع.. وليس افضل «للمجد» قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة، من استحضار مقولة الثائر الحلبي والرائد القومي العربي، عبد الرحمن الكواكبي التي ما زالت تدوي في أروقة الزمان منذ نيف ومئة سنة : «هي كلمة حق وصرخة في واد، إن ذهبت اليوم مع الريح فلسوف تذهب غدا بالأوتاد».

= = =

الخبر والمقالة أعلاه نشرا بموافقة مسبقة من رئيس تحرير صحيفة "المجد"، فهدر الريماوي.

http://almajd.net/?p=14941

JPEG - 33.2 كيليبايت
صحيفة المجد - صفحة أولى
D 1 آذار (مارس) 2017     A فهد الريماوي: مختارات     C 1 تعليقات

1 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد الفصلي 04: الصحافة وأزماتها في عصر الإنترنت

«السفير»: مذاق قهوة الصباح

مكتبات بلا زمان

الغازي غازي

حكايات غافية + بوح الياسمين