عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

حمد الحجايا - الأردن

قراءة في نص هيجان الذاكرة (*)


‏(*) "هيجان الذاكرة" نص لعيسى عبد الحفيظ. نشر في العدد الماضي من عود الند (ع 13).

يا قلبي ريشة البولاد حدك

‎بحر ما يلحق الغطاس حدك

أيا جسر المجامع مين هدك

خون ولا من البنا عياب

آه كم أوجعني نشيد أبيك الحزين يا عيسى! وآه كم من شهداء فلسطين ‏الذي نحرت قلوبهم مرارة الكبد والحزن! وآه كم خض دمي هيجان ذاكرتك أيها الصديق وأنت ‏تبث ملح الأرض على جرحك وجرحي الذي يتفتق كل يوم على ثرى فلسطين!

آه لو كان بيدك أن ‏تسكن هدير ذاك الهيجان الذي ينبش ذاكرتك من حين لحين! عندما يشتد بك الم الجرح الذي يسيل من ‏كفك اليمنى ولا تضمدها اليسرى بلفافات الشاش الأبيض، فاعلم حينها أن وجعك خرج عن حدود ‏الألم إلى الهيجان أمام ما وصلت إليه تفاهة الطرح وسفاهة الرجال الذي لم يعرفوا شقاء الانتظار ‏على أرصفة محطات المدن، والنوم في قاعات مطارات عندما ضاقت صدور الساسة. حتى سجون ‏العواصم العربية استكثروها عليهم، وقذفتهم إلى خارج أسوارها، إلى المنافي البعيدة.

‏كم هو رائع ذلك النص الأدبي الذي عنونته بـ (هـيــجــــان الــذاكـــــرة) يا عيسى عبد الحفيظ! وكم ‏شاكس كل الحواس الكامنة منذ زمن بعيد في قرارة القلب تجاه الشوق المغمس به دمي بحب تراب ‏فلسطين! فكيف وأنت تكتب الحروف بمداد القلب، وأنت تصف مشاعرك، وذيك اللواعج التي سكنته ‏سنين طويلة، تخبئ هذا الشوق إلى الطيرة وحيفا وملاعب الصبا التي ما خبت جذوة اشتعالاتها، ولن ‏يخمد وهجها في روحك الثائرة، حتى بعد أن غزاها ذاك الشيب الأزرق الذي تحكي كل شعرة منه قصة ‏بطولة، وحكاية رفيق درب أخذته من بين يديك فوهات البنادق، وبكاء صديق حي على كتفك من ‏التعذيب والمرض، قذفته الجدران على حافة القبر ينتظر من يواسيه‏‎ ‎‏ قبل شهقة أنفاسه الأخيرة.

عذرا صديقي على فتح جراحك ولكنك فتحت جرحي بهيجان ذاكرتك في نص أدبي يحمل من المعاني التي حفزتني على الكتابة إليك، وأطلت على نوافذ قلبي المشرعة وسط صحاري ‏الجنوب ورمالها على جهة الغرب، حيث فلسطين بكل ظلالها الوارفة/ ليتفيأ القلب بغيمة قادتها الريح ‏فوق شغافه التي يبستها شموس البراري الواسعة، فكانت أسماء الأماكن والأشياء مثل:

كانون ‏الفحم. ليالي الشتاء. بطانيات خشنة ذات اللون العسكري. ذكرياته عن فلسطين – الطيرة وبيادرها ‏والبيت. البوابة. الحوش. البارودة العصملية. المعارك والشهداء. الزيتون والحقول والخير ‏العميم. ارض العزيزية. شاطئ حيفا. الكرمل والمقهى الذي تلامس جدرانه أمواج البحر.

كلها ‏مفاتيح لغرف النار المتوهجة في القلب. وهذا التوظيف الأدبي السلس والبسيط لحكاية حقيقية بنفس ‏إبداعي متميز كانت أقرب إلى روح كل قارئ، وتلمس شغاف قلبه بوهجها.

‏‏وهذا الوصف الدقيق لتفاصيل المكان والحميمية التي تبثها في النص من خلال الإنسان الفلسطيني ‏الصابر الصامد في ارض فلسطين على أرضه، عندما تصف بصدق المشهد الذي عشته وشاهدته في ‏كل بيت فلسطيني في ليالي الشتاء، حيث التعايش مع الشقاء والقسوة بالصبر الذي لن يطول.

هكذا ‏قرأت النص بروحي أيها الصديق.

D 1 تموز (يوليو) 2007     A حمد الحجايا     C 0 تعليقات