عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

بقادي الحاج أحمد - السودان

تلك الفاتنة السافرة

الطيب صالح وداعا


بقادي الحاج أحمدتعرفت على كتابات الطيب صالح أول ما تعرفت عليها في سبعينيات القرن الماضي، قراءة "موسم الهجرة إلى الشمال" قراءة طالب بدأ يقلب صفحات الكتب الأدبية خارج المقرر المدرسي، قراءة كانت سطحية. لم تكن عميقة.

تابعت بعد ذلك في الصحف النقد الشرس الذي تعرضت له الرواية، رميت بالإباحية، شبهت رواية "موسم الهجرة إلى الشمال" بمجموعة قصصية مغمورة في ذلك الزمان. بدأت البحث عن المجموعة لأقراها وأقارنها بالرواية، ومن ثم اتفق مع الناقد في حكمه أو لا اتفق. قرأت المجموعة في فترة المراهقة العمرية والأدبية تلك، امتلأت حتى الحافة توترا وإثارة. بعد ذلك، وعند إعادة قراءة "موسم الهجرة إلى الشمال" على ضوء المعطيات الجديدة، ذهبت إلى ما ذهب إليه الرأي النقدي الآخر الذي يقول إن الإشارات الجنسية وجدت في "موسم الهجرة إلى الشمال" ضمن سياق النص ولم توجد لغير ذلك.

تتابعت قراءات أعمال الطيب صالح: ضوء البيت؛ بندر شاه؛ دومه ود حامد؛ عرس الزين؛ مريود ومنسي. ولكن ظلت "موسم الهجرة إلى الشمال" تمارس جبروتها بين أعمال الطيب صالح القليلة العدد كثيرة الإبداع. ظلت "موسم الهجرة إلى الشمال" شامخة شموخ صاحبها في المشهد الروائي السوداني والعربي والعالمي.

وتكررت مرات تقليب صفحات تلك الرواية الفاتنة السافرة كلما سمح الزمان بذلك، وبلغة أخرى غير العربية، بحثا عن السودان الذي تحدث عن الطيب صالح في الرواية.

عندما تراكمت القراءات الأدبية المتعددة واختمرت مع التجارب بدأت القصص تتدافع بالمناكب في طريقها نحو المخرج، كان الطيب صالح مازال يمارس سطوته الروائية علينا نحن الجيل الذي تلا جيله بأجيال، ومع ذلك ظل الاغتراب عن أرض الوطن وهمومه يشكل قاسما مشتركا بيننا.

في الغربة المتاخمة للبحر كنا نسمع من الذين نتعاطى معهم الأدب سؤالا:

"يعني حتقول شنو بعد الطيب صالح؟"

صحيح أن الأستاذ الطيب صالح، جزاه الله خيرا، أدخل درب الرواية السودانية والعربية في المويه، وأمسى تتبعها صعبا، ولكن كنت أرد بأن كل إنسان يدلو بدلوه، فعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم.

اللهم تقبل الطيب صالح قبولا حسنا.

D 1 نيسان (أبريل) 2009     A بقادي الحاج أحمد     C 0 تعليقات