هيام فؤاد ضمرة - الأردن
نازك ضمرة وحصاد السنين
ملف: تكريم الكاتب نازك ضمرة
نازك ضمرة، روائي وقاص وناقد وشاعر ومترجم، له من الأعمال المنشورة سبع مجموعات قصصية وثامنة مخطوطة وتاسعة مجموعة قصصية للقصة القصيرة جداً منشورة، وعاشرة هي مجموعة قصصية للأطفال، وأربع روايات منشورة، وروايتان مخطوطتان، ومادة نقدية كبيرة، ومادة شعرية بين النثر والعامودي والحر، ومادة مترجمة.
بدأ مشواره الأدبي في سن متأخرة نوعاً ما، بعد تجاوزه سن الخمسين، لكنه استطاع أنْ يمنح الفضاء الأدبي وفرة من إنتاجه المتنوع فيما تبقى من عمره المديد.
ولد عام 1937م في قرية بيت سيرا الوادعة الواقعة على خط التماس مع الجزء المحتل من فلسطين 1948م في محيط مدينة رام الله، درس مراحله الدراسية الابتدائية والإعدادية في القرية، والثانوية في مدينة رام الله، أكمل تعليمه في دار المعلمين في بيت حنينا على مشارف مدينة القدس، ثم أكمل دراسته الجامعية من خلال جامعة بيروت العربية بتخصص المحاسبة المالية، وحصل على درجة الماجستير في الإدارة العامة من جامعة متشغان في أمريكا.
كان مولعا منذ الصغر بالمطالعة وظهرت عليه علائم النبوغ المبكر، حفظ على يد والده القرآن الكريم بتجويد صحيح، وكذلك استوعب بجودة القواعد العربية، وتعلم العُرب الموسيقية المتعلقة بالتراث. إلا أنّ التزامات العمل ومتطلبات بناء الأسرة شغلتاه في فترة عمره المبكر، فدخل عرين التأليف متأخراً، وراح يُسابق الزمن ليترك أثره في الوجود الثقافي.
يقول الأديب فوزي الخطبا مصوراً ما سجله نازك ضمرة في كتاباته حول مرحلة طفولته السعيدة في قرية بيت سيرا: "ما زال ابن الليل، لا يخاف الظلام، لكنه يشعر بنشوة وفرح طفولي أرعن حين يمشي بصحبة قمر مشع في المساء، وحتى حين يقود سيارته ليلاً، ينزل القمر ويركب معه في سيارته يحادثه ويناغيه، ويتبادلان التقارب بالآراء، وفي أغلب الأحيان يمدحه كثيراً، فيصف وجهه وجمال ملابسه، ويديه المصقولتين وصدره الواثق المندفع".
وفي موقع آخر يقول الخطبا: "تكاد تحبو فتتعثر، يتجاذبك الحسن وتكاد تطيش فتشدك قوى خفية، وحسان القرية يعبن عليك برودك، والقرية كلها حسن، تخرج إلى الخلاء تتأمل الطبيعة فترى الحيوانات والطيور، تتقارب وتتزاوج وتتلاصق، فيكويك الجِرس الذي يتوالد في أحشائك وأرضك، يتحفز القلم فتحصره بين أناملك، يتوسل الكتاب للنوم في خاصرتك فتحاول الإمساك بلحظة الوفاء لمن ابتلى بك وابتليت به".
تضمن الكتاب عرضا لعدد من الدراسات النقدية التي تناولت أعمال الأديب نازك ضمرة من قبل النقاد والأدباء والدارسين، وعدد آخر من الدراسات النقدية التي تناولها الكاتب نازك ضمرة ناقداً في أعمال زملائه الأدباء والشعراء، وعرض لبعض القصص من إبداعاته، وعدد من قصائده الشعرية العامودية والحرة والنثرية، وبعض التراجم والمقالات. كما عرض الكاتب لتعداد المنجزات المطبوعة والمخطوطة العائدة للأديب نازك ضمرة التي وصلت إلى حوالي 20 منجزاً بين الرواية والقصة والديوان الشعري وقصص الأطفال.
خلال العام الحالي من 2020م، أخرج الكاتب والناقد فوزي الخطبا كتابه حول سيرة الكاتب الفذ نازك ضمرة "أبو خالد" بعنوان "نازك ضمرة الأديب الإنسان". وأقيم بالمناسبة في يوم الأحد الموافق 4/2/2020م، حفل إطلاق وتوقيع لهذا المؤلف في دائرة المكتبة الوطنية تحت رعاية رئيس رابطة الكتاب الأردنيين السيد سعد الدين شاهين وبحضور د. أمجد الفاعوري مندوباً عن مدير المكتبة الوطنية د. نضال العياصرة، وتحت مظلة جمعية سماء الثقافة ممثلة برئيستها الأديبة هيام فؤاد ضمرة. وقدم رئيس رابطة الأدباء الأردنيين السيد سعد الدين شاهين كلمة قال فيها:
"نازك ضمرة: الختيار، كما يحب أنْ ينعت نفسه، هو في الحقيقة شاب في ريعان الطفولة والبساطة، لا يعرف الكُره ولا الحقد حين تقتضي الجلسة حميمية الخلّص، وهو كهل يفيض حكمة وتبَصُّر حين تقتضيه المواقف، وهو كريم حين يقتضيه الطلب والإحساس بهموم الآخرين وقضاياهم.
نازك ضمرة صاحب الجرة، العمل الروائي الأول الذي قرأته له، واستطعت أنْ أحكم على إبداعه، لأنني لم أستطع الإفلات من سطورها إلا بعد أنْ أنهيتها، فمن يقرأ الجرة يعرف نازك المتمسك بتاريخه وأرضه وتراثه. لم تمنعه إقامته في أمريكا من الالتحام والالتصاق بحقه في قريته ووطنه الأول، ومواصلة الكتابة عنه سواء في مجموعته القصصية أم في رواياته، ومن أراد أن يشتم رائحة فلسطين فليقترب من سيرة الثمانين عاماً التي يتوسم بها، وقد مارسها متنقلاً بين دول المنافي البعيدة حيناً، كلما حل به الترحال طلباً للعمل، ليعود إلى بيت سيرا يقوده العشق والحنين ثانية.
يجنح نازك ضمرة إلى الخلط بين ما أثر فيه من أدب أجنبي كان قرأه، وبين واقعه الشرقي الذي يعيشه، فنجد الكثير من أعماله الأخيرة تتميز بالأسلوب الغربي في طريقة السرد المقنن، لكن الأحداث تبقى مُلتحفة عباءتها الشرقية بطعم عروبته التي يعشق."
وقال أيضا شاهين مستذكرا حادثتين مثيرتين فيهما الطرافة:
"ترافقنا كثيراً في زياراتنا المربدية إلى بغداد، وفي إحدى المرات كان ضابط الجوازات يُنادي: "السيدة نازك. السيدة نازك". ولم ينتبه نازك أنه المعني إلا بعد أنْ لفتنا نظره إلى أنه المقصود، وبالفعل كان هو نازك المعني. وفي المرة الثانية زارني الشاعر ممدوح عدوان ومعه الروائي حيدر حيدر، ولم يكونا على معرفة مسبقة بنازك ضمرة، فقلت لهما إنني معزوم الليلة عند نازك وأنتما معزومان معي. تهللت أسارير ممدوح ووافق على الفور، وركبنا السيارة واتجهنا إلى بيت نازك ليلاً، وحين فتح نازك لنا الباب وعرفته عليه التفت إليّ ممدوح غاضباً: يا أخي قل أنّ نازك زلمة!"
لم يغفل مقدم الأمسية د. عدنان السعودي بين الفقرة والأخرى، أن يرتدي معطف التقديم دون أن يُنظم هندام الكلام بأجمل أناقة وأوفر عنفوان، فيرسل الشعر مع النثر كتعريشة دوالي تُدلي قطوف عنبها مصفوفاً كالدرر المضيئة.
وقدم د. ياسين بني ياسين ورقة الشهادة الإبداعية للمؤلف، ود. دلال عنبتاوي قدمت دراسة نقدية مجزية، فيما الناقد الجزائري السيد أحمد ختاوي رئيس تحرير مجلة المثقف في الجزائر، الذي حضر خصيصاً للمشاركة، قدم لمحات نقدية حول ضمرة وحول الكتاب وحول مؤلفه الأستاذ فوزي الخطبا الذي آل على نفسه تولي مهمة الكتابة توثيقاً لسيرة المبدعين واستخدامه للغة إبداعية شيقة وأسلوب تنسيق الكتاب بين سرد السير وعرض كفاءتها الإبداعية.
وقدم رئيس رابطة الأدباء الأردنيين كلمة أثنى فيها على فكرة الكتابة عن الأدباء وتحدث عن ذكرياته مع نازك ضمرة ورأيه في نتاجه الأدبي. كما قدمت الأديبة هيام فؤاد ضمرة كلمة بينت فيها دور جمعية سماء الثقافة في تبني احتفالات إطلاق المؤلفات الأدبية والمساهمة الفاعلة بالحركة الثقافية الأردنية والارتقاء بالمستوى العام للثقافة الأردنية بشكل لائق ومؤثر، كما عرضت رؤية عامة حول موضوع توفير سيرة ذاتية للمبدعين في حياتهم من باب تكريمهم وتوثيق سيرتهم الذاتية في حياتهم، وعرضها فكرة تبني هذا النهج من قبل المكتبة الوطنية ذاتها لتوفير (داتا) معلومات خاصة بالمبدعين مفكرين كانوا أو أدباء أو مخترعين أو حتى فنانين.
وتحدث المؤلف الأستاذ فوزي الخطبا عن كتابه وكتب أخرى وثق بها سير الكتّاب من ذوي الإبداعات الجيدة، وبين سبب اختياره للكاتب ضمرة ليسجل سيرته الأدبية ويوثقها، وأنه سعيد إذ يقدم هذه الخدمة تطوعاً من باب رغبته بالقيام بهذه الخدمة خدمة للثقافة ولتوفير ما يكمل وجود الأديب المبدع إذا ما وجد من يرغب بدراسته ودراسة أعماله.
وقدم صاحب السيرة التي تناولها الخطبا في منجزه كلمة شكر وعرفان متأثراً بالموقف، وعن تلك الوشائج التي صاحبت هذه المبادرة، والتي منحته هذا الشرف الجميل بيد كاتب رائع ومبدع وأمين، وأنه يحمل له الود حميماً والشكر وافراً على ما أبلى وأجاد.
أدار الحفل الدكتور الشاعر عدنان السعودي بقدرة جمالية عالية، وبلغة أدبية راقية، وبعبارات تصب في عمق الموضوع، ومستشهدا بقصيدة عصماء ألقاها بصوته الجهوري ومخارجه السليمة، كان كتبها خصيصاً لهذه المناسبة نال عليها تصفيق الجمهور بحرارة، فهو شاعر قدير، وخطيب مفوه يشار له بالبنان.
ابتدأ الحفل بقراءة نقدية عميقة للدكتورة دلال عنبتاوي قالت فيها إنها لبت دعوة الأستاذ فوزي الخطبا لدراسة مادة الكتاب ونقده بأمانة أدبية ملائمة، لتجد نفسها أمام أديب متمكن من إبداعاته، يُجيد كافة الفنون الأدبية التي مارسها مما يجعله أديباً كامل المواهب.
وقال د. بني ياسين أن الكاتب له بصمات واضحة ومؤثرة وفاعلة في خريطة الإبداع الأردني والعربي محاضرا وكاتباً ومشاركا في الندوات والمؤتمرات والندوات، وأضاف أن الكتاب يأتي ضمن سلسلة كتب أنجزها وتظهر فيها حرصه على تكريم الأدباء وهم لا يزالون ينبضون أدبا وإبداعاً، وبين أنّ الكتاب استقصاء لأديب حق له أنْ يرتقي سلم الإبداع بجماليات حروفه، ورقي فكره، ونبل رسالته، وعظيم قضيته، فيرصد لنا شاعريته في شعره وفكره وفي مقالاته وخواطره وأعماله القصصية والروائية.
وأشار إلى أنَّ الكاتب استطاع من خلال كتابه أنْ يلج إلى عوالم نازك ضمرة وأنْ يُسلط الضوء على فضاءاته الإبداعية، وعلى ملكته في عالمي القصة والرواية، كما عرض أعمال نازك ضمرة الروائية والقصصية ليكون بواكير الأعمال التي تنصف الأديب وتشكل مرجعاً لدراسات مستقبلية منتظرة ومأمولة.
وقالت الأديبة هيام ضمرة إن الكاتب قد انتهج منهجه البديع في توثيق سيرة الأدباء من قبيل إحساسه العميق بضرورة حفظ ذاكرة الوطن لأدبائه الكبار ومفكريه العظام، وهو منهج حضاري ومتطلب مهم يدخل في أحد حقوق الأجيال القادمة، للاطلاع على سيرة النخب الأدبية والمفكرة في الوطن في كل مرحلة من مراحل تاريخه العظيم.
من جانبه قدم الأديب نازك ضمرة شكره للكاتب لجهده الطيب في إصدار الكتاب الذي كرسه في سيرته الذاتية وأعماله الأدبية. وقال فوزي الخطبا إنّ الكتاب يكشف عن حياة نازك ضمرة وإبداعه الأدبي في جميع مناحي الأدب وفي الرواية التي أجاد فيها وأبرز قدرة الروائي ومهاراته العالية في هذا الفن الروائي الراقي، ورسوخه فيه بأبعاده الإنسانية وتشكيلاته الفنية الكبيرة، فقد حول الحروف والكلمات إلى لوحات فنية أخاذة من ذاكرة المكان وأبعاده الموضوعية والاجتماعية والنفسية.
وانتهى الاحتفال بتوزيع الدروع على المشاركين التي حملت صورتي الكاتب وصاحب السيرة معاً، وأخذ الصور الشخصية والجماعية مع المشاركين.
◄ هيام ضمرة
▼ موضوعاتي