عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

إيمان يونس - مصر

بائع البالونات + المشروع


إيمان يونسبائع البالونات

فتحت نافذتي. الشمس ساطعة وترسل أشعتها الدافئة. تمنيت أن يكون اليوم هادئًا خاليًا من المظاهرات والإضرابات التي تعددت مسمياتها. ارتدى أطفالي ملابس العيد الزاهية. صحبتهم إلى الحديقة التي يطل عليها منزلي.

جلست على مقعد متهالك بالقرب منهم أستظل بشجرة وارفة، وفتحت علبة الحلوى، وغلفت كل قطعة بمنديل ورقي ليأكلها الأطفال وهم يلهون. عندئذ دنا مني طفل صغير، وجهه بريء، ملابسه رثة، وجهه شاحب، وعيونه حزينة.

ابتسمت في وجهه، وأخرجت له قطع من حلوى العيد. انفرجت شفتيه بابتسامة هادئة، ولكن لم يمد يده ليأخذها مني.

تنبهت أن يديه مشغولتان: واحدة تمسك بعدد من البالونات بأشكالها المختلفة ترفرف فوق رأسه بمثابة أجنحة للحرية، والأخرى تطبق بإحكام على كيس من البلاستيك به باقي البالونات الفارغة من الهواء.

سألته: "بكم تبيع البالونة؟"

قال: "بجنيه واحد فقط".

وضعت الحلوى جانبا، وأخرجت من حافظة نقودي ورقة نقدية بفئة العشرين جنيها.

قال: :لا يوجد معي باقي. أنتِ أول مشتري".

قلت: "أنا لا أريد باقي".

قال: "إذن ستشتريها كلها".

قلت: :نعم، وسأهديها لك".

قال: "لكن يا سيدتي الهدية يجب أن تكون مفاجأة تسر المُهدى إليه. أما هديتك فنوع من الإحسان لا أحتاج إليه".

فلتت البالونات من بين أصابعه. جرى يلحق بها. لوهلة ظننت أنه يريد أن يلهو بها مثل أقرانه، لكنه ظل يعدو وراءها حتى غاب عن نظري ولم يعد، وحزنت لأنه لم يأخذ مني النقود ولا الحلوى.

شاركت أطفالي اللعب لبعض الوقت، ثم عدت إلى قلمي وأوراقي في البعض الآخر، حتى بدأت الشمس تلملم أشعتها إيذانا بالرحيل.

تذكرت قرب بدء موعد حظر التجوال. جمعت أولادي وأغراضي وعدت إلى البيت حاملة بخيالي صورة بائع البالونات التي تأبى المغيب عني، وأفكر فيما تركه من أثر في نفسي، حتى فرغت من كتابة تلك السطور.

= = =

المشروع

حان وقت تسليم مشروع نهاية العام. جلست أراقب تلميذاتي وتلاميذي وأتابع سلوكهم لحظة تقديم المشروع. فئة منهم تتركه على عجلٍ دون اكتراث. أقول في نفسي من المؤكد لم يتعبوا في صنعه.

فئة ثانية تتمهل قليلًا لتضعه في مكان مميز. أدقق في الوجوه وأتمتم: التفاخر بالإمكانيات وحب الظهور سمة سائدة لديهم.

القلة تبدو حريصة عليه حتى اللحظات الأخيرة إلى درجة الالتفات أكثر من مرة لإلقاء نظرة الوداع.

فرحت بوجود لمسات الأنامل الصغيرة التي أعيتها المحاولات. ارتحت لوجود براعم خضراء ستزهر بمستقبل مشرق.

شعرت بسعادة لنجاحي. أغلقت باب الفصل عقب انتهاء الجميع من التسليم. تفقدت المشروعات بعناية محاولة تطبيق الشروط والمواصفات عليها، وأهمها أن تكون من تصميمهم وبنات أفكارهم وبأبسط الإمكانيات المتاحة لديهم. بُهرت بالبعض منها وفخامة تكلفة البعض الآخر.

تذكرت كلمات مديرة المدرسة: لقد اخترتك دون باقي المدرسين والمدرسات لهذا الفصل: فصل أبناء المسئولين وعلية القوم بالمجتمع.

عدت من الذاكرة لأجد المديرة ماثلة أمامي. وبعبارات محددة قالت: "لن أوصيك على ابنة ... وابن ... و..."

أي عذاب تضعني فيه تلك السيدة، أنا الأمينة على تربية النشء، وأحاول أن أجعل منهم شخصيات مستقلة مبتكرة من أجل مستقبل أفضل لهم ولوطنهم؟ كيف أهدم كل مبادئي التي لقنتها لهم من أجل منصب فلان أو بضعة جنيهات تبرع بها فلان حتى لو تخطت مئات الآلاف، أو تجديد دورة مياه؟

عدت إلى التدقيق في المشروعات من جديد، وصممت أذني عن كل ما قالته، واخترت المشروعات الفائزة، ورصدت جميع الدرجات لجميع الطلاب ووضعت الأختام عليها، بالإضافة إلى توقيعي، وتركتها لسكرتيرة المديرة لتعرضها عليها لاعتمادها للإعلان، وأرفقت معها خطاب استقالتي لأستكمل مشروعي في مكان آخر.

D 25 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013     A إيمان يونس     C 6 تعليقات

3 مشاركة منتدى

في العدد نفسه

كلمة العدد 90: الكوميديا الجديدة والشبابية في عصر يوتيوب

الرّمزي والصّوفي في مأساة الحلاج

الحركات والضمائر: بين الفونيم والمورفيم

قراءة في رواية صمت الفراشات

جين آيير: كتاب ماثل بالذاكرة

بحث



5 مختارات عشوائية

1.  قضايا وشخصيات يهودية

2.  الأدب الجزائري القديم ج2

3.  قصتان: مهذب ومتسخ + لماذا لا يرتاح؟

4.  شتاء، بحر وأشياء أخرى

5.  الْعَنَاصِرُ الدِّرَامِيةُ وتَشَكُلاتِها الفَنِّيَة

send_material


microphone image linked to podcast



linked image to oudnad.net pdf_xive
linked image to oudnad.net/dox