كتاب: المجلات الثقافية الرقمية
التكاليف المالية + مرحلة الأعداد الفصلية
د. عدلي الهواري
لأني أعيش في لندن، تمكنت من إصدار «عود الند» والحصول على رقم تصنيف دولي للمجلة (ISSN)، ولا تزال المجلة مستمرة في الصدور دون الحاجة إلى تقديم طلب ترخيص، أو امتلاك مقر، أو توظيف رئيس تحرير، أو غير ذلك من أمور. ثم بعد كل هذا تريد أن تتغنى أمامي، وتريدني أن أتغنى معك، بأن زعيم دولتك راعي الحرية والإبداع.
على مشارف العام العاشر
بعد إتمام العام الثامن من النشر (95 عددا) في عام 2014، تطلعت إلى بلوغ مرحلتين هما إصدار العدد 100، وإكمال السنوات العشر. في الوقت نفسه، كنت وصلت إلى قناعة بأن الاستمرار في النشر الشهري يعني القليل جدا من الوقت لي لتنفيذ مشاريع أخرى.
انتظمت دورة حياتي منذ إصدار «عود الند» على ساعة مواعيد الصدور، ولم أكن أكف عن العمل على أمور متعلقة بـ «عود الند» إلا عشرة أيام هي الوسطى من كل شهر، ففي الثلث الأخير من كل شهر أنشغل بتجهيز المواد للنشر، وبعد صدور العدد أنشغل أيضا في الترويج للعدد الجديد ومتابعة التعليقات، التي تكون في ذروتها في الأيام الأولى بعد صدور العدد. بعد ذلك، تبدأ فترة الهدوء إلى ما قبل عشرة أيام من اقتراب موعد إصدار عدد جديد. ولذا كنت إذا سافرت، وأنا أسافر مرة أو اثنتين في العام، تكون مواعيد سفري في هذه الفترة، وتكون الزيارة عشرة أيام، ولكنها لا تتجاوز أسبوعين إذا كانت هناك حاجة للمكوث أكثر. تخيل أن تعيش وفق هذا النمط المنتظم عشر سنوات كاملة.
ولأن «عود الند» تصدر دون وجود فريق يتقاسم المهام المختلفة، لا يوجد أحد تناقش معه أفكارا جديدة. كنت دائم السؤال عن ملاحظات واقتراحات. ولكن هذا ليس بديلا للجلوس مع أشخاص بشكل دوري ومناقشة الأفكار معهم. من المهم عندما تقوم بعمل أن تحصل على متعة من القيام به. كنت خلال السنوات العشر مدفوعا بحافز إنجاح مبادرة ثقافية. وبكل المقاييس الموضوعية والذاتية، نجحت المبادرة.
مثلما كان صدور «عود الند» تنفيذا لمشروع قديم مؤجل التنفيذ، كان لدي مشاريع مؤجلة أخرى، على رأسها إصدار كتب. كنت في عام 2015 أصدرت كتابا توثيقيا عن تجربة تأسيس وانهيار فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة، وأردت أن أوثق تجارب أخرى كان لي دور فيها، مثل المجلات السياسية الفلسطينية في الولايات المتحدة. كذلك نتج عن بحثي الهادف للحصول على درجة الدكتوراه رسالة احتاجت خمس سنوات في البحث والكتابة، وصارت بالتالي مشروع كتاب للنشر بالإنجليزية والعربية.
إضافة إلى المشاريع المؤجلة، كنت بحاجة لاسترجاع الشعور بأنني يمكن أن أسافر دون أن أكون مقيدا بعشرة أيام خلال وقت معين من الشهر. إنجاح مشروع يجب ألا يكون على حساب راحتي الجسدية والذهنية بقية العمر. ولذا كنت ميالا للتوقف عن إصدار «عود الند». ولكني استأنست بآراء زميلات وزملاء، وكان من بينهم د. نجود الربيعي التي اقترحت عليّ استمرار صدورها ولكن مرة كل ثلاثة شهور، فوجدت رأيها وجيها، ففترة ثلاثة شهور بين عدد وآخر تعطيني قدرا كبيرا من الحرية والوقت الكافي للعمل على مشاريع أخرى. ويحقق الصدور فصليا معادلة استمرار الصدور، وهو أفضل من التوقف والعودة لاحقا إذا تبين لي أنني اشتقت للعمل على المجلة.
= = =
«عود الند» تكمل 10 أعوام
كلمة العدد 120
كنت سعيدا جدا نتيجة الوصول على علامة فارقة، وهي إكمال عشر سنوات من النشر الثقافي الراقي بانتظام. كنت أتطلع إلى بلوغها أولا لأنها فترة زمنية لا يستهان بها، ولأني بعدها سأبدأ التركيز على مشاريع أخرى، بدأت بعضها كتأسيس أرشيف رقمي لوثائق فرع الاتحاد العام لطلبة فلسطين في الولايات المتحدة في الوقت نفسه. وأردت أيضا أن أعطي المزيد من الوقت لنشر كتب من بينها رسالة الدكتوراه عن مدى توافق الديمقراطية مع الإسلام. وأعلنت في افتتاحية العدد 120 (5/2016) قرار تحويل «عود الند» إلى مجلة فصلية، وشرحت أسباب القرار. فيما يلي نص الافتتاحية.
قبل عشر سنوات، توكلت على الله وأصدرت العدد الأول من مجلة ثقافية شهرية سميتها «عود الند». لم أكن أعرف إن كان النجاح ينتظرها، فهي مبادرة فردية، وصدرت في عصر انتشار المواقع والمدونات الشخصية والكثير من المنتديات والمواقع الجماعية.
أقدمت على الخطوة بواقعية، مدركا أن أي مبادرة جديدة تحتاج إلى سنة ليتبين إن كان سيمكنها الاستمرار. وبعد اجتياز الشهور الستة الأولى، بشرت المؤشرات بالاستمرار عاما ثانيا، فالإقبال على النشر في المجلة كان يزيد كل شهر. وظلت الرحلة مستمرة إلى أن وصلنا هذه العلامة الفارقة: عشرة أعوام.
كتب لهذه المبادرة الثقافية النجاح والاستمرار عشر سنوات دون أن تكون صادرة عن هيئة رسمية، أو مؤسسة تجارية ودون أن تتلقى دعما ماليا من أي جهة رسمية أو غير رسمية، ودون السعي إلى مصدر تمويل من قبيل الرعاية أو الإعلانات.
أقول وأنا مطمئن إن «عود الند» حققت رقما قياسيا في أكثر من مجال، أولها أنها مجلة صدرت على أساس طوعي، غير تجاري وغير ربحي، واستمرت على هذا المنوال عشر سنوات كاملة. وثانيها أن الأعداد جميعا صدرت دون تأخير، بل صدرت في معظم الأحيان قبل الموعد الرسمي المعلن.
وبمناسبة إتمام عشر سنوات من النشر، أود أن أشكر الكاتبات والكتاب الذي شاركوا بالبحوث والمقالات والنصوص المتنوعة؛ والفنانات والفنانين التشكيليين الذي زينت أعمالهم غلاف المجلة؛ والقارئات والقراء الذي تابعوا أعدادها وشاركوا في التعليق على مواد المجلة؛ والصحفيات والصحفيين الذين نشروا أخبار صدور أعدادها المختلفة، أو سلطوا الضوء على تجربتها.
وأوجه شكرا إضافيا للزميلات والزملاء الذين كتبوا نصا احتفاء بهذه المناسبة، وهي منشورة في ملف خاص ضمن هذا العدد.
ماذا عن المستقبل؟
عندما تقترب «عود الند» من إكمال عام من النشر، أغتنم المناسبة للنظر إلى ما مضى وإلى القادم، ولكني لا أكتفي بأفكاري ورؤيتي، بل أسعى إلى الحصول على وجهات نظر أخرى.
لكي نقدّر فترة عشرة أعوام حق قدرها، تخيل أن طفلك الأول قد ولد يوم ولدت «عود الند»، في حزيران (يونيو) 2006. طفلك سيكون اليوم أكمل الصف الرابع الابتدائي وسيكون في الصف الخامس قريبا. ولو أنهيت الثانوية أو البكالوريا ودخلت الجامعة يوم صدور «عود الند»، فمن المحتمل أنك اليوم من حملة درجة الدكتوراه، وحصلت على وظيفة أستاذ/ة في جامعة ما.
لقد استأنست بآراء مجموعة من الأشخاص خلال الشهور الماضية بشأن مستقبل «عود الند»، وعلى ضوء المشورة والتفكير العميق، استبعدت خيار إيقاف صدورها، علما بأني لو فعلت ذلك، سأكون مرتاح الضمير وراضيا كل الرضا عن إنجاز يتمثل في أرشيف ضخم مفتوح سيـبقى حاضرا في الفضاء الإلكتروني طالما أنا على قيد الحياة.
في المقابل، مواصلة الصدور شهريا خيار قاتل لي وحرمني من العمل على مشاريع يحتاج تنفيذها إلى المزيد من وقتي. ولذا الخيار الذي تبلور هو تحويل «عود الند» إلى مجلة فصلية، تصدر أربع مرات في السنة، فهذه الصيغة تعني الاستمرار، ومزيدا من الوقت لي لحاجة العقل والجسد إلى ذلك.
للمجلات الفصلية سمة مختلفة عن الشهرية، ولدي بعض الأفكار بشأن محتوى الأعداد الفصلية القادمة، ولكني أرحب بتلقي المزيد من الأفكار والمقترحات.
لن استغرب طبعا أن يصدم هذا القرار الكثير من الزميلات والزملاء، ولكن «لا يكلف الله نفسا إلا وسعها». فكر/ي في الأمر: عشر سنوات؛ مئة وعشرون عددا؛ مئات النصوص والمقالات والبحوث؛ مئات التعليقات؛ مئات الاستفسارات؛ أخبار عن صدور عدد جديد؛ رسائل إلكترونية للإعلان عن صدور عدد؛ موقع مجلة بحاجة إلى متابعة يومية. كل هذا قام به فرد واحد، بحافز ذاتي وعن طيب خاطر.
سنّة الحياة أن تتغير الأشياء، فلا الطفل يبقى طفلا، ولا الشاب يبقى شابا. ولذا تحول «عود الند» من مجلة شهرية إلى فصلية خطوة منطقية وواقعية في سياق طبيعة الحياة التي تتغير كل يوم، وخاصة في العصر الإلكتروني هذا. ولأن القرار ليس قرار توقف، فخيار العودة إلى الصدور الشهري يظل مفتوحا، ولكن بعد إعطاء الصيغة الجديدة فرصة مثلما حدث مع «عود الند» يوم قرار إصدارها في عام 2006.
مع أطيب التحيات
عدلي الهواري
= = =
العدد 120: 5/2016.
https://www.oudnad.net/spip.php?rubrique165
= = =
مرحلة الأعداد الفصلية
صدر العدد الفصلي الأول بعد شهر فقط من إكمال عشر سنوات من النشر، فلو انتظرت ثلاثة شهور لأصبحت الدورة السنوية للأعداد الفصلية مختلفة عن الشهرية، وقد فضلت أن يظل حساب سنوات الصدور كما كان، أي يبدأ من مطلع حزيران وينتهي مع نهاية أيار من كل عام. ولذا، بدأت الاستراحة من وطأة الصدور الشهري بعد صدور العدد الفصلي الأول.
أول ضحايا الصدور مرة كل ثلاثة شهور هم كاتبات وكتاب النصوص الإبداعية كالقصص والخواطر، فهؤلاء كان لديهم اثنتا عشرة فرصة في السنة لنشر نص، وهذا عدد جيد. ولكن الصدور فصليا عنى أن لديهم أربع فرص فقط لنشر نصوصهم، وهذا لا يلبي طموحاتهم.
أما كاتبات وكتاب الأبحاث الأكاديمية، فلم يؤثر عليهم تحوّل المجلة إلى فصلية، فكتابة بحوث لا تتم بكثافة كتابة القصص، وهم أيضا معتادون على الانتظار سنة قبل أن تنشر بحوثهم في المجلات المحكّمة. ولذا، لم يكن انتظار ثلاثة شهور بالنسبة إليهم فترة طويلة.
بعض كاتبات وكتاب النصوص الإبداعية واصل النشر في «عود الند»، ولكنهم صاروا بحاجة إلى النشر في أماكن أخرى، وهذا أمر طبيعي، ولم يكن أمامهم أي عائق لفعل ذلك حتى أيام الصدور الشهري. ولكن كنت أتمنى دائما ألا يلجأ من يرغب في النشر في مكان آخر إلى بديل يقل جودة عن «عود الند».
واجهت دائما حالات لكاتبات وكتاب يرغبون في نشر نصهم الأول في «عود الند»، ولكني كنت أمتنع عن النشر إذا لم أجد الحد الأدنى الذي يجعلني أنشر نصا. نشر النص الأول يعطي دفعة معنوية كبيرة للكاتب/ة. بعضهم كان يأخذ بملاحظاتي لتحسين النص، فينشر نصه. ولكن بعد نشر النص الأول، يريد الكتابة كما يحلو له، فأرفض النشر، ويعود للنشر حيث لا توجد أي ضوابط جودة.
رغم أن النشر الفصلي يناسب الباحثات والباحثين، إلا أني لم أكن شديد الحماس لنشر الكثير من البحوث على ضوء تجربتي وملاحظاتي عليها، ولذا بدأت أعتذر عن عدم نشر العديد منها. اغتنمت فرصة الصدور الفصلي للتركيز على اختيار مقتطفات من دراسات وتقارير، وهذه الممارسة امتداد لأمر كنت أفعله في الأعداد الشهرية. حرصت على نشر مقتطفات تعزز وجهات النظر البديلة للآراء السائدة (الخطاب المهيمن). على سبيل المثال، نشرت مقتطفا مترجما من دراسة تخالف الرأي السائد بشأن سياسة التقشف الاقتصادي، وتعتبرها سياسة اقتصادية فاشلة، وهذا رأي مخالف لما تقوله الحكومات وخبراء المؤسسات المالية الدولية.
في العدد الفصلي الثاني (خريف 2016) نشرت ملخص ورقة منشورة في «المجلة البريطانية لدراسات الشرق الأوسط»، من تأليف جيسيكا لي دويل، تعتبر عمل بعض منظمات المجتمع المدني خيارا أيديولوجيا، جاء فيها: «استنتاجات الورقة تؤيد بصورة عامة وجهة النظر التي تؤكد أن منظمات المجتمع المدني في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تسهل مصالح النخبة أكثر مما تسهل مصالح المواطنين العاديين، والديمقراطية بشكل عام». انظر/ي الفصل الخاص بالملفات.
حاليا لدي اهتمام بالرجوع إلى أرشيف المجلات القديمة مثل «الآداب» و«الكرمل» و«شؤون فلسطينية» للاطلاع على ما اهتمت به من قضايا في البدايات، واستكشاف مدى الاختلاف بين اهتماماتها في الماضي، والمسائل التي يهتم بها أهل الثقافة في هذه الأيام. ويعينني الاطلاع على الأعداد القديمة على تبين مدى تطور مواقف الأشخاص والمجلات. وكلما وجدت مادة تتعامل بالأسلوب النقدي المتوقع من الناقد والمثقف مع الأعمال الأدبية والأدباء، أحرص على اختيار مقتطف منها.
ناقشت في فصل سابق مسألة معايير الحكم على رقي المجلات الثقافية. وأود العودة إليه في هذا الفصل للتوسع في تسليط الضوء على المسألة. الاطلاع على أرشيف مجلة «الآداب» بيّن لي أن الاختلاف على تقييم ما هو جيد ورديء قديم ومتكرر، واختلف على التقييم أسماء كانت ولا تزال مشهورة. تهاجم «الآداب» في العدد السابع (7/1961) صراحة الشاعر علي أحمد سعيد (أدونيس) وزملاءه في مجلة «شعـر».
قد تبدو القضية التي نعالجها هنا اليوم قضية خاصة. ولكنها في حقيقتها قضية عامة، لأنها تتناول بعض أوضاع أدبية في لبنان لا يمكن فصلها عن الوضع الثقافي والفكري العام. وقد سبق «للآداب» أن تناولت الموضوع في أعداد سابقة، وهو موضوع مجلة «شعر» والمشرفين عليها، هذه المجلة التي تتظاهر بغير ما تبطن، وتدعي غير ما هو حقيقتها، ثم لا تجد حرجا في اتهام غيرها بأنهم يزوّرون ويدلسون.
ففي عددها الأخير، نشرت رسالة وافاها بها من باريس مدير تحريرها «أدونيس» قدمت لها بهذه العبارة: «على أثر صدور «قصائد في الأربعين» ليوسف الخال، وكشف «الآداب» عن وجهها الحقيقي، كتب أدونيس هذه الرسالة من باريس».
ولا بد للقارئ من أن يتساءل: متى قنّعت «الآداب» وجهها؟ وما يدفعها إلى التقنع، هي ذات العقيدة السافرة كالشمس، الصريحة كالحق، عقيدة العربية التقدمية؟ وهل أوجد «الآداب» غير هذه العقيدة التي لها في نفوس معتنقيها قداسة الإيمان وجبرية القدر؟» (ص 1).
عدت إلى أعداد مجلة «شعـر» المتوفرة في أرشيف المجلات العربية في موقع (archive.alsharekh.org) للاطلاع على رسالة أدونيس المذكورة أعلاه. ولكني لم أجدها في أي من أعداد عام 1961. أرجح أن خطأ قد حدث أثناء أرشفة الأعداد إلكترونيا، إذ لا يعقل أن تكتب «الآداب» افتتاحية بشأن محتوى الرسالة وتشير إلى العدد الذي نشرت فيه («شعر»، العدد 18، ربيع 1961). مما له صلة بموضوع النقاش أن «الآداب» طلبت من أدونيس وغيره من «كبار ممثلي الشعر الحديث» الكتابة عن تجربتهم الشعرية، ونشرت رد أدونيس في عددها الثالث (3/1966).
الصدور فصليا وفر لدي الوقت لإصدار العدد بصيغة بي دي اف، ويكون ذلك بعد أيام من صدور العدد في موقع المجلة. طلبت من الزميلات والزملاء أن يخبروني أي الصيغتين يفضلون، فكان الإجماع على أن الصيغة النصية هي الأفضل لأنها تمكنهم من التفاعل معها بالتعليق عليها في الموقع، وهذا غير ممكن في نسخة بي دي اف. رغم ذلك، واصلت إصدار الأعداد الفصلية بصيغة بي دي اف، وهكذا تكون صفة المجلة الرقمية منطبقة تماما على «عود الند»، علما بأن هذه الصيغة معتمدة لدى مجلات لا يمكن مطالعتها إلا مقابل رسم اشتراك.
«عود الند» في عيون الكتاب: 2016
أدناه تعليقات كتبت لمناسبة إتمام «عود الند» عامها العاشر ثم أربعة مقتطفات من نصوص كتبت خصيصا احتفاء بالمناسبة.
مليكة سعدي - الجزائر (24/4/2016)
شكرا جزيلا لك أستاذ عدلي الهواري على المجهود العظيم الذي قدمته من أجل إنجاح مجلة «عود الند» التي كانت فرصة للكثير من الكتاب، وهي زاد لا ينضب للكثير من القراء النوعيين. شكرا لكل الأساتذة الذين شاركوا بمقالاتهم القيمة ولكل المبدعين الذين أتحفونا بروائعهم القصصية والتشكيلية. أنا معك في تحويل المجلة إلى فصلية، لأن إصدارها شهريا كان يشكل ضغطا كبيرا عليك. نتمنى لك دوام الصحة والعافية، واستمرار نجاح المجلة والإقبال عليها.
فنار عبد الغني - لبنان (16/5/2016)
د. عدلي: تحياتي. أدامك الله وبارك في جهودك. لا يسعنا إلا أن نشكرك من كل قلوبنا. وكلمة شكرا لك لا تكفي ولا تفي بما أنجزته من أجلنا. نحن سعداء بك. وأسأل الله أن يمن عليك بالقدرة على مواصلة العطاء.
عبد الوهاب مسعود - فينا (24/4/2016)
أشكركم جزيل الشكر لأنكم سمحتم لنا بأن نراكم ونستقبلكم في بيوتنا كلما احتجنا لرفيق ليؤنس وحدتنا. الأخ عدلي: إن امتداد حياة «عود الند» مرتبط بوافر صحتك وراحتك. وهذان العاملان من أهم العوامل للاستمرار بالعطاء. أنا أحبذ أن تحصل على بعض الوقت لتقضيه مع عائلتك ومن تحب. إن إصدار «عود الند» بشكل فصلي أمر يجب على محبيك ومحبي المجلة أن يتقبلوه بكل سعة صدر وأن يحترموا رأيك. لك مني أطيب تحية.
نازك ضمرة - الولايات المتحدة (ملف 10 أعوام)
في مناسبة العيد السنوي العاشر لتأسيس هذه المجلة وبدء صدورها، أحيي راعيها، وأتمنى أن تظل معلما عربيا ثقافيا تجمع خيرة العقول العربية والمبدعين وتجتذب الأدباء الشباب وتكتشف أدباء جددا من كل مواقع الأوطان العربية في بلادهم أو المهجر، لتظل نبراسا ينير دروب الراغبين في التمتع بقراءة فن وأدب شعري ونثري ونقدي وفكري.
إيمان يونس - مصر (ملف 10 أعوام)
وجدت في «عود الند» النافذة المشرقة التي تطل منها كتاباتي وأفكاري على شريحة مختلفة من القراء والكُتاب، وواظبت على النشر فيها شهريا وعلى مدار عام كامل 2013/2014 وشرفت بمعرفة زميلات وزملاء جدد للقلم، ولكل منهم رونقه، وقادر على أن يترك بصمة مميزة في عالم الأدب.
هدى أبو غنيمة - الأردن (ملف 10 أعوام)
قبل أربع سنوات، اجتذبني عبق «عود الند» متضوعا في فضاء الصحافة الإلكترونية، لأكتب إليها بعد أن اطلعت على موادها الثقافية ورسالتها الحضارية الراقية، لخدمة الثقافة العربية. حسبت حينذاك أن وراء المهنية المتميزة في تنسيقها واختيار موادها، فريقا متميزا من الصحفيين الذين يساعدون رئيس التحرير الدكتور عدلي الهواري، لأكتشف أن الفريق هو رئيس التحرير العامل بتفان ونزاهة وإخلاص لرسالته النبيلة.
الطيب عطاوي - الجزائر ( ملف 10 أعوام)
عود النَّد، حسب تجربتي المتواضعة، شمعةٌ أضاءت الطريق لمن يريد أن يلمع اسمه في جوِّ الكتابة بعدما كانت إلى وقت قريب مستحيلة، فالكتابة الإلكترونية أسهمت كثيرا في تقزيم هذه الهوة التي كانت بين الكاتب ودُور النشر؛ إذْ لم يكن النشرُ آنذاك متاحا لأيّ كان، إنها بالفعل طريقة يسَّرت الطريق على هؤلاء واقتصرته على مسيرتهم.
= = =
التكاليف المالية
في حال رغبة أحد في تأسيس موقع، ما هي التكاليف التي عليه تكبدها؟ في أول بضع سنوات من صدور «عود الند»، كانت التكاليف المباشرة لإصدار المجلة في حدود مئة دولار في السنة، قسم منها كلفة تسجيل النطاق كل سنة، وهذا يكون في حدود عشرين دولارا سنويا. القسم الآخر هو كلفة استضافة محتويات الموقع لدى شركة استضافة. وهذه تختلف من شركة استضافة إلى أخرى، وتعتمد على المزايا المعروضة في خيارات الاستضافة.
كنت دائما أبحث عن استضافة منخفضة الكلفة. أرخص المتوفر هو الاستضافة المشتركة، وهذه شائعة جدا، أي أن تضع شركة الاستضافة أكبر عدد ممكن من المواقع على خادم الاستضافة الواحد. لا أظن أن كلفة الاستضافة تجاوزت مئة دولار في السنة إلا بعد قراري التخلي عن الاستضافة المشتركة، واستئجار خادم افتراضي (VPS) خاص بموقع المجلة.
لعام أو نحو ذلك، لم أكن بحاجة لدفع تكاليف استضافة، وكان ذلك عندما عرضت سيدة الأعمال السعودية، صالحة الدغيلبي، استضافة موقع المجلة على خادم خاص بها، وهي كانت من محبي الأدب والثقافة، وفي الوقت نفسه تخصصت في تلك المرحلة بتصميم المواقع والبرمجة وإصلاح أجهزة الحاسوب، وفعلت ذلك بجهود ذاتية، فتخصصها الدراسي كان الجغرافية. وكان تعارفنا نشأ أثناء عملي في الإذاعة، إذ كانت تتابع البرامج، وأرسلت لي هدية من قطعتين إحداهما قارورة «عود» وأخرى مجسم صغير لختم «محمد رسول الله» الموجود في متحف تركي.
نقلت موقع «عود الند» إلى شركة استضافة في وقت لاحق بعد أن واجه الخادم مشكلات أدت إلى احتجاب الموقع. وكنت دائما حريصا على وجود الموقع بصورة دائمة، وكلما شعرت بوجود تقصير من جهة شركة الاستضافة، كنت أنتقل إلى أخرى أفضل.
هناك تكاليف أخرى غير مباشرة، فإدارة موقع لا يمكن أن يتم دون استخدام حاسوب وخدمة إنترنت. يضاف إلى ذلك نسبة من استهلاك البيت من الكهرباء، وكلفة بعض الاتصالات الهاتفية، ولكن هذه قليلة لوجود وسائل اتصال صوتية باستخدام الإنترنت.
بعد نمو «عود الند» المطّـرد، أصبحت الاستضافة المشتركة خيارا غير مناسب لها، فهذا النوع من الاستضافة يعني وجود قيود على عدد الزيارات. ولذا وجدت أن استئجار خادم افتراضي يكون خاصا بالمجلة هو أنسب الخيارات رغم الفارق الكبير بين الكلفة السنوية للاستضافة المشتركة والخادم الخاص. في هذه الحال من الممكن أن ترتفع الكلفة السنوية إلى 400 دولار سنويا.
كل هذه المبالغ دفعتها من مال جنيته بجهودي وعرق الجبين، ولم تحصل «عود الند» على فلس واحد من شخص أو مؤسسة. وهي أيضا لم تطرق أبواب المؤسسات التي تقدم تمويلا للمشاريع الثقافية. كذلك لم أسع إلى الحصول على دخل لتمويل المجلة أو لي من خلال إعلانات، والمجلة لا تنشر إعلانات على أي حال، وهذا ضمن تصوري لما يجب أن تكون عليه «عود الند»، فهي مجلة لخدمة الثقافة، وليس خدمة الثقافة وجني المال في الوقت نفسه.
التمسك بعدم السعي إلى الحصول على مورد مالي من نتائجه عدم المقدرة على تطوير المجلة أكثر مما يمكنني عمله بجهودي الشخصية. دون مال، لا يمكنك الاستعانة بمصمم أو بمدير موقع، وهكذا تتعدد المسؤوليات عليك، فلا تكون محررا فقط، بل عليك تطوير بعض المهارات ليمكن التعامل مع مشكلات تواجهها كل المواقع من حين لآخر. وطبعا لو توفر مال، وتم تقديم مكافأة مالية مقابل الكتابة لاستطاعت «عود الند» أن تجذب أسماء مشهورة. ولكن لو فعلت «عود الند» ذلك، لكانت كغيرها من المجلات التي تكون منبرا نخبويا، وليس المنبر البديل المفتوح لكل المواهب دون معرفة مسبقة.
هناك كلفة أخرى تغيب عن أذهان الناس بسهولة، وهي كلفة جهدي الشخصي في إصدار المجلة سنة بعد سنة. راتبي السنوي أيام العمل في الإذاعة كان حوالي خمسين ألف دولار. درجة وظيفتي كمنتج كانت في بداية السلم الوظيفي، وهي لا تعكس بالتالي الدرجة الوظيفة التي يحصل عليها رئيس تحرير مجلة تصدرها مؤسسة، فهذا سيكون لديه مكتب وهاتف وسكرتيرة ولديه من يطبع ويصمم. وفوق كل ذلك، راتبه سيكون أفضل من راتب منتج إذاعي في أول السلم الوظيفي. وهذا أيضا يحصل على إجازة سنوية. ولكني سأحسب الكلفة على أساس الراتب الذي كنت أتلقاه، وهو خمسون ألف دولار سنويا طيلة حوالي ثلاثة عشر عاما حتى الآن.
على أساس آخر راتب أثناء العمل في الإذاعة، تعادل تكاليف جهدي الشخصي في إصدار «عود الند» 650000 (ستمئة وخمسين ألف دولار) على مدى ثلاثة عشر عاما. لو قدم رجل أعمال تبرعا لمشروع ثقافي مقداره مئة ألف دولار، لك أن تتخيل مدى المديح الذي سيحصل عليه في وسائل الإعلام. لو تبرع أمير أو شيخ أو ثري بنصف مليون دولار لظل يحصل على مديح مدى الحياة. أما أن يكون التبرع لمبادرة ثقافية بجهود شخصية تفوق قيمتها المالية نصف مليون دولار فأمر لا يريد أحد أن يحس به ويقدره حق قدره. وهذا يقول شيئا سلبيا عن مدى الإنصاف والتقدير في تعاملنا مع الناس وتقييمنا للأمور. ولكن في الوقت نفسه، دعك من هذا، وأرح ضميرك عزيزي القارئ، عزيزتي القارئة. تذكر أن الحافز الذاتي وقناعاتي الشخصية هي التي حركتني، ولا تزال. هناك أناس يتصرفون وفق مصالحهم، وآخرون حسب طبيعتهم. أنا من الفئة الثانية.
وهكذا، إذا كان يهمك عدم ارتباط الثقافة بالمال والتمويل، أو أن تكون في خدمة السياسة كلّما طلبت ذلك المؤسسة الرسمية الراعية، فلن يمكنك أن تجد منبرا على درجة من الاستقلال الذي تتمتع به «عود الند»، إلا إذا أصدرت بنفسك مجلة مثلها وضمن نفس المعايير التي التزمت بها «عود الند».
الفوائد المجنية من تجربة «عود الند»
هل كان لنشر «عود الند» فوائد؟ الإجابة القصيرة هي نعم بالتأكيد، لها فوائد عديدة، ولا أقصد فائدة مادية. فما هي الفوائد؟
من الظواهر المألوفة استخدام الإنسان لدرجاته العلمية وخبراته المهنية في تحقيق أقصى ما يمكن من مصالح شخصية، كالمنصب الراقي، والراتب المرتفع، وفوقهما شهرة. في حالة «عود الند»، تم وضع كل ما لدي من مؤهلات أكاديمية وخبرات مهنية وتجربة في الحياة لخدمة مبادرة ثقافية أطلقت على أساس غير تجاري، والمستفيدون منها هم الذين يكتبون فيها أولا، ثم من يقرأ ما ينشر للمتعة أو بحثا عن معلومة.
تؤكد مبادرة تأسيس «عود الند» أهمية المبادرات الفردية والعمل الطوعي، فبدل الانتظار إلى أن تقوم الحكومة في بلدك بإطلاق مبادرة تلبي لك بعض احتياجاتك، أو تحقق بعض رغباتك، بوسع مبادرة فردية أو جماعية أن تحقق الهدف نفسه. ولا يقل أهمية عن المبادرة الفردية الالتزام بتنفيذها فترة زمنية طويلة. جميل مثلا أن تقوم بمبادرة فردية في أحد الأعوام بتوزيع حقائب مدرسية على طالبات وطلاب المناطق الفقيرة. ولكن الأفضل من ذلك، أن تلتزم بذلك سنويا لفترة زمنية معقولة. هناك الكثير من المبادرات التي نسمع عنها مرة واحدة. ويبدو أن الكثير من المبادرات يتم للحصول على تغطية إعلامية. على سبيل المثال، ما معنى أن تنشر صحيفة خبرا عن نشاط في يوم اللغة العربية، ولا تنشر خبرا عن صدور أعداد مجلة ثقافية تخدم اللغة العربية كل يوم منذ نحو ثلاثة عشر عاما؟
كان تأسيس مجلة «عود الند» خدمة للثقافة للإيمان بأهميتها، وبأنها عامل تقريب بين أناس مختلفين حول أمور أخرى، وعلى رأسها السياسة والدين. إنني على يقين من أن بعض الكاتبات والكتاب في «عود الند» ما كان لهم أن يصبحوا أصدقاء لو كانت بداية تعارفهم قراءة مقالات سياسية ودينية. ولو حدث ذلك، لكان زاد عدد المختلفين والمتنازعين بسب اختلاف وجهات النظر السياسية والدينية. عندما وضعت العصبيات جانبا لبعض الوقت، وتم تذوق ما يكتبه الآخرون خارج أطر السياسة والدين، أعجب بعض بما كتبه بعض آخر. بداية الصداقات كانت بتعليق على نص، وتدريجيا نشأت صداقات وتوطدت بين أشخاص يقيمون في دول عربية مختلفة. ونتيجة لذلك، لم يعد يفرقهم الاختلاف في وجهات النظر السياسية أو الانتماء الديني.
استفاد من «عود الند» جمهور محب للغة العربية منتشر في الدول العربية والمهجر. وتم ذلك دون تمييز على أساس الجنس أو الجنسية أو العرق أو العمر. ولم ينشر في المجلة أي موضوع فيه إساءة إلى دين أو معتقدات أو عنصر بشري، أو للنساء بشكل عام. وبالتالي خلت المجلة من الصور النمطية التي ترسم للشعوب أو الفئات العرقية أو خلافه.
يجسد تأسيس «عود الند» مثال الثقافة المستقلة، فالمجلة ليست تابعة لمؤسسة حكومية، أو شركة تجارية، وبالتالي اعتبارات النشر فيها لا تشمل إرضاء الحكومة والمسؤولين فيها، أو الحصول على إعلانات، أو بيع أكبر عدد ممكن من أعداد المجلة. عندما تكتب في مجلة أو صحيفة وتتجاهل ارتباطها بمؤسسة حكومية أو ممول، لأنك تحصل على مقابل مادي من النشر فيها، فإن هذا يهز الثقة بقناعاتك الفكرية عندما تقدم نفسك للجمهور بصفتك مثقفا يساريا وتقدميا، ولكن المنبر الذي تنشر فيه غير تابع لجهة تتبنى هذه الأفكار.
يمثل عدم سعي «عود الند» إلى الحصول على تمويل من أحد، بما في ذلك الإعلانات، رفضا لمبدأ التمويل، وللعقلية التجارية القائمة على تشجيع الاستهلاك. ستقول لي إن المال ضروري للتطوير، ولكن هذه ذريعة. ليس ضروريا أن تعتمد المبادرات الثقافية على مبان ومكاتب ضخمة وطاقم كبير من الموظفين. هناك آلاف من المثقفين وضعهم المالي أفضل من وضعي بكثير. وبوسعهم تأسيس مبادرات ثقافية باستخدام مواردهم الذاتية، فتكاليف موقع مجلة «عود الند» واستضافته أقل من ألف دولار سنويا. وهذا المبلغ يمكن توفيره بالاستغناء عن تناول القهوة في فروع محلات بيع القهوة الأجنبية. الأهم من الألف دولار أن تشمر عن ساعديك، وتشارك في تنفيذ مبادرة ينتفع منها الآخرون.
تقدر «عود الند» عاليا النموذج المعتمد على نشر المعرفة دون مقابل. يسعدني وكثيرين غيري وجود برامج حاسوب مجانية، ومصادر معرفية مفتوحة. وخير تجسيد للإعجاب بهذا النموذج في تبينه أيضا. «عود الند» تجسد هذا النموذج المعرفي، فكل ما فيها من مواد مفتوح للاطلاع عليه دائما.
وتجسد «عود الند» أيضا حكمة أن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام. لقد كشفت الإنترنت مدى الضعف في إتقان اللغة العربية. ولكن بدل أن أضع نفسي في برج عاجي، وأنضم لكل من يهجو الأشعار والنصوص الرديئة المنشورة في المواقع المختلفة، قررت نشر مجلة لعمل شيء إيجابي للمساعدة على تغيير الواقع الرديء. ينسب للكاتب الروسي ليو تولستوي قوله ما معناه إن كل إنسان يفكر دائما بتغيير العالم، بدل أن يغير الإنسان نفسه.
تخيل/ي معي وجود مئة مجلة ثقافية تعمل وفق المبادئ التي تسير «عود الند» على هديها. قد تقول: هل يمكن نجاح مئة مجلة في وقت واحد؟ ردي هو نعم، ممكن جدا. جزء من المشكلة عدم توفر منابر راقية كافية. تعدد المنابر الثقافية في العصر الورقي لم يكن سهلا كما هو الآن في العصر الرقمي. ولكن طالما ظل تأسيس المبادرات مرتبطا بتحقيق منافع للمؤسسين، لن تجد مئة مجلة ذات محتوى راق ومفتوحة دائما، وتنشر وفق سياسة نشر معلنة وواضحة، ويهمها النص أكثر من اسم الكاتب/ة واللقب العلمي أو الوظيفي.
ولكن الأهم من ذلك كله هو ضرورة توفر الحرية في الدول العربية. لو تأسست «عود الند» في دولة عربية لتوفرت لها مقومات نجاح كثيرة، منها زيادة فرص تكوين فريق محلي يدير شؤونها، وتحقيق شهرة محلية بسرعة تجعل الكثيرين من كاتبات وكتاب البلد يقبلون على النشر فيها. ولكن مقابل مقومات النجاح هذه، هناك عراقيل محتملة أيضا، أولها القيود القانونية، مثل الحصول على ترخيص وارتباط ذلك بوجود مقر وحد أدنى من الصحفيين، وما شابه ذلك من متطلبات قانونية هي في حقيقة الأمر قيود على الحرية والإبداع، ومبرر يمكن استخدامه في الوقت الذي تراه السلطات مناسبا لإجهاض المشروع.
لأني أعيش في لندن، تمكنت من إصدار «عود الند» والحصول على رقم تصنيف دولي للمجلة (ISSN)، ولا تزال المجلة مستمرة في الصدور دون الحاجة إلى تقديم طلب ترخيص، أو امتلاك مقر، أو توظيف رئيس تحرير، أو غير ذلك من أمور. ثم بعد كل هذا تريد أن تتغنى أمامي، وتريدني أن أتغنى معك، بأن زعيم دولتك راعي الحرية والإبداع.
أرشفة المجلات الثقافية الرقمية
ثمة قضية تستحق الإشارة إليها، وهي مصير ما ينشر رقميا منذ بدء انتشار الإنترنت وتحولها إلى ميدان النشر الجديد في كل المجالات. الكثير من المواقع التي أنشئت في الماضي ذهبت ومعها محتوياتها، فأي موقع في الإنترنت يظل موجودا طالما بقي هناك شخص يتابع شؤونه، فيجدد نطاقه، والاستضافة، ويعالج ما قد يحدث من أخطاء تقنية تؤدي إلى احتجاب الموقع.
موقع مجلة «عود الند»، والحمد لله، لا يزال محتفظا بكل مواد 120 عددا شهريا، واثني عشر عددا فصليا (حتى وقت صدور هذا الكتاب). وبخلاف المجلات الورقية التي صدرت في الماضي، لا توجد نسخة من أعداد «عود الند» في مكتبة وطنية أو جامعية. فماذا سيكون مصير هذه الأعداد في المستقبل؟
إذا لم يواصل أحد متابعة الإشراف على موقع المجلة، سيكون المصير اختفاء الموقع وما فيه من مواد. وسيحدث ذلك فور انتهاء فترة تجديد النطاق والاستضافة بعد توقفي عن ذلك، فلن أعيش أكثر مما يعيش بقية البشر.
لتفادي ضياع هذه الثروة المعرفية والإبداعية في المستقبل بمجرد ضغط موظف لدى شركة الاستضافة على زر المؤشر (الماوس) لحذف الموقع، فكرت في بعض الحلول، منها وضع أعداد المجلة على سيديهات، وتقديمها هدية إلى بعض المكتبات.
طريقة إصدار «عود الند» اليدوية القديمة، هي الأسهل للأرشفة، فهي لا تعتمد على برنامج إدارة محتوى، أما طريقة الإعداد الحالية، المعتمدة على برنامج إدارة محتوى، فتعني أن تصفح المجلة مرتبط أيضا ببرنامج المحتوى، ودونه لن يمكن تصفح محتوى المجلة مثلما يمكن تصفحها وهي على الموقع. سيمكن تصفح قاعدة البيانات، ولكن هذا الملف لن يكون جذابا، كما هي المواد في موقع المجلة حاليا.
من الأفكار الأخرى أيضا نسخ الموقع باستخدام برامج خاصة تنتج نسخة منه بصيغة اتش تي ام ال (html).
بعد ضياع الكثير من المحتوى الإلكتروني بسبب إغلاق المواقع، تنبه أفراد ومؤسسات إلى ضرورة أرشفة المحتوى الإلكتروني، تماما مثلما كانت المكتبات الوطنية (ولا تزال) تحتفظ بنسخة من كل ما يطبع في البلاد.
وبدأت المكتبة البريطانية تؤرشف المواقع البريطانية، ولكنها حاليا لا تؤرشف كل المواقع، ويمكن التوصية بأرشفة موقع ما، وفي حالة «عود الند» لم تؤد التوصية بأرشفة موقعها إلى تحقق ذلك حتى الآن.
هناك موقع أميركي (archive.org) روج لفكرة أرشفة ما ينشر على الإنترنت. وبدأ بأرشفة المحتوى الرقمي في عام 1996، أي قبل صدور «عود الند» بعشر سنوات. أسس المشروع بروستر كيل (Brewster Kahle). ويدعو الموقع سنويا إلى تلقي تبرعات، ويتمكن من الحصول على مليون دولار. وخلافا لعقلية عدم التشجيع على المبادرة بالتساؤل: ماذا تستفيد؟ يجد هذا الرجل من يمكنه من تنفيذ فكرة تبدو صعبة التحقيق في البداية، ولكن بعد حين يدرك الكثيرون أهميتها. والدليل على ذلك أن هذا الموقع فيه الكثير من المواد العربية التي حوّلت إلى صيغة رقمية.
خصص هذا الموقع خيار أرشفة صفحات لكل من يرغب في ذلك. وحرصت، منذ اكتشافه في عام 2006، على أرشفة بعض صفحات كل عدد، وأختار عادة صفحة الغلاف وافتتاحية العدد. ولكن هذه الأرشفة جزئية، وأتمنى حدوث أرشفة كاملة لكل ما نشرته «عود الند»، وأن يكون المحتوى متوفرا في المستقبل أسوة بالمجلات الورقية الموجودة في بعض المكتبات حتى يومنا هذا.
للأسف لا توجد هيئة عربية تقوم بأرشفة المحتوى العربي، مثلما يفعل موقع (archive.org)، ولعل أحدا ينتبه إلى أهمية ذلك، ويؤسس أرشيفا عربيا. إن بقاء المواد المنشورة في «عود الند» متوفرة في المستقبل مرتبط بوجود من يرعى موقع المجلة، وهذا يعني تجديد تسجيل النطاق والاستضافة، وحل المشكلات التي تؤدي إلى احتجاب الموقع، فالبرامج المستخدمة في الحاسوب والإنترنت يجري تحديثها دائما، وتؤدي التحديثات أحيانا إلى حصول خلل. البديل الآخر لبقاء محتوى «عود الند» متاحا في المستقبل هو أرشفته والاحتفاظ به لدى جهات كالمكتبة البريطانية أو (archive.org)، أو غيرهما. وحبذا لو ظهر موقع عربي متخصص بأرشفة المحتوى العربي في الإنترنت.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019 (لندن: عود الند، 2019)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019. لندن: عود الند، 2019.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- المجلات الثقافية الرقمية: تجربة عود الند
- غلاف كتاب المجلات الثقافية الرقمية. المؤلف: د. عدلي الهواري