كتاب: المجلات الثقافية الرقمية
المقابلات + الترجمات + الدين والسياسة
د. عدلي الهواري
المواد المترجمة إلى العربية
موقف «عود الند» تجاه نشر مواد مترجمة إلى العربية كان شبيها بموقفها تجاه الشعر، عدم النشر إلا في سياقات محدودة، فلماذا؟
على رأس الأسباب أن المجلة توجهت إلى جمهور شاب غير متمكن من اللغة العربية، وتريد تشجيعه على الكتابة بعربية سليمة. أما مرسل المادة المترجمة فيفترض أنه إنسان متمكن تماما من العربية ولغة أخرى. محبو الاطلاع على الأعمال الأدبية المترجمة من فئة مثقفة متمكنة من اللغة العربية على الأرجح، ولديهم اهتمام ثقافي لا يكتفي بالأعمال الأدبية العربية. يسعدني طبعا أن يكون هؤلاء بين جمهور «عود الند». ولكن الجمهور المستهدف أكبر من الفئة المنفتحة على الآداب الأجنبية.
أحد الأسباب أيضا يتعلق بممارسة النشر حسب أرقى المعايير واحترام أصحاب الحقوق من مؤلفين ودور نشر. ترجمة رواية ما يفترض ألا تتم إلا بعد الحصول على موافقة من صاحب الحقوق. قد يكون الكاتب، وقد تكون دار نشر. الأرجح في الدول الغربية عدم منح الموافقة على ترجمة إلا مقابل مبلغ من المال، وهذا سيعتمد على شروط الاتفاق الذي يسمح بترجمة الرواية.
على ضوء هذا السبب، عندما ترسل إلى «عود الند» مادة مترجمة، ليس لدي دليل على أن الترجمة تمت بعد حصول موافقة على ذلك من أصحاب الحقوق. ولا أرغب في القيام بأمر مخالف لهذه الإجراءات المتبعة في النشر وفق أصول تحترم الحقوق. صحيح أن الكثير من الأعمال والمقالات تترجم وتنشر في وسائل الإعلام العربية دون أن يترتب على ذلك أي مشكلات. ولكن انتشار ظاهرة ما، لا يعني أنها سليمة، وبالتالي تجيز لي كناشر أن أفعل ما يفعله الآخرون وأنا أعلم أنه غير سليم تماما.
من الأسباب الأخرى أن المواد المترجمة التي ترسل للنشر تأتي من أشخاص لا أعرف درجة تمكنهم من اللغة التي نقلوا منها إلى العربية. ولو تم غض الطرف عن مسألة الحقوق المفصلة أعلاه، وقررنا النشر كما يفعل الآخرون، لا يرسل النص الأصلي مع النص المترجم ليمكن الرجوع إليه للتأكد من صحة ترجمة جملة أو فقرة. وإذا كان النص بغير الإنجليزية، فلن يمكنني التأكد بالعودة إلى النص الأصلي.
ولو افترضنا أن النص توفر، يصبح تجهيز المادة المترجمة مضاعفا، فهو بحاجة إلى مقارنة مع النص الإنجليزي عند الشك في صواب ترجمة جملة ما، وسيكون بحاجة إلى تجهيز الترجمة العربية للنشر مثلما تجهز النصوص الأخرى.
لو كانت المواد المترجمة تأتي من مترجمين مختصين لنشرت ما يرسلون، فدور النشر التي تقرر ترجمة رواية من العربية إلى الإنجليزية لن تعطي العمل لأي شخص يقول إنه يجيد اللغتين. وقد اعتمد عملي في الإذاعة على الترجمة كثيرا. وقرأت مقالات كثيرة عن الأخطاء التي ترد في الأعمال المترجمة. ولذا أعرف تماما أن الترجمة لا يقوم بها دائما مترجم متمكن. ومثلما من غير الحكمة نشر شعر رديء، من الأفضل أيضا الامتناع عن نشر مواد مترجمة لاجتماع كل الأسباب المشروحة أعلاه.
استجبت لاقتراح من الكاتبة العراقية هدى الدهان نشر مقتطفات من أعمال أدبية مترجمة إلى العربية من لغات مختلفة. وكان الاتفاق أن تقوم هي بالاختيار، وتزودني بالمقتطف وصورة الغلاف. ونشرنا بالفعل مجموعة من المقتطفات، ولكن التجربة عمّرت نحو عام فقط.
توليت بنفسي ترجمة بعض المقتطفات عندما كنت أجد في المادة المترجمة رأيا يستحق تسليط الضوء عليه لأهمية الموضوع، أو تناوله مسألة بطريقة غير معتادة تحث على النظر إليها من وجهة نظر مختلفة. كل المواد التي ترجمتها قصيرة، وفي تقديري كان عدد الكلمات ضمن تعريف الاستخدام العادل الذي لا يتناقض مع احترام الحقوق. وهناك توثيق كامل يشمل اسم الكاتب وجهة النشر وغير ذلك من معلومات أساسية. وتعزز الترجمة بصورة المؤلف/ة إذا توفرت، وصورة للغلاف إذا كان المقتطف من إصدار له غلاف.
المقابلات
المقابلات في «عود الند» قليلة أيضا كالترجمات، فالمقابلة لا جهد كتابيا فيها. ورغم أنها من الوسائل الشائعة في العمل الصحفي، إلا أن الإفراط في استخدامها في مجلة ثقافية أمر يجب تفاديه. في العادة كنت أرفض عروض إرسال مقابلات للنشر في «عود الند»، وقبلت بعض المقابلات، وخاصة تلك التي أرسلتها للمجلة الفنانة التشكيلية المغربية، زهرة زيراوي، فقد كنت أثق بأنها مخلصة في خدمة الثقافة، وإسهاماتها في «عود الند» لم تكن تقتصر على تزويد المجلة بمقابلات.
معظم المقابلات المنشورة في «عود الند» أجريتها بنفسي، ولم تكن مع أسماء مشهورة، فالسعي إلى التعامل مع مشاهير وأن يكون لهم حضور في «عود الند» لم يكن أمرا أسعى إليه. «عود الند» منبر يستهدف من هم بحاجة إلى منبر للنشر. مجموع المقابلات المنشورة خلال ثلاثة عشر عاما قليل.
فتح المجلة لإرسال مقابلات للنشر كان سيعني نشر مقابلات دون محتوى جيد، فالمقابلة عندما توظف في العمل الصحفي الجيد يجب أن تكون مع شخص لديه ما يقوله، أو للمساءلة، وليس لتلميع كاتب/ة في بداية المشوار، أو زيادة شهرة لكاتب/ة مشهور/ة. والمقابلة الجيدة تحتاج إلى تحضير جيد أيضا لتكون الأسئلة مفيدة في الحصول على معلومات، أو التعامل النقدي مع الأفكار والأعمال الأدبية.
قرأت مرة رواية لكاتبة خليجية. يدور بعض أحداثها في لندن، ويأتي ذكر شارع ادجوير في سياق رومانسي. لكن هذا الشارع لا رومانسية فيه، وجزء من شهرته عائد إلى وجود مقاه ومطاعم عربية. يضاف إلى ذلك أن الشارع مزدحم بالسيارات، وبالتالي الحبيبان الراغبان في قضاء وقت متسم بالرومانسية يجب أن يتجنباه. ربما الكاتبة لم تكن تعرف لندن، فذكرت اسم مكان مشهور ووظفته في روايتها في سياق لا يصلح له.
عندما عرضت على الكاتبة إجراء مقابلة معها، وافقت، فأرسلت لها الأسئلة بالبريد الإلكتروني، ولكني لم أتلق ردا. ولم أتلق إجابات عن الأسئلة، فقد أشرت إلى هذا الأمر في أحد الأسئلة، ومعظم الأسئلة كان قائما على تعامل نقدي مع المحتوى، بما في ذلك أن الرواية كانت قصيرة (80 صفحة)، وتعطي القارئ انطباعا بأن الحب في الغرب لا تشوبه شوائب، ورومانسي دائما، ونرى الحبيبين متعانقين في متنزهات، فسألت: «ألا تعتقدين أن هذه صورة نمطية؟» من الواضح أنها كانت تريد أن تجيب عن أسئلة خفيفة تحتفي بها ككاتبة بصرف النظر عن مدى جودة محتوى الرواية.
كنت ولا أزال أفضل أن يرسل الراغبون والراغبات في النشر في المجلة مواد كتبوها بأنفسهم، فهذا مفتاح التمكن من اللغة العربية وتطوير المهارات. هناك صحفيون تعتمد حياتهم المهنية على إجراء مقابلات، وتنبع شهرتهم من ذلك، لأنهم يجرون مقابلات مع أشهر المشاهير الذين لا يوافقون على إعطاء مقابلات بسهولة. من الأمثلة على ذلك مارتن بشير الذي أجرى مقابلة مع الأميرة ديانا التي كشفت فيها عن الخلافات الزوجية مع الأمير تشارلز، ومقابلة ثانية مع الفنان الأميركي مايكل جاكسون.
مثل هذه المقابلات مكانها وسائل الإعلام. والمقابلات مع شخصيات من عالم الفكر تنشر أيضا في المجلات المختصة، ولكنها لا تحدث بالكثافة التي تظهر في الصحف اليومية أو المجلات. لقد تحول الإعلام إلى أفيون الشعوب الجديد بعد الإكثار من البرامج التي تعتمد على مقابلات خفيفة مع الفنانات والفنانين. ومن واجب المجلات الثقافية الجادة ألا تسبح مع هذا التيار.
خلاصة القول: نجد أن الشعر والترجمة والمقابلات كان لها حضور محدود في «عود الند»، والأمر كان راجعا لتصور المجلة لدورها، وتركيزه على الكتابة. عندما تكون كاتبا، أو ترغب في أن تكون كذلك، فإن إجراء المقابلات لا يكون على رأس أولوياتك. الكتابة الإبداعية أو البحوث الجادة غايتك.
القصص القصيرة جدا والإصدارات الجديدة
من المواد التي كانت ترسل للنشر القصص القصيرة جدا. شخصيا لا يجذبني هذا النوع من الكتابة، لا لقراءته ولا لكتابته. ولكني لم أمتنع عن نشر القصص القصيرة جدا في المجلة. كنت أطلب من مرسلها تزويد المجلة بمجموعة منها، بحيث يصل عدد الكلمات إلى نحو 500، فأقل من ذلك في مجلة شهرية كنت أراه غير كاف، فقصة (ومضة) من 10-15 كلمة لا تبرر جهد فتح صفحة لها، وقراءتها ستتم في ثانيتين.
لا أرى جدوى من النقاش حول اعتبار القصص القصيرة جدا جنسا أدبيا. ولذا التصنيف والاعتراف به مسألة أترك النقاش حولها لمن يهمه الأمر. تبنيت في «عود الند» موقفا معقولا، وهو نشر القصص القصيرة جدا، ولكن شريطة أن يرسل كاتبها مجموعة منها.
من الطبيعي أن تهتم مجلة ثقافية بإصدارات جديدة. «عود الند» لم تكن تنشر الخبر عن كتاب جديد كما يرد، بخلاف الحال في الكثير من المطبوعات والمواقع الأخرى. نشر الأخبار كما ترد ظاهرة شائعة، ولكنها ممارسة صحفية غير سليمة، فالأفضل أن يستخدم الخبر الصحفي لصياغة خبر جديد. وبذا تتعدد صياغات الخبر الواحد. والأفضل من ذلك تطوير الخبر، كأن تتصل بالمؤلف/ة وتطلب تعليقا، أو تطرح سؤالا.
ذات مرة ورد إلى «عود الند» خبر عن صدور مختارات شعرية فلسطينية تكونت من جزئين بعنوان «إيقاعات برية». المختارات نشرت تحت إشراف جمعية البيت للثقافة والفنون الجزائرية بالتعاون مع بيت الشعر الفلسطيني. وجاء صدور المختارات في ختام العام 2007 الذي كانت فيه الجزائر عاصمة الثقافة العربية. عند النظر إلى الأسماء، وجدت أن اسمي شاعرين كتبا معا كما لو كانا اسما واحدا. وقد صححت ذلك قبل نشر الأسماء ضمن الخبر الذي صغته للعدد 20 (1/2008) من «عود الند».
ويبدو أن الكاتبات والكتاب يشعرون بالرضا عن هذا الأسلوب في الترويج لمؤلفاتهم، ولكن في حقيقة الأمر أسلوب غير فعال.
في حال وجود مجال للتواصل مع المؤلف/ة، كنت أحاول الحصول على مقتطف من الكتاب، ليرافق المعلومات الأساسية التي تذكر عنوان الكتاب واسم المؤلف ودار النشر والدولة وسنة الصدور، إضافة إلى صورة مصغرة للغلاف، وصورة المؤلف/ة في حال الرغبة في ذلك. من أشكال تطوير الخبر طرح سؤال على المؤلف/ة حول محتواه. عندما شاهدت خبر صدور كتاب عنوانه «الأدب الرقمي: أسئلة ثقافية وتأملات مفاهيمية» تواصلت مع مؤلفته د. زهور كرام وسألتها عن تعريفها الأدب الرقمي. ونشرت الرد مع خبر صدور الكتاب في العدد 89 (11/2013).
أما في حال توفر الخبر الصحفي فقط، فيتم اختصار الخبر، وذكر عبارة «وجاء في خبر التعريف بالكتاب» لكي يكون في ذلك إشارة إلى أنني لم أطلع على المحتوى بنفسي. وهذا هو الأسلوب المهني الصحيح في الكتابة الصحفية.
أخبار الإصدارات كانت تأتي من بعض دور النشر، أو من الكاتبات والكتاب أنفسهم، ولكني قد أرى أحيانا خبرا عن صدور كتاب جديد في فيسبوك مثلا. إذا لم يكن ممكنا الحصول على مقتطف، ولم يكن هناك خبر صحفي يمكن أخذ مقتطف منه، يكون الخبر عن الإصدار الجديد شديد الإيجاز، ويكتفي بالمعلومات الأساسية، مع صورة للغلاف.
من فوائد نشر مقتطف من إصدار جديد أن فعل ذلك ممكن بعد مرور ذروة الاهتمام الإعلامي بالخبر، وهذه طريقه تعيد التذكير بالمؤلف وبالكتاب وتعطي فكرة عن محتواه.
بعض الكاتبات والكتاب كانوا يرسلون نسخة من إصداراتهم الورقية، وأحيانا نسخة رقمية. كنت أشير إلى ذلك في أقرب عدد بعد وصول الهدية. ولامتلاكي نسخة من الإصدار كنت أختار مقتطفا منه وأنشره مع خبر وصول الكتاب/الهدية. وحصولي على نسخة أدى في حالتين إلى كتابة عرض لمجموعتين قصصيتين: «أنثى فوق الغيم» للقاصة الأردنية ظلال عدنان، ثم «إضاءات العتمة الأخيرة» للقاصة الكويتية تسنيم الحبيب. العرض الأول نشر في «عود الند» والثاني في صحيفة «المجد».
المقتطفات وإعادة النشر
لنشر مقتطفات من كتب أو مقالات منشورة في مجلات قديمة فوائد عدة، على رأسها التذكير بإصدارات سابقة اشتهرت في وقتها، أو تستحق أن يسلط الضوء عليها لأن كتابها لم ينالوا الاحتفاء المستحق بهم في عصرهم. ولذا في حالات عديدة كان هناك نشر لمقتطفات من أعمال أدبية وغيرها، ويكون عدد كلمات المقتطف في حدود ألف كلمة على الأكثر. ويرفق معه صورة للغلاف وصورة للكاتب/ة، وطبعا المعلومات الأساسية المتعلقة بدار النشر ومكان وتاريخ النشر.
من الأمثلة على هذه المقتطفات مقطع من رواية «أم سـعـد» لغسان كنفاني، يظهر استغلال النساء الفقيرات بحيث استغنى صاحب العمل عن امرأة لبنانية فقيرة وشغّل فلسطينية بأجرة أقل لتنظيف الدرج في أحد المباني. مقتطف آخر كان من رواية «قنديل أم هاشم» التي تعرف بتعاطيها مع ثنائية العلم والإيمان. ومقطع ثالث من كتاب للشاعر السعودي، غازي القصيبي، يفند فيه مقولات نمطية عن الشعر والشعراء. ونشرت مقتطفا من كتاب للمناضل اللبناني، كريم مروة، عن النقد الأدبي والمنهجية.
استخدمت المقتطفات من الكتب أيضا كطريقة بديلة للإشارة إلى رحيل أحد الشخصيات التي لها مؤلفات، وخاصة عندما يكون نشر خبر موجز عن رحيل الشخص متأخرا وقت نشره في أقرب عدد يصدر بعد الوفاة. نشرت في هذا السياق مقتطفات من مذكرات المناضل الفلسطيني المخضرم، بهجت أبو غريبة، وعالم الاجتماع المغربي، المهدي المنجرة، والمناضل الفلسطيني، إلياس شوفاني. وفي حال توفر مقطع صوتي، كنت أستخدم مقطعا من مقابلة صوتية أجريتها في الماضي. وحدث ذلك بعد وفاة بهجت أبو غربية، والمناضل الفلسطيني عبد الله الحوراني.
ظننت في العام الأول من «عود الند» أنه سيمكنني تشجيع مختلف أشكال الإبداع، وليس الكتابة فقط. وقد نشرت في العدد 21 (2/2008) فيديو للكاتب سالم ياسين ولكن هذه الحالة كانت الوحيدة، فموقع يوتيوب كان ولا يزال مقصد الراغبين في نشر الفيديوهات. ولذا، أصبح البديل في المجلة تضمين فيديوهات منشورة في يوتيوب، وأحيانا عمل مقتطفات قصيرة من فيديو أو فيلم. مثلا، أعددت مقطعا قصيرا من مسلسل «التغريبة الفلسطينية» (العدد 25؛ 6/2008)، ومقطع عن تحرير القدس من فيلم «مملكة السماء» (العدد الفصلي السادس، خريف 2017). توقيت إعداد هذا المقطع له علاقة بالتصريحات الخنفشارية ليوسف زيدان عن صلاح الدين الأيوبي. وعندما أجريت مقابلة مع الفنانة الفلسطينية، أمل كعوش، بعد فوزها في مسابقة لرسم الكاريكاتير، عززت المقابلة باثنتين من أغانيها، وضمنتهما في صفحة المقابلة المنشورة في العدد 27 (7/2008).
كذلك كنت أعود إلى المجلات القديمة المتوفرة بصيغة رقمية في الإنترنت، فأجد مقالة تتناول بحس نقدي مثير للإعجاب بعض الأعمال الأدبية لبعض أصحاب الأقلام المشهورة. في هذا السياق، نشرت مقتطفين من مقالتين لغالب هلسا، يتعامل فيهما بالأسلوب النقدي المتوقع من ناقد مع أعمال إميل حبيبي وجبرا إبراهيم جبرا. ولو كان أسلوب غالب المميز هذا شائعا، لكان تقييم الأدباء والأعمال الأدبية علميا، ولأسهم في التطور والارتقاء بدلا من رسم هالات ملائكة حول رؤوس الأدباء ووضعهم في بروج عاجية.
ونشرت مقتطفا من مشاركة للروائي السوري، حنا مينا، ردا على سؤال من مجلة «الآداب» على ما العمل بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب عام 1967، فقد تميز رده بنظرته بعيدة الأمد لهذا الصراع. ولخصت ما ورد في مقابلة تلفزيونية له ردا على سؤال «لماذا تكتب؟» فكان رده صادقا وأمينا، ولم يلجأ إلى التنظير، أو إلى تقديم نفسه بأنه ولد كاتبا، كما يفعل كثيرون في مجالات الكتابة والإعلام وغيره.
في حالات قليلة كنت أعيد نشر مقالة تتعاطى مع حدث أشعر أن «عود الند» يجب أن تتطرق إليه. على سبيل المثال، أعدت نشر جزء من مقالة نشرت في صحيفة «القدس العربي» كتبها صديق من أيام إقامتي في نيويورك، عبد الحميد صيام، يرثي فيها صديقا مشتركا هو أنيس البرغوثي.
كذلك أعدت نشر مقالتين بقلم رئيس تحرير صحيفة «المجد» الأردنية، فهد الريماوي، إحداهما (العدد 105، 3/2015) يرثي فيها صديقا مشتركا هو الدكتور عصام الطاهر، الذي تعرفت إليه من خلال قريبته، هناء زكريا، زميلتي أيام عملي الإذاعي، وكنت ألتقيه كلما زرت الأردن، وأستمع إلى ذكرياته، وكان ذا ذاكرة تصويرية. ومن الذكريات اتصاله بالكاتب المصري، أسامة أنور عكاشة، مؤلف المسلسلات التلفزيونية الشهير، لتصحيح معلومة عن تشكيلة وزارية في مصر. كان عكاشة في البداية واثقا من أن معلوماته صحيحة، ولكن تبين له أن الطاهر كان محقا. أما المقالة الأخرى فكانت عن اضطرار «المجد» للتوقف عن النشر الورقي. (العدد الفصلي الرابع، ربيع 2017).
وبعد الجدل الساخن الذي دار حول المطالبات بمنع عرض الفيلم «القضية 23» للمخرج اللبناني زياد دويري، أعدت نشر مقالة عن الموضوع بقلم الزميل أوس يعقوب بعد الحصول على موافقته، وتعزيزها بموافقة من سليم البيك، رئيس تحرير مجلة «رُمّان» (العدد الفصلي السابع؛ شتاء 2018). كل إعادة نشر جزئية أو كاملة تكون موثقة توثيقا كاملا. وباستثناء هذا العدد القليل من الحالات، ظل أسلوب «عود الند» قائما على نشر المادة الجديدة المرسلة للنشر الحصري فيها.
تعاملت «عود الند» مع أخبار وفاة بعض الأسماء الشهيرة جدا إما بإشارة موجزة للوفاة، أو بعدم التطرق إليها، إلا إذا جاءت مادة عن الشخص الراحل. ومنطقي في هذا أن خبر وفاة صاحب/ة الاسم المشهور سيملأ وسائل الإعلام بجميع أنواعها، ولذا لن يكون لدى «عود الند» ما تضيفه إلى هذه التغطية. على سبيل المثال، عندما توفي الروائي المصري، نجيب محفوظ، في عام 2006، كتبت للعدد الرابع (9/2006) خبرا موجزا فقط تضمن عناوين مجموعة من أعماله، ووضعت وصلة لأحد المواقع التي فيها الكثير من المعلومات عنه.
الدين والسياسة
إن تخصص «عود الند» في نشر الموضوعات الثقافية، بالمعنى الفضفاض للثقافة، والابتعاد عن نشر الموضوعات السياسية والدينية، لا يعني أن المجلة خلت تماما من موضوعات لها علاقة بالدين والسياسة. هناك بحوث تتناول القرآن من زاوية بلاغية مثلا. في مثل هذه البحوث يلتقي الديني بالأدبي الثقافي. لكن غاية البحث لا تكون وعظية، ولذا لا تستبعد من النشر.
بعض الكاتبات والكتاب ملتزمون دينيا، وبعضهم يميل إلى كتابة قصص أو روايات تظل في إطار ديني. ولكن سقف هذا النوع من الكتابة الإبداعية يظل منخفضا. ولذا استخدام الأدب كوسيلة لتضمين رسالة دينية يجعله محصورا في إطار ضيق، ومن المحتمل أن ينزع إلى الوعظ المباشر، ويتجنب تناول قضايا إشكالية. لا أقصد هنا الحديث عن أمور تسيء للدين، ففي «عود الند» لا ننشر نصوصا أو تعليقات تسيء إلى أي دين. لمزيد من الوضوح في التعبير عن هذه الفكرة، أرى أن الكاتب الذي لا يسعى إلى تضمين رسالة دينية في نصوصه يكون لديه مجال كبير في اختيار الأفكار ومعالجتها.
وبالنسبة للسياسة فإن النص السياسي المباشر، بمعنى الحديث عن تغيير حكومات وتصريحات وزراء، وكل ما له علاقة باهتمامات الصحف السياسية اليومية، غير موجود في «عود الند». ولكن عندما يتعلق الأمر بفلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني، فإن افتتاحيات «عود الند» تتطرق إلى هذه القضية، وتعبر عن التأييد للشعب الفلسطيني.
وعندما اندلعت المظاهرات الجماهيرية في تونس ومصر وغيرهما من الدول العربية (2010/2011) علقت افتتاحيات «عود الند» على هذه الأحداث، ولكن دون التخلي عن التعامل النقدي مع ما كثر قوله في تلك الفترة، مثل وصف ما حدث بأنه «ثورة» أو اعتبار كون المرء شابا مؤهلا سياسيا وقياديا، أو الإشادة بالعفوية، وغير ذلك من كلام رومانسي قيل حينذاك.
لم تخل «عود الند» إذن من الحديث عن السياسة ولكن في إطار عام أقرب إلى الإطار الفكري. المقالات التي اقتربت من السياسة وكتبها غيري قليلة. ومعظم ما اقترب من السياسة بالسمات التي شرحتها أعلاه كان من تأليفي. في الوقت نفسه، كنت دائما في حالة بحث دائم عن موضوعات متنوعة، وأحيانا أختار موضوعات حظيت باهتمام إعلامي وشعبي كبير في بريطانيا أو الولايات المتحدة، لوجود جانب مشابه له في الدول العربية، أو يمكن أن يكون في تسليط الضوء عليها فائدة لأنها تتضمن أفكارا جديدة.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019 (لندن: عود الند، 2019)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019. لندن: عود الند، 2019.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- المجلات الثقافية الرقمية: تجربة عود الند
- غلاف كتاب المجلات الثقافية الرقمية. المؤلف: د. عدلي الهواري