كتاب: المجلات الثقافية الرقمية
العام الأول + سياسات النشر
د. عدلي الهواري
«عود الند»: العام الأول
أقدمت على تجربة نشر «عود الند» بواقعية، بمعنى أنها مشروع قد يحالفه الفشل أو النجاح. ولكن لا بد من إعطاء نفسي فترة عام قبل إصدار حكم على النجاح أو الفشل. ولذا كان العام الأول هو العام الأصعب، فأنت بحاجة لأن تُعرف مجلتك، وأن يأتي إليها مواد للنشر، فيستمر صدورها.
ولذا، كنت أحيانا أطلب من زميلات أو زملاء المشاركة في أقرب عدد سيصدر. وكلما انتظم الصدور ستعرف المجلة أكثر، فتدور العجلة باستمرار: تصدر الأعداد، فتعرف المجلة، فيصلها مواد للنشر، فتواصل الصدور.
تجنب المادة السياسية كان مستحيلا، فبعد إصدار عددين من المجلة وقع العدوان الإسرائيلي على لبنان في 26 تموز 2006. أشار غلاف العدد الثالث (8/2006) إلى مجزرة قانا، وتضمن العدد وموضوعا عنها بقلم الصديق جابر سليمان. ونشرت في العدد الرابع (9/2006) مجموعة من المواد ذات العلاقة بالعدوان، منها شهادتا مهجّرين بسبب العدوان. في العدد الخامس (10/2006) اقتصرت المحتويات على المواد المعتادة من قصص وما شابه.
استخدمت على غلاف العدد الرابع (9/2006) لوحة بدلا من صور الأزهار التي كانت من تصويري. وقبل وضع اللوحة، تواصلت مع مبدعتها، الفنانة التشكيلية العراقية، نادية محمد ياس، للحصول على موافقتها على استخدام العمل فوافقت. ووضعت صفحة في العدد فيها صورة للفنانة، وكتبت: «لوحة الغلاف بريشة الفنانة التشكيلية العراقية نادية محمد ياس، وقد تم نشرها بعلمها وموافقتها. للمزيد من المعلومات عنها وللاطلاع على المزيد من لوحاتها، زر موقعها التالي» ووضعت عنوانه.
كانت لوحات هذه الفنانة منشورة في أحد المواقع التي كانت تعرّف بفنانين تشكيليين وكتاب وإعلاميين. وصلتني رسالة إلكترونية من صاحبة الموقع تعطيني فيها محاضرة عن احترام الحقوق. فرددت عليها قائلا إنها لو تجاوزت صفحة الغلاف لشاهدت صفحة التعريف بالفنانة وإن اللوحة نشرت بعد الحصول على موافقتها.
هذه الحادثة كانت أول مؤشر على أن أناسا قد يزورون موقع المجلة، ولكنهم لا يتجاوزون صفحة الغلاف. كما أن بعض الناس يفترضون أنهم وحدهم يحترمون حقوق الآخرين. ومسألة احترام الحقوق كما سبق وأن ذكرت مسألة مبدئية لم تكن غائبة عن بالي، وهي مذكورة في أسفل صفحات الموقع منذ العدد الأول. ومن باب احترام الحقوق، لم تلجأ المجلة لجذب زوار لموقعها بعرض تحميل كتب مقرصنة.
عدت إلى استخدام صور الأزهار في العدد الخامس، فمسألة الحصول على موافقة الفنان على استخدام لوحته جهد إضافي، يترتب عليه البحث عن أعمال فنية جميلة، ثم البحث عن وسيلة للتواصل مع الفنان/ة للحصول على الموافقة على الاستخدام.
كنت أطلب من الزملاء والزميلات إعطائي ملاحظات على المجلة. ولأن الجمهور المستهدف هو الشباب والشابات، طلبت من زميلتي ميسون حسين أن تطلب من رند وريّا، ابنتي أختها، إبداء الملاحظات على المجلة، فقد كانتا تتابعانها. من ملاحظاتهما أن اللوحات على الغلاف أفضل من صور الأزهار. ولهذه الملاحظة الفضل في العودة إلى استخدام لوحات أو أعمال فنية أخرى (نحت مثلا) على الغلاف، ودائما بعد الحصول على موافقة صاحب/ة العمل.
الملاحظات التي كانت تركز على التصميم وجعله مبهرا بوجود تحريك وما شابه كنت لا آخذ بها لأن المجلة تصدر للاحتفاء بالكلمة المكتوبة، ولها الأولوية. ولم أكن آخذ بالملاحظات التي تتطلب مهارة تقنية لم أملكها، ومنها في البداية وجود خيار للبحث داخل الموقع. أثناء العام الثاني أضفت خاصية البحث داخل أعداد المجلة باستخدام خدمة تقدمها غوغل للمواقع وتكون خالية من الإعلانات للمواقع غير الربحية.
وضعت على غلاف العدد السادس لوحة من إبداع الفنان التشكيلي الفلسطيني، يوسف كتلو، وكانت مناسبة لذلك العدد تحديدا فقد كنت ذهبت إلى بيت لحم والقدس في فلسطين المحتلة، وكتبت عن الرحلة موضوعا عنوانه «العودة سائحا». وبسبب هذا الموضوع ولوحة الغلاف، كتبت افتتاحية عنوانها «عدد بنكهة الزيتون والزيت والزعتر» فهذا الثلاثي تشتهر به فلسطين ومن الأساسيات في البيت الفلسطيني.
عرضت على الفنان يوسف كتلو في وقت لاحق أن يتعاون معي في مسألة اختيار لوحة لغلف الأعداد القادمة، فوافق وصار يزودني بلوحات لفنانين عرب وفلسطينيين. لكنه توقف بعد صدور العدد الشهري الثامن والعشرين (9/2008). وعادت إليّ مسؤولية البحث عن لوحة مناسبة والحصول على موافقة صاحبها قبل نشرها.
أمكنني إصدار «عود الند» بانتظام في العام الأول، ومع اقتراب اكتماله، كان واضحا أن الاستمرار في الصدور ممكن، وتحقق للمشروع نجاح أولي مشجع على مواصلة النشر.
كان «عود الند» اسما غير مألوف لمجلة، وكان هذا من عوامل الانجذاب للتعرف على المجلة. أضمرت عدم شرح الاسم لمن يسألني عن معناه، وهكذا تتعدد المعاني والتفسيرات وفق ثقافة الشخص والبيئة التي يعيش فيها. أما بالنسبة إلي، فالاسم مأخوذ من قصيدة للشاعر الفلسطيني، توفيق زيّاد، الذي كان أيضا رئيس بلدية مدينة الناصرة. بكلمتي «عود الند» ألخص القصيدة، التي أؤمن بمحتواها، وإعلانها أننا ماضون على العهد للشعب والوطن.
السباحة عكس التيار وتغيير العقليات
أولى الصعوبات في جذب كاتبات وكتاب جيدين للنشر في «عود الند» كانت ممثلة في النظرة السائدة للنشر الإلكتروني، أي أنه غير جيد، ولا يدوم، وأن الجودة والديمومة مرتبطتان بالنشر الورقي. بعض الناس كان لا يمانع النشر إلكترونيا بغية الحصول على شهرة إضافية. المنتمي لهذه الفئة كان يرسل نصا سبق نشره في صحيفة أو مجلة ورقية، أو أن يكون أستاذا جامعيا ولكنه يرسل لك قصة أو مقالة قصيرة.
الصعوبة الثانية إقناع الكتاب بأن سياسة النشر التي تقضي بنشر المادة الجديدة فقط المرسلة للنشر الحصري في المجلة ليست اختراعا جديدا. العادة التي كانت سائدة، ولا تزال منتشرة، هي نشر النص الواحد في أكبر عدد ممكن من المواقع. وهناك من يبحث عن مواقع جديدة لإرسال كل ما سبق نشره إليها.
كانت الحجة أن لكل موقع جمهوره. هذه الحجة صحيحة جزئيا، ولكنها ضعيفة جدا، فميزة الإنترنت أنها تنقلك بسهولة من موقع إلى آخر دون أن تتحرك من مكانك. في الماضي، كان عذر اتفاق الصحف العربية على نشر موضوع واحد مبررا لأن كل صحيفة تباع بشكل رئيسي في بلدها. أما في عصر الإنترنت، يمكنك الذهاب إلى أي صحيفة في العالم لتطلع عليها. لم تعد مضطرا، كما في العصر الورقي، للاكتفاء بشراء صحيفة واحدة تعتبرها الأصلح في بلدك.
النشر المتكرر في نظري من عيوب المواقع، فتشابه المحتوى يعني زيارات أقل وأقصر، ويعكس حالة من الكسل لدى مؤسسي المواقع، والنتيجة لكل هذا حالة عامة تؤثر سلبا على محاولات الارتقاء بمستويات الكتابة، والتنافس على نشر محتوى خاص ومتميز.
مسألة النشر المتكرر من أكثر القضايا التي كان عليّ خوض النقاش حولها مع كتاب نشروا في المجلة أو كانوا يرغبون في النشر فيها، ولكن شرط أن يفعلوا ذلك دون الالتزام بعدم نشر الموضوع في مكان آخر. كذلك، كثيرون كان يرسلون الإقرار بأن مادتهم جديدة ومرسلة للنشر الحصري في «عود الند» رغم علمهم بأنهم نشروها من قبل. ولذا كنت أحاول التأكد من أن المواد المرسلة جديدة فعلا. وكثيرا ما كان يتبين لي أنها منشورة من قبل. محركات البحث لم تكن دائما تجد المادة التي سبق نشرها. وهذا الدور غير متوقع أيضا من محركات البحث لأنها لا تستطيع أن تجد مواد منشورة في مطبوعة ورقية.
بعض الكتاب والكاتبات كانوا يرسلون المادة التي نشرت في «عود الند» إلى جهة أخرى. كنت أحيانا أكتب في التعليقات في مكان النشر الآخر أن المادة نشرت في «عود الند» ويجب ألا يعاد النشر دون موافقتها. بعض غير المكترثين بهذا الالتزام الأدبي أولا والقانوني ثانيا كان يرسل مادته بما فيها من أخطاء، وكان يغضبني، إضافة إلى إعادة النشر، أن الكاتب أضاع جهدي في تشذيب مادته. وبعضهم كان يرسل المادة كما نشرت في «عود الند»، وكان يغضبني، إضافة إلى إعادة النشر، أنه استغلني، وتم تنقيح نصه دون مقابل.
كان بعض الراغبات والراغبين في النشر يستفسرون أولا إن كانوا سيحصلون على مكافأة مالية مقابل النشر، وكانت الإجابة دائما أن «عود الند» تصدر بجهود طوعية ولا تقدم مكافأة مالية لأحد. المستفسرون عن المكافأة المالية قلة، والأغلبية لم تكن تفكر في الحصول على مكافأة مالية، بل تبحث عن منبر للنشر.
يبدو أن أحدهم كذب على زميل كتب في المجلة وأبلغه أنه حصل على مكافأة مالية مقابل النشر في «عود الند». بعث الزميل إليّ استفسارا عن ذلك دون أن يكشف اسم من كذب عليه. أكدت له أنني لا أميز في التعامل مع الزميلات والزملاء. وعلى من زعم أنه تلقى مكافأة مالية من «عود الند» أن يقدم دليله على ذلك. أغتنم الفرصة هنا لأؤكد وأكرر أن «عود الند» لم تكافئ أحدا ماليا مقابل مادة نشرت فيها، ولو توفرت لدينا القدرة، لفعلنا ذلك بسرور، ولتهافت على الكتابة في «عود الند» الأسماء المشهورة قبل المبتدئين.
الحصول على رقم تصنيف دولي ISSN
لترسيخ صفة «عود الند» أنها مجلة دورية، وليست موقعا ثقافيا يتجدد في أي وقت، سعيت إلى الحصول على رقم تصنيف الدوريات الدولي الخاص بالمجلات (ISSN). بعد البحث عن المعلومات عن الجهة الخاصة بمنح هذه الأرقام، وإن كانت تعطى للمجلات الإلكترونية، تبين لي أن الهيئة المختصة بمنح الرقم هي المكتبة البريطانية، إحدى أقدم مكتبات العالم، ومكتبة الإيداع القانوني للكتب التي تصدر في بريطانيا، أي أن كل كتاب يصدر في بريطانيا يجب أن ترسل منه نسخة إلى هذه المكتبة خلال ثلاثين يوما من صدوره.
تبين لي أن «عود الند» مؤهلة للحصول على رقم تصنيف دولي، إذا اقتنعت المكتبة البريطانية بأن «عود الند» تصدر دوريا، وليست موقعا متجددا باستمرار. بالنسبة إلى «عود الند»، لم يكن هناك شك في أنها مجلة دورية، فهي تصدر شهريا. وحين تقديم الطلب للحصول على الرقم الدولي كان صدر من المجلة ثمانية عشر عددا. لذا عندما عاين المعنيون موقع المجلة، أدركوا أنها تصدر دوريا، فخصص لها رقم تصنيف دولي هو:
ISSN 1756-4212
انظر/ي في الملحقات رسالتين حول هذه المسألة. وبعد الحصول على هذا الرقم لم يعد مقبولا من أحد أن يقول إن «عود الند» ليست مجلة، فالمسألة لا يقررها الأفراد حسب أهواء شخصية عشوائية.
الاهتمام بمساعدة المبتدئين
تعلم السباحة يكون في الماء، وليس بقراءة كتاب عنها ثم الذهاب إلى البحر أو حوض السباحة. تطوير مهارات وأسلوب الكتابة يتحقق بالممارسة. أن تشجع كاتبا غير متمكن بعد من اللغة العربية على إرسال نص فيه بعض الأخطاء، فتتم مراجعته وينشر أفضل من رفضه وإبلاغ الكاتب/ة بأن النص غير صالح، أو أن المرسل غير مؤهل للكتابة.
بعبارة أخرى، تعاملت مع النشر بعقلية الأستاذ الذي يطلب من الطلبة كتابة موضوع أو بحث، وهو يعلم أن هذه الكتابة غايتها التدريب، ومع مرور الوقت والحرص على تطوير النفس يصبح الطالب باحثا ماهرا وكاتبا ناجحا.
اعتبرت من دواعي سروري أن يبدأ كاتب رحلته نحو الكتابة السليمة في «عود الند» ثم ينتقل للكتابة في مكان آخر يعتقد أنه يلبي طموحاته ورغباته بقدر أكبر. هو شعور أستاذ المراحل قبل الجامعية الذي يحقق طلابه نجاحا باهرا في الجامعة، فأسس هذا النجاح حفرت في المراحل قبل الجامعية.
قبل خمسين سنة من ظهور «عود الند» سألت مجلة «الآداب» في العدد الأول، كانون الثاني 1953 (ص 68-69) مجموعة من أصحاب المجلات: «هل ترون من واجب أصحاب المجلات الأدبية أن يشجعوا الأدباء الناشئين بنشر آثارهم، ولو لم تحز جميع شروط الجودة والكمال[؟]»
إن السؤال «ملغوم» ويجعل من المرجح أن تكون الإجابة عنه «لا»، فأصحاب المجلات لن يقولوا إنهم ينشرون شيئا مشكوكا في جودته (أو كما يقول المثل الشعبي لا أحد يقول إن زيته عكر). لكن الحديث عن حيازة جميع شروط الجودة والكمال غير واقعي، لأن هذه الشروط نسبية، والحكم على الجيد والكامل لا يمكن أن يكون بالإجماع، فاختلاف الأذواق والانتماءات الفكرية سيؤثر على الحكم على العمل الأدبي وإن كان استوفى جميع صفات الجودة والكمال أم لا. انظر/ي فصلا مستقلا أناقش فيه هذه المسألة.
كذلك يتحدث السؤال عن أديب ناشئ. فإذا استحق كاتب صفة أديب، يكون تجاوز مرحلة الكاتب المبتدئ. أغلبية الإجابات كانت إما عدم النشر أو التشجيع بحذر شديد، كأن تفرد المجلة زاوية خاصة لكتابات الناشئين. الإجابة الأجرأ والواقعية في رأيي تلك التي قدمها فؤاد حبيش صاحب مجلة «المكشوف»، وجاء فيها ما يلي:
أما أنا شخصيا فقد كان لي مذهب في نشر ما كان يرد على مجلتي «المكشوف» من مقالات وقصائد ومباحث. وكان شعاري النظر إلى ما يكتب لا إلى من يكتب. وكثيرا ما اتفق أن أهملت فصولا مذيلة بتواقيع أعلام من كتابنا لضآلة محتواها وهزال فكرها، وأقبلت على نشر سواها لفتيان مغمورين، لا أعرف عنهم إلا أن إنتاجهم الذي بين يدي يموج بموهبة وتشع منه بارقة أمل بأن في نفس صاحبه شيئا يجب أن ينشط على قوله، بل كثيرا ما اتفق لي أن عمدت إلى تصحيح كتابات بعضهم وضبطها، على ما في هذا العمل من عناء ومشقة، لأني شعرت بأنها تنطوي على طريف في فكر، أو ذاتي في شعور، أو جريء في نقد، أو عامر بإخلاص، أو مميز بشخصية» (ص 68).
«عود الند» لم تترد في النشر للمبتدئين، بل كانت تستهدفهم، فالكتابة بعربية سليمة أمر مهم جدا للإنسان العادي والمحامي والقاضي والطبيب والأستاذ والسياسي والصحفي، وليست مهمة فقط لمن يختار ميدان الأدب.
بسبب وجود كثير من الأخطاء الشائعة، مثل كتابة «إنشاء الله» بدل إن شاء الله، كنت منذ العدد الأول أكتب درسا موجزا متعلقا بالإملاء أو النحو، ولكن دون أن أتحول إلى أستاذ نحو. لم أرغب أن يكون في المجلة دروس «قل ولا تقل» التي في رأيي تسهم في انتشار الأخطاء. كنت (ولا أزال) على قناعة تامة أن النفور من إتقان قواعد اللغة العربية راجع إلى طرق تعليمها.
بلغ مجموع الدروس ستة عشر درسا موجزا، شاركت في إعدادها أستاذة اللغة العربية، آمال سلامة. ولكن توقفنا بعد ستة عشر درسا، فتعلم النحو للراغب/ة في ذلك يجب أن يتم بجهد ذاتي. هناك العديد من كتب النحو ذات أساليب مختلفة يمكن الرجوع إليها والتعلم منها. والراغب في أن يكون كاتبا يعتد بما يكتب سيحرص على الكتابة السليمة إملائيا ونحويا وسيراعي أحكام الطباعة والاستخدام الصحيح لعلامات التنقيط.
وعلى سيرة علامات التنقيط، بحثت عن كتاب عربي مرجعي بشأنها، فوجدت في الإنترنت كتابا قديما جدا، من الثلاثينات ربما، ووجدت لاحقا دليلا منشورا بصيغة إلكترونية، وتعامل مع السؤال الخطابي/الاستنكاري، بوضع علامتي سؤال وتعجب.
السؤال الخطابي لا يطرح سؤالا بنية الحصول على إجابة عنه، وهو مستعمل كثيرا في اللغة العربية. لو كان هناك كتاب مرجعي أو أكثر بشأن استخدام علامات التنقيط في الكتابة بالعربية، وتم اعتماد هذه الأحكام في الجامعات والصحف، لتحقق الكثير من الانسجام في استخدامها في وسائل الإعلام المطبوعة والكتب. ونظرا لعدم اكتراث كثيرين بها، لا يستطيع القارئ في كثير من الأحيان أن يعرف أين بدأت الجملة وأين انتهت.
هناك اختلاف طفيف في استخدام علامات التنقيط بالإنجليزية والفرنسية، ولكن ليس عن مثل هذه الاختلافات الطفيفة أتحدث. على سبيل المثال هناك أسلوب يضع النقطة والفاصلة قبل علامة الاقتباس التي تدل على نهايته، وهناك أسلوب يضعها بعده. وشكل علامات الاقتباس يكون في أسلوب فاصلتين مرفوعتين، وأسلوب يفضل فاصلة واحدة. وفي الأسلوب الفرنسي تستخدم علامة مختلفة كأنها العدد ثمانية مسطحا: «...».
شائع في الكتابة بالعربية وضع عنوان الكتب بين علامتي اقتباس، ولكنها بالإنجليزية تكتب بحروف مائلة أو يوضع تحتها خط. دور النشر في الدول العربية يجب أن تهتم بهذه الأمور، ويكون لديها دليل يشمل هذه التفاصيل وغيرها. منذ الأعداد الأولى، نبهت «عود الند» إلى أحكام الطباعة وإلى ضرورة استخدام علامات التنقيط استخداما صحيحا. والمعلومات عن ذلك صفحة ثابتة في المجلة ضمن باب «أساسيات الكتابة».
غياب دليل بشأن استخدام علامات التنقيط، وعدم وجود التزام بأسلوب معين، ينتج عنه اختراع استخدامات ليست صحيحة، منها وضع أسماء الأشخاص والمدن بين علامتي اقتباس. ومن الشائع أيضا استخدام علامة التعجب (!) بدل النقطة في نهاية الجملة، رغم عدم وجود تعجب فيها. ما أجمل البحر! علامة التعجب هنا استخدامها صحيح. ذهبت إلى البحر الجميل! يجب ألا تختم بعلامة تعجب، بل بنقطة.
العلامة الأخرى التي تستخدم بصورة عشوائية هي النقطة ولكن في حالة مكررة إما ثنائية أو ثلاثية أو أكثر من ذلك. النقاط الثلاث ... لها استخدام محدد في الكتابة بالإنجليزية، وهو الإشارة إلى حذف كلمات من اقتباس (دون إخلال في المعنى). ولكن الاستخدام الذي أتحدث عنه في الكتابة العربية استخدام عشوائي يوضع للزينة البصرية على الأرجح.
هناك ظاهرتان أخريان، إحداهما كتابة النثر كما لو كان شعرا بوضع كل جملة أو جزء من جملة في سطر مستقل. وانتشار ذلك راجع إلى أن الناس يقلدون ما يشاهدونه منشورا مفترضين أن فعل ذلك مقبول.
الظاهرة الثانية هي كتابة النص الكامل كفقرة واحدة. تقسيم النص النثري إلى فقرات ذات عدد أسطر معقول أمر ضروري. وعدم وجود فقرات في نص طويل يقرأ على شاشة الحاسوب يجعله مرهقا للعينين. من النصائح التي تذكر في سياق الحديث عن أفضل الممارسات في الكتابة للنشر في المواقع أن تكون الفقرات قصيرة جدا، ولكني لم أتفق مع هذه النصيحة ولم ألتزم بها. عندما يكون لديك بحث يفوق ثلاثة آلاف كلمة، لا يعقل أن تقسمه إلى فقرات تتألف الواحدة من سطرين.
«عود الند» والكتابة بالعامية
عُـرضت على «عود الند» نصوص مكتوبة بالعامية، ولكن من البداية كان لنا موقف يتلخص في أننا نقبل العامية في حوارات الشخصيات في القصص وخلافه، فهذا يعطي حيوية ونكهة محلية أصيلة للنص. وسيكون بوسع القارئ في دول عربية أخرى فهم المقصود. أما أن يكون النص بكامله بالعامية فهذا لم يكن مقبولا.
هناك عشرون دولة عربية، في كل واحدة منها عاميات، ومن غير الواقعي أن يفترض الكاتب بالعامية أن نصوصه ستفهم في بقية الدول العربية. و«عـود الند» مفتوحة لتوسيع الآفاق، وليس التقوقع ضمن هويات فرعية. هذا الأمر عملي بحت، وليس نابعا من موقف تجاه القوميات والأعراق في الدول العربية، فالمجلة رحبت بالكاتبات والكتاب باللغة العربية بصرف النظر عن الدولة العربية أو الانتماء الفرعي داخل الدولة الواحدة. في افتتاحية العدد 92 (2/2014) أوضحت أن هناك مبررا عمليا للكتابة بالعربية الفصحى:
لو بحث الإنسان عن أسباب عملية لاختيار العربية الفصحى لوجد أسبابا وجيهة. وثمة سبب عملي أود الإشارة إليه، وهو النظر إلى اللغة العربية كلغة مشتركة (lingua franca) في العالم العربي، مثلما الإنجليزية عالميا. فيما يتعلق بالنشر تحديدا، من يكتب بالإنجليزية يمكن بيع كتابه في الدول الناطقة بها. أما من يكتب بالدارجة في دولة عربية ما، فلن يكون للكتاب سوق خارجها. وسوق كل دولة عربية على حدة صغيرة، وخاصة بالمقارنة مع السوق المكونة من أسواق الدول العربية كلها. ولذا فإن اختيار الكتابة بالدارجة تنطوي على التضحية بأعداد كبيرة من القارئات والقراء المحتملين في باقي الدول العربية.
وفي افتتاحية العدد 50 (8/2010) عـلّـقـت على القول المتكرر الذي يحمّل اللغة العربية المسؤولية عن التخلف في الدول العربية:
والافتراض الآخر أن كل من تعلم قول ميرسي وباردون وثانكس وكول قد علا في سلم الرقي الفكري افتراض خاطئ أيضا، ونظرته للأمور سطحية للغاية. في الدول المتقدمة أيضا هناك تيارات فكرية بعضها تقدمي وبعضها عنصري بغيض، ولو كانت اللغة هي مصدر تبني الفكر وتطوره لوجدنا نوعا واحدا من الفكر في فرنسا أو ألمانيا أو إسبانيا وغيرها من الدول أو الأمم. صحيح أن البلاد العربية وغيرها تعاني من مشكلات كثيرة، ولكن تحميل المسؤولية للغة أمر لا يمت للحل بصلة. وخير دليل على ذلك أن بعض الدول التي استعمرت في الماضي تتكلم الفرنسية والبرتغالية والإسبانية والإنجليزية، ولا تزال أحوالها أحوال دول نامية مثلما هي الحال في العالم العربي.
الموقف تجاه نشر الشعر
من الطبيعي أن يُنشر الشعر في مجلة ثقافية. ولكن مجلة «عود الند» أعلنت أنها لا تنشر الشعر. فلماذا؟
لهذه السياسة سببان، أولهما متعلق بي، وهو أني لا أعتبر نفسي قادرا على الحكم على جودة الشعر. الكثير مما ينشر تحت مسمى الشعر أراه «صف كلام» لا أستسيغه. ولذا قد يرسل إلى المجلة شعر جيد، ولكني قد أسيء تقييمه، فأعتبره «صف حكي» فأرفض نشره، فأظلم الشاعر/ة، أو أختلف مع من اكتسب صفة شاعر/ة على تقييم ما وصل للنشر.
السبب الثاني هو أن الكثير مما يصنف كشعر ليس شعرا حقا، وهناك كثيرون يعدون أنفسهم شعراء. لم أرغب في نشر نصوص شعرية لست مقتنعا بشاعريتها، ففي السبب الأول أعلاه أتصرف من منطلق رحم الله امرأً عرف قدر نفسه، فأنا لست شاعرا ولا أديبا، ومن المؤكد أني سأخطئ في تقييم بعض الشعر. ولكني في الوقت نفسه إنسان على قدر لا بأس به من العلم، وأستطيع أيضا أن أحكم على جودة ما أقرأ. ومثل كل إنسان لي حق في ذوق شخصي يجعلني أفضل بعض الشعر وبعض الشعراء وليس كلهم، أو ألا يكون الشعر ضمن اهتماماتي بصرف النظر عما يقال عن أهمية الشعر ودوره.
نشرت في العدد الثالث (8/2006) مقتطفا من كتاب للشاعر السعودي، غازي القصيبي، يناقش فيه بعض الصور النمطية للشاعر، وأعيد هنا نشر جزء من المقتطف:
الشاعر في رأيي هو الإنسان الذي منح موهبة التعبير عن تجاربه وانفعالاته بطريقة فنية موسيقية معينة. وقد يكون الشاعر طبيبا أو تاجرا أو مهندسا، وقد يكون ذا اتجاهات يمينية أو يسارية، وقد يكون قصيرا أو طويلا، وقد يمر بك في الشارع فلا تلمح في مظهره ما يدل على شاعرية أو رومانسية. الشاعر فرد كبقية الأفراد، لا يميزه عن غيره سوى القدرة على التعبير الفني الشعري.
غير أن هذه الصورة الساذجة على ما يبدو لا تعجب بعض النقاد والشعراء الذين يتحدثون عن الشعر بلغة أقرب إلى الألغاز، ويتحدثون عن الشاعر كما لو كان مخلوقا خرافيا عجيبا يعيش على القمر، ويضفون عليه من الأوهام والهالات ما يجعل القارئ العادي يتخيل أن الشاعر متميز تميزا لا جدال فيه عن البشر.
ومثلما يحق لمجلة أن تختص بالأمور الاقتصادية أو العسكرية، يحق لمجلة أن تختص بالنثر فقط، مثلما اختصت مجلات بالشعر. ولذا، ليس هناك ما يستدعي الاستغراب عندما تقول «عود الند» إنها لا تنشر الشعر. ومع ذلك، لم تكن «عود الند» خالية تماما من الشعر، فقد أبقيت الباب مفتوحا له من خلال البحوث أو القراءات في دواوين كاملة أو قصيدة واحدة. ونتيجة ذلك، سيجد المهتمون بالشعر موضوعات عديدة ذات علاقة بشاعر/ة أو ديوان أو قصيدة.
إضافة إلى ذلك، تمنيت كثيرا أن أجد شاعرا أو شاعرة لا يوجد خلاف على صفته وأهليته كشاعر/ة ليشرف على نشر الشعر في المجلة، أو على الأقل أن استعين بصورة منتظمة بتقييمه لما يرسل من شعر قبل نشره في «عود الند»، ولكن للأسف لم أجد من يتطوع لفعل ذلك. لو كانت «عود الند» تقدم مالا، لكثرت الطلبات للقيام بهذا الدور.
ولو نشرت شعرا رديئا لقيل إن «عود الند» تسيء إلى الشعر. الامتناع عن نشر الشعر موقف سليم أكثر من نشر شعر رديء، هذا إذا كان يمكن اعتباره شعرا. وعندما يكون على رأس أهداف المجلة التشجيع على تطوير المهارات اللغوية، فإن هذا التطوير سيكون أسهل إذا بدأ الإنسان بالنثر، أما أن يكون الشعر واللغة رديئين في نص واحد، فالمشكلة عويصة. يمكنك تنقيح نص نثري، أما الشعر، فله خصوصية لا تسمح بتحريره مثلما يمكن تحرير نص نثري.
توثيق المقتطفات من الكتاب في الهوامش (أسلوب شيكاغو):
النسخة الورقية:
1. عدلي الهواري، المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019 (لندن: عود الند، 2019)، ص - -.
توثيق النقل من الموقع:
يحذف من التفاصيل أعلاه رقم الصفحة، ويضاف إليها رابط الصفحة المنقول منها.
توثيق الكتاب في قائمة المراجع:
الهواري، عدلي. المجلات الثقافية الرقمية. تجربة عود الند: 2006-2019. لندن: عود الند، 2019.
عنوان الكتاب يكتب بخط مائل أو يوضع تحته خط.
- المجلات الثقافية الرقمية: تجربة عود الند
- غلاف كتاب المجلات الثقافية الرقمية. المؤلف: د. عدلي الهواري