د. محمد علي حيدر - المغرب
مقاربة تحليلية لنص التعب
مقاربة تحليلية لنص "التعب" من المجموعة القصصية "نافذة على الداخل" لأحمد بوزفور
التعب هو العنوان الذي تندرج تحته ثلاثة "فصول" تحمل أرقاما لا عناوين، وبذلك فهي قصة قصيرة تستعير من فن القصة "الطويلة" إن صح التوصيف شكلها العام، وتختزله ليغدو قادرا على التناسق مع البناء العام لقصص "نافذة على الداخل"، وكأنما كان هذا الاختزال، وكانت هذه الاستعارة معها، نافذة فتحها بناء القصة القصيرة على بناء القصة "الطويلة"، والعكس صحيح، ليتأتى في النهاية الانسجام بين البناء والتجلي اللغوي السردي، وكذا بين الداخل والخارج.
من جهة ثانية، تنفتح قصة "التعب" على تيمة "الحب"، والحب فخاخ وألوان استدعت استعارة الألوان من فن الرسم، وإيحائية وجرس الكلمة وجمال الرؤيا من الشعر، كما استدعت الطواف بين الداخل والخارج طواف كرٍّ وفرٍّ وقدومٍ وإفاضة، وصهرِ الحلم بالواقع والسير في ركابه دون الانخراط فيه إلى حد الغرق، بل سير من يتخذ الحلم والواقع سكتين تدور فوقهما عجلات قطار الحياة، بالإضافة إلى ما استدعته تيمة الحب من انفتاح على التراث انفتاحَ تناصٍّ واقتباس، وبالتالي جاءت قصة "التعب" حمالة أوجه سريالية لا تقف عند الفواصل الزمنية، أو الفواصل بين الحلم والحقيقة، إذ الحب والتعب مرتبطان بمشاعر ترافق الإنسان في عصرنا هذا كما رافقته فيما مضى من الأزمنة، على اعتبار أنهما تجربة إنسانية تمازج فيها الشكل والمظهر، والجمال والغواية، والتصوف والقهر، والسادية والماشوزية وما شئت من المعاني والصور التي لا حد لها. وبالتالي كيف تحتضن "قصة قصيرة" كل هذا ما لم تجتمع فيها مقومات الشعر والرسم والتشكيل والانفتاح على الذات والعالم والتراث والأزمنة؟
المشهد الأول من نص "التعب"
ينفتح "المشهد الأول"، على اللون الأخضر، وتحديدا على خضرة العينين والتأكيد على لونهما الأخضر دون سواه من بقية الألوان: "عيناها خضراوان. أو هكذا أتذكرهما. لم تكونا زرقاوين أو رماديتين أو عسليتين. كانتا خضراوين تماما"، فهل يعني التأكيد على خضرة العينين، بما هما نافذتان على عالم "حبيبته"، أن الأخضر رسولُ عطاءٍ منتظر ووصال مرتقب؟ ورسول حب واعد بالأمل؟ وطريقٌ للحلول في الآخر يرقى إلى مراتب الحب الصوفي؟ وبتعبير آخر، ما الذي يمكن أن تخلفه النظرة إلى العينين الخضراوين من نتائج على الوجدان والكيان؟
يتوسل السارد مطايا التراث، مستحضرا صورا شتى لمقاربة داء العشق الحلولي الذي كان ينتابه وهو ينظر إلى العينين الخضراوين حين تمران به، فيذهل عن نفسه وعن مكان وجوده، لذا نجده في خطوة أولى يبادر إلى الاعتراف قائلا: "كان حبا مفارقا"، ويغوص على التو في بحر من المفارقات التي لا يمكن القفز عليها أو المرور بها مرور الكرام لاستكناه خباياها ودلالاتها العميقة، فيقول واصفا هذا الحب بأنه: "أشبه بحب الحلاج لرابعة"، وينتبه، أو فلنقل ينبِّه إلى المفارقة التي أوقعه فيها التعلق بالعينين الخضراوين ليفتح قوسين ويقول: "(هل أحَبَّ الحلاج رابعة؟)"، ثم يواصل بعد القوسين وصف حبه بأنه: "طاهر. حلولي. ومخيف". فهل تقربنا هذه الأوصاف من عتبات حبِّه المفارق؟ الواقع أن الجواب يقتضي البحث في نوعية الحب عند كل من رابعة العدوية والحلاج، والفرق بين نوعي حبهما الصوفي الذي يلتقي في مقام العشق الإلهي، ويختلف في بقية مقاماته، ولعل هذا الائتلاف/الاختلاف في المقامات هو الذي حدا بالسارد إلى طرح سؤاله الإشكالي الاعتراضي (هل أحب الحلاج رابعة؟).
من المعلوم أن رابعة العدوية، رغم الاختلاف في تفاصيل حياتها، كانت زاهدة عابدة، بل إن البعض يعتبرها مؤسِّسَةَ مذهبِ "العشق الإلهي" إن صح هذا التوصيف، ومعلوم أيضا أنها عاشت حياتها متبتلة عازفة عن الزواج، لم يَفُتَّ في عضدها ولا إرادتها السبي الذي تعرضت له بعد يتمها ووفاة والديها، كما لم يفتَّ في عضُدها التنكيل الشديد الذي أصابها على يد سيدها الذي اشتراها بعدما خُطِفَتْ، وأنها ظلت مكتفية بحبها لله الذي اعتبرته بديلا عن كل مباهج الحياة وزينتها، ولعل فلسفتها في الحب يلخصها قولها في هذه الأبيات:
عــرفـت الهـوى مذ عرفت هواك = = وأغـلقت قلـبـي عـمـن سـواك
وكــنـت أناجيك يـــا من تــرى = = خـفـايـا الـقـلـوب ولسـنـا نـراك
أحبـــك حـبـيــن حـب الهـوى = = وحـــبــــا لأنــك أهـــل لــذاك
فأما الــذي هــو حب الهــــوى = = فشـغلـي بـذكـرك عـمـن سـواك
وأمــا الـــذي أنـت أهـل لــــه = = فكـشـفـك للـحـجـب حـتى أراك
فـلا الحمد فـي ذا ولا ذاك لـي = = ولـكن لك الـحـمـد فـي ذا وذاك
وإذن، فحب رابعة يتقاطع مع حب السارد الذي استعاره في كونهما طاهرين حلوليين ومخيفين، فهو إذن حب يملك على المحب مشاعره ووجدانه، يحل فيه فتتملكه الرهبة والخشية والخوف، مع وجود الفارق بين حب رابعة وحب السارد، وإن جمع بينهما الطهر والحلول والخوف كما سنتبين بعد حين، وتلك سمة من سمات انفتاح الداخل على الخارج، وحلول بعضهما في بعض، وإن اختلف منطق الداخل عن الخارج. لكن الموقف يظل خاضعا لانفعال الداخل بالخارج، ويأبى السارد إلا أن ينتقل بنا عبر ضفتي الداخل والخارج ليرسم لوحته السريالية المنكفئة على الداخل انفتاحَها بحذر على الخارج.
إذا كانت هذه حال رابعة، فما هي حال الحلاج وحال حبه الذي استحضره السارد ليدل على حبه المفارق؟ وهل يمكن أن يجمع الحب بينهما؟ الواقع أن الاختلاف حول الحلاج حياةً وتصوفا أكبرُ بكثير من الاختلاف حول رابعة، فالأولى اختُلِف في نسبها وبعض فترات حياتها، أما الحلاج فقد اختلف في إسلامه وإيمانه، فقد اعتبر البعض تصوفه جهادا ضدا على الظلم والطغيان، وأن ما نسب إليه من أقوال هو منها براء، بل قالوا إن أقواله فيها من العمق والمعاني الباطنية ما يعجز عن فهمه أهل الظاهر..، بينما اتهمه أغلب علماء المسلمين بالكفر والزندقة، حتى إن ابن تيمية قال بشأنه (مَنْ اعْتَقَدَ مَا يَعْتَقِدُهُ الْحَلاجُ مِنْ الْمَقَالاتِ الَّتِي قُتِلَ الْحَلاجُ عَلَيْهَا فَهُوَ كَافِرٌ مُرْتَدٌّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ إنَّمَا قَتَلُوهُ عَلَى الْحُلُولِ وَالاتِّحَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ مَقَالاتِ أَهْلِ الزَّنْدَقَةِ وَالإِلْحَادِ كَقَوْلِهِ: أَنَا اللَّهُ. وَقَوْلِه:ِ إلَهٌ فِي السَّمَاءِ وَإِلَهٌ فِي الأَرْضِ. وَالْحَلاجُ كَانَتْ لَهُ مخاريق وَأَنْوَاعٌ مِنْ السِّحْرِ، وَلَهُ كُتُبٌ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ فِي السِّحْرِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلا خِلافَ بَيْنِ الأُمَّةِ أَنَّ مَنْ قَالَ بِحُلُولِ اللَّهِ فِي الْبَشَرِ وَاتِّحَادِهِ بِهِ، وَأَنَّ الْبَشَرَ يَكُونُ إلَهًا وَهَذَا مِن الآلِهَةِ: فَهُوَ كَافِرٌ مُبَاحُ الدَّمِ، وَعَلَى هَذَا قُتِلَ الْحَلاجُ). [مجموع الفتاوى (2/480)]. ومن المعلوم أن الحلاج أعدم في القرن الرابع الهجري زمن الخليفة المقتدر، ويلخص البيتان التاليان نظرته الحلولية التي أفضت إلى قتله:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا = = نـــــحن روحين حللنا بدنــا
فـــإذا أبــصــرتـنـي أبـصـرتــه = = وإذا أبـصــــــرته كان أنـا
فما الذي يجمع بين حب السارد وحب الحلاج الحلولي المخيف حقا؟ تلك هي المفارقة الثانية التي تجعل افتراض حب الحلاج لرابعة من قبيل افتراض حب "ذات العينين الخضراوين" للسارد ممكنا. فما الذي يدل على ذلك؟ يجيب السارد هذه المرة قائلا: "كنت أراها فجأة فأقف. أتسمر مذهولا وترتجف ركبتاي، وأريد أن أنقض كذلك الجدار في قصة موسى والخضر، ولكن من يقيمني؟". وإذن هو الخوف الذي يجعل المرء يذهل عن نفسه حتى ليكاد ينهدم ولا يجد من يقيمه ثانية، وتلك مفارقة أخرى يلتمسها السارد في رسم لوحته السريالية، حيث يرْكَب مطية التراث ثانية، في محاولة للتماهي مع قصة نبي الله موسى حين عجب من أمر الخضر الذي سارع إلى إقامة جدار كاد ينهدم في قرية رفض أهلها مجرد إطعامهما، كما ورد في سورة الكهف، الآية 77: ﴿فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا﴾. إنه الذهول والرجفة والخوف من الانهيار الذي لا قيام بعده، لكنه خوف ينطوي على مفارقة أخرى يلتمسها السارد أيضا من القرآن، ويتعلق الأمر هذه المرة بالتماس صورة المائدة التي طالب الحواريون بها نبي الله عيسى عليه السلام عربونا على صدق نبوته، ولتطمئن بها قلوبهم كما جاء في سورة المائدة، الآيتان 112/113: ﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء قَال اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ قَالُواْ نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾. فما وجه المفارقة والمقاربة بين حال السارد وحال الحواريين؟ إنه يصفها قائلا: "تمر العينان الخضراوان بسرعة كالهاربتين، وأنا... أين أنا؟ أفيق ببطء من الخدر الأخضر اللذيذ، وأتماسك شيئا فشيئا، وأعي ما حولي. أهضم كالمعزى، بسرعة ولهفة ونهم، هِبَةَ/هَبَّةَ مرورها المقدس كمائدة نزلت من السماء، لأجترها فيما بعد حين أخلو إلى نفسي". وهكذا تبقى الخضرة رمزا للعطاء والبذل اللذين هما هِبَة وهَبَّة يجمع بينهما الجناس غير التام في تواؤم لفظي بديع، ويجمع بينهما الانتشاء اللذيذ على مائدة الحب المخيف الذي لا يقوى على مجابهته خوفا وارتجافا، بل وتمسكا بذكراه عقب مروره، ليجتره كما تجتر المعزى طعامها الذي خبأته لحال الجوع إذا عَزَّ المرعى، تماما كما أراد الحواريون أن يطعموا من المائدة المنزلة من السماء.
من التوسل بالتراث؛ بدءا برابعة والحلاج، ومرورا بموسى والخضر، ووصولا إلى عيسى والحواريين، يستمد الحب الطاهر الحلولي المخيف سماته وأركانه، فيتزلزل الداخل ويرتج، ويَعْبُرُ إلى الخارج قصائدَ شعرٍ صوفية يتردد السارد، عن قصدٍ، في تحديد هويتها عند حديثه عن حصاد تجربته المتقدمة: "ياه... كم كتبت من قصائد شعر... أقصد صلوات وسطى بين الشعر والعبادة والحب"، وكلها صفات تعبدية تستمد قدسيتها من كونها "وسطى"، في إشارة إلى ما للصلاة الوسطى التي أوصى الله تعالى بالمحافظة عليها في سورة البقرة، الآية 238: ﴿حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ﴾، وتلك قيمة مضافة إلى خصوبة النص من حيث انفتاحه على التراث الصوفي والمرجعية الإسلامية وقصص الأنبياء والصالحين.
كانت القصائد إذن تعبيرا عن حبٍّ وصفَهُ السارد بالطاهر الحلولي والمخيف. لكن ما مصير هذا الحب؟ وهل كان حبا من طرف واحد؟ وهل كانت القصائد الموصوفة بالصلوات الوسطى سفيرا إلى قلب الحبيبة؟ يخبرنا السارد أن ردود الفعل الأولى التي رآها عندما تستلم حبيبتُه رسائلَه/قصائدَه هو الصمت الْمُعبَّر عنه بصيغة النفي التي استعملها في غير موضع للتأكيد على ما يريد التأكيد عليه في مثل هذه المواقف، وحمرة كالرمان في الوجه، وإخفاء للرسالة بين ثنايا الثياب، دون رد في البداية: "أراقبها وهي تستلمها.. لا تتكلم، ولكن وجهها المدور يحمرّ كرمانة.. تخفيها كلصة صغيرة في ثيابها ولا ترد.". فهل نفهم من هذا الوصف الدقيق الموجز للحركة والملامح والتستر أن الحبيبة تريد استطلاع رغبته وما يرمي إليه من محاصرتها بنظراته، ومراسلتها بقصائده قبل أن تتخذ موقفا من هذا الحب؟ أم إن الأمر يتعلق بخوف من هذا الحب، وخجل عبر عنه الأحمر في لون الرمان؟
إن الجواب عن السؤالين المتقدمين يحيلنا على طبيعة حب السارد الشبيه بحب رابعة والحلاج في طهره، وتنزهه عن تجاوز عتبة العشق الحلولي الذي سكنه فأسكنه قصائدَهُ. لكن يبدو أن الحبيبة أدركت طبيعة هذا الحب المخيف فأجفلت، لذا "ردت أخيرا" بـ "خطها الطفولي الأخضر"، وكعادة السارد في المواقف التي يحكمها التناقض بين الداخل والخارج، يعلن عن التردد في قبول وصفٍ ذي وجه واحد، لذا نراه يسارع إلى التساؤل: "هل كتبت بالأخضر؟"، وفي ذلك إحالة على زاوية رؤيته التي اعتبرت حبه للعينين الخضراوين مشروع حب أخضرَ واعد بالوصال والتجاوب الروحي، بل إنه يستبطن باطنَها وخوفَها وترددها من خلال الأحرف التي خطتها في رسالتها الفاصلة إليه فيقول: "خطها الخائف المتردد بحروفه غير المكتملة وسطوره المعوجة وأخطائه الإملائية". فما الذي خطته يمين الحبيبة؟ وماذا كان قرارها؟ وكيف استقبله السارد؟
الجواب يشف عن حبٍّ مفارق، حبٍّ أدرك السارد استحالة التجاوب فيه بينه وبين ذات العينين الخضراوين التي قالت له في رسالتها التي ضاعت منه، ولم يعد يتذكر سوى معناها العام: "(حبك يخيفني... أنا فتات [التاء الأخيرة مطلقة. أطلقت رباط التاء ولم تطلق رباطي] بسيطة... دعني وشأني... لا أريد أن تحبني ولا أن تراسلني)"، فتركها طليقة كالتاء المطلقة (المبسوطة) التي كتبت بها رسالتها، رغم أنها لم تطلق سراحه هو، وتركها في دَعَةٍ حرص على الوقوف عندها بشكله كلمةَ "وَوَدَعْتُهَا"، حتى لا يفهم القارئ منها أنه وَدَّعَهَا، وفي ذلك توظيف للجناس غير التام الذي يوازي حبا غير تام؛ فعشقه عشقٌ أخضر يرقى إلى مراتب الصوفية وسماء الشعر، وردُّها بعيد كل البعد عن سماء الشعر والخضرة الحالمة التي تحملها عيناها، لذا خلق في خياله طيفا آخر لحبيبته، قائلا: "تركت (الفتات) البسيطة حرة كتائها الطليقة، ورفعت محبوبتي الإلهة الخضراء إلى سماء الشعر حيث ما تزال تشع كالزُّهَرة، وتغمز لي كلما حاولت الكتابة كما غمزت لهوميروس في السطور الأولى من الإلياذة".
لا يخفى على الملاحظ كيف وظف السارد، بالإضافة إلى التراث، الجناس غير التام بين كلمة "فتات" المذكورة في النص، وكلمة "الفتاة" المقصودة في المعنى، فكان تلاعبه بالخطإ الإملائي جسر عبور إلى الداخل، إذ التاء الطليقة المطلقة ذكرته بأنه ظل مشدودا و"مربوطا" إلى حبيبته بكل ما تحمله كلمة "مربوط" من معانٍ في العربية الفصحى، وفي العربية العامية التي تعني الوقوع في إسار الحب حَدَّ الذهول عن الذات والنفس، والعجز عن التخلص منه، بل وربطها في الخيال الشعبي بالسحر الذي يقيد المسحور ويستولي على إرادته، وفي هذا التوظيف كما لا يخفى أيضا حضور للتورية بأغراضها البلاغية المعروفة. وبالتالي فالرسالةُ إن وضعت حدا لحب أفلح الشعر في الرقي به إلى المراتب الأعلى، فإن آثارَه ونتائجه كانت مفضِية إلى قفص التعب، وهو عنوان "القصة القصيرة" التي نحن بصدد تفكيك وتحليل المكونات السردية لمشهدها الأول، ومحاولة القبض على بنيته الداخلية. فما طبيعة التعب الذي أفضى إليه قطع حبل الوصال الروحي في المشهد الأول من قصة التعب؟ وهل توسل إليه السارد بأسلوب النهل من التراث، والغوص في الأعماق للوقوف على ضفتي النفس: داخلا، وخارجا لاستكمال ملامح اللوحة السريالية؟ ذلك عينه ديدن السارد في ختام لوحة المشهد الأول من التعب الذي تكرر ذكره ثلاث مرات مقرونا بأحاسيس استمرت "طويلا"، وكان خلالها يغيب: "عن الوعي أحيانا"، وأخرى يراوده إحساس متسلق: "تعبت يداه، فأَطْلَقَ/أَفْلَتَ الحبل مرغما"، وثالثة يستحضر فؤاده قول الله تعالى في سورة الحج، الآية 21: ﴿وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ﴾، فيستعير معاني الآية وبعض كلماتها لوصف حالة تعبه الشديد الذي أعقب رسالة حبيبته "الفاصلة"، فيقول: "أحسني أهوي بين السماء والأرض خفيفا كالريشة آملا أن لا أصل إلى الأرض أبدا... أن تتخطفني الطير أو تحملني أجنحة الملائكة أو تبعثرني الريح أو يبطل قانون الجاذبية أو...".
تلك كانت ملامح الصورة السريالية التي اختلطت فيها مشاعر الداخل المتعَب المؤمِن بالخضرة والطهر والحلول، بمشاعر مرارة رفض الآخر في الخارج، والمفضية إلى التعلق بأهداب الحب، رجاء أن يبقى الفؤاد معلقا بصورة الحب/الوهم التي رسمها الداخل، إلا أنها صورة حالمة لا تدوم، إذ سرعان ما تنتزعه جاذبية الواقع من أحلامه فيفيق "من الغيبوبة".
المشهد الثاني من نص "التعب"
إذا كانت لوحة الحب في المشهد الأول لوحة حبٍّ مفارق، ذي طبيعة صوفية سماوية مرتبطة بأحلام الخضرة قد أفضت في نهاية المطاف إلى تعبٍ إطارُه الوهم، وكان السارد فيها هو الطالب، وحبيبته هي المطلوبة، فإن لوحة الحب في المشهد الثاني ذات طبيعة مغايرة تتأسس على التجاذب الأزلي/الأبدي بين آدم وحواء، تجاذب كر وفر، تنصب فيه حواء الفخاخ، ويسعى آدم إلى النجاة منها، وتأتي الحبيبة فيها طالبة، والسارد مطلوبا، لكن النتيجة تبقى هي الحب/الوهم، ثم الانكفاء على تعب الداخل. ولإضفاء البعد السريالي الأزلي/الأبدي على اللوحة/المشهد، يستعير السارد من قصة يوسف عليه السلام مراودة امرأة العزيز إياه، ودفاعه عن نفسه حين استبقا الباب ووجدا سيدهما لدى الباب، فقال كما يرويه قوله تعالى في سورة يوسف، الآية 26: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي﴾.
هكذا يستهل السارد تبرير موقفه من الحب المغاير قائلا: "هي التي راودتني عن نفسي". لكن هل كان السارد بريئا من حبها؟ الجواب كما يعترف به السارد بأسلوب النفي الذي عودنا إياه هو: "لم أكن أحبها، كنت أحب حبها لي"، وإذن لابد أن يكون حب المرأة له مغايرا لحبه، فهو يحب حبها باعتباره قيمة يمكن أن تجمعه معها، ويأمل أن تبادله الحبَّ نفسه بغير التزامات إضافية، لكنه كان "واهما" كما قال، وسرعان ما تبين: "أنها لم تكن" تحبه، "بل كانت تبحث عن زوج"، وأنها كانت: "ترسم المشاريع، وتفتح الآفاق"، مشجعة إياه على المضي قدما في طريق الزواج قائلة له" "تقدم... أنا وراءك"، ويأبى السارد كعادته أيضا إلا أن يستعمل، إلى جانب أسلوب النفي، الاشتقاقات اللغوية بما تحمله من تورية ناتجة عن تداخل المعنى العربي الفصيح، مع المعنى العامي البليغ بصفته تعبيرا عن الواقع، وذلك في وصف استجابته لعرض المرأة من خلال توظيف فعل تقدم ودمجه بفعل "تـﯖـدم" وما يعنيه في العامية من دهس يفضي إلى الهاوية فيقول: "وكنت أتقدم... أتقدم... أتـﯖـدم. حتى وجدتني على الحافة"، تلك الحافة التي لم يكن يفصله عنها سوى: "دفعة واحدة صغيرة من يدها"، مصرا على وصف اليد باليد: "(الحية الناعمة)"، واضعا هذا الوصف بين قوسين لينبهنا على ما تحمله كلمة "الحية" من تورية وكناية عن "الأفعى" التي كثيرا ما ارتبطت بصورة المرأة في مواقف الحب والسعي إلى الزواج باعتباره فخا تسعى من ورائه إلى امتلاك الرجل والسيطرة عليه، ومن ثَمَّ يواصل السارد وصف حاله، معتمدا بلاغة الاشتقاق اللغوي وما يحمله من توريات وكنايات، لاسيما إذا تعلق الأمر بدمج المعنى الفصيح بالمعنى العامي كما هو واضح في الفرق بين معنيي فعل "عقت" في العامية، و"عُقت" في الفصحى بالمقطع التالي من قول السارد: "كنت سأسقط إلى الأبد كجدي آدم. ولكني عقت... عُقت نفسي في اللحظة الأخيرة، فاعتذرت". وإذن فطبيعة الحب المغايرةُ هنا مطاردةٌ بين الرغبة والرعب، رغبة حواء في الزواج، ورعب آدم منه باعتباره أسرا وسقوطا أبديا، ولا شك في أنها مطاردة متولدة عن فزع حواء من الوحدة، ورعب آدم من الأسر، كما أنها مطاردة تفضي إلى التعب والوهم ما دام معنى الحب عند كل منهما يختلف عن الآخر، وبالتالي فكل من آدم وحواء يعيش وهما ويفتقد معنًى، لذلك فإن اعتذار آدم لا يوقف المطاردة بسهولة، ويظل الكر والفر في المعركة قائما، فحواء: "كانت تبتكر كل يوم حجة للاستمرار"، وآدم في شخص السارد الذي يقول عن نفسه بضمير المتكلم: "وكنت أجهد نفسي كل يوم في ابتكار حجة للتوقف... حتى تعبت"، وحين تحقق خلاصه من المطاردة، لم يتحقق خلاصه من نتائجها، فنسمعه يقول: "فلما تخلصت ولم أكد، سقطت مريضا لعدة أيام كالمضروب بالعصيّ... كذلك الكلب المضروب بالمقارع، والذي تقول شهرزاد إنه كان إنسانا ومسخ".
يستوقفنا في كلام السارد السابق الذي ختم به المشهد الثاني من "لوحة التعب" أمران؛ أولهما انفتاحه على التراث السردي من خلال شهرزاد، وثانيهما مسألة المسخ غير المنفصلة عن فضاء حكي شهرزاد في ألف ليلة وليلة؛ وفي اعتقادي أن هذا التوظيف يخلط أوراق "المطاردة الأزلية/الأبدية" بين آدم وحواء من جديد، ليضعنا السارد، كعادته، أمام دورة حلزونية جديدة تقتضي فتح نافذة على الداخل، داخلِ الرجل والمرأة، الذكر والأنثى؛ فشهرزاد/حواء كسرت شوكة شهريار/آدم المتغطرس بذكوريته، ولما كان شهريار يطارد النساء ويسعى إلى قتلهن بعد قضاء وطره منهن، همُّه من المرأة إشباع رغبة جنسية لا غير، بعيدا عن كل أشكال الارتباط، فإن شهرزاد بذكائها استطاعت أن تكسر عدوانيته بأن ابتكرت كل ليلة "حجة للاستمرار" في الحكي، تماما كحال حبيبة السارد، وكان شهريار يخضع لسلطان حكيها مسكونا برغبة الاكتشاف... ولئن استطاع السارد "الخلاص بعد جهد" من مداورات ومناورات حبيبته باعتباره مطلوبا لا طالبا، فإن الآية انعكست بالنسبة لشهريار الوجه الآخر لداخل الذكورة، مع شهرزاد الوجه الآخر للأنوثة، فصار شهريار طالبا، وشهرزاد مطلوبة ومرغوبا في مداورتها، وبذلك تختلط أوراق المطاردة باختلاط الأزمنة، بدءا من زمن انتصار حواء على آدم الذي وقع في فخها، مرورا بزمن سقوط شهريار في فخ شهرزاد التي ارتبطت به زوجا وأبا، وصولا إلى زمن السارد الذي تخلص بجهد مُتْعِبٍ من الفخ الذي سقط فيه جده آدم وصنوه شهريار، لكنه مع ذلك سقط في فخ "التعب"، ليصبح ككلب شهرزاد الممسوخ، والمسخ هنا مفتاح الدائرة الحلزونية التي لم يشأ السارد أن يجعلها دائرة منغلقة على استسلام آدم/شهريار لحواء/شهرزاد، وذلك وجه عميق ومتميز من وجوه الإبداع في مجموعة "نافذة على الداخل"، حيث تختلط الأوراق والألوان والأزمنة، لتشكل في النهاية مشاهد متعددة للوحة يغلب عليها الطابع السريالي.
المشهد الثالث من نص "التعب"
التعب كان نتيجة مداورةٍ ومحاورة بين الحب في شكله المفارق الصوفي الحلولي المخيف، وبين الحب في بعده المغاير المناور في شكل الصراع الأزلي/الأبدي بين الذكورة والأنوثة. وكلا التمظهرين للحب المفارق والمغاير معا أفضيا إلى أن الحب وهم، أو هو على الأقل ذو معنًى غامض يصعب القبض عليه حين يرتبط فيه الداخل السيكولوجي بالخارج السوسيولوجي. غير أن للتعب وجها آخر لا يتعلق بالصراع الأزلي/الأبدي بين الذكورة والأنوثة، بل يتعداه إلى التعب المرتبط بالقيم، بالوطن، بالمؤسسات، بالمعيش اليومي. فهل يختلف هذا التعب في معانيه ونتائجه عن معاني ونتائج التعب الأخرى؟ وهل يجد السارد في هذا التعب راحة بدل التعب!؟ ذلك ما يجسده في اعتقادي المشهد الثالث والأخير من "لوحة التعب" في مجموعة "نافذة على الداخل".
ينفتح المشهد الثالث على خنفساء تتماهى مع شخصية سيزيف في شقائهما الدائم، الخنفساء تسقط في الحفرة كلما بلغت أعلاها، وسيزيف يعيد حمل الصخرة إلى أعلى كلما سقطت. يتكرر السقوط، ويتكرر الصعود في سيرورة لا تنقطع. غير أن الفرق بين الخنفساء وسيزيف تكمن في كون الخنفساء تعيد الصعود إلى أعلى بإرادتها كي تخرج من حفرتها/مأزقها، بينما عمل سيزيف كان عقابا من الآلهة وتنفيذا لحكمها. ذلك ما نستشفه من خلال دعوة السارد إيانا لتأمل مشهدها قائلا: "هل رأيت قط خنفساء تحاول أن تخرج من حفرة؟ ترتفع قليلا على حائط الحفرة ثم تسقط، وتحاول الصعود مرة أخرى... قد تصل إلى الحافة نفسها ثم تسقط... وتحاول مرة أخرى... وأخرى... وأخرى".
إن ما يميز الفقرة السابقة هو بلاغة التكرار، حيث يتكرر فعل تحاول ثلاث مرات، وذكر الحفرة مرتين، وفعل تسقط مرتين، أما كلمة أخرى التي تعني التكرار في حد ذاتها فقد وردت في الفقرة أعلاه أربع مرات. هكذا يضعنا السارد في إسار دائرة مغلقة حتى نكاد نشعر بالتعب في قراءتها، وبالتالي يضعنا وجها لوجه مع الشعور بالتعب والملل واللاجدوى، بل باللامعنى والعبثية إن صح هذا التوصيف. فما الغاية الوظيفية لتحسيس القارئ بالتعب وعبثية التكرار في البناء الدرامي للمشهد الثالث من "لوحة التعب"؟ ببساطة، يتعلق الأمر بتشبيه الساردِ حالَه بحال "الخنفساء" وهي تتعب جاهدة للخروج من "حفرتها". غير أن السارد تعددت "حُفَرُهُ"، أو فلنقل العوائق التي حالت بينه وبين الخلاص. يقول واصفا حاله: "كذلك كنت أحسُّ وأنا أحاول الخروج من الأطر التي انتسبت إليها... من خلية الحزب ومكتب الجمعية وعضوية الحلقة الأدبية والدائرة العائلية ومسقط الرأس". وإذن فالحفر المعيقة للخلاص، المفضية إلى التعب، بعد الحب الذي تقدم في المشهدين الأولين، هي: السياسة، والصداقة، والكتابة كما ذكرها في خواتم "لوحة التعب"، إنها الحفر التي لا يفتأ يسقط فيها كلما بلغ حافتها: "وكثيرا ما وصلت إلى الحافة، ثم سقطت إلى القاع" و "كلما خرجت من هوة سقطت في هوة أخرى" كما يقول. فما الذي جعل محاولات النهوض بعد السقوط في الحفر تتكرر؟
يأتي الجواب عن السؤال المتقدم في شكل أسئلة يطرحها السارد على نفسه وكأنه استشعر عبثية عمله أمام ضرورة إعادة محاولة النهوض إذا أراد الاستمرار في الحياة، أو أراد لحياته أن يكون لها معنى على وجه التحديد: "عمَّ كنت أبحث كالمجنون؟ ربما عن المعنى. أي معنى؟ لا أدري". هكذا يسائل السارد نفسه محتملا السبب دون الجزم به كما هي عادته ما دام موزعا بين الداخل والخارج، إلا أن مساءلته لنفسه تندرج في سياق محاولة أخرى تنسجم مع عنوان المجموعة القصصية "نافذة على الداخل"، وبتعبير آخر إنه يفتح نافذة يحاول من خلالها الإطلالة على داخله المعذَّب والموزع، وبالتالي لابد أن يكون التردد وعدم الحسم في الجواب منطقيا، ما دام الأمر متعلقا بداخل منفعل ومتفاعل مع خارج مستفز لا يكاد يحمل معنى واضحا، وعند هذه النقطة بالذات تجد سريالية "لوحة التعب" بمشاهدها كلِّها مشروعيتها في الكتابة والسرد، بل ذلك عينُه مبررُ السارد الذي جعل "الوهم"، أو توهيم النفس، عبر التساؤل دائما، بوجود معنى ما لما يربطه وغيره من الناس بالحياة، فيقول: "ماذا يسمون ذلك الشيء الذي يجعلك تثق بالناس وتصدقهم؟ الشيء الذي يحفزك على العمل كي تتقدم، والبحث كي تكتشف، وعلى القراءة كي تعرف، وعلى الكتابة كي تكون". وإذن فالبحث الدؤوب والإصرار على تكرار محاولة النهوض مرتبطة أشد الارتباط بكسب الثقة بالناس (الصداقة)، وبالسعي نحو التقدم والاكتشاف والمعرفة وتحقيق الكينونة عبر الكتابة. كل هذه العناصر يختزلها السارد في جملة استعارية، بليغة ومعبرة، تجعل الغايات المتقدمة بمثابة "السكَّر" الذي يضفي على الحياة حلاوة ومعنى، فيقول بصيغة السؤال المقرون بالجواب: "ماذا يسمون السكّر الذي تحركه بالملعقة في كأس حياتك قبل أن ترتشفها منتشيا على مهل؟ أنا أسميه المعنى. وإنما عنه كنت أبحث في الحب والسياسة والصداقة والكتابة والـ... وعدت من الغنيمة في آخر العمر بالتعب". هكذا تكتمل عناصر لوحة التعب الذي هو جزء من الحياة، بل هو الحياة نفسها، وبالتالي فمن يرفض التعب فإنه يرفض الحياة، ولئن كان أبو العلاء المعري قد تنبه من قبل إلى هذه الحقيقة، وعجب ممن يرغبون في مزيد من الحياة، فإن السارد المتمرد، وإن وافقه على أن الحياة كلها تعب، يأبى إلا أن يعلن تمسكه بها وإن اقتضى الأمر مزيدا من التعب: "هل ذلك ما عناه الشاعر بقوله: (تعب كلها الحياة)؟ ومع ذلك فإني أرغب في الازدياد... من التعب؟ فليكن. من التعب".
هكذا تكتمل مشاهد "لوحة التعب" ببعدها السريالي الذي أطل على الخارج من الداخل، وأطل على الداخل من الخارج ليخلط الأوراق والأزمنة عبر كشف معنى الحياة/الوهم/التعب في الحب والسياسة والصداقة والكتابة، المعنى الذي ظل البحث عنه حاضرا باستمرار مهما اختلفت الأزمنة والاختيارات. ولأجل ذلك جاءت لوحة التعب مرصَّعة بحضور مُمَيز للتراث الذي أصبح جزءا منها، فحضر الحلاج إلى جانب رابعة العدوية، وجدار الغلام اليتيم الذي أقامه الخضر زمن نبي الله موسى عليه السلام، ومائدة الحواريين زمن نبي الله عيسى عليه السلام، وانكتبت القصائد كصلاة وسطى بين الشعر والعبادة والحب، واستُحضِرَت قصة مراودة امرأة العزيز لنبي الله يوسف عليه السلام، وحضر آدم وتحت عباءته حواء، وحضرت شهرزاد وتحت عباءتها شهريار، وحضر أبو العلاء بنظرته لتعب الحياة، ومع ذلك حضر اللون الأخضر إلى جانب حمرة الرمان. فكان التناص مع التراث، كما كانت الألوان، شاهدا على اختلاط الأوراق وتداخل الأزمنة، ونافذة على داخل الإنسان عبر العصور منذ نشأة الخليقة إن صح التعبير.
1 مشاركة منتدى
مقاربة تحليلية لنص التعب, زهرة يبرم/ الجزائر | 13 نيسان (أبريل) 2014 - 18:59 1
الدكتور محمد علي حيدر المحترم
تحية إبداع
مررت بهذه المقاربة التحليلية الجميلة..
وليس شرطا أن يعلق على مقالاتنا أو نصوصنا لنتأكد من جودة ما كتبنا، وعود الند لا تنشر إلا الجيد.
علينا أن نكتب ونكتب وننشر وهذا هو المهم. علينا أن نزرع حقول الأزهار، والأزهار لا تشكر من يتأملها أو يشمها.
أشهد أن مقاربتك التحليلية لنص التعب جيدة ورائعة، وتجد طريقها إلى القارئ بيسر.
تقبل خالص احترامي وتقديري لشخصك الكريم.
زهرة يبرم.
1. مقاربة تحليلية لنص التعب, 14 نيسان (أبريل) 2014, 11:01, ::::: محمد علي حيدر المغرب
إلى المبدعة زهرة يبرم التي طالما أمتعتنا بنصوصها الجميلة، وخيالها المبدع، وبدت لي في كتاباتها كالنحلة الحوامة التي تنتقي من الزهور أجملها منظرا، وأطـعمها رحيقا... وقد أثارني في تعليقك بصـفة خاصـة قولك: "علينا أن نزرع حقول الأزهار، والأزهار لا تشكر من يتأملها أو يشمها"، وهو وحده تعليق يدل على الهم الذي يحمله كل مبدع بين جوانحه حين يعانق الكلمة، ويمتشق القلم... أشكر لك مرورك الطيب الذي كان له بالغ الأثر في نفسي، ودمت مبدعة متألقة...