عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

الصفحة الأخيرة: عدلي الهواري

الذكاء الصناعي والصور


عدلي الهواري 2018الحديث عن عجائب الذكاء الصناعي لا يتوقف. كنت قد تحدثت عن تجريبي تشات جي بي تي افتتاحية سابقة، ولم أجد الانبهار به مبررا. وفي الآونة الأخيرة، قررت تجريب الذكاء الصناعي مع الصور، فهو في هذا السياق محاط بالحديث عن عجائب لا تقل عما ورد في الأحاديث عن تشات جي بي تي.

بعض الصور التي نلتقطها بكاميرا شخصية، أو تلك التي تصلنا من الأصدقاء، يكون فيها جزء إذا غاب من الصورة تصبح الصورة أفضل. وقد كان الحديث في السنوات العديدة الماضية يركز على برنامج الصور الشهير فوتوشوب، وإمكانية استخدامه في تحسين الصور، إلى درجة التلاعب مثلا بهيكل الجسم لكي يبدو رشيقا.

لم بجذبني استخدام فوتوشوب يوما. أستعمل في العادة برنامجا مجانيا لتحرير الصور يفي بالأغراض البسيطة، مثل قص جزء من الأطراف، أو تصغير أبعاد الصورة، أو تغيير خلفيتها. ونظرا لهذا الاهتمام البسيط بالصور، والحديث عن عجائب الذكاء الصناعي، قررت أن أخوض التجربة.

أبدأ بنتيجة التجربة فأقول إنها لم تأت بنتائج مُرضية، وكانت مضيعة للوقت. وللمتهم بمعرفة المسار الطويل للوصول إلى هذا الاستنتاج، إليك التفاصيل.

أول العقبات ستكون حاسوبك المتنقل أو المكتبي. من المؤكد أن أغلبية مستخدمي الحاسوب الشخصي لا يمتلكون جهازا فيه المواصفات المطلوبة كحد أدنى لاستعمال برنامج ذكاء صناعي خاص بالصور، مثل حجم الذاكرة العشوائية (رام + في رام)، وما يسمى غرافيكس كارد، وهو قطعة في الحاسوب خاصة بالأمور المتعلقة بالفيديوهات وما شابه ذلك، كالألعاب الإلكترونية.

إذا تجاوزنا الخطوة الأولى المتعلقة بتوفر المكونات اللازمة في الحاسوب، تتمثل العقبة الثانية في البرامج التي تحتاجها لاستخدام برنامج ذكاء صناعي. ستكون بحاجة إلى تحميل وتثبيت مجموعة من البرمجيات قبل أن يمكنك تحميل وتثبيت برنامج الذكاء الصناعي.

عندما تصل خطوة تحميل برنامج ذكاء صناعي مجاني (ستيبل ديفيوجن*)، من شبه المؤكد أنك ستواجه عقبات عدم توافق بين البرامج الأساسية التي ثبتها وستيبل دفيوجن. لذا من المرجح أن تقضي بضع ساعات وأنت تحل مشكلات عدم التوافق بين المكونات المختلفة.

إذا تجاوزت عقبات الخطوات السابقة، سيمكنك بدء تجريب "عجائب" الذكاء الصناعي. للتأكد من أن البرنامج يعمل بشكل سليم، يقترح أحد المواقع أن تطلب رسم صورة قطّة. وقد فعلت، وبعد بضع دقائق أعطاني البرنامج رسمة لقطّة. والحقيقة أن الحصول على صورة لقطّة أسرع بكثير لو استخدمت محرك بحث غوغل أو غيره. لكن هنا طلب رسم القطة كان اختبارا لعمل البرنامج كما ينبغي له.

أجريت تجارب على تعديل صور وكانت النتائج غير مرضية. صور الأشخاص بعد محاولة تحسينها تنتج لك صورا لا تشبه ملامحها شخصية الإنسان في الصورة الأصلية. في كل الحالات كانت الصورة الأصلية أفضل.

بعد مشاهدة مجموعة من الفيديوهات على يوتيوب للتعرف بشكل أفضل على وسائل تعديل الصور بشكل يزيد من رونقها، تبين أن هناك حزما خاصة بذلك. وهنا تنشأ عقبتان على الأقل، الأولى حدوث عدم توافق بين الحزم البرمجية، والثانية الحجم الضخم للحزم المختلفة، فحتى لو كانت خدمة الإنترنت لديك سريعة، ولا توجد قيود على حجم ما يمكنك تحميله يوميا، فهذا يعني اضطرارك لانتظار تحميل ملفات حجمها غيغابايت، فأكثر. فإذا حمّلت العديد من هذه الحزم، سوف تتلاشى مساحة التخزين في حاسوبك بسرعة.

أما بالنسبة لنتائج بعض التجارب التي أجريتها، فقد كان أهمها اختلاف الملامح بين الصورة الأصلية وتلك التي أنتجها الذكاء الصناعي، فالأنف والفم والعيون من المحتمل أن يختفي الشبه بينها وبين الأصلي منها. في تجربة أخرى كان يوجد عدم توافق بين الرأس والجسم، فالرأس كبير والجسم صغير. ومن المحتمل أيضا أن يكون في اليد الواحدة أكثر من خمسة أصابع.

في كل الحالات، أنت تكبس على خيار توليد صورة جديدة بعد تحديد ما تريد. ولا تفعل شيئا سوى انتهاء البرنامج من مهمته، وقد يطول انتظارك، وسوف تلاحظ أن مروحة الحاسوب تشتغل بعنفوان قليلا ما تلاحظ مثله أثناء استخدام الحاسوب لأغراضك اليومية المتكررة.

وبعد الانتظار سوف تشعر بخيبة عدم الحصول على نتيجة تشبه ما كنت تريد أو تتخيل. وخلاصة التجربة كانت أن الاستمتاع أثناء استخدام الذكاء الصناعي كان معدوما، بخلاف الحال عند استعمال برنامج تحرير صور عادي حيث المستخدم هو الذي يقوم بالخطوات ليحصل على نتيجة مطابقة لما أراد وتخيل.

أما من ناحية الوقت للحصول على نتيجة، فلو فرضنا أن الذكاء الصناعي ينتج لك الصورة التي تريد، من المؤكد أنك ستجد ما تريد خلال أقل من دقيقة باستخدام محرك بحث، وبالتالي لا حاجة لكل ما أتيت على ذكره أعلاه لكي تحصل على صورة.

أعتقد أن الأحاديث الكثيرة عن عجائب الذكاء الصناعي عامة، أو ما يتعلق بجانب معين كالصور أو الموسيقى، مبالغ فيها كثيرا. أنت لا تحتاج إلى ركوب سيارة إذا كانت المسافة إلى مقصدك قصيرة. لا تستحق الصور التي يولدها الذكاء الصناعي شراء حاسوب بمواصفات خاصة، وتثبيت برمجيات تحتاج إلى خبرة في التعامل معها، والجلوس أمام الحاسوب في انتظار إنتاج صورة لن تناك إعجابك أو رضاك. لا تجعل أحاديث المنبهرين بالذكاء الصناعي تؤثر عليك. تمسك بالذكاء الطبيعي.

= = =

* Stable Diffusion

D 1 حزيران (يونيو) 2024     A عدلي الهواري: بحوث ومقالات وقصص     C 0 تعليقات