عــــــود الـــنـــــــد

مـجـلـة ثـقـافـيـة فـصـلـيـة رقـمـيـة

ISSN 1756-4212

الناشر: د. عـدلـي الـهــواري

 

رفيق العقون - الجزائر

حماية الطفل من الإهمال


حماية الطفل من الإهمال المعنوي في القوانين الجزائرية

رفيق العقونرتب المشرع الجزائري في قانون الأسرة مجموعة من الواجبات، فالبند الثالث من المادة 36 يوجب على الزوجين التعاون على مصلحة الأسرة ورعاية الأولاد وحسن تربيتهم.

وبناء على ذلك، فإن الإساءة إلى الأولاد جريمة يعاقب عليها وفق قانون العقوبات ضمن صياغة معقدة ومحتوى مكثف لمعانٍ متضاربة احتوتها الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات.

ولعل التعقيد الذي تتميز به صيغة هذه المادة أن أساس أو مجال إساءة الآباء إلى أبنائهم واسع ولا يخضع إلى حدود ولا يلزم بأية قيود. وفي أحيان كثيرة يصعب تحديد المعالم بين ما يدخل في حقوق الأبوين في تأديب أولادهم، وبين ما يعتبر إساءة للأبناء ويخضع للعقاب.

لتفادي الوقوع في هاوية الخلط بين ما يعتبر تأديبا وما يعتبر إساءة من أحد الوالدين المباشرين، حصر المشرع معنى الإهمال والإساءة للأولاد في إطار الخطر الجسيم الذي يضر إما بصحتهم أوأمنهم أو أخلاقهم.

وحتى حق التأديب مقيد بالغاية التي شرع من أجلها، وهي إصلاح الصغير وتعليمه وتهذيبه، فإن تجاوز مستعمل الحق بفعله هذه الغاية إلى غاية أخرى خرج فعله من دائرة الإباحة ودخل دائرة التجريم، مثل ضرب الأب ابنه لحمله على التسول والسرقة، واستحق الأب بالتالي العقاب والجزاء[1].

وعلى هذا الأساس ارتأينا فك عقدة التشابك ووضع هذه الجريمة بإبراز أركانها في إطارها الملائم، فنتناول أركان الجريمة ووسائل ارتكابها، وأخيرا إجراءات المتابعة والجزاء أو العقاب المسلط على فاعلها .

أولا: الركن المادي للجريمة

تنص الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات على أن: «أحد الوالدين الذي يعرض صحة أولاده أو واحدا أو أكثر منهم أو يعرض أمنهم أو خلقهم لخطر جسيم بأن يسيء معاملتهم أو يكون مثلا سيئا للاعتياد على السكر أو سوء السلوك، أو بأن يهمل رعايتهم، أو لا يقوم بالإشراف الضروري عليهم، وذلك سواء كان قد قضى بإسقاط سلطته الأبوية عليهم أو لم يقض بإسقاطها».

الابن البيولوجي والابن المكفول

بالنظر إلى أن الفقرة الثالثة تذكر عبارة أحد الوالدين، فان التساؤل الذي يطرح نفسه يتعلق بوضعية الطفل المكفول، وهل هو مشمول بهذا النص أم لا، خاصة أمام غموض وغياب الممارسة القضائية في هذا الأمر. هذا الغموض لم يمنع بعض شراح القانون من إبداء وجهة نظرهم فالأستاذ بوسقيعة انصرف إلى أن معنى المادة لا يخص فئة الطفل المكفول[2].

وفي المقابل، نصت المادة 116 من قانون الأسرة[3] على أن: «الكفالة التزام على وجه التبرع بالقيام بولد قاصر من نفقة وتربية ورعاية قيام الأب بابنه وتتم بعقد شرعي».

هناك من يرى أنه ما دامت الكفالة تعهد باستقبال الطفل الحدث، بنشأته وتربيته ووضعه في نفس ظروف الطفل الشرعي، يفهم من ذلك أنه يمكن حماية المكفول بنص المادة 330 من قانون العقوبات لتمتعه بنفس المركز القانوني للولد الشرعي[4]، خصوصا أن المبدأ السادس من إعلان حقوق الطفل[5] أوجب على المجتمع والسلطات العامة تقديم عناية خاصة للأطفال المحرومين من الأسرة، وأضاف في المبدأ التاسع وجوب تمتع الطفل بالحماية من جميع صور الإهمال والقسوة.

وسائل التعريض للخطر الجسيم

إذا كانت القاعدة العامة أن مواضيع قانون العقوبات تنحصر عادة وأساسا في تحديد الوقائع والأفعال المجرمة، وفي تكييف الوصف القانوني الملائم لها، وفي بيان درجة العقاب المناسب لها، دون التعرض إلى وسائل ارتكاب الجريمة أو دوافعها إلا عندما يتطلب الأمر بيان ظرف من ظروف التشديد أو التخفيف أو الأعذار[6]، فإن الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات خرجت جزئيا عن هذه القاعدة بتطرقها لوسائل ارتكاب هذه الجريمة، ويمكن تصنيفها إلى نوعين من الأعمال:

= = أعمال ذات طابع مادي: تتمثل في المعاملة السيئة للابن بالإفراط في ضربه وتعذيبه أو تجويعه أو إهمال علاجه دون مبرر شرعي مما قد يعرض صحته للخطر أو الضرر.

= = أعمال ذات طابع أدبي: كأن يكون الأب أو الأم مثلا سيئا للولد أو الأولاد بالاعتياد على السكر أو الانحلال الخلقي والفجور وسوء السلوك، مما قد يعرض أخلاق الأولاد للضرر والخطر الجسيم والتخلي الكامل عن الواجبات القانونية نحوهم، مما قد يضر بأمنهم واستقرارهم النفسي مع تكرار هذه الأعمال، كما يتبين ذلك من عبارة الاعتياد على السكر.

النتائج الجسيمة المترتبة على الإهمال

يجب أن يعرض سلوك الأب أو الأم صحة أولادهم وأمنهم أو خلقهم لخطر جسيم، وهذه النتائج الجسيمة تكفي لوحدها لقيام جريمة سواء أدت إلى إسقاط السلطة الأبوة على الوالدين أم لا، ولقاضي الموضوع كامل السلطة في تقدير الخطر الجسيم.

الركن المعنوي للجريمة

اعتمادا على القواعد العامة في قانون العقوبات[7] التي تحصر هذا الركن في عنصرين أساسيين، أولهما اتجاه إرادة الجاني نحو ارتكاب الجريمة، وثانيهما العلم بتوافر أركان الجريمة التي يتطلبها القانون[8]، وأمام عدم توضيحه في الفقرة الثالثة من المادة 330 في قانون العقوبات، يمكن استخلاص الركن المعنوي في وجوب أن يكون إقدام الوالدين على هذا الفعل مصحوبا بتوافر عنصري العلم والإرادة.

المتابعة

أورد القانون بعض القيود على حرية النيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في بعض الجرائم وأوجب بشأنها تقديم شكوى من المجني عليه، خصوصا بعض الجرائم التي تتميز بخاصية أنها تقع على الأسرة، وهذا نظرا لاعتبارات متعلقة بحماية الأسرة والمحافظة على سمعة أفرادها[9].

إلا أن جنحة إهمال الأولاد لا تخضع لأي قيد في المتابعة، وهذا ما تعكسه اعتبارات المصلحة الفضلى للطفل المنصوص عليها في المادة الثالثة من الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل[10]. ومن حيث الاختصاص تختص المحكمة التي يوجد فيها موطن الوالد حيث ارتكبت الجريمة[11].

الجزاء

إذا توفرت جميع الشروط أو العناصر المكونة لجريمة الإساءة إلى الأولاد، التي سبق ذكرها، فإن الجريمة تكون متكاملة العناصر والأركان وموجبة للعقاب، وينتج عنها معاقبة الجاني حسب قانون العقوبات[12]، بعقوبة الحبس من شهرين إلى سنة، وبغرامة من 25.000 إلى 100.000 دينار جزائري. وإذا لم يتوفر عنصر واحد أو أكثر، فإن الجريمة لا تكون قد تولدت، ولا يمكن بالتالي تطبيق أحكام قانون العقوبات الجزائري.

وفي الأخير يظهر جليا مدى مسايرة الفقرة الثالثة من المادة 330 من قانون العقوبات لمختلف أحكام الاتفاقيات والإعلانات التي تعنى بحقوق الطفل، إذ خصها المشرع بتمييز واضح وصريح، لا سيما في مجال المتابعة بعدم جعل الشكوى كقيد لها، وعدم اشتراط أية مدة لاستكمال شروطها، مما يظهر أن صحة الأولاد وأمنهم وأخلاقهم محمية قانونا ومن أولويات المشرع الجزائري.

= = = = =

الهوامش

[1] أحمد شوقي أبو خطوة، جرائم الاعتداء على الأشخاص، دار النهضة العربية، القاهرة، دون ذكر الطبعة، 1993، ص:158.

[2] أنظر: أحسن بوسقيعة، الوجيز في القانون الجزائي الخاص، ج 01، دار هومة، ط 10، 2009، ص: 157.

[3] القانون رقم: 84-11 المؤرخ في: 09/06/1984، والمتضمن قانون الأسرة المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 12/06/1984، العدد: 24.

[4] Ghaouti ben melha, le droit algérien de la famille, office des publications universitaires, 1993, p: 271.

[5] إعلان حقوق الطفل المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ: 20/11/1959.

[6] عبد العزيز سعد، الجرائم الواقعة على نظام الأسرة، الديوان الوطني للأشغال التربوية، الجزائر، ط02، 2002، ص: 21.

[7] الأمر رقم: 66-156 المؤرخ في: 08/06/1966، والمتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 11/06/1966، العدد: 49.

[8] رضا فرج، شرح قانون العقوبات الجزائري القسم العام، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، ط 02، 1976، ص: 407.

[9] محمد حزيط، مذكرات في قانون الإجراءات الجزائية الجزائري، دار هومه، الجزائر، ط 01، 2006، ص: 12.

[10] الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل المعتمدة بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ: 20/11/1989 والتي صادقت عليها الجزائر سنة 1992 بموجب المرسوم الرئاسي رقم: 92/461 المؤرخ في: 19/12/1992، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 23/12/1992، العدد: 91.

[11] أحسن بوسقيعة، المرجع السابق، ص: 159.

[12] راجع نص المادة 330/03 من الأمر رقم: 66-156 المؤرخ في: 08/06/1966، والمتضمن قانون العقوبات المعدل والمتمم، المنشور بالجريدة الرسمية، الصادرة في: 11/06/1966، العدد: 49.

D 26 شباط (فبراير) 2015     A رفيق العقون     C 0 تعليقات